قواعد علمية تأصيلية بشأن : حكم العمل والوظائف وبشأن التجارة مع "أهل الحرب" فيما ينتفعون به وغيرها من المسائل.

 
 
 
 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

أولا: شرط فهم وضبط كل مسألة باختلاف وجوهها وصورها واحترازاتها ومن ثم القدرة على الرد والنقض لكل من خالفها أو أدخل فيها ما ليس منها.

أقول شرط فهم وضبط المسائل والرد والنقض لأقوال المخالفين بشأنها أربع ركائز:

1/- أن تتعرف على حقيقة وماهية المسألة وتعريفها.

2/- هيكلة وتقسيم المسألة بأدلتها ونصوصها وآثارها بفهم وتفسير الأجيال الأربعة.
 
”الأجيال الثلاثة التي جاءت صريح النصوص بتزكيتهم وفضلهم الصحابة الأبرار -رضي الله عنهم- وأرضاهم والتابعين لهم بإحسان -رحمهم الله- وأتباع التابعين لهم بإحسان -رحمهم الله-، ويلتحق بهذه الأجيال الثلاثة المباركة أئمة الجيل الرابع المتفق بين السلف والأمة على إمامتهم وتقديمهم كطبقة الشافعي وأحمد وابن راهوية وأبو عبيد القاسم بن سلام والبخاري -رحمهم الله-“

وأسباب هذا الإلحاق والإدراج كمايلي:

 
أ/- لأن إدراج وإلحاق هذه الطبقة جاء في رواية محتملة عند مسلم وغيره.

ب/- لأنهم يتصلون بتلك الأجيال مباشرة في تتلمذهم المباشر وأخذهم للعلم والفقه والفهم ويتصلون بهم مباشرة في إسنادهم ورواياتهم.

ج/- لأن هذا الجيل الرابع قد صرحوا بوجوب متابعة من سبقهم من الأجيال الثلاثة التي يتصلون بها مباشرة في فهم السنة والتوحيد والشريعة وهم أول من التزم بهذا الواجب الشرعي، ولذلك تراهم كثيرا ما يصرحون بأنهم تبع لمن سبقهم في فهم الدين والشريعة ولا سيما مسائل التوحيد والسنة وتفسيرهم للنصوص والآثار المتعلقة بها ويصرحون بأخذهم لما يقولونه عن شيوخهم من تلك الأجيال المزكاة بنص الحديث.

← روى البخاري (2652)، ومسلم (2533)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه». 
- قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالعَهْدِ".

د/- لإجماع واتفاق أهل السنة من علماء ذلك الجيل الرابع على إمامة أمثال هؤلاء المذكورين وتزكيتهم في الاتباع والمنهج والفهم والعلم والرسوخ، والرأي الشاذ لا يخرق الإجماع فطعن وجرح بعض آحاد أهل السنة من أقرانهم في بعضهم لايخرق الإجماع؛

لماذا؟! 

لكون ذلك الجرح:

-> لا يصدر إلا عن جارح واحد منفرد ونحوه وقد أطبق على مخالفته الجميع.

-> ولا يعتد بذلك الجرح لكونه بني على تهمة باطلة كاذبة لا تصح كالذي قيل عن البخاري أو لكونه عن نقل مغلوط آفته سوء الفهم أو بظن خاطئ.

هـ/- إجماع واتفاق أهل السنة في قرون الأمة المتتالية بعدهم على أئمة الجيل الرابع كالذين أشرنا لهم.

وهذه الأسباب الخمسة لا يمكن تحققها جميعا في أي جيل وقرن بعدهم، فلا يصح قياس من بعدهم عليهم.

”كل ذلك جعل أقوال وفهم وتفسير هذا الجيل ملحق بأقوال وفهم وتفسير القرون الثلاثة المفضلة للنصوص ولا سيما مسائل التوحيد والسنة ومايندرج فيها من مسائل التكفير والتبديع وخاصة فيما اتفقوا عليه وأجمعوا، أو المسائل الكبرى التي اشتهرت عن بعض أئمة ذلك الجيل وذاع خبرها دون نكير من البقية“

3/- لفهم وضبط المسائل والذود عنها ضبط قاعدتها التي تميز بينها وبين غيرها مما يشتبه بها ويدخل في ذلك ضبط قاعدة اختلاف أوجهها وصورها.

4/- ضبط محترزاتها والتنبيه عليها لكي لا يلتبس بها ماليس منها وتتداخل المسألة وتفاصيلها مع غيرها.

ثانيا: وللذود عن هذه المسألة ورد ونقض كلام المخالف فيها بعد أن ضبطتها بمعرفة ركائزها الآنفة الذكر يجب أن تستوعب قول المخالف وأصل مبناه وقاعدته وتأصيله وتعليله وطريقة استدلاله، وتحقق ذلك لك يتم بما يلي:

 
أ/- معرفة الأصل والقاعدة والعلة التي بنى عليها المخالف رأيه ومخالفته وتأصيله، فإذا عرفت ذلك وتمكنت منه سهل عليك نقض كامل بحثه واستدلالاته بمجرد هدمك للأصل والقاعدة التي بنى عليها مخالفته، فإذا سقط عمود البناء وأصله وقاعدته انهار كامل البناء.

ب/- أن تدرك حقيقة خلطه وعدم تمييزه وتفريقه بين المسألة وغيرها مما يشتبه بها وكذلك خلطه و عدم تمييزه بين أوجه وصور المسألة ذاتها وتدرك التباين في أحكام هذه الحالات والصور المختلفة.

-> ومثال ذلك حال منهج المرجئة الجهمية من أدعياء السنة من القرن السابع في مسألة الحكم على المتلبسين بالكفريات المخرجة من الملة فتجدهم قد يوافقون السلف في التنظير القولي العام ولكن منهجهم العملي التطبيقي يناقض صريح منهاج السلف وإجماعهم (القولي التنظيري والعملي التطبيقي) ونقضك لكلام المرجئة الجهمية من أدعياء السنة في تعميمهم وعدم تفريقهم في (منهاجهم العملي التطبيقي لا القولي التنظيري) في إعذار وعدم تكفير أعيان المتلبسين بالكفريات -ابتداء- فتجدهم عملا وتطبيقا في عذرهم للمعين لا يفرقون بين أنواع -الكفريات المخرجة من الملة- وهي ثلاثة أنواع أو أربعة ولا مشاحة في الاصطلاح من جهة التقسيم وهي كالتالي:

1)- كفريات مخرجة من الملة متعلقة بمخالفة أصول الدين التي أقام الله الحجة فيها على عباده بأمرين:

← بما أودعه في فطرهم وقلوبهم وعقولهم.

← وأيضا أقام الله عليهم الحجة فيها بما بلغهم من كتابه وسنة نبيه ﷺ.

وهذه الأصول توصف بأنها مودعة في الفطر والعقول ومعلومة بالضرورة من دين الله وهي أعلى المسائل والأصول الظاهرة البينة الجلية كمعرفة أن الله جل جلاله الإله الرب الخالق المدبر وأنه مرتفع عال فوق خلقه وأنه عليم حي وغير ذلك وأنه الله الواحد المستحق للعباده دون سواه وضلال من عبد غيره والمخالف في واحدة من تلك الأصول حكمه في الدنيا الكفر قبل الخبر وبعده حتى قبل نزول القرآن فوصفهم الله بالكفر والشرك قبل أن تبلغهم البينة والحجة وقبل أن يسمعوا كلام الله ومن أدلة ذلك:
 
-> قال الله تعالىٰ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾{البينة| 01}.
 
-> قال الله تعالىٰ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون﴾{التوبة| 06}.
 
وتكفير النبي  للمشركين الأميين الجهال قبل البعثة وما جاء في نفي عذاب الدنيا عن الكفار حتى يأتيهم البلاغ والرسالة ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا لا ينافي وصفهم بالكفر والشرك.

”ومع وضوح هذا الأصل بعدم عذر ورفع اسم ووصف الكفر والشرك عن كل معين خالف في مثل هذه المسائل الكبرى المودعة في الفطر والعقول كما جاء في نصوص الكتاب والسنة، ولكن المشتهر عن أكثر المرجئة الجهمية من أدعياء السنة من القرن السابع عذر المعين بمخالفة بعض ذلك بالتأويل والشبهة والتقليد حتى لو كان عالما يحفظ القرآن والسنة!، فعذروا ولم يكفروا أعيان من لم يثبت علو الله من الأشاعرة وغيرهم بل شيخهم عذر علماء الحلولية الذين يقولون بحلول الله في خلقه (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) وعذر "البكري" المجيز للشرك وعذر جهال القلندرية المشركين حتى في الربوبية والألوهية وغالب أدعياء السنة من الجهمية لا يكفرون عوام الرافضة وغلاة المتصوفه المشركين من عباد القبور مع أنهم يقرون ببلوغ القرآن لهؤلاء المشركين وحتى من كَفّر أعيان هؤلاء المشركين من عباد القبور لم يخرج من إرجائه وتجهمه لأنه يعذر ولا يكفر من يحكم بإسلام هؤلاء المشركين وقد نقل الإجماع ستة من الأئمة المتقدمين على كفر من شك مجرد شك أو عذر ولم يكفر القائل بخلق القرآن وهي دون الشرك الأكبر“

- والمكفرين من أدعياء التوحيد لأعيان عباد القبور لا يخرجون أيضا من إرجاء الجهمية لسبب آخر وهو عدم تكفيرهم لأعيان العلماء ممن لم يثبت علو الله حتى لو بلغه مئات الأدلة على علو الله وارتفاعه وفوقيته على خلقه كالأشاعرة وغيرهم مع أنها مسألة فطرية أصلا فمن لم يعرف أين ربه فهو كافر قبل الخبر وبعده.

* فكيف بعالم قامت عليه حجة الله بفوقيته وارتفاعه بألف دليل على هذه المسألة علاوة على أن علو الله وارتفاعه مودع في الفطر والعقول؟!

- وفي مسلم يجعل النبي ﷺ معرفة الجارية (الجاهلة بتفاصيل الأدلة في حين إسلامها) أين إلاهها الذي تعبده شرطا للحكم بإسلامها ثم يأتي الجهمي دَعيّ السنة ويحكم بإسلام من لا يثبت علو الارتفاع والفوقية وهو عالم حافظ -كما يسمونه- وقد بلغه ألف دليل في علو الله وارتفاعه وفوقيته بل يبجلونه ويعظمونه ويطعنون في كل من بدعه وفسقه حتى لو لم يكفره.
 
← أَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (573)، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «...قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: "ائْتِنِي بِهَا"، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ لَهَا: "أَيْنَ اللَّهُ؟" قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: "مَنْ أَنَا؟" قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: "أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ».
 
فقاتل الله المرجئة الجهمية تركوا الدين في القلوب أرق من الحرير كما قال السلف كالنخعي وغيره.

2/- كفريات مخرجة من الملة متعلقة بالمسائل والأصول الكبرى المعلومة بالضرورة الظاهرة البينة الجلية ولكنها لا تدرك بالفطرة والعقل بل هي خبرية سمعية يتعلق الحكم على مخالفها من المكلفين بمجرد التمكن من القرآن والخبر مثل وجوب صلاة الفريضة وتحريم الزنا فالمكلف الذي بين ظهراني المسلمين ولم يكن حديث عهد (بإسلام وبمجتمع المسلمين) مثله يجهل ذلك وقد بلغه القرآن والعلم أو تمكن من ذلك ثم أنكر تلك الفريضة كالصلوات الخمس أو ذاك المحرم كالزنا وهو في حالة اختيار وتكليف وهو حاضر الذهن غير ذاهل وساه فهذا يكفر ابتداء قبل البيان له.

3/- كفريات مخرجة من الملة متعلقة بمسائل خفية وهذه يعذر فيها (الجاهل العامي ضعيف الفهم) ولا سيما إذا لم يسمع بها من قبل ولم يعلم بشأنها ولا يتعدى العذر لغيره من العلماء، فالعلماء لا عذر لهم في هذه المسائل ولا غيرها لأن النصوص بين أيديهم مثل مسألة اللفظ فإذا قال (الجاهل العامي ضعيف الفهم) بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ولكنه يقول لفظه بالقرآن مخلوق لكلمة سمعها من أحدهم دون فهم لحقيقة مدلول الكلمة فهذا العامي الجاهل لا يدرك أن اللفظ يدخل فيه كلام الباري سبحانه وهو غير مخلوق ويدخل فيه صوت القاري وهذا مخلوق فمثل هذا الجاهل قد قال كفرا ولكنه لا يكفر بعينه ابتداء حتى يُبيّنُ له وأما العالم فلا يعذر لو قال لفظي بالقرآن مخلوق فيكفر ابتداء قبل البيان له.

وأكثر المرجئة الجهمية من أدعياء السنة من القرن السابع لا يفرقون بين حكم الأعيان المتلبسين بهذه المكفرات إلا في الجانب التنظيري القولي التقعيدي وأما في الجانب العملي التطبيقي بشأن الحكم على المعين فيعذرون المعين بالتأويل والشبهة والتقليد وعدم تعمد الكفر وحسن المقصد -كما يزعمون- ولا يكفرونه بعينه حتى لو كان عالما بلغه القرآن والسنة وكتب وآثار السلف!

- وأيضا لا يفرق المرجئة الجهمية من أدعياء التوحيد والسنة (عملا وتطبيقا في الحكم على المعين لا قولا وتنظيرا) بين من بلغته النصوص في كبار المسائل الظاهرة البيِّنة الجلية ومن لم تبلغه بغير تقصير منه فيعذرون جميع الأعيان ولا يميزون بين حالات خاصة قابلة للعذر بضوابط جاءت بها السنة كحديث العهد بالإسلام الذي نشأ في غير مجتمع المسلمين ولم يبلغه الخبر دون تفريط منه وحالات أخرى لا تمتلك هذه الأسباب (وهذا في المسائل الخبرية خاصة) وأيضا لا يفرقون بين الجاهل العامي ضعيف الفهم وبين العالم الحافظ -كمايسمونه- وهذا في الجانب العملي التطبيقي في عذرهم للأعيان وأما في الجانب القولي التنظيري التقعيدي فيفرقون بين هذه المسائل وهذه الحالات.
 
• والمقصود أن معرفتك بخلطهم وعدم تمييزهم بين المسائل أو صور وأوجه المسألة مما يعينك على نقض قولهم ورد شبهتهم.

ج/- وللرد على المخالف ونقض قوله أن تتعرف على طريقة استدلاله بالنصوص والآثار ونقطة الخلل في ذلك ولذلك إذا عدت لمراجع الروايات التي يستدل بها وتأملت ألفاظ تلك الرواية وطرقها وسياقاتها لتبين لك أنها عليه لا له وأن الخلل في منهجيته في الاستدلال ثم لو قارنت تلك الرواية التي يحتج بها وقرنتها بالأصول والمسلمات الشرعية لتبين لك أوجها لفساد استدلاله.

د/- تناقضه واضطرابه في حكمه و عرضه لتفاصيل المسألة مع غيرها من المسائل المشابهة ستجد أن تقعيداته ظاهرة التناقض لا محالة وتيقن بأن المتلبس ببدعة مكفرة أو مفسقة وكل صاحب رأي وهوى لابد أن يظهر اضطرابه وتناقضه ومن أكثرهم اضطرابا المرجئة الجهمية من أدعياء التوحيد السنة من القرن السابع إلى يومنا هذا.

ثانيا: ولتطبيق ماسبق تقعيده وتأصيله (من منهجية نقض الأقوال المنحرفة) على قول الغلاة المكفرين لكل من امتهن عملا ووظيفة في دار الكفر.

• نقول مستعينين بالله: القاعدة التي تضبط بها التفريق بين تنوع أحكام العمل والوظائف في دار الكفر ستجدها -بإذن الله- في هذا المقال المختصر.

▪ ولهذه المسألة قاعدة تأصيلية من ضبطها فهم تفاصيل وتنوع الحكم بشأن العمل والوظائف عموما وهذه القاعدة والتأصيل كالتالي:


- من غلا وأطلق الحكم بتكفير كل عامل وموظف في دار الكفر بنى قوله على تأصيله وقاعدته التي رتب عليها (التكفير وتعليله وسببه) وهي:

أن سبب وعلة التكفير لكل هؤلاء هي الإعانة للكافر وسلطته والتي يترتب عليها حسب فهمه (قوة الكافر وموالاته ومناصرته وتثبيت سلطته وقوته بطريق مباشر أو غير مباشر).

← ثم قال بأن كل عمل ووظيفة يتحقق بها تلك الإعانة والتقوية والموالاة والمناصرة وبذلك يكفر كل من عمل وفي وظيفة في بلد الكفر ومجتمعه حتى لو كان يعلم أن هذا الموظف من أهل التوحيد والسنة!

”وهذه هي حقيقة قولهم وقاعدتهم وتأصيلهم ونحن بذلك قد قطعنا نصف مهمتنا لنقض ضلالتهم وشبهتهم والمتبقي هو نقض هذا التأصيل الفاسد والقاعدة الغالية بالأدلة الصريحة الصحيحة وبذلك يتم ويتحقق نقض حجته وقوله من أصله وأسه“

▪ والأدلة على نقض قاعدته وتعليله كثيرة سنذكر بعضها ودلالة الأدلة الناقضة لهذه القاعدة الغالية كالتالي:

- ليس كل معاملة فيها بعض الإعانة وبعض التقوية للكافر (فردا أو سلطة) تعد موالاة أو مناصرة محرمة.
 
* فكيف يتجرأ الغلاة بعد ذلك لجعلها من المكفرات؟!
 
• ومن الأدلة:
 
1/- كما روى البخاري عمل النبي ﷺ كراع لأهل مكة على قراريط  قبل بعثته والأنبياء قد عصمهم الله من الكفر حتى قبل البعثة والنبي قد أخرج الله حظ الشيطان من قلبه كما في قصة الملكين.

فكيف يتلبس بالكفر بعد ذلك -حشاه ﷺ من ذلك-؟!

← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (2262)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ". فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ".

2/- عمل سلمان -رضي الله عنه- بعد إسلامه عند اليهود وعمل الموالي والمماليك من المسلمين عند مُلاَّكِهم من الكفار.

3/- وكذلك عمل الأجراء المسلمين عند الكافرين كعمل "علي" -رضي الله عنه- أجيرا في نزعه الماء لليهودي أو غيره والحديث عند أحمد والترمذي وابن ماجه وله شواهد وطرق متعددة تفيد بأن القصة لها أصل.

4/- ومن أبرز الأدلة وأظهرها على أن بعض النفع والتقوية وبعض الإعانة للكافر (سلطة أوفردا) ليست من الموالاة والمناصرة المحرمة فضلا عن كونها من المكفرات:

أ/- ما جاء في البخاري وغيره من أمر النبي ﷺ لثمامة ببيع القمح والطعام على قريش بعد منع ثمامة لذلك -وقريش آنذاك تناصب الإسلام العداء- وجاء ذلك الإذن بعد شكواهم وتضررهم.

• وهذا صريح كالشمس بأن بيع القمح والطعام لهم فيه بعض الإعانة والتقوية لهم والمتفعة الظاهرة لأن تضررهم وشكواهم وأزمتهم الخانقة زالت بعد البيع لهم.

- ولا يصح أن تحتج بحاجة المسلمين لبيع القمح على قريش وجعل تلك الحاجة شرطا للإباحة والإذن لأن الروايات لم يرد فيها ذلك لا من قريب أو بعيد فالحاجة والضرر كانت على قريش فقط وسلعة القمح آنذاك لاتبور في أي منطقة ولا سيما جزيرة العرب آنذاك لشدة الحاجة للقمح الذي يعد طعامهم الرئيس.

← والبخاري بوب بابا (التجارة مع أهل الحرب)، والصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتبايعون مع أهل الحرب.

← ويجوز أيضا منعهم من الطعام والماء للمصلحة التي يراها الإمام وأهل الحل والعقد.
 
-> ويجب ذلك عند توقف النصر على ذلك.

-> ويجب منع الماء والغذاء عن الجيش الكفري المحارب ولا سيما حالة الحرب لما حدث في غزوة بدر من منعهم من الماء وغير ذلك من الأدلة وحالة "الكيان الصهيوني" من هذا القبيل لعدة اعتبارات.

← لا يجوز بيع السلاح ونحوه للكفار.

والأدلة على جواز منع الغذاء والتجارة عن الكفار:

1/- عدم لوم النبي ﷺ لثمامة فيما فعله سابقا.

2/- ولما جاء من منع الكفار في بدر من الماء.

3/- ولما جاء من قطع نخل يهود بني النضير كما في الصحيحين.

4/- وإرسال السرايا لقطع قوافل قريش المحملة بالطعام والمؤن.

5/- عدم نهي أبي بصير وأبي جندل ومن معهم -رضي الله عنهم- عن تعرضهم لقوافل قريش.

▪ والآن نبدأ بإنهاء قاعدة الغلاة التكفيرية:

- بما أنه ثبت جواز التعامل مع الكافر (سلطة أو فردا) بعمل فيه بعض النفع والتقوي للكافر وبعض الإعانة كالتجارة وبيع الطعام لهم فهذا يدل من باب أولى على جواز العمل والوظيفة في دار الكفر بهذه الشروط:

1/- أن لا تتضمن الوظيفة كفرا في ذاتها وممارستها أوعقدها وشروطها كالتحاكم للطاغوت.

2/- وليست متصلة مباشرة بتوطيد وتثبيت حكم الطاغوت فجائزة حتى لو كان فيها بعض الإعانة وبعض الانتفاع والتقوية (غير المباشرة) للطاغوت والكافر (سلطة أوفردا).

• وأما العسكرية بمختلف جهاتها والوزراء ورؤوس دولة الطاغوت من علماء ونحوهم فهذا مندرج في قوله تعالى في القصص ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَُ﴾ فألحق الجنود بهم في الحكم لأنهم شوكتهم والمصدر (المعين المباشر) لحكم الطاغوت.

”وكذلك حكم الصحابة -رضي الله عنهم- على كل أتباع مسيلمة الكذاب وجنده لأنهم شوكته والمثبتين لحكمه وصلتهم بذلك مباشرة“
 
 
«وهذا المقال هنا مع مقال (نثر الياقوت) يكمل بعضهما نقص بعض فلا يغني أحدهما عن الآخر»
 
📥
 
 

 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 


 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *