بيان حول الإشكال الذي اللتبس على بعض الإخوة بشأن صحة وصف التجهم "لعاذر أعيان المشركين المنتتسبين" من كلام الشيخ أبوزيد الكندي -حفظه الله ونفع به الأمة-.

 




بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

◉ بشَأن ما أُثِيرَ بين الإخوَةِ في مَسْأَلَةِ هَل يُسَمَّى عاذِر أَعْيَان المُشْرِكِين المُنَتسِبِينَ (جَهْمِيًّا) لأجلِ عَيْنِ هَذهِ المَسْأَلَةِ تَحْدِيدًا، أم أنَّ هذا العَاذِر لأعْيَان المُشْرِكِين المُنْتَسِبِين يُعَدّ كافِرًا، لأنَّ قولَ هذا العَاذِر أَشْنَع وَأَغْلَظ كُفرًا مِنْ قولِ الجَهْمِيَّة الأوَائِل إلَّا أنَّهُ لا يُسَمَّى لأجلِ ذلكَ جَهْمِيًّا مِنْ هذا البابِ خَاصَّة؟

 

- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْد:

 

دَرْءًا لِلْفِتْنَة وقَطعًا للشِّقاقِ وتَحْريشِ الشَّيطانِ حِينَ فُهِمَتِ المَسألَةُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وبدَأ البَعْض يُشَنِّعُ فيمَا لا يَسْتَحِقُّ التَّشنيعَ -واللَّهُ المُستَعانُ-.

 

اسْتَعَنْتُ باللَّه وأَملَيْتُ هذا البَيان المُختَصَر؛ بَعْد الِاسْتِماعِ لِمَا أرْسَلَهُ لنا الإخْوَةُ مِنْ أقوالِ الشَّيخ -حفظهُ الله- صَوْتِيًّا وكِتَابِيًّا؛ نَقُول مُستَعِينِينَ باللَّه:

 

- أوّلًا: الشَّيخ -حفظهُ اللَّهُ ونَفَعَ المُسْلِمِينَ بعِلْمِهِ-، يُصَرِّحُ ''بأنَّ قَوْلَ مَنْ عَذَرَ المُشْرِكِين المُنْتَسِبِين أشْنَعُ وأضَلُّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّة الأوَائِل بشَأن المُشْرِكِين''، والشَّيْخ يُصَرِّحُ ''بِكُفْرِ مَنْ عَذَرَ أعْيَانَ المُشْرِكِين المُنْتَسِبِين''، ولَكنَّهُ يقولُ "بأنَّ هَؤُلَاء العَاذِرِيَّةِ معَ كُفْرِهِم وشِرْكِهِم لا يُوصَفُونَ ''بالتَّجَهُّمِ'' لِمُجَرَّدِ ذلكَ؛ بَلْ هُمْ جَهْمِيَّةٌ مِنْ أبوابٍ أُخْرَى".

 

- ومعَ ما سَنُبَيِّنُهُ مِنْ أسبابِ لِاخْتِلافِ وِجْهَةُ نَظَرِنَا مَع الشَّيْخِ -حفظهُ الله- في هذه المَسْألَةِ السَّائغَةِ اليَسِيرَة، فالخِلَافُ مع الشَّيْخِ مُجَرَّدُ خِلافٍ لَفْظِيٍّ غَير حقيقِيٍّ وخلافٌ صُورِيٌّ لا أَثَرَ لهُ في غايَةِ وثَمَرَةِ الحُكْمِ.

 

فلا يَصِحُّ أنْ يُنْقَلَ عنْ هذا الشَّيْخِ -حفظهُ الله- عِباراتٍ مُفْرَدَةٍ في هذهِ المَسْألَةِ تُوهِمُ الجُهَّال والمُبتَدِئِينَ أو المُتَرَبِّصين الحاقِدِين بأنَّ الشَّيْخَ لا يُكَفِّرُ عَاذِرِيَّةِ أعْيَانِ المُشْرِكِين المُنْتَسِبِين أو أنّهُ يَجْعَلُ أقْوال الجَهْمِيَّة في أعْيَانِ المُشْرِكِين أشْنَعُ مِنْ هؤلاءِ مِنْ كُلِّ وَجهٍ.

 

- ثانِيًا: يُسْتَدْرَكُ على قَوْلِ الشَّيْخِ -حفظهُ اللَّهُ ونَفَعَ به- ما يَلِي:

 

▪ لَعَلَّه يَتَأمَّل المَسْألَةَ مَرَّةً أُخْرَى حِينَ قَالَ «بأنَّ عاذرَ أعْيَان المُشْرِكِينَ لا يُوصَفُ "بالتَّجَهُّمِ" لأجلِ هذهِ المسْألَةِ تَحْدِيدًا بِحُجَّةِ أنَّ الجَهْمِيَّة الأوائِل كَفَّرُوا المُشْرِكِين . . .ولَكِنَّهُم يُعَدُّونَ جَهْمِيَّة مِنْ أبوابٍ أُخْرَى».

 

وسَبَبُ الخَطأ اشْتِرَاطُه -حفظهُ الله- لِوَصْف "التَّجَهُّمِ" مُوافَقَةُ قَوْلِ الجَهْمِيَّة في جانِبٍ واحِدٍ مِنْ هذه المَسْألَةِ وهوَ (جانب تَكْفِير المُشْرِك فقط)، ولَكِن هُنَاك جوانبًا أُخْرَى في ذاتِ مَسْألَة الشِّرْك هذه ذَهَلَ -فَضِيلَتُهُ- عَن تَذَكُّرِها والتَّنَبُّهِ لها وهي لا تَخْفَى على شَرِيفِ عِلْمِ فَضِيلَتِه.

 

فَعُذْرُ أعْيَانِ المُشْرِكِين مُوافِقٌ لمَنهَجِ وأُصولِ الجَهْمِيَّة مِنْ بَعْضِ الجَوانِبِ في هذه المَسْألَةِ ذاتِها ولا تَتَوَقَّفُ جَوانِب المَسْألَةِ عندَ اخْتِلافِ هؤُلاءِ الكَفَرَةِ الزَّنادِقَةِ في مُجَرَّدِ تَكْفِير المُشْرِكِين فَقط، وسَنُبَيِّنُ ذلكَ -بإذن الله- في النِّقاطِ:

 

◆ (ج)، (د)، (هـ)، وهذهِ الأسبابُ الثّلاثَةُ في عَيْنِ وَصْفِ الفَرِيقَيْن لِلْمُشْرِكِين (الجَهْمِيَّة الأَوَائِل -وعَاذِرِيَّةِ أعْيَان المُشْرِكِينَ مِن المُتَأَخِّرِينَ ولاسِيَّمَا مِن القَرْنِ السَّابع).

 

◆ والنُّقْطَة (أ)، لِبَيَانِ أنَّ وَصْفَ "التَّجَهُّمِ" أطْلَقَهُ الأئِمَّةُ على مَنْ قالَ بقَوْل ضَلالَةٍ حتَّى لَمْ يَقُلْهُ "الجَهْمُ" ولَمْ يَقُلْهُ أَوَائِلُ "الجَهْمِ" إذا كانَ بِشَبَهِ مَنَاهِجِهِم أو علَى مِنْهَاجِهِمْ.

 

◆ وأمَّا النُّقْطَة (ب)، فهِي وَصْفٌ أَعَمُّ في المُوافَقَةِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ تَلْزَمُ وَصْفَ "التَّجَهُّمِ" لَهُم.

 

وَلا يَخْفَى -فَضِيلَته-، أنّهُ لا يَلْزَمُ التَّوافُق والتَّواطُؤ التَّامُّ مِنْ كُلِّ وَجهٍ حتَّى يَسْتَحِقُّوا وَصْفَ "التَّجَهُّمِ" في هذه المسْألَةِ بل يَكْفِي مُوافَقَة الجَهْمِيَّة في جَانِبٍ واحِدٍ مِنْ هذه الجوانِبِ في هذه المَسْألَةِ ليَسْتَحِقُّوا بِها وَصْفَ "التَّجَهُّمِ".

 

* فكيفَ وقد وافَقُوهُم مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ في ذاتِ المَسْألَة؟

 

وتَفْصِيلُ بَيَانِ ما سبقَ

 

- لا يَخْفَى الشَّيْخ -حفظهُ الله- بأنَّ الكثِيرَ مِنْ أقْوالِ وكُفْرِيَّاتِ الجَهْمِيَّة لم يَثْبُتْ عَن "الجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ" ذَاته التَّنْصيص عَليها؛ بل لَم تُعْرَفْ إلَّا بعدَ وَفاتِهِ.

 

وكُلُّ ما قالَهُ اتِّباعُ نَهْجِهِ مِن "الأشَاعِرَةِ" و"المُعْتَزِلَةِ" ونَحوِهِم مِن بَعضِ الفلاسِفَةِ قد عَدَّهُ السَّلَفُ والأئِمَّة تَجَهُّمًا وإنْ لم يَقُلْهُ "الْجَهْمُ" ذاتُه ولم يَقُلْهُ أيضًا أوائِلُ الجَهْمِيَّة؛ ولذلِك "فالتَّفْوِيضُ" الَّذي انْتَشَر لدَى المُتَأَخِّرِين يُعَدّ "تَجَهُّمًا" وإنْ كان عامّةُ وأكْثَر أوائِلِ الجَهْمِيَّة لم يَقُولُوا بِهِ.

 

- وهناك عِبارَةٌ لم يَقُلْ أحَدٌ مِن الجَهْمِيَّة الأوائِل ولا مِن "المُعْتَزِلَةِ" بها كَامِلَةً؛ نَعَم، قالَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ هذه الجُمْلَةِ ولَكِنْ لم يَقولُوا بِهَا كَامِلَةً، ومعَ ذلكَ جَهَّمَ السَّلَفُ مَنْ قالَ بها وهي مَقولَة «بأنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ والتِّلَاوَة الَّتي هي حَرَكَةُ الألْسُنِ والأصْوَاتِ مَخْلُوقَةٌ»؛

 

وَلم يَثْبُتْ عَن "الجَهْمِ" ولا غيرِهِ التَّصريح بالشِّقِّ الأوَّلِ مِنْ هذهِ العِبارَةِ.

 

- وقَوْلُهُم "بِخَلْقِ القِرَاءَة وَالتِّلَاوَة" يَتَنَزَّلُ على الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ ولمْ يُصَرِّحُوا بأنَّ ذلكَ مَقْصُورٌ على حَركَةِ اللِّسانِ كما فَعلَ أتباعُهُم الَّذين اِللْتَبَسَ الأمرُ عَليهِمْ.

 

وَلا عُذْرَ لِعُلَمَاءِ اللَّفْظِيَّة ولَكِنَّ الضَّلَالَ دَرَكاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ.

 

- وبِذَلِك فَكَوْن "الجَاحِظِ"؛ وهو مِنْ "المُعْتَزِلَة"ِوهُم مِنْ أخَصِّ النّاسِ بوَصْفِ التَّجَهُّمِ بلْ هم عامَّةُ الجَهْمِيَّة زَمَن "الإمامِ أحْمَد" بل ومِنْ زمنِ شُيُوخِه.

 

أقولُ: فَإذا كان "الجَاحِظُ" المُعْتَزِلِيُّ الجَهْمِيُّ قالَ قَوْلًا فحَسْبَ نَهْج وطَريقَة السَّلَف والأئِمَّة يُعَدُّ مِن أقْوالِ الجَهْمِيَّة؛ و"الجَاحِظُ" قال بِعُذْر المُشْرِكِينَ وكذلك "الغَزَالِيُّ" قالَ بِعُذْر مُشْرِكِي أهلِ الكِتابِ، وكَوْنَنا نَنْسُبُ بعضَ أقوالِ "الأشاعِرَة" الجَهْمِيَّة و"المَاتُرِيدِيَّة" الجَهْمِيَّة "للتَّجَهُّمِ".

 

* فكيفَ لا يُنْسَبُ قَوْلُ مُعْتَزِلِيٍّ جَهْمِيٍّ "كالجَاحِظِ" للتَّجَهُّمِ؟

 

وبذلِك فعُذْرُ المُشْرِكِين يُعَدُّ مِنْ أقْوالِ الجَهْمِيَّة بهذا الِاعْتِبَار.

 

ب/- نُلْفِتُ نَظَرَ فَضِيلَتِه -حفظهُ الله- إلى التَّأَمُّلِ في عِلَّةِ إِجْماعِ السَّلَفِ وعَدمِ تَقْيِيدِهِم لوَصْفِ "التَّجَهُّمِ" لمنْ لَم يُكَفِّرْ بعضَ أصْنَافِ الجَهْمِيَّة، بَلِ السَّلَفُ أجْمَعُوا أنَّ مُجَرَّدَ عَدمِ تَكْفِيرِ المُنْتَسِب لِلعِلْم ''لِلْكافِرِ'' مِن الجَهْمِيَّة "الخَلقِيَّة" و"اللَّفْظِيَّة" و"الوَاقِفَةِ" وغَيرِهِم مِن الجَهْمِيَّة يُعَدّ "تَجَهُّمًا" بحَدِّ ذاتِهِ.

 

- وآثارهُم صَريحةٌ بتَكْفِيرِ بعضِ أئِمَّةِ السُّنَّةِ (سابقًا) "كيَعْقُوبِ بْنِ شَيْبَةَ" وغَيرِهِ حِينَ قالُوا بالوَقْفِ أو اللَّفْظِ مع أنَّ هؤُلاء العُلَماء كانت الأسبابُ الَّتي دَفَعَتْهُم لذلِك مُجَرَّد شُبْهَةٍ تَختلِفُ عن أسبابِ ودَوافِعِ الجَهْمِيَّة الزَّنادِقَة القائمَة على إرادَةِ التَّوَصُّل لِلْقَوْل "بِخَلْقِ القُرآنِ".

 

وهذا وغيرُهُ مِن إجماعِ السَّلَفِ بِتَكْفِير عاذِرِ أولئكَ صَريحٌ بأنَّ عِلَّةَ وَصْفِ "التَّجَهُّمِ" هي التَّرَدُّدُ والشَّكُّ أو عَدم التَّكفيرِ لأولئك حتَّى لو لَم يَقُلْ بأقوال الجَهْمِيَّة وحتَّى لو كَفَّرَ الجَهْمِيَّة سَواءٌ كان سَببُ عَدمِ تَكفيرِ هذا العالِمِ لأولَئِك:

 

-> لِمُوافَقَة الجَهْمِيَّة.

 

-> أو لِشُبْهَةٍ والْتِباسٍ حتَّى مِمّن يُكَفِّرُ الجَهْميَّةَ ويُخالِفُهُم.

 

-> أو لتَوَّرُعٍ وتَرَدُّدٍ حتَّى مِمَّن يُكَفِّرُ الجَهْمِيَّةَ وَيُخالِفُهم.

 

فهُو لكُلِّ ذلكَ وغَيرِهِ جَهْمِيٌّ بصَرْفِ النَّظَرِ عَن أسبابِ وعِلَلِ عَدمِ تَكْفيرِهِ.

 

”فالسَّلفُ أطلَقُوا ولَم يُفَصِّلُوا ولم يُمَيِّزُوا بَيْن دَوافِعِ أولَئِك العاذِّرِيَّةِ لأولَئِك حِينَ وَصَفُوهُم "بالتَّجَهُّم"، لأنَّ عِلَّةَ وَصْفِ "التَّجَهُّمِ" هي التَّرَدُّدُ والشَّكُّ أو عَدم التَّكفيرِ لأولَئِك، فذلك بحَدِّ ذاتِهِ يُعَدّ ''تَجَهُّمًا'' بصَرْفِ النَّظَرِ عن اخْتِلافِ الأسبابِ“

 

ج/- فيما سَنذْكُرُهُ مِن مِثالٍ مِن قَوْلِ "الأشَاعِرَة" الجَهْمِيَّة ''كالقَاضِي عِيَاض''، يَظهرُ أنَّ مَنهَجَ الجَهْمِيَّة عَدم التَّلازُمِ بينَ الظَّاهِرِ والباطِنِ، (فعِند هؤُلاء الجَهْمِيَّة قد يَقعُ الكُفرُ ظاهِرًا بقَوْلٍ أو فِعْلٍ مع -قَصْدِ الفِعْلِ دُونَ إكْراهٍ ودُون ذُهُولٍ- فيَقَعُ ذلكَ الكُفرُ ظاهِرًا بالقَولِ والفِعل؛ وهم قد يَصِفُون القَولَ والفِعلَ ذاتَه بأنّهُ كُفرٌ دَالٌّ على كُفرِ القَلْبِ وتارَةً باعْتِبارِ المَآلِ واللَّازِمِ وحقيقةٍ دافِعَةٍ وسَبَبُه مِن جُحودٍ أو شَكٍّ أو تَكذيبٍ وغَيرِه)، ولَكِنَّ القَلْبَ مع ذلكَ عندَهُم في حالَةِ إيمانٍ لم يَدْخُلْهُ الكُفر.

 

فالكُفرُ عندَهُم في القَوْلِ والعمَلِ لا يَلْزَمُ منهُ كُفر القلبِ إلَّا في كُفرِيَّاتٍ مَحدودَةٍ عندَهُم.

 

-> ولذلك قالَ الجَهْمِيّ "القاضي عِياض" «من قالَ بأنَّ اللَّهَ عالِمٌ بلا عِلْمٍ كَفَرَ في المَآلِ وليس في الحالِ»!، وقد نَقل هذه العِبارَة "عَبْدالعَزِيز آل عَبْداللَطِيف" في كتابِ "نَواقِض الإسلام" والَّذي قَدَّمَهُ "اللُحَيدان" و "البرَّاك" وجَميع هؤلاء الجَهْمِيَّة وافَقُوا "القاضي عِياض" الجَهْمِيّ على ذلك.

 

وبذلك فمَن وافقَ الجَهْمِيَّة بعَدَم التَّلازُم فيَصِحُّ أن يُسَمَّى جَهْميًّا مِن هذا الوَجهِ.

 

-> ومنْ وَصَفَ "عابِدَ القَبر المُستَغيث بِه"، وقَال: ''بأنَّ عَملَهُ وقَولَهُ مِن الكُفرِ والشِّرْكِ ولكنَّهُ في حالِ شِرْكِه واستِغاثَتِه لا يَكْفُرُ باطِنًا بقَلْبِه للتَّأوُّل والشُّبْهَة والجَهْل والتَّقْلِيد''.

 

فقد وافقَ الجَهْمِيَّة بزَعْمِهِ أنَّ قَلبَ ذلك المُشْرِك لَم يَكْفُرْ لِكَوْنِه قد عَلَّقَ وحَصَر الكُفْرَ والشِّرْكَ بذات اسْتِغاثَتِه بالمَيِّت فقط، وجَنَّبَ الباطِنَ والقلبَ وَصْفَ الكُفرِ والشِّركِ؛ وبذلك فقد وافقَ الجَهْمِيَّة مِن هذا الوَجْهِ فيَصِحُّ تَسمِيَّتُه جَهْميًّا بذلك.

 

د/- الجَهْمِيَّة تَشترِطُ التَّعَمُّدَ والقَصْدَ الْقَلْبِيَّ بِنِيَّةٍ؛ وقَصدُ الكُفْر القَلبِيِّ مِن:

 

-> الخُروجِ وتَركِ الإسلامِ بذلك العَمل والقَوْل الكُفرِيِّ.

 

-> أو تَعَمُّدِ وقَصْدِ مُضادَّةِ ومُخالَفَةِ النُّصوصِ والحَقّ.

 

-> أو قَصْدِ الاسْتِحْلال لذلك القَوْلِ والفِعْلِ الكُفرِيِّ.

 

فمَن تَلَبَّسَ بالكُفْر ظاهِرًا ولم يَقصدْ ويتَعَمّد ما سَبقَ فلا يَزالُ في دائرَةِ الإسلام عندَهُم، فأحَدُ المَوانِع والمَعاذِيرِ عِندَهُم هو قَصْدُ وتَعَمَّدُ الكُفرِ القَلبِيِّ.

 

- وحقيقَةُ مَوانِعِ ومَعاذِيرِ (التَّأوِيل والشُّبْهَة والجَهْل والتَّقْلِيد) هي عَيْنُ القَوْلِ بعدَمِ تَعَمُّدِ وقَصْدِ الكُفر والخروجِ من الإسلامِ وعَدمُ قَصْدِ وتَعَمُّدِ مُخالفَة ومُضادَّة الحَقّ والنُّصوص، فالمُشرِكُ عِندَهُم تَأَوَّل ولم يَتَعَمَّدْ وعَرَضَت لهُ شُبْهَةٌ ولم يَقْصِدْ، ولم يَقْصِدْ مُضادَّة ومُعانَدَة الحَقّ وَالنُّصوص، ولم يَقْصِدْ تَركَ الإسلامِ والخُروج منه.

 

وبذلك يَسْتَحِقُّون وَصْفَ "التَّجَهُّمِ" بمُوافَقتِهم للجَهْمِيَّة مِن هذا الوَجهِ.

 

هـ/- نُصوصُ الشَّريعَة وآثارُ السَّلَفِ فيها تَوْسِعَةُ تَعْليقِ الوَصْفِ لمُجَرَّد المُشابَهَة ولو كانت ظاهِرِيَّة.

 

* فكيف والمُوافقَة هنا ليست ظاهِرِيَّة فقط في بعضِ الحالاتِ؟

 

”ولذلك وُصِفَ المُرْجِئَة بيَهود القِبْلَة، ووُصِفَ القَدَرِيَّة بالمُشْرِكِين، ووُصِفَ من يَنْسُبُ المَعْصِيَةَ لِلعَبْد ويَنْفِي -تقدير اللَّه لها- بأنَّه كالمُشْرِكِين الَّذينَ قالُوا باِلاَهِ الخَيْر والنُّور والَاهِ  الشَّرّ والظَّلام“

 

فَمَن شَابَه الجَهْمِيَّة بِعَدَم التَّكْفِير عُمومًا فيَصِحُّ تَسمِيَّتُه جَهْميًّا.

 



 وصلّى الله وسلّم وبارك على محمّد وآله وصحبه أجمعين 

 





نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *