مفهوم الردة بين السلف والخلف.

 
 
 
 

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
فإن مِن البلايا التي عمّت في هذا الزمان، ومِن الفِتن التي ظهرت، كلامُ من هبّ ودبّ في دين الله عزوجل.
- قال في {جامع بيان العلم وفضله| 2410}: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، ثنا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّدَفِيُّ، قَالَ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ " أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ وَارْتَاعَ لِبُكَائِهِ فَقَالَ لَهُ: أَمُصِيبَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ رَبِيعَةُ: «وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَا هُنَا أَحَقُّ بِالسَّجْنِ مِنَ السُّرَّاق».
 
وإن مِن أمارات الشر في هذا الزمان اتخاذ الجهلة رؤوسا في العلم.
 
← أخرج البخاري في (باب كيف يقبض العلم| 100)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". قَالَ الْفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ.
 
← قال الطبراني: ﺣَﺪَّﺛَﻨَﺎ ﺃَﺑُﻮ ﺧَﻠِﻴﻔَﺔَ اﻟْﻔَﻀْﻞُ ﺑْﻦُ اﻟْﺤُﺒَﺎﺏِ، ﺛﻨﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪُ ﺑْﻦُ ﻛَﺜِﻴﺮٍ، ﻋَﻦْ ﺷُﻌْﺒَﺔَ، ﻋَﻦْ ﺃَﺑِﻲ ﺇِﺳْﺤَﺎﻕَ، ﻋَﻦْ ﺯَﻳْﺪِ ﺑْﻦِ ﻭَﻫْﺐٍ، ﻋَﻦْ ﻋَﺒْﺪِ اﻟﻠﻪِ، ﻗَﺎﻝَ: «ﻟَﻦْ ﻳَﺰَاﻝَ اﻟﻨَّﺎﺱُ ﺑِﺨَﻴْﺮٍ ﻣَﺎ ﺃَﺗَﺎﻫُﻢُ اﻟْﻌِﻠْﻢُ ﻣِﻦْ ﻗِﺒَﻞِ ﺃَﻛَﺎﺑِﺮِﻫِﻢْ، ﻭَﺫَﻭِﻱ ﺃَﺳْﻼَﻓِﻬِﻢْ، ﻓَﺈِﺫَا ﺃَﺗَﺎﻫُﻢْ ﻣِﻦْ ﻗِﺒَﻞِ ﺃَﺻَﺎﻏِﺮِﻫِﻢْ ﻫَﻠَﻜُﻮا» ﻫَﻜَﺬَا ﺭَﻭَاﻩُ ﺷُﻌْﺒَﺔُ، ﻋَﻦْ ﺃَﺑِﻲ ﺇِﺳْﺤَﺎﻕَ، ﻋَﻦْ ﺯَﻳْﺪِ ﺑْﻦِ ﻭَﻫْﺐٍ.{المعجم الكبير| 8591}.
 
← وقال اللالكائي: ﺃَﺧْﺒَﺮَﻧَﺎ ﻋُﺒَﻴْﺪُ اﻟﻠَّﻪِ ﺑْﻦُ ﻣُﺤَﻤَّﺪِ ﺑْﻦِ ﺃَﺣْﻤَﺪَ، ﺛﻨﺎ ﺃَﺣْﻤَﺪُ ﺑْﻦُ ﻣُﺤَﻤَّﺪِ ﺑْﻦِ اﻟﺼَّﺒَّﺎﺡِ اﻟْﻬَﺮَﻭِﻱُّ، ﻗَﺎﻝَ: ﺳَﻤِﻌْﺖُ ﺃَﺑَﺎ ﺣَﺎﻣِﺪٍ ﻗَﺎﻝَ: ﺳَﻤِﻌْﺖُ ﺇِﺑْﺮَاﻫِﻴﻢَ اﻟْﺤَﺮْﺑِﻲَّ ﻳَﻘُﻮﻝُ ﻓِﻲ ﻗَﻮْﻟِﻪِ: «ﻻَ ﻳَﺰَاﻟُﻮﻥَ ﺑِﺨَﻴْﺮٍ ﻣَﺎ ﺃَﺗَﺎﻫُﻢُ اﻟْﻌِﻠْﻢُ ﻣِﻦْ ﻗِﺒَﻞِ ﻛُﺒَﺮَاﺋِﻬِﻢْ» ﻣَﻌْﻨَﺎﻩُ ﺃَﻥَّ اﻟﺼَّﻐِﻴﺮَ ﺇِﺫَا ﺃَﺧَﺬَ ﺑِﻘَﻮْﻝِ ﺭَﺳُﻮﻝِ اﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﻭَاﻟﺼَّﺤَﺎﺑَﺔِ ﻭَاﻟﺘَّﺎﺑِﻌِﻴﻦَ ﻓَﻬُﻮَ ﻛَﺒِﻴﺮٌ , ﻭَاﻟﺸَّﻴْﺦُ اﻟْﻜَﺒِﻴﺮُ ﺇِﻥْ ﺃَﺧَﺬَ ﺑِﻘَﻮْﻝِ ﺃَﺑِﻲ ﺣَﻨِﻴﻔَﺔَ ﻭَﺗَﺮَﻙَ اﻟﺴُّﻨَﻦَ ﻓَﻬُﻮَ ﺻَﻐِﻴﺮٌ "{شرح الأصول| 103}.
 
انظر قول إبراهيم -رحمه الله- (والتابعين) وسيأتي معنا أن المخالفين أخذوا بقول "أبي جيفة" في صورة معينة.
 
وأدخل في المقصود إن شاء الله، فقد خرج علينا فئام من الناس يزعمون أنهم الأعلم بأقوال السلف، وكيف يتأولون كلامهم، وكيف يوجهونه.
وذلك لما ذكرنا لهم مخالفتهم للسلف في طوائف الزندقة ممن ينتسبون للإسلام، كالجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم، حيث إن السلف متظافرون على تسميتهم (مرتدين)، ولم يَزَل ذلك اسمهم ووصفهم عند السلف حتى انقضت القرون المفضلة، وانتشرت الأقوال المخالفة للسلف أكثر مما كانت عليه في الأصول والفروع، وبعض هؤلاء الجهلة لما نقلوا له أقوال السلف قال صارخا بجهله "لا تُلزمونا بغير الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ولا نلتزم بأقوال التابعين وأتباعهم".
 
فظهر ولله الحمد عوار مذهبهم، فإننا لا نقدم فَهم التابعين على الصحابة أو نعتبر قول الواحد منهم حجة، ولكن نحن نبتغي من هم أعلم منا بأقوال الصحابة -رضي الله عنهم-، وطالب العلم يطلبه من علم الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم ممن اقتفى آثارهم.
 
← ﻗَﺎﻝَ ﺃَﺑُﻮ ﺣﺎﺗﻢٍ اﻟﺮَّاﺯِﻱّ: اﻟْﻌِﻠْﻢُ ﻋِﻨْﺪَﻧَﺎ ﻣَﺎ ﻛَﺎﻥَ ﻋَﻦْ اﻟﻠَّﻪِ ﺗَﻌَﺎﻟَﻰ ﻣِﻦْ ﻛِﺘَﺎﺏٍ ﻧَﺎﻃِﻖٍ ﻧَﺎﺳِﺦٍ ﻏَﻴْﺮِ ﻣَﻨْﺴُﻮﺥٍ، ﻭَﻣَﺎ ﺻَﺤَّﺖْ ﺑِﻪِ اﻷَْﺧْﺒَﺎﺭُ ﻋَﻦْ ﺭَﺳُﻮﻝِ اﻟﻠَّﻪِ - ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ - ﻣِﻤَّﺎ ﻻَ ﻣُﻌَﺎﺭِﺽَ ﻟَﻪُ، ﻭَﻣَﺎ ﺟَﺎءَ ﻋَﻦْ اﻷَْﻟِﺒَّﺎءِ ﻣِﻦْ اﻟﺼَّﺤَﺎﺑَﺔِ ﻣَﺎ اﺗَّﻔَﻘُﻮا ﻋَﻠَﻴْﻪِ، ﻓَﺈِﺫَا اﺧْﺘَﻠَﻔُﻮا ﻟَﻢْ ﻳُﺨْﺮِﺝْ ﻣِﻦْ اﺧْﺘِﻼَﻓِﻬِﻢْ، ﻓَﺈِﺫَا ﺧَﻔِﻲَ ﺫَﻟِﻚَ ﻭَﻟَﻢْ ﻳُﻔْﻬَﻢْ ﻓَﻌَﻦْ اﻟﺘَّﺎﺑِﻌِﻴﻦَ، ﻓَﺈِﺫَا ﻟَﻢْ ﻳُﻮﺟَﺪْ ﻋَﻦْ اﻟﺘَّﺎﺑِﻌِﻴﻦَ ﻓَﻌَﻦْ ﺃَﺋِﻤَّﺔِ اﻟْﻬُﺪَﻯ ﻣِﻦْ ﺃَﺗْﺒَﺎﻋِﻬِﻢْ، ﻣِﺜْﻞِ ﺃَﻳُّﻮﺏَ اﻟﺴِّﺨْﺘِﻴَﺎﻧِﻲُّ ﻭَﺣَﻤَّﺎﺩِ ﺑْﻦِ ﺯَﻳْﺪٍ ﻭَﺣَﻤَّﺎﺩِ ﺑْﻦِ ﺳَﻠَﻤَﺔَ ﻭَﺳُﻔْﻴَﺎﻥَ ﻭَﻣَﺎﻟِﻚٍ ﻭَاﻷَْﻭْﺯَاﻋِﻲِّ ﻭَاﻟْﺤَﺴَﻦِ ﺑْﻦِ ﺻَﺎﻟِﺢٍ، ﺛُﻢَّ ﻣَﺎ ﻟَﻢْ ﻳُﻮﺟَﺪْ ﻋَﻦْ ﺃَﻣْﺜَﺎﻟِﻬِﻢْ ﻓَﻌَﻦْ ﻣِﺜْﻞِ ﻋَﺒْﺪِ اﻟﺮَّﺣْﻤَﻦِ ﺑْﻦِ ﻣَﻬْﺪِﻱٍّ ﻭَﻋَﺒْﺪِ اﻟﻠَّﻪِ ﺑْﻦِ اﻟْﻤُﺒَﺎﺭَﻙِ ﻭَﻋَﺒْﺪِ اﻟﻠَّﻪِ ﺑْﻦِ ﺇﺩْﺭِﻳﺲَ ﻭَﻳَﺤْﻴَﻰ ﺑْﻦِ ﺁﺩَﻡَ ﻭَاﺑْﻦِ ﻋُﻴَﻴْﻨَﺔَ ﻭَﻭَﻛِﻴﻊِ ﺑْﻦِ اﻟْﺠَﺮَّاﺡِ، ﻭَﻣَﻦْ ﺑَﻌْﺪَﻫُﻢْ ﻣُﺤَﻤَّﺪِ ﺑْﻦِ ﺇﺩْﺭِﻳﺲَ اﻟﺸَّﺎﻓِﻌِﻲِّ ﻭَﻳَﺰِﻳﺪَ ﺑْﻦِ ﻫَﺎﺭُﻭﻥَ ﻭَاﻟْﺤُﻤَﻴْﺪِﻱِّ ﻭَﺃَﺣْﻤَﺪَ ﺑْﻦِ ﺣَﻨْﺒَﻞٍ ﻭَﺇِﺳْﺤَﺎﻕَ ﺑْﻦِ ﺇﺑْﺮَاﻫِﻴﻢَ اﻟْﺤَﻨْﻈَﻠِﻲِّ ﻭَﺃَﺑِﻲ ﻋُﺒَﻴْﺪٍ اﻟْﻘَﺎﺳِﻢُ ﺑْﻦِ ﺳَﻼَّﻡٍ. {إعلام الموقعين | 2/175}.
 
وهذا أصل عظيم ينبني على تقريره هذه المسألة، فإن تناسل المرتدين لم يحدث إلا بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم-، وبطبيعة الحال فأول جيل سيكون في عصر التابعين، فوجب المصير إلى ما قرره التابعون وأتباعهم.
 
وإن أقوال السلف مشتهرة في الحكم بردة هذه الطوائف، ننقل بعضها هنا إن شاء الله:
 
← قال طلحة بن مصرف -رحمه الله- (من التابعين): «الرافضة لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم لأنهم أهل ردة».{الشرح والإبانة لابن بطة}.
 
← قال اللالكائيّ: ﻧﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻴﻤﻮﻥ اﻟﻨﻬﺮﺳﺎﺑﺴﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺨﻄﻴﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ...، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺪﻭﺭﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﻮﻧﺲ ﻳﻘﻮﻝ: "ﺇﻧﺎ ﻻ ﻧﺄﻛﻞ ﺫﺑﻴﺤﺔ ﺭﺟﻞ ﺭاﻓﻀﻲ، ﻓﺈﻧﻪ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺮﺗﺪ".{شرح الأصول | 2817}.
 
وهذا عام في كل رافضي، وأحمد بن يونس -رحمه الله- من أتباع التابعين، أي بعد خروج الرافضة الذين حرقهم علي بنحو جيلين.
 
← قال عبدالله: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺫﻛﺮ ﺣﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺒﺰاﺭ ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﻤﺮﻭ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻴﻞ ﻟﻮﻛﻴﻊ ﻓﻲ ﺫﺑﺎﺋﺢ اﻟﺠﻬﻤﻴﺔ، ﻗﺎﻝ: «ﻻ ﺗﺆﻛﻞ ﻫﻢ ﻣﺮﺗﺪﻭﻥ»{ السنة | 38}.
 
← وقال ابن بطة: ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﻧﺎ اﻟﻤﺮﻭﺫﻱ، ﻗﺎﻝ: ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻤﻲ ﻳﻤﻮﺕ ﻭﻟﻪ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻭاﺭﺙ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻻ ﻳﺮﺙ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻜﺎﻓﺮ». ﻗﻠﺖ: ﻓﻼ ﻳﺮﺛﻪ؟ ﻗﺎﻝ:. ﻗﻠﺖ: ﻓﻤﺎ ﻳﺼﻨﻊ ﺑﻤﺎﻟﻪ؟ ﻗﺎﻝ: « ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎﻝ، ﻧﺤﻦ ﻧﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺎﻝ اﻟﻤﺮﺗﺪ ﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺎﻝ».{الإبانة الكبرى |314}.
 
”والجهمية بدعهم مكفرة تعلم بالفطرة والنص، منها نفي علو الله -عز وجل- على خلقه وأنه في السماء، ومنها نفيهم صفات الله -عز وجل- الملازمة لذات الربوبية، وإمامهم الجهم بن صفوان توفي في(180هـ) ولم يزل أهل العلم بعد جيله يسمون الجهمية بالمرتدين والزنادقة والمشركين“
 
- أما ما نقله صاحب المغني عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه يعتبر أن أبناء المرتدين لهم حكم الكفار الأصليين.
 
فهذا لم يصح عندنا، ولا توجد رواية لهذا بالسند عنه -رحمه الله-، بل الثابت عنه عكس هذا، وليس كل ما زعم رجل منتسب لمذهب "أحمد" أن هذا قول أحمد في المسألة يُصدَّق في زعمه، وقد زعم أشخاص منتسبون له أن في تكفير من لم يكفر الكافر روايتان، وزعم "ابن تيمية" الجهمي أن أحمد -رحمه الله- لم يكن يكفر أعيان الجهمية، و"ابن قدامة" عُرف ببدعة "التفويض"، وكذلك نزاعه في خلود أصحاب البدع الكفرية في النار كما نقل عنه في ذيل طبقات الحنابلة.
 
* فكيف يُقبل نقله هذا ولم يُسنده؟!
 
• وأكتفي بهذه النقولات ففيها كفاية لطالب الحق إن شاء الله، وتوجد نقولات أخرى عن الإمام أحمد وغيره كتلميذه ابن هانئ، وغيرهما.
وذلك أن المخالف لا يرد هذه الأقوال، بل يثبتها ويتأولها على غير حقيقتها، فكان ردهم لما احتج عليهم بعض الإخوة بهذه الآثار أن قالوا: ذاك زمان السلف، كان التوحيد ظاهرا والأصل أن من كان في دار الإسلام فهو مسلم فإن أتى بناقض فيحكم بردته، وهذا وجه حكم السلف على هذه الطوائف بالردة.
 
أقول مستعينا بالله؛ هذا القول باطل من عدة أوجه:
 
1)- أن السلف تكلموا في حكم الرافضة والجهمية وغيرهم كطائفة وكأعيان، فالكلام عن الطائفة والحكم عليها يتناول أول خروجها حتى وقتهم، وهذا ظاهر بين في قولهم (أهل ردة) أو (مرتدون)، ثم إن الموطن موطن بيان حكم فوجب المصير للتفصيل، ولو كان الأمر كما زعموا لقالوا: وإن نشأ على ذلك فهو (كافر أصلي) كما وجدنا تفصيلات السلف في أقل من هذا كحكم استتابة المرتد والتفريق بين أن يكون ولد على الإسلام أو انتقل من الكفر إلى الإسلام ثم رجع عنه وغيرها من المسائل.
 
2)- لا شك أنه كان في زمان السلف أهل كتاب يعيشون في دار الإسلام.
 
* فهل تقولون بأن اليهودي والنصراني وقتها مرتد لأنك قد تثبت له الإسلام بتبعيته للدار ثم تحكم عليه بالردة بعدما يتبين لك كفره؟!
 
هذا ما يقتضيه قياسكم الفاسد.
 
* وهل الآن في عصرنا هذا إذا حكمنا بإسلام رجل أظهر لنا التوحيد ثم تبين لنا أنه قائم على ناقض من صغره، فهل يكون حكمنا عليه بالكفر الأصلي لأننا كنا قد أثبتنا له الإسلام؟!
 
فاتقوا الله عباد الله واتركوا التكلف والتعمق فإن هذا كله منهي عنه.
 
3)- أن السلف -رحمهم الله- قد تكلموا في أعيان معروفين بزندقتهم لم يدخلوا الإسلام يوما ومع ذلك حكموا بردتهم، وخذ مثالا على ذلك "بشر المريسي" -لعنه الله-.
 
← قال عبدالله: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ شَبَابَةَ بْنَ سَوَّارٍ، يَقُولُ: « اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْي أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ قَاسِمٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيسِيَّ كَافِرٌ جَاحِدٌ نَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ».{السنة| 57}.
 
قلت: لا عَجَب! فقد يخرج علينا من يكفر السّلف ويبدعهم لأنهم حكموا بردة المريسي -لعنه الله- ولم يحكموا بكفره الأصلي، لأنهم قالوا: يُستتاب، فإن الاستتابة لا تكون لكافر أصلي، وبِشر -لعنه الله- انتقل من اليهودية إلى التجهم ولم يشمّ رائحة الإسلام قَطّ، ومن زعم أنه قد دخل في الإسلام يوما واحدا فهو أحد رجلين:
 
أ/- جاهل بحاله.
 
ب/- أو جاهل بالتوحيد يحكم بإسلام الزنادقة.
 
← ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ اﻟﻨﻀﺮ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ: «ﻛﺎﻥ ﻭاﻟﺪ ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ ﻗﺼﺎﺑﺎ ﺻﺒﺎﻏﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻳﻘﺔ ﻧﺼﺮ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ».{ميزان الاعتدال |1/322}.
 
← ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﺮﻭﺯﻱ: «ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺫﻛﺮ ﺑﺸﺮا ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻩ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ».{ميزان الاعتدال |1/323}.
 
- ﻭﺃﺧﺮﺝ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﺑﺴﻨﺪﻩ ﻋﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻟﺆﻟﺆ ﻗﺎﻝ: «ﻣﺮﺭﺕ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺈﺫا ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﺘﻤﻌﻮﻥ، ﻓﻤﺮ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻓﺄﻧﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮﻝ: ﻻ ﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺃﻓﺴﺪ ﺃﺑﻮﻩ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﻮﺭاﺓ! ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ».{ تاريخ بغداد| 7/61 }.
 
فهذا بشر المريسي كان معروفا بكفره حتى عند اليهود.
 
* فكيف يقال إن كفره وأمثاله كان خفيا في دار الإسلام؟!
 
← ﺃﺧﺮﺝ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﺑﺴﻨﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻠﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺠﻠﻲ، ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻲ ﻗﺎﻝ: «ﺭﺃﻳﺖ ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ -ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ- ﻣﺮﺓ ﻭاﺣﺪﺓ ﺷﻴﺨﺎ ﻗﺼﻴﺮا ﺩﻣﻴﻢ اﻟﻤﻨﻈﺮ، ﻭﺳﺦ اﻟﺜﻴﺎﺕ، ﻭاﻓﺮ اﻟﺸﻌﺮ، ﺃﺷﺒﻪ ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻩ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ ﺻﺒﺎﻏﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ اﻟﻤﺮاﺿﻊ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺮﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻓﺎسقا».{تاريخ بغداد |7/61}.
 
← وقال عبدالله: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، سَمِعْتُ وَكِيعًا، يَقُولُ: «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كُلُّ صَاحِبِ هَوًى يَعْرِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْرِفُ مَنْ يَعْبُدُ إِلَّا الْجَهْمِيَّةُ لَا يَدْرُونَ مَنْ يَعْبُدُونَ. بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَأَصْحَابُهُ».{السنة| 37}.
 
* قلت: فهل المريسي الذي لا يعرف من يعبد ثبت لهم عقد الإسلام يوما؟!
 
4)- ثم إنه لا يخفى على أحد نظر في كتب أهل العلم كيف كانت ظهور الزندقة والبدع الكفرية وكان الناس يعلنون بها على المنابر، ويصلون بالناس الجمع والجماعات.
 
← قال البربهاري -رحمه الله- وهو يتكلم عن ظهور البدع الكفرية في زمانه ومن قبل: «ﻓﺼﺎﺭﺕ اﻟﺴﻨﺔ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﻣﻜﺘﻮﻣﻴﻦ، ﻭﻇﻬﺮﺕ اﻟﺒﺪﻋﺔ ﻭﻓﺸﺖ، ﻭﻛﻔﺮﻭا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺷﺘﻰ، ﻭﻭﺿﻌﻮا اﻟﻘﻴﺎﺱ، ﻭﺣﻤﻠﻮا ﻗﺪﺭﺓ اﻟﺮﺏ ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﻭﻧﻬﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ، ﻓﻤﺎ ﻭاﻓﻖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻗﺒﻠﻮﻩ ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺭﺩﻭﻩ، ﻓﺼﺎﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻏﺮﻳﺒﺎ، ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ، ﻭﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻏﺮﺑﺎء ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ».
 
-> وقال أيضا: « ﻓﺪاﻣﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﻤﺪﺓ، ﻭﻭﺟﺪﻭا ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻭﺿﻌﻮا اﻟﺴﻴﻒ ﻭاﻟﺴﻮﻁ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ، ﻓﺪﺭﺱ ﻋﻠﻢ اﻟﺴﻨﺔ ﻭاﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺃﻭﻫﻨﻮﻫﻤﺎ ﻭﺻﺎﺭﺗﺎ ﻣﻜﺘﻮﻣﻴﻦ؛ ﻹﻇﻬﺎﺭ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻜﺜﺮﺗﻬﻢ، ﻭاﺗﺨﺬﻭا اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ، ﻭﺃﻇﻬﺮﻭا ﺭﺃﻳﻬﻢ، ﻭﻭﺿﻌﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺘﺐ، ﻭﺃﻃﻤﻌﻮا اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻃﻠﺒﻮا ﻟﻬﻢ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻨﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻋﺼﻢ اﻟﻠﻪ».{شرح السنة للبربهاري}.
 
* فكيف يقال إن بدعهم لم تكن ظاهرة؟
 
”ولو سلمنا بهذا الكلام فقد قلنا أن السلف تكلموا عن الطوائف بالعموم وبينوا ردتها ولم يكن كلامهم فقط عن أعيان يكتمون بدعهم؛ وفي قصة يعقوب القمي -رحمه الله- ما يبين بطلان ما زعموه، أن الرافضة وغيرهم لم تكن لهم شوكة ليظهروا كفرهم، ويعقوب القمي هو أبو الحسن، توفي في (180 من هجرة النبي ﷺ)، كان قد ولد بقم، وهي بلدة أغلبها روافض، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻧﻌﻴﻢ: ﻛﺎﻥ ﺟﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺇﺫا ﺭﺁﻩ ﻗﺎﻝ: ﻫﺬا ﻣﺆﻣﻦ ﺁﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ، ﻳﻌﻨﻲ ﻟﻜﺜﺮﺓ اﻟﺮاﻓﻀﺔ ﺑﻘﻢ.{تاريخ الإسلام |4/767}“
 
أنهم لا يقبلون منهم الشهادة ليكفوا عن قتلهم، فتناقضوا، قالوا (نعاملهم كما عامل النبي ﷺ كفار قريش).
 
* فهل كان النبي ﷺ يقبل من كفار قريش الشهادة أم لا؟!
 
* وهل كان يكفُّ عنهم أثناء القتال إذا تلفظوا بها أم لا؟!
 
- قد يقول قائل منهم: لكن كفار قريش علموا معنى الشهادة وهؤلاء جهلوا معناها.
 
فنقول؛ حتى لو علموا هؤلاء معنى الشهادة وأرادوا الدخول في الإسلام فالقدر المجزئ في ذلك هو الشهادة والتبرأ من الكفر الذي كانوا عليه ومن أقوامهم، بعكس الكافر الأصلي.
 
← جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق التي رواها الكوسج (3477): ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ اﻹﺳﻼﻡ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻳﻘﺮ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻳﺮﺛﻪ ﻭاﺭﺛﺔ اﻹﺳﻼﻡ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻭﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻏﻴﺮ ﻫﺬا؟! ﻫﺆﻻء ﻓﻲ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻫﻜﺬا، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻌﺠﺐ. ﺃﻱ ﻻ ﻳﻮاﻓﻘﻮﻥ. يقصد أتباع أبي حنيفة.
 
وهذا مذهب أهل الحديث -رحمهم الله-، أن الكافر الأصلي يحصل دخوله للإسلام بالشهادة، والإتيان بلفظ البراءة مستحب وليس شرطا، وقد أنكر الإمام أحمد على أبي حنيفة -ملأ الله قبره نارا- واشتد نكيره عليه لما زعم أن اليهودي أو النصراني لا بد أن يقرن البراءة من الكفر بالشهادة ليتم إسلامه، ومن أراد أن يقرأ أقوال أبي عبدالله في الباب فليراجع أحكام أهل الملل للخلال، ولم أنقلها هنا لئلا أطيل.
 
- أما القول بأن اليهود يتلفظون بالشهادة والقياس على ذلك فخطأ، لأنهم يقولونها مِن باب الإخبار وليس أنهم يشهدون شهادة تقتضي العمل.
 
← قال الخلال: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻠﻤﻲ اﻟﻨﺠﺎﺭ ﺑﻄﺮﻃﻮﺱ، ﺃﻧﻬﻢ ﺳﺄﻟﻮا ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ ﻧﺼﺮاﻧﻲ، ﺃﻭ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺪ ﺃﺳﻠﻢ.
ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ: ﻗﺎﻝ ﺫاﻙ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﺑﻄﺮﻃﻮﺱ. ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ ﺷﻴﺒﻮﻳﻪ: ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻗﺪ ﺃﺳﻠﻢ، ﻭﻗﺎﻝ ﻏﻴﺮﻩ: ﻻ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻝ: ﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴﺔ، ﻭﺗﺮﻛﺖ ﺩﻳﻨﻲ.
ﻓﻘﺎﻝ: ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ! ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻟﺮﺟﻞ: ﻗﻞ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻧﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺳﻠﻢ ﺑﺬاﻙ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻛﻞ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺭﺃﻱ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺩﻏﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ.
 
-> ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻭﻫﻮ ﺑﺮﻱء ﻣﻦ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺇﻻ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﻠﻤﺎ.
 
← ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ﺇﺫا ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﺫا ﺟﺎء ﻳﺮﻳﺪ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﺃﺟﺒﺮﻩ.
 
-> ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺭﻭﻥ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺷﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺩﻓﻊ ﺇﻟﻲ ﻓﻮﺯاﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺳﺄﻟﺘﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺮﺩ اﻹﺳﻼﻡ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﺟﺎء ﻟﻴﺴﻠﻢ، ﻓﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺻﻠﻰ، ﻓﺄﻱ ﺇﺳﻼﻡ ﺃﺗﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا؟ ﺃﻟﻴﺲ ﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: "ﺃﻣﺮﺕ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺗﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻟﻮا: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﺫا ﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻣﻨﻌﻮا ﻣﻨﻲ ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"؟. {أحكام أهل الملل والردة| 836 -838- 837}.
 
فانظر قوله إذا أراد الإسلام، أي إذا تلفظ بها شهادةً وليس إخباراً.
 
تنبيه: قد تجد أن بعض أهل العلم (كإسحاق بن راهويه) يذكر البراءة من الكفر في اليهودي والنصراني؛ نقول: هذا مستحب وليس بشرط في صحة الإسلام، وما قاله ابن المنذر أن في المسألة خلاف، فإن ابن المنذر يحكي الخلاف إذا كان واقعا ولو لم يكن معتبرا، فالخلاف هنا واقع وليس معتبرا، وهو خلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي.
 
وأرجع وأقول الكافر الأصلي تلفظه بالبراءة مع الشهادة هذا مستحب وليس شرطا، وقد مر معنا قول الإمام أحمد -رحمه الله-.
 
- وليس لهؤلاء القوم سلف إلا الحنفية (في اشتراط البراءة للكافر الأصلي)، وبعضهم لا يجد ما ينقل في هذا الباب عن السلف، فتجده ينقل عن أئمة الكفر كالنووي وعياض والخطابي وابن حجر وغيرهم من الأشاعرة الجهمية، أو الكاساني من الحنفية، ولم يدر المسكين أن هذه المسألة مما اختلف فيها أهل الحق من أهل الحديث مع أهل الرأي، وبعضهم تجده يتبجح باتباع الآثار والسنن، فإذا جاء لهذه المسألة لم يجد قولا واحدا عن السلف ينصر مذهبه، فيطفق ينقل أقوال المتأخرين كأبي بطين وحمد بن معمر والصنعاني.
 
وهنا يجب أن أبين أمرا لئلا يتهمنا بعض الناس بأننا شعائرية، إن اليهودي والنصراني يحصل دخوله للإسلام بالشهادة بأحد أمرين:
 
1/- أن يقرأ كتاب الله -عز وجل- والآيات التي فيها كفر أهل الكتاب، وفيها بيان دين الحق دين الإسلام، ولا يحرف له أحد تفسير هذه الآيات، فإذا قرأ القرآن فنطق بالشهادة يريد الدخول للإسلام فنحكم بإسلامه.
 
← قال الله تعالى﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُلْ لَا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون﴾{اﻷنعام | 19}.
 
← أَخَرَجَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (7165)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَوْلَهُ: وَمَنْ بَلَغَ قال: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ: وَمَنْ بلغ أإنكم لتشهدون. وَفِي حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ زِيَادَةٌ: فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَهُ.
 
فالذي قرأ القرآن واستجاب فهو من المسلمين، والقرآن أعظم داعية.
 
- وبعض الزنادقة قد يجعل قوله حجة أبلغ من القرآن والسنة، فتجده يحكم بالإسلام للكتابي إذا كان هو الداعية، بينما لا يحكم بالإسلام لكن كان داعيته القرآن فقرأه واستجاب لنداء الله.
 
2/- أن يكون هذا الكتابي قد عرض عليه الإسلام موحد وشرحه له، كما كان حال الملوك وغيرهم لما كان يشرح لهم الإسلام النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، فهذا أيضا يحصل دخوله للإسلام بالنطق بالشهادة مع العمل بمقتضاها.
 
أما إذا كان نطقه للشهادة بعدما دعاه المداخلة أو الأشاعرة وغيرهم من الزنادقة فلا نحكم بإسلامه، وهو على دين من تولاهم.
 
 
- وكذلك من تناقضاتهم -أغلبهم- أنهم يكفرون من يأخذ الجزية من المشركين المنتسبين للإسلام ويقرهم على دينه، وفي المسألة خلاف بين السلف (أعني أخذ الجزية من أصناف الكفار الأصليين)، وإن كان الراجح أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقد ﺫﻫﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﻭاﻷﻭﺯاﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﻔﺎﺭ.
 
* فهل يسعكم أن تجعلوا مسألة إقرار هذه الأقوام على دينها وأخذ الجزية منها خلافية كما وسع السلف الخلاف في أخذ الجزية من أصناف الكفار الأصليين؟
 
والخلاف ليس صوريا أو في الذهن فقط كما قد يتوهم بعضهم، فمنهم من بدعنا ومنهم من كفرنا من أجل هذا، وهذا والله تبديع وتكفير بمحض السنة والاتباع، فليحذر من يكفر بهذا فإنه للكفر منه أقرب للإيمان.
 
ولبيان أن الخلاف حقيقي، وأن المخالف قد وقع في اضطراب فخلط بين أحكام الكفار الأصليين والمرتدين، نذكر ما ذكره صاحب الأحكام السلطانية (ص97_98)، قال: ﻭلدار اﻟﺮﺩﺓ ﺣﻜﻢ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺩاﺭ اﻟﺤﺮﺏ (أي دار الكفر الأصلي)، ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭﺟﻪ:
 
- ﺃﺣﺪﻫﺎ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺩﻧﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﺩﻋﺔ ﻓﻲ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺩﻥ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.
- ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺼﺎﻟﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻝ ﻳﻘﺮﻭﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺩﺗﻬﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺼﺎﻟﺢ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.
- ﻭاﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﺳﺘﺮﻗﺎﻗﻬﻢ ﻭﻻ ﺳﺒﻲ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮﻕ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ ﻭﺗﺴﺒﻰ ﻧﺴﺎﺅﻫﻢ.
- ﻭاﻟﺮاﺑﻊ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻐﺎﻧﻤﻮﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ، ﻭﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﻏﻨﻤﻮﻩ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.
 
ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭﺟﻪ:
 
- ﺃﺣﺪﻫﺎ: ﻭﺟﻮﺏ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻣﻘﺒﻠﻴﻦ ﻭﻣﺪﺑﺮﻳﻦ ﻛﺎﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ.
- ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺇﻣﺎﺋﻬﻢ ﺃﺳﺮﻯ ﻭﻣﻤﺘﻨﻌﻴﻦ.
- ﻭاﻟﺜﺎﻟﺚ : ﺗﺼﻴﺮ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﻴﺌﺎ ﻟﻜﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
- ﻭاﻟﺮاﺑﻊ : ﺑﻄﻼﻥ ﻣﻨﺎﻛﺤﺘﻬﻢ ﺑﻤﻀﻲ اﻟﻌﺪﺓ ﻭﺇﻥ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺩﺓ.
 
تنبيه: حذفت ترضيه عن "أبي جيفة" ونقله لكلامه.
 
وهذا التقسيم موافق لأصول الشرع وما دل عليه الكتاب والسنة وتعامل الصحابة -رضي الله عنهم- مع المرتدين، إلا ما ذكره أنه لا يجوز سبي المرتدين، وقد فعله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-.
 
”والمخالف في هذا قد تناقض ولا ريب، إذ أن اسم الكافر الأصلي يتبعه أحكام تختلف عن الأحكام التي تتبع اسم المرتد، ولا يصح تنزيل حكم واحد من أحكام المرتد على الكافر الأصلي، والولد يتبعه والديه في الحكم، فإذا كانا نصارى فهو نصراني، وإذا كان يهودا فهو يهودي، وإذا كانا من جملة المرتدين فهو من جملة المرتدين، غير أنه يضرب ويؤدب ولا يقتل إلا بعد البلوغ“
 
أما من يقول القول بأن هؤلاء الأقوام (أهل ردة) فعليه أن يعتقد أنهم زناة وأن أبناءهم أبناء زنا، فهذا قول جاهل لا يفرق بين الزنا ونكاح الشبهة، فمن قال ذلك فهو في غاية الجهل والضلالة والمشاقة لله ورسوله.
 
-> فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما.
 
-> واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين ومن استحله كان كافرا تجب استتابته.
 
-> وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطئها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين. ومثل هذا كثير.
 
فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر؛ بل الولد للفراش كما قال النبي ﷺ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ".
 
-> فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق: إما لجهله. وإما لفتوى مفت مخطئ قلده الزوج. وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق؛ بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها؛ فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش.
 
-> ومن نكح امرأة (نكاحا فاسدا) متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو وطئها يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة، فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثان باتفاق المسلمين. والولد أيضا يكون حرا؛ وإن كانت الموطوءة مملوكة للغير في نفس الأمر ووطئت بدون إذن سيدها؛ لكن لما كان الواطئ مغرورا بها زوج بها وقيل: هي حرة أو بيعت فاشتراها يعتقدها ملكا للبائع؛ فإنما وطئ من يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة: فولده منها حر؛ لاعتقاده، وإن كان اعتقاده مخطئا وبهذا قضى الخلفاء الراشدون واتفق عليه أئمة المسلمين.
 
فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق؛ لإفتاء من أفتاهم أو لغير ذلك: كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا؛ بل يتوارثون باتفاق المسلمين.
 
* هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده؟
 
- وإن كان القول الذي وطئ به قولا ضعيفا: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود؛ فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب.
 
* فكيف بنكاح مختلف فيه وقد ظهرت حجة القول بصحته بالكتاب والسنة والقياس وظهر ضعف القول الذي يناقضه وعجز أهله عن نصرته بعد البحث التام؛ لانتفاء الحجة الشرعية؟
 
- فمن قال إن هذا النكاح أو مثله يكون فيه الولد ولد زنا [لا] يتوارثان هو وأبوه الوطء مخالف لإجماع المسلمين، منسلخ من رتبة الدين فإن كان جاهلا عرف وبين له أن رسول الله ﷺ وخلفاءه الراشدين وسائر أئمة الدين ألحقوا أولاد أهل الجاهلية بآبائهم وإن كانت محرمة بالإجماع؛ ولم يشترطوا في لحوق النسب أن يكون النكاح جائزا في شرع المسلمين. فإن أصر على مشاقة الرسول ﷺ من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
 
- فقد ظهر أن من أنكر الفتيا بأنه لا يقع الطلاق وادعى الإجماع على وقوعه وقال إن الولد ولد زنا: هو المخالف لإجماع المسلمين مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله رب العالمين وإن المفتي بذلك أو القاضي بذلك فعل ما لا يسوغ له بإجماع المسلمين، وليس لأحد المنع من الفتيا بقوله ولا القضاء بذلك ولا الحكم بالمنع من ذلك باتفاق المسلمين والأحكام باطلة بإجماع المسلمين مستفاد.
 
فهذا معتقدنا وهذه أدلته، وليتق الله أناس يقضي أحدهم يومه منبطحا نائما على بطنه، ثم يفيق فيرد أقوال السلف أو يتأولها على غير وجهها، أو يزعم أنه عرف من الحق فيها ما خفي على كثير من الناس، فاتق الله يا عبد الله، واعلم أن التبديع شديد (كما قال أحمد بن حنبل) والتكفير أشد منه، فلا ينبغي لرجل أن يتقدم بين السلف، ويزعم أنه علم ما جهلوه.
 
”وكذلك ليحذر أناس أرادوا أن يلبسوا التوحيد لَبوس العلمانية، ووالله قد فعلوها، فطفقوا يردون أحاديث النبي ﷺ، وآثار السلف بحجة أنها لا تصلح لهذا الزمان، والله المستعان“
 
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم -والله تعالى أعلم-.
 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 
 
تحميل
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *