توضيح ماجاء بخصوص "رفع الراية".

 
 
 

 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
▪ فهذا رد على بعض الخوارج الذين كفروا أهل التوحيد والسنة باتباعهم لصريح إجماع السلف وكفّروهم (بغير مكفِّر صريح أو مكفِّر محتمل) ولا يجوز اللّين والتسامح مع هؤلاء المارقة من "الصِّبية الجهلاء" إن لم يعلنوا التوبة والتراجع عن منهج الخوارج، ومعاملة السلف مع أهل البدع الهجر والمفاصلة وبيان زيغهم والتحذير منهم ومِمَن عرف بصحبتهم حتى لو ادعى مخالفتهم.
 
وأرى أن الإشكال لا يزول بمجرّد الحذف لبعض ما استنكره هؤلاء لجهلهم، فلا يزول الإشكال إلا بمزيد البيان والإيضاح دون حذف.
 
- وقد اضطرّ السلف لمزيد البيان حين شغّب عليهم أهل الأهواء واستنكروا ما قالوه من حق، وعلى ذلك فحذف ما لا إشكال فيه للتوافق مع قولهم يزيدهم غيّا وتيها ولن تجد أخفَّ من عقول "صِبية الحرورية"؛ والحل يكمن في إزالة جهلهم لا مُداراتهم.
 
- وهناك خلل جذريٌّ لديهم في فهم الشريعة واللغة ولسان العرب، وهؤلاء لا يفرّقون بين عمل يحتمل الكفر بدلالة صريح النص الشرعي وبين عمل ليس من الكفر أصلا ولا يحتمل الكفر إلا في أذهان وأفهام بعض الجهال، وعند مجاراة ومطاوعة هؤلاء لتألُّفهم في حذف مالا يرتضونه بل ويكفرون (أهل السنة) به سيغريهم بالتّشبّث بما هم عليه من (سعار التكفير) بالظنون والأوهام وسيتكرّر صنيعهم هذا إن لم نواجه هذا "اللّهث الخارجي"، وسيفرّقون صفّنا أحوج ما نكون للوحدة والألفة لأننا دملنا الجرح قبل تنظيفه وتعقيمه، ومن الواجب إطْلاعهم على ردّنا عليهم ولا ينبغي أن نتعامل معهم تعاملا يفهمون منه إقرارهم (على ضلالهم وسوء فهمهم وخارجيتهم بالتكفير بغير مكفِّر) بحذفنا لما هو بيِّن واضح لا إشكال فيه، نعم يجب أن نزيده توضيحا وبيانا لإزالة ما ألقاه الشيطان على أوليائه وأما حذفه فلن يزيد الجهالة إلا توكيدا.
 
وهؤلاء كأنهم أعاجم في فهم كلام العرب وأساليبهم، فاستدراكهم بشأن قولنا بقاعدة "باب الأَوْلى" التي لا تحتمل إلا معنى أحقيّة وأولوية تنزيل حكم التكفير (لا سبب التكفير ومناطه) وقد أوردنا تلك القاعدة ضمن ردِّنا على دعوى وشبهة قصر (تكفير العاذر) بكفر الجهمية الخلقية.
 
- وأما استدراكهم الذي بنوه على فهمهم لما قلناه من عدم ورود التنصيص لفظيا وتسمية عن السلف (تنبّه فكلامنا عن أقوال وإجماع السلف) بتكفير "عاذر" بعض المكفرات الكبرى، مع أننا قد بينا أن هذا حجة لنا وليس للجهمية.
 
ولم نقل إن تكفير "عاذر" هؤلاء لا يدخل في نصوص الوحي ولم نقل إن تكفير عاذر هؤلاء لا يشمله إجماع السلف فما قلناه وشرحناه وبيّناه أن عدم ورود تكفير هؤلاء (عن السلف تحديدا) بالتنصيص واللفظ والتسمية لا يعني إعذار وعدم تكفير عاذريهم وفنّدنا شبهة الجهمية بالحصر والقصر.
 
- وهذه شبهة تناقلها "الجهمية" بقصر وحصر مسألة تكفير "العاذر" بما ورد عن الجهمية الخلقية دون غيرهم لكي يُريحوا أنفسهم من هذه الحجّة الإجماعية التي ذلَّت لها أعناقهم، وقد استطالوا بهذه الشبهة ولبّسوا بها على بعض الجهال والمبتدئين فلا بد علينا من بيان زيفها بجعلها حجة لنا لا لهم وهذا ما فعلناه -بحمدالله-.
 
• واضطرارنا لذكرها لكونها اشتهرت كشبهة "للجهمية" وقد أوضحنا بغاية البيان إلزام الجهمية بذلك وقلب حجّتهم عليهم، وبيّنا أن قاعدة "باب الأولى" مندرجة في الخطاب وتدخل فيه دخولا أوليا، وبيّنا بغاية الوضوح والبيان أن كفر "عاذر" من وقع في هذه المكفرات (التي تزيد شناعة وغلظا ووضوحا من القول "بخلق القرآن").
 
أقول، قد بيّنا أن "كفر عاذر" هؤلاء من ثلاث أوجه منها:
 
> عدم كفره بالطاغوت.
 
> وعدم تحقيقه لأصل الدين.
 
وحيث لم يرد عن السلف (ولا نتكلم هنا عن نصوص الوحي) التنصيص لفظا وتسمية على تكفير "عاذر" الملحد واليهودي، وقد بينا وجه ذلك وأن "باب الأولى" يعني أن دخوله في النص والإجماع دخولا أوليا وبينا أن من لم يكفر أمثال هؤلاء لم يكفر "بالطاغوت" ولم يحقق "أصل الدين".
 
وسنزيد ذلك بيانا لتشغيب هؤلاء "الصبية" وتلبيسهم على بعض الإخوة وقد بينا أن:
 
1)- تكفير "عاذر" الملاحدة وأهل "الكتاب" وعباد "القبور" وغيرهم (مما لم يرد عن السلف التنصيص عليهم تسمية ولفظا).
 
أقول، تكفير "عاذر" هؤلاء من "أصل الدين":
 
* لعدم تحقيق الشهادة.
 
* وعدم تمييز ومعرفة الإسلام من الكفر.
 
* ولعدم تحقق الكفر بالطاغوت.
 
* ولتكذيب ورد صريح النصوص التي بني عليها أصل ولب الإسلام وحقيقته.
 
وهذا سبب ومناط حكم التكفير "لعاذر" هؤلاء وقد بينا ذلك بغاية الوضوح.
 
2)- وأيضا تكفير "عاذر" هؤلاء مندرج في قاعدة باب "الأولى" المتعلقة (تحديدا) بأحقية وأولوية تنزيل حكم التكفير لا عن سببه ومناطه، وتفصيل معنى باب "الأولى" في تنزيل الأحكام يتلخص في أمرين:
 
أ/- أنها دالة شرعا ولغة وعقلا وعرفا على اندراج تنزيل حكم تكفير "عاذر" هؤلاء ودخوله دخولا أوليا فيما نص عليه السلف لفظا وتنصيصا، ومندرجة ومشمولة (قبل ذلك) بما جاء في الحكم الوارد في النصوص والإجماع.
 
ب/- وأيضا فالقول بأن تكفير "عاذر" هؤلاء من باب "أولى"، تعني لغة وشرعا وعقلا وعرفا أحقية وأولوية تنزيل حكم التكفير (لا سبب التكفير ومناطه).
 
والرد مع الأمثلة التوضيحية على فهمهم الغريب لإيرادنا لقاعدة باب "الأولى" ضمن ردودنا على حجة "المرجئة الجهمية" بالقصر والحصر لتكفير "العاذر" والرد كالتالي:
 
1)- لم نقتصر في بيان تكفير "عاذر" هؤلاء على قاعدة باب "الأولى" وذلك بما بيناه من أن تكفير "عاذر" هؤلاء من "أصل الدين" حين ذكرنا بغاية البيان والوضوح أن من لم يكفر هؤلاء كافر لأنه:
 
> لم يحقق "الشهادة".
 
> ولم يميز ولم يعرف الإسلام من الكفر.
 
> ولم يكفر بالطاغوت.
 
> ولتكذيبه ورده لصريح النصوص التي يقوم عليها الإسلام.
 
* فكيف فهم هؤلاء الجهال أننا نقصر التكفير على قاعدة باب "الأولى"؟!
 
2)- خلطهم (لعجمتهم) بين ما جهلوه ولم يميزوه حيث أن قاعدة باب "الأولى" خاصة بمعنى تنزيل الحكم (كحكم التكفير أو غيره) والمعنى واضح جلي بأن مدار هذه القاعدة على مجرد تنزيل الحكم من تكفير أو غيره، لا عن سبب الحكم ومناطه.
 
> كما نقول بما أن اتهام زوجات النبي ﷺ من الكفر البَيِّنِ بعد نزول آيات "النور" و"الأحزاب" فتكفير من اتهم والدة النبي ﷺ وأمه من باب "أولى".
 
والكلام هنا واضح لكل عربي بأنه عن أحقية وأولوية تنزيل حكم التكفير وليس عن (سبب التكفير ومناطه)، وهذا ظاهر بين لكل من عرف الشريعة واللغة.
 
> وأيضا إذا قلنا بما أن الصحابة -رضي الله عنهم- كفروا جميع أعيان من أشرك في النبوة من أتباع "مسيلمة" دون بيان ودون اعتبار للجهل والشبهة فمن باب "أولى" تكفير جميع أعيان من أشرك في الألوهية.
 
والكلام هنا صريح جلي بأنه عن أحقية وأولوية تنزيل حكم التكفير لا عن (سببه ومناطه)، وهذا يفهمه العربي الجاهل بسليقته وأما الأعجمي الجاهل فلا حيلة لنا معه!
 
> وكما نقول بما أن التأفف من الوالدين محرم فمن باب "أولى" تحريم رفع الصوت.
 
وهنا بيان أحقية وأولوية تنزيل الحكم لا عن (سببه ومناطه).
 
> وبما أن الحكم في "الخوارج" قتلهم قتل "عاد" فمن باب "أولى" الرافضة.
 
والكلام لفظا وسياقا صريح بأن المعنى عن أحقية وأولوية تنزيل حكم التكفير والعقوبة لا عن (سبب التكفير ومناطه).
 
* فكيف يفهم هؤلاء الأعاجم أن قولنا هذا دال على أن سبب ومناط كفر الرافضة وكفر عاذريهم هو باب "الأولى"؟!
 
* وكيف فهموا أن تكفيرهم لا يتعلق بأصل الدين والكفر بالطاغوت؟!
 
> وهذا أيضا كقولنا إذا كفرنا "عاذر" الجهمية فمن باب أولى "عاذر" الرافضة واليهود والملاحدة وساب الله.
 
وهذا الكلام واضح كالشمس أنه عن أحقية وأولوية تنزيل الحكم بالتكفير أو غيره لا عن سبب (حكم التكفير ومناطه).
 
- فلعجمتهم وجهلهم بالشرع واللغة خلطوا باب "الأولى" بأمر آخر تماما وهو (سبب ومناط الحكم) من تكفير أو غيره!
 
علما أن باب الأولى لا يقتصر على باب "القياس" كما قد يفهم من بعض كتب أصول "الفقه" فتنبه لذلك، فدخولها في شمول الخطاب أولى وأكثر من القياس.
 
وقد بلغني تكفير هؤلاء الصبية الجهال الحرورية لمن أخذ بما في إجماع السلف للرازيين من تفصيل واستثناء للجاهل ضعيف الفهم، وردنا عليهم باختصار كالتالي:
 
أ/- عدم اختلاف ما في إجماع الرازيين (من تفصيل واستثناء للعاذر الجاهل ضعيف الفهم بالضوابط التي ذكرناها وكررناها).
 
أقول، عدم اختلاف ذلك الإجماع عن (إجماع حرب) وآثار السلف المجملة المطلقة التي لم تذكر ذلك التفصيل والاستثناء لأنه قد تقرر شرعا ولغة وعرفا وعقلا أن الإجمال لا يناقض التفصيل والتعميم لا يناقض الاستثناء الموصول أو غير الموصول.
 
- وما جاء من روايات في أن (هذا العلم يحمله من كل خلف عدوله) لا ينافي ما جاء من نصوص وآثار بشأن أوعية السوء وعلماء السوء والمنافق عليم اللسان والأئمة المضلين، وأن من أول من يدخل جهنم من تعلم القرآن ليقال عالم، وأحاديث ذم من بعد (القرون الثلاثة)، (وأحاديث الطائفة والفرفة الناجية المنصورة)، (وحديث؛ ستجدون بعدي أثرة) فيه إطلاق ويدل على العام الغالب في عصور الأمة وهناك ما يخصصه (كعهد الراشدين)، (ومعاوية) -رضي الله عنهم- وغيرهم ممن على منهاجهم.
 
فلا تعارض بين إطلاق التعميم للأصل والغالب وبين أن هناك ما يستثنى منه.
 
ب/- لأن التفصيل والاستثناء فيه مزيد علم وبيان وزيادة العلم مقبولة وليست من باب الشذوذ والمخالفة المردودة، ومن له أدنى معرفة بصفات الزيادة الشاذة المردودة لأجل ذاتها ومعناها أو لأجل راويها وقائلها علم أن هذه زيادة علم مقبولة.
 
ج/- بما أن الأصل والغالب أن العامة الجهال في غاية الغفلة والانشغال عن مثل هذه المسائل وعلمها ومعرفتها تكاد تكون محصورة بين أهل العلم وأهل الكلام ولذلك فالإطلاق والإجمال دون التفصيل والاستثناء جاء باعتبار الأصل والغالب فيمن يعرف هذه المسألة ويشتغل بأمثالها.
 
وهذا لا يناقض التفصيل والاستثناء للقليل النادر.
 
- وحديث إطلاق (إباحة ما في البحر) للأصل والغالب لا يناقض تحريم ما ثبت ضرره من حيوان البحر وميتته، وأحاديث تصويب اجتهاد الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- كحديثه ﷺ «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» و «إذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أَمْرٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا» و «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ» وغيرها؛ ولذلك قل أن يخطئ الصديق في اجتهاد فقهي وبعده في ذلك الفاروق -رضي الله عنهما-.
 
وهذا إطلاق للأصل والغالب ومع ذلك فالاستثناء لبعض المسائل "كمتعة الحج" لا يعارض الأصل وأحاديث إطلاق ذم من بعد "القرون الثلاثة" لا تناقض القلة النادرة المستثناه من بقاء الخيرية في الطائفة المنصورة.
 
د/- ويؤيد ما في (إجماع الرازيين) من اشتراط البيان للجاهل ضعيف الفهم في مثل هذه المسائل تحديدا ما جاء عن الإمام "أحمد" باشتراط البيان للواقف واللفظي الجاهل.
 
وهذا بخلاف المنسوبين للعلم أو للكلام.
 
هـ/- أن تقديم ضبط أحد (الرازيين) مقدم على حرب الكرماني، فكيف بمجموعهما؟!
 
وهذا أدعى للوثوق بما علموه وحفظوه وفهموه ونقلوه من مزيد العلم بما بينوه من تفصيل واستثناء، ولا سيما وقد أدركا أكثر من "ثلاثة آلاف" إمام وشيخ وهذا مالم ينقل عن حرب الكرماني -رحمهم الله-.
 
و/- أن الراد لإجماع الرازيين المفصل على باب هلكة.
 
* فكيف بهؤلاء الذين كفروا من أخذ بما في إجماعهما من الاستثناء والتفصيل؟
 
- ويلزم من هذا أن يكفروا جميع السلف الذين نقل عنهم هذا الاستثناء وتكفير الرازيين وأيضا تكفير الإمام "أحمد" لاشتراطه البيان للجاهل العامي في مسألتي الوقف واللفظ وتكفير كل من نقل إجماع الرازيين أو نقل قول أحمد -رحمهم الله-.
 
وكل من كفر بغير مكفر فهو "خارجي"، وهذا بخلاف من كفر بأمر محتمل للكفر وأخطأ في التنزيل فهذا من يعذر في خطئه في التكفير كما لا يخفى.
 
ز/- عدم وجود أثر صريح عن واحد من السلف يخالف هذا الاستثناء.
 
 

 هذا وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 
 
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *