تنبيه هام بشأن كلام الإمام "ابن بطة" في معنى الفطرة وبيان موضع الخطأ في كلامه -رحمه الله- وعدم دلالته على ما ذهب له الغلاة من المخاصمين الخائضين في "مسألة الولدان".

 
 
 

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
1/- ما جاء من اختلاف في ألفاظ النصوص والآثار بشأن توصيف ما يندرج في "فطرة الولدان" مما أودعه الله فيهم من آثار العهد والميثاق من أصل معرفته ووحدانيته وكونهم على الحنيفية والملة وكونهم على "فطرة الإسلام".
 
أقول؛ ما جاء من هذه الأوصاف بألفاظها المختلفة يدل أن كل هذه الأوصاف والأسماء (من اختلاف التنوع لا التضاد فلا تعارض بينها ولا اختلاف لكونها معان وأوصاف متداخلة يفسر بعضها بعضا ويدل بعضها على بعض) والقاعدة في نصوص وآثار وصف ما فطر الله عليه "الولدان" كالقاعدة التي ذكرها ابن عيينة وغيره -رحمهم الله- في نصوص وآثار التفسير التي هي من قبيل اختلاف التنوع لا التضاد والأوجه التفسيرية التي لا يعارض بعضها بعضا.

2)- لا شك بأن صريح مجموع النصوص والآثار قد دلت بأن "أولاد المشركين" يثبت لهم ما يلي:
 
أ/- قبل تمييزهم وقبل إعراب أحدهم عن نفسه بلسانه نثبت أنهم على فطرة الإسلام وعلى الملة وعلى الحنيفية كما جاء في "مسلم" وغيره، وكذلك على أصل معرفة الله وبقية وأثر العهد والميثاق.
 
> أخرج مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، الْآيَةَ.
 
ب/- ومع ما تقدم لا يجوز أن نصف أحدهم (بوصف الإسلام هكذا مطلقا الذي تثبت له أحكامه في المعاملة) لعدم ورود ذلك بل نقتصر بوصفهم بأنهم على فطرة الإسلام والحنيفية والملة وأصل معرفة الله وبقية وأثر العهد والميثاق.
 
ج/- ولا يجوز أن نستمع ونصغي لمن قال بأن تلك الأوصاف السابقة موجبة للحكم لهم (بوصف الإسلام مطلقا والذي تثبت لهم به أحكام المسلمين) فهذا قول بالرأي وإلزام ما لا يلزم وقد أمرنا بالوقوف مع النصوص والآثار وعدم تجاوزها، وليس في هذا تناقض ولله الحمد.

• وعلى ذلك فلا وجه لقول الإمام "ابن بطة" -رحمه الله- في تصويب قوله بشأن معنى الفطرة، كما جاء في الإبانة الكبرى [ج1 ص718] (ولم يعن بالفطرة الإسلام وشرائعه وسننه وفرائضه) لأن قولنا بأنهم على فطرة الإسلام والحنيفية والملة ومعرفة الله وأثر العهد والميثاق لا نعني به ما قاله فلم يقل بذلك أحد من أهل السنة، مع التنبيه بأنه قال ذلك -رحمه الله- في معرض رده على تأويل وتفسير "القدرية" -قبحهم الله-.


د/- يلحقون بآبائهم في أحكام الدنيا ولذلك يسبون ويسترقون وهذه المعاملة لهم محل اتفاق بين الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- ولا سيما في منهاجهم العملي التطبيقي.
 
هـ/- وإذا سباه أهل الإسلام وكان تحت ولاية بعض المسلمين ثبت له حكم الإسلام والآثار في ذلك مشهورة معروفة.

3/- حقيقة قول الإمام "ابن بطة" -رحمه الله- يتلخص في أمرين:
 
- أولا: مجموع كلام الإمام لمن اطلع على كامل ما ذكره بشأن المسألة يدل أنه يثبت أن هذا المولود قبل تمييزه وإعرابه يمتلك في فطرته بقية وأثر الميثاق ويثبت معرفته لربه وإقراره بالربوبية، فابن بطة بذلك قد وافق (النصوص والآثار التي خالفها لفظا) في حقيقة المعنى فخلافه لفظي لا حقيقي، لأنه قال (ص 718): «فأخذ عليهم العهد والميثاق بأنه ربهم فأقروا له بذلك...».
 
- والإشكال الذي طرأ عليه -رحمه الله-  هو ما فهمه من أن إثباته للفظ الإسلام والحنيفية والملة في معنى الفطرة يلزم منه ثبوت (وصف الإسلام مطلقا والذي تثبت معه أحكام المسلم كاملة لهذا المولود) فلجأ لتفسيره بابتداء خلقتهم.
 
وهذا جزء من المعنى الصحيح ولكن قصر، واختزال توصيف معنى "الفطرة" بذلك مخالف لمجموع دلالة النصوص والآثار (مع التذكير بأنه متفق في حقيقة المعنى مع دلالة النصوص والآثار).
 
- ثم رتب على ذلك أن ألزم مخالفيه بوجوب معاملة المولود معاملة المسلمين من كل وجه!، وكأن ذلك يلزمهم لا محالة وقال بأن هذا مخالف للإجماع الموجب لإلحاقهم بآبائهم وحكم على القائلين بهذا بالتناقض ومخالفة الإجماع!، مع أن مجموع الأوصاف الواردة في النصوص وآثار  السلف وتفسيرهم لا يتوافق مع "القدرية"، وما ألزم به من إلزامات في معاملة المولود لا يلزم القائلين بما دلت عليه النصوص والآثار لأنهم داروا مع النصوص والآثار حيث دارت ولم يخرجوا عنها قيد شعرة.
 
والنصوص والآثار أثبتت لهذا المولود:
 
> أنه على فطرة الإسلام وعلى الملة والحنيفية وعلى العهد والميثاق فقط ولم تثبت له وصف المسلم المطلق الذي تثبت له أحكامه.
 
* فكيف نلزم بما لم نلتزمه أصلا ولم نقل به؟!
 
> والنصوص والآثار أثبتت له أيضا تبعيته لوالديه في أحكام "الدنيا"، وإثبات هذه الأوصاف والأحكام والمحترزات نطقت بها النصوص والآثار فيجب الوقوف معها فليس لنا إلا متابعة النصوص وليس في هذا تناقض أو اضطراب.
 
- ثانيا: كلام الإمام -رحمه الله- مخالف للنصوص والآثار التي فسرت الفطرة "بالإسلام" بمعنى (أن المولود على فطرة الإسلام والملة والحنيفية ومعرفة الله وغيرها من الأوصاف الواردة وليس المقصود وصف مولود المشركين بوصف الإسلام المطلق الذي تثبت به أحكام المسلمين).
 
ونقطع بعدم بلوغ تفاصيل هذه النصوص والآثار لهذا الإمام "الجليل الأثري" الذي لا يخرج عن مدلولات النصوص والآثار، والخطأ وارد حتى على كبار الأئمة.

4/- تفسير الفطرة بالإسلام والملة والحنيفية وأصل معرفة الله والعهد والميثاق لا يعني:
 
> وصف مولود المشركين بالإسلام مطلقا الذي تثبت له أحكامه.
 
> ولا يعني الحكم لمولود المشركين بمعاملة المسلمين من كل وجه.
 
ولكن المعنى أن لديه أثر وبقية العهد والميثاق الذي هو الحنيفية والوحدانية والملة ومعرفة الله؛ وهذا أصل الإسلام وأصل الحنيفية وأصل الملة ولا يعني أخذه لأحكام المسلمين الذين يثبت لهم وصف الإسلام مطلقا.
 
- وبذلك نثبت لمولود المشركين (قبل تمييزه وإعراب لسانه عنه) بأمرين:
 
أ/- فنثبت أنه (قبل أن يعرب عنه لسانه ويميز) على فطرة الإسلام والحنيفية والملة والعهد والميثاق ومعرفة الله وكل ذلك هو أصل الإسلام والملة والحنيفية وأثر العهد والميثاق؛ ولا يعني ذلك وصفه بالإسلام بإطلاق والذي يأخذ أحكام المسلمين.
 
ب/- ونثبت له أيضا التبعية لوالديه في أحكام الدنيا.
 
ولا تناقض بين الأمرين كما قال -عفا الله عنه- ولا يلزم من ذلك ما قاله "ابن بطة" -رحمه الله- من الإلزامين الخاطئين وهما:
 
> إلزام إثبات وصف الإسلام مطلقا الذي تترتب عليه أحكام الإسلام.
 
> وأيضا لا يلزم من هذا الوصف السابق الوارد في النصوص والآثار أن نعامله معاملة المسلمين ووصفه بالإسلام هكذا بإطلاق.
 
• وبذلك لا محل ولا عبرة بهذين الإلزامين الباطلين لرد اللفظ الذي دلت عليه النصوص والآثار.

5/- سبب خطأ الإمام ابن بطة -رحمه الله-:
 
أ/- خلطه وعدم تمييزه بين معنى ووصف الفطرة التي تعني أصل الإسلام وأصل الحنيفية وأصل الملة وأصل معرفة الله وأثر وبقية العهد والميثاق وبين معنى ووصف (الإسلام بإطلاق والذي تثبت معه أحكام الدنيا لمن ثبت إسلامه).
 
فظن -رحمه الله- أن إثبات وصف الفطرة بالإسلام والحنيفية والملة ومعرفة الله والعهد والميثاق يلزم منه وصف الإسلام المطلق الذي تثبت به الأحكام وعدم تمييزه وتفريقه بين الأمرين أثمر لديه مايلي:
 
ب/- ومن خطئه إلزام القائلين بمعنى الفطرة بأنه الإسلام الذي هو (أصل الحنيفية والملة وأصل العهد والميثاق وأصل ومعرفة الله) بما لا يلزم من حيث وصف الإسلام مطلقا من كل وجه وألزم بناء على تفسيره الخاطئ وجوب معاملة المولود معاملة المسلمين من كل وجه بناء على ما فهمه من تفسير الفطرة بالإسلام.
 
• وهذا غير صحيح ولا يلزم من اتبع الآثار في إثبات وصف أن يخالفها في إثبات الأوصاف والأحكام الأخرى وبهذا نخرج من القول بالرأي في هذه المسألة.
 
6/- والنصوص والآثار في بيان مايندرج في معنى الفطرة صريحة بينة جلية لا تخرج عما قلنا قيد شعرة ولكن تفسيرات وتكلف المتأخرين من القرن الرابع أحدثت لبسا وخلطا فلا تكاد تجد قولا تمسك فيه صاحبه بأحد مدلولات معنى الفطرة إلا وهو يصادم بعض النصوص والآثار وما ذكرناه يشمل حقيقة معنى الفطرة من مجموع دلالات كافة النصوص والآثار.
 
- وتفسير النصوص والآثار لحقيقة الفطرة وما تتضمنه (مع الاحتراز في إطلاق الوصف والمعاملة) لا تخرج قيد شعرة عن التالي:
 
• الفطرة التي يمتلكها ذلك المولود قبل أن يميز ويعرب عنه لسانه هي مع احترازاتها في الوصف والمعاملة.
 
أ/- فطرة الإسلام والحنيفية والملة وأصل معرفة الله وبقية وأثر الميثاق.
 
ب/- وكل ذلك لا يوجب وصف مولود المشركين بأنه من (المسلمين مطلقا والذين تثبت لهم كافة أحكام الإسلام) لعدم دلالة النصوص والآثار على إطلاق ذلك الوصف بل جاءت بمخالفة ذلك صراحة.
 
ج/- يعامل في الدنيا بالتبعية لوالديه.
 
وهذه الأوصاف في معنى الفطرة مع تداخلها وذلك الاحتراز في الوصف المطلق والمعاملة هي صريح مجموع ما دلت عليه كافة النصوص والآثار تماما.
 
- وهذا ظاهر بَيِّنٌ في غاية الجلاء والوضوح ولكن المسبب للاختلاف والخلط والإشكال هي تفسيرات المتأخرين من القرن الرابع وسبب ذلك مايلي:
 
1/- لأن التفسيرات والتأويلات والتكلف في ربط المعنى الوارد بغيره (وصفا ومعاملة) هو الذي أحدث هذه البلبلة والإشكال.
 
2/- لأن تلك التفسيرات أخذت بجانب صحيح جزئيا في المعنى واختزلت توصيف اللفظ أو المعنى فيه وأغفلت الجوانب الأخرى مع ورودها في النصوص والآثار، وما ذكرناه من التعريف والاحتراز (الوصفي والعملي) هو الوارد في النصوص والآثار.
 
3/- ومن أمثلة تعريفاتهم وتفسيراتهم المخالفة والتي كانت سببا في الإشكال والخلط بسبب حصرها لمعنى الفطرة بمعنى واحد (ومع صحته) إلا أنه يخرج بقية الأوصاف الثابتة بصريح النصوص والآثار فمثلا:
 
أ/- تفسيرهم للفطرة بأنها مجرد الاستعداد والتهيئة لقبول الإسلام وشرائعه وهذا التعريف مع صحته جزئيا ماهو إلا مجرد ثمرة واحدة من ثمار تلك الأوصاف الثابتة في النصوص والآثار.
 
* فكيف يحصر معنى الفطرة فيها وتستبعد دلالات تلك الأوصاف الثابتة وهي تدل على أكثر من مجرد الاستعداد والتهيئة؟!
 
- ومن الأمثلة لتفسيراتهم القاصرة كذلك:
 
ب/- تفسير بعض المتأخرين القاصر لمعنى معرفة الله المودعة في الفطرة والعقول حيث فسروها بما يدل على أن هذه المعرفة مجرد معرفة الله فقط (والتي لا تدل بالضرورة على الحنيفية والوحدانية والملة ووصف فطرة الإسلام وأثر الميثاق الذي يدل على أكثر من مجرد المعرفة) ولو فسروا الفطرة بأنها معرفة الله التي تدل بحقيقتها وتستلزم الحنيفية ووحدانية الله وإفراده بالعباده ووصفها بفطرة الإسلام وأصله وبقية أثر الميثاق وأصل معرفة الله من مثل كون الله هو الرب الخالق المدبر.
 
أقول؛ لو فسروا "معرفة الله" بذلك لصح قولهم معنى وتفسيرا، ولكن دلالة عموم كلامهم يقصر معرفة الله على مجرد المعرفة التي لا تتضمن وصف فطرة الإسلام والحنيفية والوحدانية وبقية أثر العهد والميثاق وأصل معرفة الله، والواجب إثبات ما دلت عليه صريح النصوص والآثار (لفظا ومعنى) دون التكلف في معان قاصرة تأخذ بدلالة نص أو ثمرة معناه دون بقية دلالة مجموع النصوص والآثار.
 
ج)- ومن تفسيراتهم القاصرة ما فسر به الإمام ابن بطة -رحمه الله- [ج1 ص718] حين فَسَّرَ الفطرة بابتداء خلقهم على تلك الصفة من الإقرار بربوبيته -جل وعلا-.
 
وهذا معنى صحيح ولكن الاقتصار على ذلك مخالف لمجموع دلالات النصوص والآثار وما قاله لا يعارض وصف المولود بأنه على فطرة الإسلام والحنيفية والملة وأصل معرفة الله والعهد والميثاق، ثم انكر قول من قال بأنهم على دين الإسلام وشرائعه.
 
- وكلمة شرائعه لم يقل بها السلف ولا تصح لفظا ولا معنى؛ ولكن نقول بأن المولود على فطرة دين الإسلام والحنيفية والملة ومعرفة الله، وانت تلاحظ أنه يبتعد عن وصف المولود بأنه على فطرة دين الإسلام مع أنه يثبت المعنى، فخلافه في مباعدته من الألفاظ التي جاءت صريحة في النصوص.
 
7)- والإمام ابن بطة -رحمه الله- أراد بتلك الإلزمات تفنيد شبهات "القدرية" -أخزاهم الله- وهو في رده يتناول شبهتهم التي يزعمونها (أن الله لا يقدر الشر).
 
ولكن الرد على "القدرية" ونقض شبهاتهم يتأتى بغير ذلك فإثبات ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني المندرجة في الفطرة ومحترزاتها في الوصف والمعاملة ليس فيه حجة "للقدرية" من قريب أو بعيد لما يلي:
 
> ولادة المولود وهو على فطرة دين الإسلام والحنيفية والملة ومعرفة الله كل ذلك من قدر الله.
 
> تسبب والديه بتهويده وتنصيره وضلاله بسبب ذلك لا يخرج عن قدر الله وإضلال الله له إن لم يمن الله عليه بالتوبة والإسلام فإثبات السببية لا يناقض إثبات عموم تقدير الله لكل شيء للخير والشر والإضلال والهداية وأعمال العباد من (خير وشر وآثارها) لا تخرج عن قدر الله.
 
8/- ومما يدل أن تضليل "الإمام" منصب ومتجه للقدرية تحديدا وقصرا وليس لكل من فسر الفطرة بالإسلام (بالمعنى الذي شرحنا) وبخلاف تفسيره -رحمه الله- وهذا رد على الغلاة -هداهم الله- الذين احتجوا بكلامه وجعلوا من بعض تفاصيل (مسألة الولدان) من أصل الدين الذي يدرك بالفطرة والعقل وكفروا أهل التوحيد والسنة الذين وقفوا مع صريح دلالات النصوص.
 
- ومما يدل على أن تضليله متجه حصرا وقصرا "للقدرية" قوله [ج 1 ص717 بتصرف]: «وزعم أن اليهود والنصارى يضلون من هداه الله عز وجل ويشقون من أسعده وان مشيئة هؤلاء في أولادهم أغلب وإرادتهم أظهر وأقدر من مشيئة الله وإرادته وقدرته في أولادهم».
 
> وقال في ذات السياق [ج1 ص719]: «فإن كان الحكم في الحديث على ما تأولته القدرية».
 
> وقال (ص721): «على ما تتأوله القدرية».
 
ثم يتحدث بعد ذلك عن "القدرية" في هذا الباب وأعقبه أيضا (ص 734) بباب عن القدرية؛ وهذا كله صريح بأن تضليله متوجه للقدرية وليس (لمن خالفه في تعريف الفطرة مع مخالفته للقدرية).

9/- والرد باختصار على الغلاة في حكم (ولدان المشركين) كما يلي:
 
إثباتنا لتبعية أولاد المشركين لآبائهم في أحكام الدنيا والوقوف مع دلالات النصوص والآثار، لم يرض الغلاة -هداهم الله- حيث قالوا: «بأنكم كفار إن لم تقولوا بأن تكفيرهم من أصل الدين المعلوم المدرك بالفطرة والعقل»! ونرد عليهم بما يلي:
 
1/- كيف تقرون بدلالة حديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بتفريقه بين مرحلتي هذا الطفل:
 
* حالة وحكم الطفل قبل تمييزه وإعراب لسانه عنه وأنه حينذاك على فطرة الإسلام وعلى الحنيقية والملة وأصل معرفة الله والعهد والميثاق؟
 
* وحالة وحكم الطفل بعد تمييزه وبعد إعراب لسانه عنه؟!
 
• وهذا قطعا "قبل بلوغ" هذا الطفل لسببين:
 
- أولا: لأن هذا مقتضى لغة العرب في هذا الوصف.
 
- ثانيا: لأنه بعد البلوغ يصبح رجلا مكلفا؛ وهذا ليس محل النزاع أصلا.
 
* أقول؛ كيف تقرون بأن ذلك التفريق بين حالتي الطفل (قبل بلوغه) مما لا يعلم إلا بالخبر والسمع ثم -تزعمون- بأن تكفيره في كلتا حالتيه من أصل الدين المعلوم بالفطرة والعقل؟!
 
2/- قد ثبت في عهد الإمام "أحمد" -رحمه الله- (من قوله) بمخالفة أهل الثغر له في حكم الولدان ولم ينقل عن "أحمد" أو غيره من السلف تكفير هؤلاء:
 
* فهل يكفر أئمة السلف زمن أحمد حسب قاعدة "الغلاة" هذه؟!
 
* وهل جهل أئمة السلف أن تكفير الولدان من أصل الدين وتنبه لها هؤلاء؟!
 
رحم الله من عرف قدر نفسه.
 
- والمقصود (بأهل الثغر) الذين نقل عنهم الإمام أحمد -رحمه الله- هم العلماء الذين يرابطون على ثغور المسلمين وليس المقصود الجهال العامة من المجاهدين لأن الأئمة "أحمد" وغيره يشتد نكيرهم على الجاهل الذي يتكلم فيما هو أظهر من ذلك من مسائل العلم.
 
فكيف ينقل و يجعل "أحمد" -رحمه الله- من قول العوام الجهال معارضا له في هذه المسألة الدقيقة دون إنكاره على الجهال العوام خوضهم فيما لا يعلمون ولايحسنون؟!
 
وهذا يدل أن المقصود علماء أهل الثغر.
 
3/- قد جاءت النصوص صريحة بمنعنا من التكلف عموما ونهينا عن الغلو وجعل تكفير الولدان قبل أن يعربوا من "أصل الدين" ثم تكفير (أهل التوحيد) بذلك عين التكلف والغلو مع أن أهل السنة الموحدين يلحقون الولدان بآبائهم.
 
4/- قد جاءت النصوص والآثار بالنهي عن الخوض والتكلف في مسألة الولدان.
 
* فأي تكلف وخوض أبلغ من جعلها من "أصل الدين" دون يقين وبرهان ثم تكفير (أهل التوحيد) الذين وقفوا مع دلالات النصوص ولم يجاوزوها؟!
 
5/- مع قولنا بأنهم تبع لآبائهم في حكم الدنيا إلا أن الحكم بذلك لا يدل على أن الطفل قبل التمييز والإعراب يتساوى مع والديه في حقيقة الشرك ولذلك يتغير حكمه مباشرة لو سباه المسلم ووليه، وأما نسبة القول بالحكم (بشرك أطفال المشركين وأنهم كآبائهم تماما في وصف الشرك والكفر)، فهذا من أقوال "الخوارج" التي ابتدعوها كما نقل البغدادي الجهمي الأشعري.
 
فهناك افتراق بين الوصفين حيث إن تكفير المشرك المكلف من "أصل الدين" المدرك بما أودعه الله في الفطر والعقول ولا يتغير هذا الوصف بالأسر أو غيره إلا إذا أعلن إسلامه.
 
- وأما الطفل فمع إلحاقه بآبائه إلا أن له حالة قبل تمييزه وإعراب لسانه عنه تختلف عن حالته بعدها وهذا التفريق بين الحالين لهذا الطفل لا يعلم ولايدرك إلا بالخبر وليس مما يدرك بالفطرة والعقل وأيضا يتغير حكمه إذا وليه المسلم.
 
* فمع هذه التفاصيل الدقيقة التي لا تعلم إلا بالخبر، كيف يدعون بأن تكفير من لم يعربوا من "أصل الدين" المدرك المعلوم بالفطرة والعقل؟!
 
• ولما تقدم وغيره يتبين أن حقيقة الحكم بكفر وشرك الأب المشرك غير حقيقة كفر طفله قبل تمييزه وإعرابه.
 
6/- المسارعة في التكفير والجرأة عليه بغير نصوص صريحة أو آثار كالشمس (مع وجود الخلاف في مسألة الولدان في عصر السلف وبحثهم لبعض جوانبها) ليس من هدي السلف بل هو نزعة خارجية ونفثة شيطانية محصلتها وثمرتها الفرقة والعداوة والشتات والتشاحن.
 
• وأقول لذاك الجريء: ارحم نفسك يا مسكين ارحم نفسك يا مسكين واحذر ردة الفعل التي تخرجك عن السبيل فالإرجاء والتجهم في الحكم على الأعيان لا يسوغ لك الجرأة والتساهل في مسألة إطلاق التكفير فأنت موقوف محاسب بين يدي الله على تكفيرك للموحدين، وهل تكفيرك للموحدين يقيني كالشمس؟! فأعد للسؤال جوابا يامسكين، وتأن وترفق -هداك الله-، وأسأل الله أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ويشرح صدورنا للحق.
 
7/- لو كان تكفير الولدان قبل تمييزهم وإعرابهم من "أصل الدين" المدرك بالفطرة والعقل لما تغير حكمهم بمجرد أن يسبيهم ويليهم المسلم، وبما أن ذلك الحكم متغيرا في حالة تغير وتبدل الولاية فهذا مما يؤكد أن الحكم بتبعيتهم لا يدرك بالعقل والفطرة، وعلى ذلك فليس أصل الحكم على (الطفل قبل إعرابه وتمييزه من أصل الدين المدرك بالفطرة والعقل الذي يترتب عليه تكفير من حكم بتبعيتهم دون أن يقول بأن ذلك من "أصل الدين" المدرك بالفطرة والعقل).
 
8/- أنصح بالرجوع لهذا المقال بعنوان: 📥 [ الرد الأثري المبين على من زعم تكفير الولدان من أصل الدين.]
 
- مع ملاحظة أن هذا البحث القيم النافع المشار إليه قد فاته الإشارة لأثر مهم جدا وهو قول الإمام أحمد باختلاف أهل الثغر معه في حكم الولدان، وفاته بعض الردود التي سيقت في خاتمة هذا المقال.
 
> وقال الخلال وكتب لي أحمد بن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله، وسأله عن الروم؛ يسبون وهم صغار صبيان؟
 
قَالَ أبو عبد الله: الـصـغـار على ديـن آبائـهـم، وهكذا إن كان لرجل مملوكة ومملوك نصرانيان، ثم ولد لهما ولد، وقال: هم على دين آبائهم، لأن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سئل، قبل أن يصاب، عن نسائهم وذرياتهم، قَالَ: «هـم مـنـهـم».
 
> وقال: "وأهل الثغور يقولون: الـصغـار مـسـلـمـون، وإذا ولدوا في دار الحرب ثم سبوا فهم عندهم مـسـلـمـون، فإذا ولد لهما في دار الإسلام فهو عندهم أحرى أن يكونوا مـسـلمـيـن. اهـ
 
والرد على هؤلاء "الغلاة" كالتالي:
 
1/- الادعاء بأني خالفت السلف بمخالفتي للإمام "ابن بطة" -رحمه الله- مع أني أتفق معه في عموم تفسير المعنى وخطؤه في اللفظ والتوصيف المجمل فقط.
 
ودعوى أن السلف لم ينكروا عليه ولم يخالفوه وغيرها من الدعاوى التي انتشرت في بعض المواقع وعلى ذلك نقول وبالله الإعانة والتوفيق:
 
> السلف الصالح -رحمهم الله- في الاصطلاح الشرعي (لا اللغوي) هم "الأجيال الثلاثة" تحديدا ويلتحق بهم "الجيل الرابع" لخمسة أسباب ذكرتها في هذا مقال:
 
 
> وأما الإمام الجليل "ابن بطة" -رحمه الله- فمن "الجيل السادس" أو "السابع" فليس من السلف (بالمعنى الشرعي الاصطلاحي لا اللغوي).
 
وعليه فلا يصح القول بأني خالفت السلف أو أن السلف لم يخالفوا قول "ابن بطة" ولم ينكروا تعريفه فأقوالهم المخالفة لقوله قد رووها قبل مولد الإمام "ابن بطة" -رحمه الله-.
 
2/- اعتذرت للإمام -رحمه الله- وقطعت بعدم بلوغ تفاصيل الأدلة والآثار له لأنه وقَّاف عند النصوص والآثار لا يخرج عن مدلولاتها ولذلك قد وافق في التفسير والمعنى (ولكنه أخطأ في اللفظ والتوصيف المجمل حين اختزل المعنى الأوسع بمعنى جزئي صحيح ولكنه لايدل على حقيقة معنى الفطرة الأشمل والأوسع من ذلك وخطؤه في الاختزال وقصر المعنى).
 
- ولست أنا الذي خالفت كلام "ابن بطة" -رحمه الله- بل صريح ألفاظ النصوص وآثار الصحابة والتابعين والسلف -رضي الله عنهم- تناقض وتخالف تعريفه وتوصيفه المجمل للفطرة بأنها ابتداء الخلقة!؛ وهذا جزء من المعنى الصحيح ولكن اختزال المعنى بها فيه قصور عن حقيقة معنى الفطرة التي تدل على الحنيفية والملة وفطرة الإسلام كما جاء في النصوص والآثار وهذا أشمل وأوسع مما ذكر.

• ولو قرؤوا -هداهم الله- النصوص والآثار وقارنوها بقول "ابن بطة" لعلموا الفرق الكبير (شرعا ولغة) لأن اللغة لا تحتمل التوفيق والتلفيق بين القولين، فلست أنا من خالفه بل أنا مجرد متبع للفظ النصوص والآثار وحقيقة معناها الشرعي واللغوي الأعم الأوسع الأشمل مما ذكر.
 
- وتأمل أخي المبارك -حفظك الله- "ابن بطة" وصف الفطرة [ بابتداء الخلق (الخلقة)!] ولكن مجموع النصوص والآثار في وصف الفطرة هي كما ذكرت أوصافها في المقال حيث وصفت الفطرة وما عليه الطفل بالتالي: فطرة الإسلام، حنفاء من الحنيفية، الملة، العهد والميثاق.
 
فأنت ترى تباين الوصفين والعبارتين من جهة المعنى الشرعي واللغوي الأشمل والأوسع والأكمل.
 
* فهل هناك من له بعض العلم بلغة العرب يقول بأن لفظة ووصف (ابتداء الخلقة) الذي قاله "الإمام" مطابق لهذه الأوصاف الشرعية الواردة في النصوص والآثار ومعانيها الأشمل والأوسع في لغة العرب؟
 
- لأن لفظ (الملة والحنيفية فطرة الإسلام) وغيرها لها مدلولات وآثار وأبعاد أبلغ وأشمل وأوسع من مجرد لفظة (ابتداء الخلقة)، وأيضا لفظ الفطرة مجردا عن الإضافة للإسلام يختلف في بعض السياقات عن عطف الإسلام عليها، وجهل "الغلاة" بلغة العرب أوردهم الموارد -هدانا الله وإياهم للحق وشرح صدورنا له-.
 
3/- تلاحظ أخي -حفطك الله- أن "الغلاة" (في عدد من المواقع) كما ذكر لي عجزوا عن الرد العلمي الذي ينقض جميع الحجج، فتشبثوا بأمر أو أمرين وتركوا باقي الحجج -أعياهم الرد- ولا يهدم القول بمجرد نقض بعض حججه واستدلاله وترك أكثرها دون رد!
 
4/- مدار كون مسألة تبعية أطفال المشركين الذين لم يعربوا ليست من "أصل الدين" المدرك بالفطرة والعقل يدل عليها عدة أمور من أبرزها أن الطفل الصغير الذي لم يعرب كالرضيع ونحوه بين أبويه المشركين (سواء في دار كفر أو دار إسلام) لأن نص الحديث لم يفرق بين الدارين بل أطلق ولم يخصص ويفصل له حالة قبل إعراب لسانه وحالة أخرى بعد إعراب لسانه؛ وهذا التفريق بين حالتي الطفل بإقرار "الغلاة" أنه لا يدرك إلا بالخبر والسمع.
 
* فكيف يجعلون مايترتب ويبنى عليه من الحكم عليهم من أصل الدين المدرك بالعقل والفطرة ثم يكفرون به (أهل التوحيد) الوقَّافين مع مدلولات النصوص؟!
 
5/- وذكرنا بأن طبيعة وحقيقة تبعية الطفل لحكم والديه تختلف عن حقيقة كفر وشرك والديه، وأن المساواة في حقيقة النوعين لم يسبقهم له إلا "الخوارج".
 
6/- تنبيه: كلامنا في هذه الأمثلة والصور التالية عن مسلم تعرف إسلامه وتتيقنه حسب الظاهر ولا نتكلم عن مسلم مجهول بين الكفار لأن مجتمع الكفر يعمم تكفيرهم عموما وأعيانا إلا من تيقنت إسلامه حقيقة حسب ظاهره، إذا تقرر لدى الجميع بأن:
 
أ/- حقيقة الحكم بتبعية الطفل تختلف تماما عن حقيقة ونوع كفر والديه.
 
ب/- وأن هذا النوع من التبعية يفرق فيه بين حالتي الطفل قبل الإعراب وبعده.
 
ج/- وهذا الحكم بالتبعية تتغير أحكامها في حالات حتى في دار الكفر كما سنبين لاحقا.
 
د/- ويختلف العلماء في بعض صورها دون تكفير.
 
هـ/- أن تبعية الإلحاق بدار الكفر (للرضيع) منهم المقيم بدار الكفر تختلف أحكامها في بعض الصور حتى مع توفر واجتماع (تبعية دار الكفر وتبعية أحد والديه).
 
* فكيف يعلق كونها من "أصل الدين" لأجل تبعية الدار المعلوم بالعقل والفطرة وفي دار الكفر ذاتها أحوال يحكم بإسلامه مع اجتماع تبعية الدار وتبعية بعض والديه؟!
 
- وبعد تقرير كل ذلك نقول:
 
- أولا: كيف يدعي "الغلاة" بأن العِلَّةَ في إلحاق مسألة التبعية "بأصل الدين" هي وجوده بدار الكفر مع أنه يحكم بإسلام الرضيع في دار الكفر في ثلاث حالات حتى مع وجود أمه المشركة النصرانية؟!
 
- ثانيا: كيف يدعي "الغلاة" -هداهم الله- بأن الفطرة والعقل تقود من لم يسمع الخبر بأن يحكم على الطفل الرضيع بأنه يتساوى مع حقيقة شرك وكفر والديه عابدي الأصنام والصليب؟!
 
* وكيف يدعون بأن العهد والميثاق الذي أخذه الله على عباده وأودع أثره في فطرهم وعقولهم يدل بكل وضوح على مساواة تكفير هذا الرضيع بحقيقة كفر وشرك والديه؟!
 
• ثم يكفرون أهل التوحيد الذين وَقَفوا مع ألفاظ النصوص!
 
7/- لا دليل ولا برهان ولا حجة شرعية أو عقلية أو عرفية أو لغوية لهم تنص صراحة بالتفريق بين أيهما يقدم في تأثيره على الطفل (الرضيع) تبعية الوالدين أو تبعية الدار ولا سيما في حالات الحكم بإسلامه في دار الكفر وخاصة (مع وجود والدته النصرانية معه في دار الكفر).
 
- ومن قال منهم بأن الدار أكثر تأثيرا وادعى بأن الفطرة والعهد والميثاق يدل بأن تبعية الدار (للرضيع) هي الأصل في كل حالة والتكفير بها للرضيع من "أصل الدين" المعلوم بالفطرة والعقل!
 
سألنا هذا الجاهل "الغالي" (عن رضيع في دار الكفر لوالدين مشركين نصرانيين) هلك أبوه وبقي مع أمه فتزوجها مسلم مقيم في دار الكفر لعجزه وتولاه المسلم بالاشتراك بتربية واهتمام والدته له وإرضاعها له.
 
* هل الفطرة والعقل بما أودع فيهما من أثر العهد والميثاق تدل وتنص صراحة على تكفير من حكم بتبعية هذا الطفل لهذا المسلم لأجل علة تقديمهم لتبعية دار الكفر مضمومة لتبعيته لوالدته؟!
 
- فإن قالوا لا نكفر من حكم بإسلام (الرضيع) مع اجتماع تبعيتين في حقه لتولي زوج أمه المسلم له لأن الإسلام يعلو ولا يعلا عليه، مع أنه قد اجتمعت علَّتانِِ لإلحاق هذا الطفل بالكفرة المشركين:
 
> علة دار الكفر.
 
> وعلة وجوده مع والدته النصرانية وتبعيته لها تربية وإرضاعا واهتماما.
 
وفي هذه الحالة نقضوا أصلهم البدعي الذي قالوا فيه بأن الفطرة والعقل تقدم تأثير تبعية الدار على (الرضيع) وأنها علة لجعل إلحاقه بدار الكفر من أصل الدين المعلوم بالفطرة والعقل ولا سيما (مع اجتماع بعض التبعية لوالدته في دار كفر)!
 
- وإن قالوا بأن من حكم بإسلام الرضيع هنا لتبعيته (للمسلم المقيم عجزا) في دار الكفر قد كفر وخالف "أصل الدين" المعلوم بالفطرة.
 
فهذه جهالة وبلادة منقطعة النظير لم يسبقوا لها.
 
- وأيضا: حالتان وصورتان لمدى أثر دار الكفر التي يعللون بها الحكم بالتبعية للرضيع والتي هي من "أصل الدين" المعلوم بالفطرة والعقل عندهم (مسلم مقيم في دار الكفر عجزا) تولى (بدون سبي أو بسبى) طفلا صغيرا منهم توفي والداه وأصبح الرضيع تحت ولايته وهو في دار الكفر.
 
وهنا نسأل "الغلاة":
 
* هل الفطرة والعهد والميثاق تدل على تبعية (الرضيع) للدار كونها مقدمة عندكم أو للمسلم الذي تولاه دون سبي أو بسبي؟!
 
ولن يجد "الغلاة" مخرجا من ذلك إلا بنقض أصلهم البدعي أو تكفير بعضهم بعضا وهذا المتوقع لجهل وتسرع وخفة أحلام أتباع الأزارقة المراق.
 
8/- الذين قالوا بعدم وجود الخلاف بين الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- جهال لم يقرؤوا ولم يفهموا، فالنصوص والآثار محصورة في حكم التبعية وحكم الدنيا فقط ولم يرد نص أو أثر (ينص صراحة بأن شرك الرضيع وكفره كشرك أبويه تماما في الوصف الدنيوي وتكفير والديه من "أصل الدين" المدرك بالفطرة).
 
وقد عجز "الغلاة" عن الإتيان بما يدل على ذلك، لأن هذا لا يتفق ولا يجتمع بوصف الرضيع ونحوه ممن (لم يعرب لسانه) بأنه كما جاء بصريح النصوص وصفه بأنه قبل أن يعرب لسانه على (الحنيفية -الملة- فطرة الإسلام).
 
9/- لم أتكلم بالعقل والرأي المذموم المخالف للنصوص وإنما كلامي كان شرحا وبيانا للنصوص ولم أخرج عن مدلولاتها وإذا كان شرح النصوص من الكلام المذموم في سياق الرد فمعظم كتب السلف وآثارهم الناقضة لأقوال أهل البدع يطالها ذلك.
 
وهذا لايستقيم شرعا ولغة وعرفا وعقلا.
 
10/- الاستدراك والرد والملاحظات والملاحاة لها فوائد كثيرة بإيضاح غامض ومزيد تفصيل وتنبيه على خطأ أو قصور، وفيها تلقيحا للفهوم كما قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.
 
• أسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ويشرح صدورنا له.
 
 
 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 

 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *