تثبيتُ التَّثبيتِ

 




تثبيتُ التَّثبيتِ

 

 

❍ إنَّ الحمدَ لله نحمدُهُ، ونستعينهُ، ونستغفره؛ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالنَا، من يهده اللّٰه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هَاديَ له. وأشهدُ أن لا إله إلّا اللّٰه -وحده لا شريكَ له-، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسوله. 

 

- أمَّا بعدُ:

 

• فقد طلبَ منِّي أحدُ إخواننا المشايخ -حفظهم اللّٰه، ونصرَ بهم الملَّة- أن أكتبَ في الذَّبِّ عن «كتابِ الأمِّ» لإمامِ الدُّنيا أبي عبد اللّٰه محمَّد بن إدريسَ الشَّافعيّ -رحمه اللّٰه-، وذلكَ أنَّ بعض الزّنادقة عمدوا إلىٰ التَّشكيكِ في الكتابِ، وفي نسبتِهِ للإمام -رحمه اللّٰه-. 

 

- وقد كتبَ -وفَّقهُ اللّٰه- مقالاً جمعَ فيه شتات ما تفرَّق من ردودِ بعض المعاصرينَ في الرَّدّ علىٰ هذهِ الفرية (١)، وفيما كتبَ وجمعَ كفايةٌ لمن أرادَ تحقيق الحقِّ في هذا الموضوع.

 

❍ وتعزيزًا للحقٍّ الذي قالَ -وفَّقهُ اللّٰه- وإعزازًا لهُ، ودفعًا للفريةِ (القديمة) (الحديثة)! التي قالَ بها هؤلاءِ الأدعياء، أقول -وباللّٰه أستعينُ-:

 

1/- ممَّا لا اختلاف فيهِ بين النَّاس، ولا بيننا وبينَ أولئكَ الزّنادقة عَلَميَّةُ الإمام الشَّافعيّ -رحمه اللّٰه ورضيَ عنهُ-، إذ «ما مسَّ أحدٌ محبرةً ولا قلمًا إلَّا وللشَّافعيِّ في عنقِهِ منَّةٌ» -كما قال الإمام أحمد-؛ بل إنَّهُ -رحمه اللّٰه- من فتحَ علىٰ أهلِ الحديثِ الأقفال: أقفال العلم؛ قال هلال بن العلاءِ ''الشَّافعيّ أصحابُ الحديث عيالٌ عليه، فتحَ لهم الأقفال'' -كما في المناقب للبيهقي-، حتَّى لقبوهُ بناصرِ الحديثِ، كما قال عن نفسِهِ فيما رواه عنه حرملةُ، قال: قال الشَّافعيّ ''سُمِّيتُ ببغدادَ ناصرَ الحديثِ''.

 

2/- فتحَ الإمام أقفال العلمِ علىٰ أهلِ الحديثِ بما خطَّ وقال وأملىٰ؛ لذلك كان أهل السُّنَّة والحديث يتواصون بلزوم قراءة كتبهِ ودرسها وسماعها والنَّظر فيها؛ قال الميموني: قال لي أحمد بن حنبلٍ ''لم لا تنظر في كتبِ الشَّافعيّ؟ فقلت له: يا أبا عبد اللّٰه، نحن مشاغيل؛ قال: فـ «كتاب الرِّسَالة» فانظر فيها، فإنَّها من أحسنِ كُتُبِهِ''، وقد وجَّه الإمام أحمد لإسحاق بكتاب الرِّسَالة؛ كما قال إسحاق - فيما رواهُ ابن أبي حاتمٍ في "المناقب"، وقد أوصى الإمام أحمد بكتابةِ كتبِهِ كما قال لأحمد بن القاسم وغيره، وبما أوصى بهِ أحمد أوصىٰ بهِ غيره من فقهاء أهل الحديثِ.

 

3/- وممَّا لا يشكُّ فيهِ كلُّ من كان منسوبًا للعلمِ، أنَّ في مقدَّم ما يدخل في وصيةِ أحمد وغيره لطلاَّبِ الحديث والفقه «كتاب الأمِّ» الذي يشككُ فيه هؤلاءِ الجهلة -على ما سيأتي بيانهُ، إن شاء اللّٰه تعالىٰ-.

 

▪ الباعثُ الذي جعلَ هؤلاء الجهلة ينكرونَ نسبةَ "كتاب الأمِّ" للإمام الشَّافعيّ -رحمه اللّٰه- هو: 

 

← جهلهم بكتبِ أهل العلم، وصفة تدوينهم لها، وكيفَ تروىٰ كتبهم، وكيف تنقل؛ وبماذَا تُثبتُ مصنفاتهم ودواوينهم عند أهل العلم والدّراية!

 

← والأمر الثَّاني: استنكارهم لبعضِ ما قرَّرهُ الإمام في "الأمِّ" ممَّا لم تبلغه عقولهم، وهم يخالفونه فيهِ! بل ويبدعونَ أهلَ السُّنَّة بذلكَ! فلمَّا خنقهم أهلُ السُّنَّة بكلامِ الشَّافعيّ -رحمَه اللّٰه- لم يكن لهم من الأمرِ إلَّا الفزعُ إلى إنكار الكتابِ على طريقةِ المريسي وأضرابه، فقد روىٰ الخلاَّل في كتابه "السُّنَّة" أنَّ رجلاً جاء إلىٰ المريسي يَستنصِحه! في صفةِ التَّعاملِ مع أهل الحديث إذا ذاكرهم الحديثَ، فقال له المريسي -العنيد- «إِذَا ذكروا حَدِيثَ النَّبيّ ﷺ قل: صدقتَ؛ ثمَّ اضربهُ بعلَّةٍ، فقل له "علَّةٌ!"».

 

• فهذا المسلكُ المريسيُّ والمنهج الإبليسيّ هو الذي يستعملهُ أحفادُهُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ -نسأل اللّٰه السَّلامةَ والعافيةَ-، ولسانُ حال -من نخاطبهم بهذا المقال- ''لو بدر منَّا الطَّعن في الشَّافعيّ لافتضحَ أمرنا، ولكن نردُّ ما قال تشكيكًا في الكتاب''.

 

”اعلموا -إخواني أهلَ السُّنَّة- أنَّ هذا الإنكار: فريةٌ لا خطام لها ولا زمام؛ بل هي فريةٌ "منكرة شديدةُ النَّكارة" لا تقوَّىٰ ولو كانت طرقها كثيرةً، فكيف ولا طريقَ يوجد!، وقد قال ابن المبارك -رحمه اللّٰه- «لولا الإسنادُ لقالَ من شاء ما شاء»“

 

- وأمَّا أوَّل من فتقَ هذه الفرية فهو أبو طالب المكّي في "قوت القلوب"! كما نقلَ عنه الغزَّالي في ''إحياء علوم الدّينِ''(٢).

 

- ومن المتأخّرينَ المعاصرينَ زكي مبارك في رسالة صغيرةٍ أسماها ''إصلاحُ أشنع خطأ في تاريخِ التَّشريع الإسلامي: كتابُ الأمِّ لم يؤلِّفه الشَّافعيّ، وإنَّما ألّفه البويطي وتصرَّف فيهِ الرَّبيع''؛ وقد ردَّ عليه أهل زمانِهِ(٣).

 

• ممَّا لا نختلف فيهِ مع (المشكّكينَ) في كتاب «الأمِّ» أنّ الشَّافعيّ -رحمه اللّٰه- كتب كتبًا عديدة كثيرةً. 

 

← قال الرَّبيع بن سليمان (٤) -كما في توالي التَّأسيس- "ألَّف الشَّافعي هذا الكتاب -يعني المبسوط- حفظًا لم يكن معه [كتابٌ]".

 

← قال يعقوب بن إسحاقَ -كما في «الانتقاء»- "كنَّا نأتي الشَّافعيّ، فنجد أحمد بن حنبلٍ عنده قد سبقنا إليه؛ وما زال معنا حتَّى سمعَ كتب الشَّافعيّ كلِّها". 

 

- فالإمامُ أحمدُ ممَّن كتبَ كُتُب الشَّافعيّ كلِّها (٥)، وممَّن كتبها كذلك: الإمام أبو عُبيدٍ، وتزوَّج الإمام إسحاق امرأة معها كتب الشَّافعيّ وكتبها كذلك، ومنهم أبو زُرعَةَ، ومنهم أبو حاتم، ومحمَّد بن مسلم بن وارةَ، وأحمد بن القاسم -صاحب أبي عبيدٍ-، وبكتابتها أوصىٰ علي بن المديني ولده بذلكَ.

 

• قلتُ: وهذا ممَّا يدلُّ علىٰ أنَّ الشَّافعيّ صنَّفَ كتبًا كثيرةً، كانت مشهورةً بينَ النَّاس، وكان أئمَّة الإسلام حريصين على كتابتها وتدوينها؛ بل كانت مشتهرة حتَّى عندَ النّساء في خدورهنَّ! -كما في قصة إسحاقَ مع المرأة التي تزوَّج؛ واللّٰه المستعان-.

 

❍ والآن نذكرُ كتبَ الشَّافعيّ التي لا يشكِّك فيها أحدٌ، ليتحررَ الكلام عن ''كتاب الأمِّ'' بعد ذلك فنلزمهم الحجّة التي تدلّ على بطلان ما ذهبَ إليه القوم من نفي الكتاب عن الإمام وتشكيكهم فيهِ: 

 

▪️ «كتاب الرِّسَالة» وهو أشهرُ كتبهِ رحمه اللّٰه، وقد كتب القديمة بيده -كما كتبها الزَّعفراني والإمام أحمد- وبعث بها إلىٰ عبد الرّحمٰن بن مهديٍّ، سلَّمها له الحارث بن سُريجٍ النَّقَّال -كما قال الحاكم في «معرفة علوم الحديث»-؛ وأمَّا الجديدة فكُتِبت بمصر وهي التي بين يدي النَّاس اليوم وعليها تعويلهم؛

 

• وفي كونها بخطِّ (الرَّبيع) عندي تردُّدٌ ليسَ هذا محلَّ بحثِهِ؛ والله الموفِّق. 

 

▪️ «جماع العلمِ» وقد طبعَ مفردًا بتحقيق أحمد شاكر المصري إلَّا أنَّ طبعته في غايةِ السُّوء؛ وطبعة «الوفاء» أسلم؛ واللّٰه أعلم. 

 

▪ ️«أحكام القرآن» وهو الذي كتبَهُ الإمام، وليسَ الذي جمعه البيهقي؛ وقد كان في "عداد المفقود" ثمَّ عُثِر عليه وطبع؛ فالحمدُ لله كثيرًا. 

 

▪ ️«اختلافُ الحديث» وقد طبعَ مع الأمِّ طبعةَ «الوفاء» وهيَ أسلم الطّبعاتِ.

 

• فهذه الكُتُب لا يُشكُّ أنَّها من تصنيفِ الإمام، وتأليفه؛ ونسبتها له ثابتةٌ بطرقٍ كثيرةٍ، والحمدُ لله ربِّ العالمينَ.

 

❍ بعدَ أن ذكرنا كتب الشَّافعيّ التي يتَّفق الجميعُ علىٰ أنَّهُ صنَّفَها وكتبها، نأتي الآن إلىٰ الحديث عن «كتاب الأمِّ»؛ ونبيِّن ثبوته من وجوهٍ:

 

أ/- الوجه الأوَّلُ:

 

-> قال البيهقيُّ: قرأتُ في كتاب أبي الحسن العاصمي، عن الزُّبير بن عبد الواحد، قال: حَدَّثني محمَّد بن سعيدٍ، قال: حدّثنا الفريابي -يعني: أبا سعيدٍ-، قال: قال الرَّبيع بن سليمَانَ ''أقام الشَّافعيّ هاهنا أربعَ سنين فأملىٰ ألفًا وخمسمائة ورقة (٦)؛ وخرج «كتاب الأمِّ» ألفي ورقة، وكتاب السُّنَّن وأشياء كثيرة، كلُّها في أربعِ سنين".

 

-> وروىٰ الخطيب في «تاريخه»، عن أبي الفَضلِ صالح بن أحمد بن محمَّد الحافظ في كتاب «طبقات الهمذانيين»، قالَ ''سمعتُ منه معَ أبي، وكانَ عنده عامَّةُ كتب الشَّافعيّ «الأمُّ»؛ وغيره، عن الرَّبيعِ ..".

 

• قلتُ: ففي هذينِ النَّقلينِ بيان أمور:

 

١- ذكر اسمِ كتاب الشَّافعيّ والتَّصريح باسمه؛ وأنَّ اسمه «كتاب الأمِّ» (٧)؛ وهذا الذي تتابع علىٰ إثباته (النُّساخ) الذين كتبوا «كتاب الأمِّ»؛ ومن رأى نُسَخ الكتاب الخطيَّة أدركَ ذلك وعلمهُ.

 

٢- أنَّ راويةَ كتب الشَّافعيّ عمومًا، و«كتاب الأمِّ» خصوصًا هو الرَّبيع بن سليمان -كما في النَّقل الثَّاني-.

 

٣- أنَّ الكتب التي نتفق مع المخالفين أنَّها من تصنيف الإمام -وقد سبق ذكرها-، لو جمعناها ما بلغَ عدد أوراقها هذا العدد المذكور في كلام الرَّبيع -كما في النَّقل الأوَّل-؛ فدل ذلك على كون كتاب «الأمِّ» الذي بينَ أيدي النَّاس اليوم هو ذاته الذي جاء في النَّقل، خلافا للمشككينَ.

 

ب/- أمَّا الوجهُ الثَّاني الذي نردُّ بهِ على القومِ فهو المتعلِّقُ بنسخِ الكتابِ المخطوطةِ، فهيَ -بحمد اللّٰه تعالىٰ- جميعًا تثبتُ أنَّ «كتابَ الأمِّ» للشَّافعيّ -رحمهُ اللّٰه-؛ ولكن ما للقومِ وهذا "الفنّ" وهم لا يُحسنونَ قراءة المطبوعِ! فلا نتشاغلُ بذكرِ ما لم تبلغه عقولهم، وتقوى علىٰ العلم به نفوسهم.

 

◉ وخـــلاصةُ هذا الوجهِ:

 

”أن نحثَّهم علىٰ النَّظر في تحقيقِ من حقَّق «كتاب الأمِّ» -طبعة الوفاء-، وينظروا في كلامِه على النُّسخِ الخطيَّة للكتَاب التي اعتمدها المحقِّق (۸)، فقد تكلَّم عن مخطوطات الكتاب في (١: ٣٠ -وما بعدَهَا) وصوَّر النُّسخَ التي اعتمدها في (١: ٤٧ -وما بعدها)؛ وكان من ضمن نسخِهِ التي اعتمدها نسخةٌ خطيَّة بترتيب ذاك البلقيني (۹)“

 

ج/- أمَّا الوجهُ الثَّالث

 

❍ سبقَ أن ذكرنا الكتب المتَّفق على صحَّة نسبتها للإمام -رضيَ اللّٰه عنهُ- بيننا وبين مخالفينا في هذا الباب، وهي

 

▪️الرّسالة، 

▪️وجماع العلم، 

▪️وأحكامُ القرآن، 

▪️واختلافُ الحديثِ؛

 

- وفي هذا الوجهِ الذي نردُّ به عدوانهم علىٰ كتاب «الأمِّ» نذكر (بعض) الأمثلة التي ذكرها الشَّافعيّ في كتبه "المتّفق عليها" وفي كتاب «الأمِّ»، وأذكر من «الأمِّ» أقرب لفظٍ قالهُ في كتبه المتّفق عليها -بإذن اللّه تعالىٰ-. 

 

• وأبدأُ بكتابِهِ الأصل ''كتابُ الرِّسَالة'' وأعقبه بغيره مرتَّبًا على ما مرَّ ذكرهُ؛ واللّٰه الموفِّقُ والهادي، ولا أذكر أرقام صفحات الكتب المتَّفق عليها بخلاف كتاب الأمِّ، إذ هو كتابٌ "مبسوط"(۱۰)

 

-> قال في «الرِّسَالة» "جهةُ العلم الخبرُ اللَّازم، والقياسُ بالدّلائل علىٰ الصَّواب". 

 

-> وقال في «الأمِّ» (٥ : ٥٤٥) "القولُ لا يجوزُ إلَّا أن يكونَ خبرًا، أو قياسًا معقولاً"؛ وذكرَ ذلكَ بمعناه في (٥ : ١٠)، (٣ : ٦٤٠)، (٦ : ٣٨١)، وغيرها من المواضعِ. فلتراجَع.

 

-> قال في «الرِّسَالة» "القرآن عربيٌّ؛ يكونُ منه ظاهرهُ عامًّا، ويرادُ بهِ الخاصُّ".

 

-> وقال في «الأمِّ» (٨ : ٥٤) "القرآن عربيٌّ؛ فيكون عامَّ الظّاهرِ، ويرادُ بهِ الخاصّ"؛ وذكر ذلكَ بمعناه في (٦ : ١٢) وغيرها. فلتراجَع.

 

-> قال في «الرِّسَالة» "ما نهىٰ عنه رسول اللّٰه ﷺ فهو علىٰ التّحريم حتَّى تأتي دلالةٌ عنه علىٰ أنَّهُ أراد به غير التّحريم".

 

-> وقال في «الأمِّ» (٦ : ٣٧٠) "ما نهىٰ اللّٰه عنه فهو محرَّمٌ حتَّى توجَدَ الدَّلالة عليه بأنَّ النّهي عنه علىٰ غير التّحريم، وأنَّهُ إنَّمَا أريدَ به الإرشاد أو تنزُّهًا أو أدبًا للمنهي عنه؛ وما نهىٰ رسول اللّٰه ﷺ كذلكَ أيضًا"؛ وذكر ذلك في (٩ : ٥١)، (٦ : ٤٤٩). فلتراجَع.

 

• وهذه نماذجُ قليلة تثبيتيَّة، وإلَّا فالأمثلةُ كثيرةٌ لو تتبعها المتتبِعُ لخرج بسفرٍ لطيفٍ في هذا الوجه.

 

-> قال في «جماع العلم» "لا تكون سنَّة أبدًا تخالف القرآن".

 

-> قال في «الأمِّ» (٢ : ٦٩) "ليست سنَّةٌ من سُنَنِه ﷺ بخلافٍ لكتاب اللّٰه -عزَّوجلَّ-"؛ وذكر ذلك بمعناه في (٨ : ٥٥). فلتراجَع.

 

-> قال في «جماع العلم» "لسانُ العرب واسعٌ".

 

-> قال في «الأمِّ» (٢ : ١٢) "القرآن عربيُّ اللسانِ، منه محتملٌ واسع"؛ وذكر ذلك في «اختلاف الحديث» فقال "لسان العرب واسع"، وذكر ذلك كذلك بمعناه في (٣ : ٢٠٥). فلتراجَع.

 

-> قال في «جماع العلم» "وأنَّ اللّٰه وضعه -يعني رسول اللّٰه ﷺ- في موضع الإبانة عنه ما أراد بفرضهِ".

 

-> قال في «الأمِّ» (٨ : ٥٢٤) "رسول اللّٰه ﷺ المبين عن اللّٰه عزَّ وجلَّ معنى ما أرادَ اللّٰه"؛ وذكر ذلك بمعناه في (٩ : ٤٩)، (٩ : ١٩٣)، (٥ : ٤٢٤) وغيرها؛ وهو نصُّ «الرِّسَالة» كذلكَ. فلتراجَع.

 

-> قال في «اختلاف الحديث» "ما لا يثبت مثله فليس بحجَّةٍ لأحد ولا عليهِ".

 

-> قال في «الأمِّ» (٣ : ٦٣٦) "ما لا يثبت لا حجّة فيه".

 

-> قال في «اختلاف الحديث» "لا يقبل إلَّا حديثٌ ثابتٌ".

 

-> قال في «الأمِّ» (٨ : ٥١٣) "إذا حدَّث الثّقة عن الثّقة حتَّى ينتهي إلىٰ رسول اللّٰه ﷺ فهو ثابتٌ عن رسول اللّٰه ﷺ"؛ وذكر ذلك بمعناه في (٧ : ٢٥٥)؛ وهو نصُّ «الرِّسَالة» في مواضع منها. فلتراجَع.

 

-> قال في «اختلاف الحديث» "نحن لا نثبتُ المنقطع على وجهِ الانفراد".

 

-> قال في «الأمِّ» (٩ : ١٩٩) "الحديثُ المنقطع لا يكونُ حجَّة عندنا"، وذكر ذلك بمعناه في (٤ : ١١٧ - ١١٨)، (٤ : ٤٤٨)، (٥ : ٢٨٠) وفي مواضع كثيرة؛ وقد فصَّل الكلام عن المنقطعِ في «الرِّسَالة». فلتراجَع.

 

• قلتُ: 

 

- هذه نماذجُ قليلةٌ -كما أسلفت الذِّكر- والمتتبع لتشابه كلام الشَّافعيّ في عُمَدِ كتبه وما أودعه في «الأمِّ = المبسوط» يرىٰ الشَّيء الكثير ممَّا تتوافق العبارةُ فيه أو تكون قريبةً أو تكون بمعناها، ممَّا يبينُ أنَّ كتاب «الأمِّ» للشَّافعي بلا شكٍّ ولا ريبٍ؛ خلافًا لما يزعمه أهل الزّيغِ الذين لا علمَ لهم بكتبِ أهل العلم، فتجنوا عليها بالرَّدِّ والطَّعن؛ واللّٰه حسيبنا وحسيبهم.

 

- وصدقَ الإمام -رضيَ اللّٰه عنهُ- حينَ قال في «الرِّسَالة» ''وقد تكلَّم في العلم بعض من لو أمسكَ عن بعضِ ما تكلَّمَ فيه منه، لكان الإمساك أولىٰ به؛ وأقربَ للسّلامةِ -إن شاء اللّٰه-''.

 

• ألا فليأخذوا بوصيةِ الإمامِ وبها فليتمسكوا، وعن الخوضِ بالجهلِ في العلم فليمسكوا؛ إذ هذا هو الأولىٰ والأسلمُ لهم في الآخرة والأولىٰ.

 

 هذا؛ والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّىٰ اللّٰه وسلَّمَ وبارك علىٰ نبينا محمَّد وآلهِ وصحبهِ أجمعين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

١- مقالٌ بعنوان "تثبيت كتاب الأمِّ للإمام الشَّافعيّ -رحمه اللّٰه-"؛ فجاء هذا المكتوب "تثبيتًا لتثبيتِهِ".

 

٢- كان بعضُ أهل المغرب يقولُ عنه ''وهو -لعمر اللّٰه- أشبهُ بإماتةِ علوم الدّينِ'' [سير الذَّهبيّ (١٩: ٤٩٤)].

 

٣- قال محقِّق «رسالة الشَّافعيّ» في مقدّمته (ص ٧) ''...ثمَّ جادل الدّكتور زكي مبارك جدالاً شديدًا، وألَّف كتابا صغيرًا؛ أحسن ما فيه أنَّهُ مكتوب بقلمِ كاتب بليغٍ؛ والحججُ علىٰ نقض كتابِهِ متوافرةٌ في كتبِ الشَّافعيّ نفسها'

 

• قلتُ: ”صدقَ! فباعثُ الإنكار الجهلُ بكتبِ أهل العلمِ ودواوينهم -كما أسلفتُ-؛ وإلَّا فلو قرأها المنكِرُ قديمًا كان أو حديثًا لما خرجَ بقولٍ منكَرٍ كهذا القول! 

 

- وقال محقِّق «مناقب الشَّافعيّ للبيهقي» (ص: ٤٠) ''ومن الجدير بالذّكرِ أنّ قول أبي طالبٍ المكّي، وقول الغزَّالي -إن صحَّ تسميته قولاً- قد ظلَّ رهين كتابيهما، ولم ينقله أحدٌ ولم يعرض له عالمٌ بتقريظ أو توهين إلىٰ أن جاء الدّكتور زكي مبارك فنفخَ فيه من تمويهه وتلبيسه حتَّىٰ غرَّ أقوامًا فتبعوهُ وتقلدوهُ..''

 

• قلتُ: ”وبعضُ الأقوالِ الشَّاذَّة قد لا يتعرضُ لها العبدُ بنقدٍ ولا ردٍّ، لسقوطها في نفسها! -كما قد يعتقد ذلك-، لكن إن صارت منهجَ قومٍ مشكِّكين لَزِمَ بيانُها وكشفها، خاصَّة إن نفخَ فيها أقوامٌ واغترَّ بذلك فئام؛ واللّٰه المستعان.

 

٤- وهو رواية كتب الشَّافعيّ، كما ذكرَ له الإمام فقال ''أنتَ راويةُ كتبي''؛ (طبقات الشَّافعيّة [٢: ١٣٤]).

 

◉ وهاهنا فائدةٌ:

 

-> الذي يظهَر -واللّٰه تعالىٰ أعلم- أنَّ كتاب «المبسوطِ» هذا هو نفسه كتاب «الأمِّ»؛ قال ابن النّديم في «الفهرست» ''وله من الكتبِ كتاب «المبسوط في الفقه» رواهُ عنه الرَّبيع بن سليمان والزَّعفراني، ويحتوي هذا الكتاب على كتابِ الطًّهارة، [و] كتاب الصَّلاة، [و] كتاب الزَّكاة..''.

 

• والذي يظهر -أيضًا- من هذا النَّقلِ أنَّ بعضَ كتابِ الأمِّ قديمٌ رواهُ عنهُ الزَّعفراني وهو من أصحابه البغداديينَ، وممَّن روىٰ عنه كتبَهُ القديمة ومنها "الرِّسَالة القديمة".

 

٥- وممَّا كتبهُ الإمام أحمد خصوصًا، كتاب الرِّسَالة القديمة والجديدة، كما قال فورانُ ''قسَّمت كتب الإمام أبي عبد اللّٰه بين ولَديهِ، فوجدت فيها رسالتي الشَّافعيّ «العراقية» و «المصرية» بخطِّ أبي عبد اللّٰه'' -كما في سير الذهبي (١٠: ٥٧)-.

 

• لكن لا نعلم مصير النُّسخِ التي بخطِّ الإمام أحمدَ -فالله المستعان-!

 

٦- بل وبعضُ ما في «الأمِّ» خطَّه الشَّافعيّ بنفسه كما هيَ إحالاته لبعض الكتب؛ وانظر مقدمة تحقيق «المناقب» للبيهقي (ص: ٣٥/ ٣٦) ففيها مزيدُ بيانٍ.

 

٧- قال محقِّق «المناقب» للبيهقي: ''وكان من قدر اللّٰه لإظهار الحقّ المبين في هذه المسألة أنَّ البيهقي قد نقل في مناقب الشَّافعيّ عن الرَّبيعِ أنَّه قال: إنَّ الشَّافعيّ قد ألف بمصر «كتاب الأمِّ» في ألفي ورقة: وهو قول عظيمٌ يلقف ما صنع المنكرونَ، ويدحضُ أقوالهم، ويمحقُ باطلهم..''.

 

۸- علىٰ ضَعفٍ في تحقيقِ الكتاب والإخراجِ! بما لا يليقُ بمقامِ هذا الإمام الحبرِ الكبير، ولكن يبقىٰ تحقيقَ محقق «طبعة الوفاء» هوَ الأسلم -وإن كنتُ أخالفه في قراءة بعض ألفاظ الشَّافعيّ، ممَّا ليسَ هذا محلَّ بسط ذلكَ ولا الكلام عنهُ-.

 

۹- وفي نسخةِ البلقيني بعضُ الإدخالات التي ليست في نسخِ الكتاب الأخرى، فضلاً عن ترتيبه؛ ولا أستبعدُ أن يكون زاد في الكتاب قضايا (التَّرحم) على أبي حنيفةَ!، كما في «كتاب اختلاف العراقيين» من الأمِّ، فإن لم يكن هو فبعضُ النُّسَّاخِ!؛ ذلك أنَّ كلامَ الشَّافعيّ في أبي حنيفةَ ثابتٌ مستقرٌّ -بل الطَّعن فيه إجماع العلماء، كما قال ابن أبي داود-.

 

◉ فمن ذلك مثلاً:

 

أ/- ما روى ابن أبي حاتم في "المناقب" بسندِهِ إلى الشَّافعيّ، قال "ما أعلمُ أحدًا وضع الكتبَ أدلَّ على عوار قولهِ من أبي حنيفة".

 

ب/- وروى كذلكَ بسندِهِ إلى الشَّافعيّ، قال "ما اُشبِّه رأي أبي حنيفةَ إلَّا بخيطِ (سحَّارة).." -عياذًا بالله تعالىٰ-.

 

• قلتُ: وممَّا فاتَ محقِّقَ الكتاب -ممَّا أعلم- نسخةٌ خطيَّة محفوظة في مكتبة مراد ملا -التُّركية-؛ نسخت سنة ٨٩٥ هجريَّة، وهي من النُّسخِ الخطيَّة القديمة مقارنة بأغلب ما اعتمده محقِّق «طبعة الوفاء».

 

۱۰- وهاهنا فائدةٌ أرسلَها إليَّ أخونا الشّيخ -حفظه اللّٰه-، لما ذكرتُ أنَّ المبسوط اسمٌ لكتاب «الأمِّ»؛ قال -حفظه اللّٰه- ''تعرف -أخي الفاضل- وجدت في كتاب الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي للأزهري يقول قال الشافعي في المبسوط ويقصد الأمّ؛ وهذا تحقيق للذي قلته حفظك الله من أن المبسوط هو الأمّ'' فجزاهُ اللّٰه خيرًا علىٰ الفائدة، ونفعَ به.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 



🌐 مرگزُ أَثر للدِّراساتِ الشَّرعيَّة

 

 

 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *