فضلُ العَشْرِ الأواخِرِ ولَيْلَةِ القَدْرِ
فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
❍ ..”عبادَ اللّٰه!
إنَّ شهرَ رمضانَ قد عزمَ على الرَّحيل، ولم يبقَ منهُ إلَّا القليل، فمن منكُم أحسنَ فيهِ فعليهِ التَّمام، ومَن فرَّط فليَختِمهُ بالحُسنى فالعملُ بالخِتام.
فاستمتِعُوا منهُ ما بقيَ مِنَ اللَّيالي اليسيرةِ والأيَّامِ، واستَودِعوهُ عملاً صالحًا يشهدُ لكم بهِ عند الملكِ العلَّامِ، وودِّعوهُ عندَ فراقِه بأزكىٰ تحيَّةٍ وسلامٍ“ (لطائف المعارف)
❍ 1/- فضلُ العَشْر الأواخِر:
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿وَالْفَجْرِ ۞ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾[الفجر:1-2].
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج ابْن الْمُنْذر، وَابْن أبي حَاتِم؛ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ قَالَ: هِيَ الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان.
- وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي "كتاب الصَّلَاة"؛ عَن أبي عُثْمَان قَالَ: كَانُوا يعظمون ثَلَاث عشرات العشْر الأول من الْمحرم وَالْعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَالْعشر الْأَخير من رَمَضَان.
← أَخَرَجَ أَبُو بِكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" (8673)؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ أَيْقَظَ أَهْلَهُ وَرَفَعَ الْمِئْزَرَ» قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَا رَفْعُ الْمِئْزَرِ؟ قَالَ: «اعْتِزَالُ النِّسَاءِ».
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (2020) وَاللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (1169)، فِي صَحِيحهِما؛ عن عائشةَ -رضِيَ اللهُ عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ".
← قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" (8690): حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ كَصَلَاتِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، فَإِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ اجْتَهَدَ».
(8689)؛ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ».
(8691)؛ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ اجْتِهَادًا، لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ».
❍ الاعتكافُ: كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (2027) وَاللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (1167) فِي صَحِيحهِما؛ عَنْ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ".
❍ العُمْرَةُ:
← أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحهِ" (1256)؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ سِنَانٍ: "فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً - أَوْ حَجَّةً مَعِي".
❍ 2/- فضلُ ليلةِ القَدرِ:
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۞ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۞ تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۞ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾{سورة القدر}.
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ۞ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۞ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾[الدخان:3-4-5].
◉ أُنزِلَ فيها القُرآنُ:
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾
-> أَخَرَجَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "تَفْسِيرِه"ِ (1650)؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَأَلَهُ عَطِيَّةُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَنَّهُ وَقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكُّ قَوْلُهُ: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن"ُ وَقَوْلُهُ: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" وَقَالَ: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ"، وَقَدْ أُنْزِلَ لِشَوَّالٍ وَذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَشَهْرِ رَبِيعٍ.
- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ''إِنَّمَا نَزَلَ فِي رَمَضَانَ، وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَفِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ مِنَ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ''.
- وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوُهُ، وَذُكِرَ فِيهِ «إِلَى بَيْتٍ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ بَيْتُ الْعِزَّةِ».
← أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِه"ِ؛ عن ابن عباس، في قوله ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينزله على رسوله، بعضه في أثر بعض، ثم قرأ: ﴿وقالوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا﴾.
◉ يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ:
← أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ؛ عن مجاهد (لَيْلَةُ القَدْرِ) قال: «لَيْلَةُ الْحُكْمِ»
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾
- وأَخَرَجَ عن مجاهد، في قوله ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.
← قال الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: "نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان، وإنها لليلة القدر، ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق، إلى مثلها.
- وأَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ؛ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ليلة القدر في كلّ رمضان.
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج مُحَمَّد بن نصر؛ عَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر أَهِي شَيْء كَانَ فَذهب أم هِيَ فِي كل عَام فَقَالَ: "بل هِيَ لأمة مُحَمَّد مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان".
- وَأخرج الديلمي؛ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "إن الله وهب لأمتي لَيْلَة الْقدر وَلم يُعْطهَا من كَانَ قبلهم".
- وَأخرج عبد بن حميد؛ عَن عبد الله بن مكانس مولى مُعَاوِيَة قَالَ: قلت لأبي هُرَيْرَة: زَعَمُوا أَن لَيْلَة الْقدر قد رفعت قَالَ: كذب من قَالَ ذَلِك.
قلت: هِيَ فِي كل رَمَضَان أستقبله، قَالَ: نعم.
قلت: زَعَمُوا أَن السَّاعَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة لَا يَدْعُو فِيهَا مُسلم إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ قد رفعت.
قَالَ: كذب من قَالَ ذَلِك، قلت: هِيَ فِي كل جُمُعَة اسْتَقْبلهَا، قَالَ: نعم.
◉ أنَّها ليلةٌ مُبارَكة وتَغْفَرُ فِيهَا الذُّنُوب:
• فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ؛ وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ.
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ﴾
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۞ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (35) وَاللَّفْظُ لَهُ، ومُسْلِمٌ (760)، فِي صَحِيحهِما؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضِيَ اللهُ عنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ - إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا - غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج عبد بن حميد؛ عَن أنس قَالَ: "الْعَمَل فِي لَيْلَة الْقدر وَالصَّدَََقَة وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة أفضل من ألف شهر".
- وَأخرج عبد الرَّزَّاق، وَابْن الْمُنْذر، وَمُحَمّد بن نصر، وَابْن أبي حَاتِم؛ عَن مُجَاهِد {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قَالَ: خير من ألف شهر عَملهَا أَو صيامها وقيامها وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الشُّهُور لَيْلَة الْقدر.
- وَأخرج مَالك فِي "الْمُوَطَّأ"، وَالْبَيْهَقِيّ فِي "شعب الإِيمان" عَنهُ؛ أَنه بلغه "أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِي أَعمال النَّاس قبله أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك فَكَأَنَّهُ تقاصر أَعمار أمته أَن لَا يبلغُوا من الْعَمَل مثل مَا بلغ غَيرهم فِي طول الْعُمر فَأعْطَاهُ الله لَيْلَة الْقدر خيرا من ألف شهر".
- وَأخرج ابْن الْمُنْذر، وَابْن أبي حَاتِم، وَالْبَيْهَقِيّ فِي "سنَنه"؛ عَن مُجَاهِد "أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر رجلا من بَين إِسْرَائِيل لبس السِّلَاح فِي سَبِيل الله ألف شهر فَعجب الْمُسلمُونَ من ذَلِك فَأنْزل الله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} الَّتِي لبس فِيهَا ذَلِك الرجل السِّلَاح فِي سَبِيل الله ألف شهر.
- وَأخرج عبد الرَّزَّاق، وَعبد بن حميد، وَابْن جرير، وَمُحَمّد بن نصر، وَابْن الْمُنْذر؛ عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قَالَ: خير من ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر، وَفِي قَوْله: {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر} قَالَ: يقْضِي فِيهَا مَا يكون فِي السّنة إِلَى مثلهَا، {سَلام هِيَ} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ بركَة كلهَا وَخير، {حَتَّى مطلع الْفجْر} يَقُول: إِلَى مطلع الْفجْر.
← أَخَرَجَ أَبُو بِكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" (8693)؛ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيّ، قَالَ: «يَوْمُهَا كَلَيْلَتِهَا، وَلَيْلَتُهَا كَيَوْمِهَا».
◉ بَيانُ فضْلِ الثُّلثِ الأخيرِ مِن اللَّيل، وفضلِ الصَّلاةِ، والدُّعاءِ فيه:
• الثلُثُ الأخيرُ منَ الليلِ أفضلُ أوقاتِ اللَّيلِ؛ تَصْفو فيه النُّفوسُ، وتَطيبُ فيه العِبادةُ، ويُستَجابُ فيه الدُّعاءُ، خصَّه اللهُ تعالَى بالنُّزولِ فيه إلى السَّماءِ الدُّنيا، وتَفضَّلَ على عِبادِه فيه، وأفاضَ الخيرَ على مَن طلَبَه.
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (1145)، ومُسْلِمٌ (758) فِي صَحِيحهِما؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟".
← أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحهِ" (758)؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ؛ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ".
← قال محمَّد بن سلام البيكنديُّ -كما في "اعتقاد أهلِ السُّنَّة" للصَّابوني-: سألتُ عبد الله بنَ المُباركِ عن نزول ليلةِ النِّصف من شعبان، فقال: "يا ضعيف!، في كلّ ليلةٍ يَنْزِلُ".
◉ الدُّعاءُ ومَا يُقالُ لَيلتها:
← أَخَرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ (3513) وغيره؛ عَنْ عَائِشَةَ -رضِيَ اللهُ عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ؛ فَاعْفُ عَنِّي".
◉ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ:
• أخبَر صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ «سيِّد الاستغفارِ»، أي: أفضلَ صِيَغ الاستغفار و أكثرَها ثوابًا، وسُمِّيَ سَيِّدًا لأنَّه جامِعٌ لِمَعانِي التوبةِ كلِّها.
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحهِ" (6323)؛ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ؛ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ -أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ- وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ".
◉ ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ:
• فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج سعيد بن مَنْصُور، وَابْن الْمُنْذر؛ عَن مَنْصُور بن زَاذَان قَالَ: {تنزل الْمَلَائِكَة} من حِين تغيب الشَّمْس إِلَى أَن يطلع الْفجْر يَمرونَ على كل مُؤمن يَقُولُونَ: السَّلَام عَلَيْك يَا مُؤمن.
- وَأخرج ابْن الْمُنْذر؛ عَن الْحسن فِي قَوْله: {سَلام} قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر لم تزل الْمَلَائِكَة تخفق بأجنحتها بِالسَّلَامِ من الله وَالرَّحْمَة من لدن صَلَاة الْمغرب إِلَى طُلُوع الْفجْر.
- وَأخرج الْبَيْهَقِي؛ّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر نزل جِبْرِيل فِي كبكبة من الْمَلَائِكَة يصلونَ على كل عبد قَائِم أَو قَاعد يذكر الله تَعَالَى فَإِذا كَانَ يَوْم عيدهم باهى بهم الْمَلَائِكَة فَقَالَ: يَا ملائكتي مَا جَزَاء أجِير وفى عمله قَالُوا: رَبنَا جَزَاؤُهُ أَن يُؤْتى أجره.
قَالَ: يَا ملائكتي عَبِيدِي وإمائي قضوا فريضتي عَلَيْهِم ثمَّ خَرجُوا يعجون إليّ بِالدُّعَاءِ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وكرمي وعلوي وارتفاع مَكَاني لأجيبنهم فَيَقُول: ارْجعُوا فقد عفرت لكم وبدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات فيرجعون مغفوراً لَهُم.
◉ ليلةُ القَدرِ سَلامٌ:
• فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها.
✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾
← أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِه"ِ؛ عن مجاهد (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) قال: من كلّ أمر سلام.
- قَالَ الطَّبَرِيُّ: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (سَلامٌ هِيَ) قال: ليس فيها شيء، هي خير كلها (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَلام} قَالَ: تِلْكَ اللَّيْلَة تصعد مَرَدَة الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وعفاريت الْجِنّ وتفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء كلهَا وَيقبل الله فِيهَا التَّوْبَة لكل تائب فَلِذَا قَالَ: {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} قَالَ: وَذَلِكَ من غرُوب الشَّمْس إِلَى أَن يطلع الْفجْر.
❍ 3/- تَحَرِّي لَيْلَةَ القَدْرِ على ثَلاثِ مَراتِب:
أ/- أَرْجَى اللَّيالِي لَيلَة (سَبْعٍ وعِشْرِين)َثُمَّ تَلِيها (ثَلَاثٍ وعِشْرِين) وبالتجربة وَالتَّحَرِّي لِلشَّمْس.
← أَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (762)؛ عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ -يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي- وَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا.
← قَالَ أَبُو بِكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" (8667): حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ قَنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: «كَانَ عُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَبْقَى ثَلَاثٌ». قَالَ زِرٌّ: «فَوَاصَلَهَا».
- أَخْرَجَ (8668)؛ عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، يَقُولُ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ».
- أَخْرَجَ (8675)؛ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُدْرِكْهَا» قَالَ: وَقَالَ أُبَيٌّ: «لَقَدْ عَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ».
- أَخْرَجَ (8671)؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِسَبْعٍ تَبْقَى، تَحَرَّوْهَا لِتِسْعٍ تَبْقَى، تَحَرَّوْهَا لِإِحْدَى عَشْرَةَ تَبْقَى صَبِيحَةَ بَدْرٍ، فَإِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، إِلَّا صَبِيحَةَ بَدْرٍ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْضَاءَ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ».
← أَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (1168)؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ -رضِيَ اللهُ عنهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ" قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْصَرَفَ، وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
- أَخْرَجَ أَبُو بِكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" (8687)؛ عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّهَا كَانَتْ تُوقِظُ أَهْلَهَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ».
- وأَخْرَجَ (8688)؛ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ يَرُشُّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَاءَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ».
ب/- ثُمّ التَّحَرِّي فِي الأوْتارِ هو الأصْلُ للأحاديثِ المَشْهورَة في هذا الشَّأنِ.
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِِ (2017)؛ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ".
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (2036)، ومُسْلِمٌ (1167) فِي صَحِيحهِما؛ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال: "إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُها -أو أُنسيتُها-؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلِّ وَترٍ".
← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أخرج أَحْمد، وَابْن جرير، وَمُحَمّد بن نصر، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن مرْدَوَيْه؛ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: فِي رَمَضَان فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فَإِنَّهُمَا فِي لَيْلَة وتر فِي إِحْدَى وَعشْرين أَو ثَلَاث وَعشْرين أوخمس وَعشْرين أَو سبع وَعشْرين أَو تسع وَعشْرين أَو آخر لَيْلَة من رَمَضَان من قامها إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمن أماراتها أَنَّهَا لَيْلَة بلجة صَافِيَة سَاكِنة ساجية لَا حارة وَلَا بَارِدَة كَأَن فِيهَا قمراً ساطعاً وَلَا يحل لنجم أَن يرْمى بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى الصَّباح وَمن أماراتها أَن الشَّمْس تطلع صبيحتها لَا شُعَاع لَهَا مستوية كَأَنَّهَا الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَحرم الله على الشَّيْطَان أَن يخرج مَعهَا يَوْمئِذٍ.
ج/- التَّحَرِّي في العَشْرِ.
← أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحهِ" (1167)؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي، فَنُسِّيتُهَا؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ". وَقَالَ حَرْمَلَةُ: "فَنَسِيتُهَا".
← أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحهِ" (1167)؛ عن عبدالله بن عُمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ: "إِنَّ نَاسًا مِنْكُمْ قَدْ أُرُوا أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ، وَأُرِيَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْغَوَابِرِ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ".
د/- وهذا الرَّابِعُ؛ اجْتِهادٌ من بَعْضِهِم بَناهُ على رَصده لِسِنِين عَديدَةٍ بأحدثِ الأجْهِزَة ثُمَّ بَدأ يَبْحَثُ في دَلالَةِ بعضِ الأدِلَّةِ على إمْكانِيَّةِ مَعرِفَتِها فَتَشَبَّثَ بحديثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- في سُؤالِها لِلنَّبِي -صلّى اللَّهُ عليهِ وآله وسَلّم-.
• وَنَحْن نُورِد ذَلِك لِلعِلْم والتَّأَمُّل والتَّحَرِّي وليس لِمُوافَقتِه عليه، ولا نَرَى ذلكَ حَتّى لو كان تكرارُ رُؤيَةِ الشَّمسِ صبيحَةَ تلك اللَّيلةِ يشهدُ على ذلكَ كثيرًا طيلَة سِنِين مديدَة، ولكن مثل هذا التّكرار مهما كَثُرَ لا يُبْنَى عليه الجَزم بثُبوتِها فيه، ولا سيَّما ودلالَة بَعضِ الآثارِ المُحَدَّدَة للَيْلَةِ القَدْرِ بِلَيْلَة بعَيْنِهَا -من الشَّهْرِ وليس من الأسبوع- تُخالفُ ذلك.
❍ 4/- وكان مِن هَدْيِ بعضِ السّلَفِ -رحمهم الله- كتَميمٍ الدَّارِيّ وثَابِتٍ البُنَانِيّ وحُمَيْدٍ الاغتِسال تلك اللَّيلَة والتَّطَيُّب في اللَّيلَة الَّتي تُرْجَى فيها لَيْلَةُ القَدْرِ:
← أَخَرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي "فضائل رمضان" (27)؛ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: «كَانَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَطَيَّبَانِ وَيَغْتَسِلَانِ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُحِبَّانِ أَنْ يُطَيَّبَ الْمَسْجِدُ بِنَضُوحٍ».
← أَخَرَجَ أَبُو بِكْرٍ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِه"ِ(9536)؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، وَزِرًّا، يَقُولَانِ: «لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِذَا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ وَلْيُفْطِرْ عَلَى لَبَنٍ، وَلْيُؤَخِّرْ فِطْرَهُ إِلَى السَّحَرِ».
← قال في "لطائف المعارف" (ص189): «وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر؛
- وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، فأمر ذر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.
- وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزار أو رداء فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
- وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول: "ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين".
- وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
- وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
• فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. وقال ابن عمر: "الله أحق أن يتزين له"، وروي عنه مرفوعا.
ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى».
وصلّى الله وسلّم وبارك على محمّد وآله وصحبه أجمعين