توضيح حول حكم دخول الكنائس.


  

تَوْضِيحٌ حَوْلَ حُكْمِ دُخُولِ الْكَنَائِسِ.


 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

▪ زيارة الكنائس ونحوها وانتشار مقولة بعض زنادقة الأزهريين حين صرح بأن زيارة الكنيسة قربة كزيارة المساجد ونشر الزنادقة هذا الكفر والزندقة وطاروا به.

• وقال المرجئة الجهمية في توصيف هذا الكفر بأنه مجرد شذوذ فقهي مع أنه كفر بَيِّنٌ جَلِيٌّ، ومناط وسبب التكفير ظاهر وهي "الزيارة الكفرية" التي بقصد التعظيم ومساواتها بزيارة المساجد والمشي لها.

- وجواز مجرد دخول الكنائس (في غير وقت وحالة شرك وكفر ظاهر يقومون به) والأدلة في ذلك مشهورة معلومة، وأنه لم ينقل عن أحد من السلف ومن بعدهم القول بأن مجرد الدخول للكنيسة ونحوها من الكفر -بالضابط الذي ذكرنا آنفا- حتى من قالوا بالمنع لم يجعلوا ذلك كفرا.

ونوع الزيارة الكفرية وهي قصد تعظيمها واعتبارها موازية وقرينة ومساوية لزيارة المساجد والمشي لها وهذه النِّيَّةُ والقصد كفر مستقل سواء قرنت بفعل الزيارة أم لم تقرن ومن زارها وجعل زيارته لها كزيارة بيوت الله فهو كافر زنديق.

بيان أدلة جواز دخول الكنائس -في غير وقت وحالة شرك وكفر ظاهر يقومون به- السابق كالتالي:


1/- حديث البخاري فيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين - رضي الله عنهما - ما رأتاه في كنيسة بالحبشة.

• عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

2/- واحتجاج البخاري بقول عمر - رضي الله عنه - تعليقا وتبويبه بذلك.

3/- وعند ابن ماجه وغيره عن مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدٍ، حَدَّثَاهُ، قَالَا: جَمَعَ الْمَنْزِلُ بَيْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمُعَاوِيَةَ، إِمَّا فِي كَنِيسَةٍ وَإِمَّا فِي بِيعَةٍ، فَحَدَّثَهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَقَالَ: " نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ -..."

4/- وفي مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة بابا لبيان حكم الصلاة في البيع والكنائس ومنها صلاة بعض الصحابة وغيرهم من السلف - رضي الله عنهم -.

• قال ابن أبي شيبة في المصنف: الصَّلَاةُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ؛

٤٨٦٢ - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ.

٤٨٦٣ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فَلَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا.

٤٨٦٥ - حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ.

 ٤٨٦٨ - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَؤُمُّ النَّاسَ فَوْقَ كَنِيسَةٍ وَالنَّاسُ أَسْفَلُ مِنْهُ.

5/- ورواية البيهقي والخلال وغيرها في الشروط العمرية تنص على جواز الدخول.

• قَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ " أَحْكَامِ أَهْلِ الْمِلَلِ " : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ . . . " فَذَكَرَهُ ، وَذَكَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ : " كَتَبْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَلَّا يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ ، وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خُرِّبَ ، وَلَا يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُطْعِمُونَهُمْ، وَلَا يُئُوا جَاسُوسًا، وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمُ الْقُرْآنَ، وَلَا يُظْهِرُوا شِرْكًا، ...ِ".

وشهرة هذه الشروط العمرية وجريان العمل بها جيلا بعد جيل تغني عن إسنادها والداخل لهذه الكنائس قد توجه لها ماشيا بقصد رؤية ما فيها مثلا أو لأي حاجة مباحة ولا يكون بذلك قد وقع في الكفر، إذا فبيان أن الحكم الوارد في المقال يتنزل على زيارة بقصد ونية معينة كما أوضحنا.

▪ ويضاف لما سبق:

1)- أن هناك فروقا بين الكنائس والأوثان والأصنام التي تعبد من دون الله ويتقرب لها المشركون بالزيارة والنذور والقرب، وإن كان هناك مشابهة من جهة الشرك في تلك المواضع، فالكنائس والبيع لها أحكامها الشرعية المستقلة:

* فلم نؤمر بهدمها مطلقا كالأوثان والأوصنام التي تعبد من دون الله.

* ولم نمنع من الذهاب لها.

ولذلك فالتفريق بين من ذهب لكنيسة ومن ذهب لزيارة وثن يعبد من دون الله ويتقرب له بالزيارة والنذر والقربات فهذا كفر لا يفتقر للنية والقصد بخلاف من ذهب لكنيسة فيشترط لتكفيره النية والقصد كما أوضحنا.

2)- وكذلك نفرق بين تمثال لا يعبد ولا تقام عنده الشركيات ولا يزار من المشركين زيارة عبادة "كأبي الهول" فهذا يجب هدمه ولكن لا نكفر كل من زاره لرؤيته فقط لأنه لا يعبد وليس بموضع "عبادة شركية" فليس وثنا بهذا المعنى فهو مجرد تمثال يجب هدمه وإزالته.

وهذا بخلاف الوثن والصنم الذي يعبد ويتقرب له المشركون بالعبادة من زيارة ونحوها وهذا الذي يتعلق به التكفير دون اشتراط قصد ونية.

ولم أبح دخول الكنائس بإطلاق كما فهم البعض لأني قيدت ذلك بعدم إقامة وإعلان الكفر فيها كأيام عيدهم وقيدت الدخول في غير حالة إعلان وإظهار الشرك فيها كما ذكرته سابقا؛ عملا بالأصل وهو عدم جواز البقاء في مجلس يعلن فيه بالكفر -وأدلة هذا الأصل معلومة لا تخفى-.

- وفي المقال التفريق بين الوثن المعبود وبين الكنائس، والتفريق بين الوثن المعبود وبين الكنائس يشبه التفريق الشرعي الوارد في النصوص بين المشرك الوثني عابد الأصنام وبين أهل الكتاب مع أن النصارى متلبسين بالشرك الأكبر أيضا.

وما ذكرته في مسألة دخول الكنائس لا يتعارض مع أحكام الظاهر فمن رأيناه يدخل كنيسة ونحن لا نعرفه فنحكم عليه بظاهره ويعامل ابتداء معاملة النصارى حتى يثبت لنا إسلامه بسؤالنا له أو غير ذلك:


1/- لا دليل على التفريق بين دار الكفر ودار الإسلام، فلم يرد أي دليل أو أثر يشير من قريب أو بعيد لتكفير من دخل كنيسة في دار الكفر بل قد جاء النص الصريح بدخولها في دار الكفر وما جاء في البخاري من إقرار النبي ﷺ لأم سلمة و أم حبيبة -رضي الله عنهما-.

• عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

ودلالة هذا الحديث ومافيه من إقرار يظهر فيما يلي:

أ/- بعدم استفصاله منهما.

ب/- وعدم إنكاره عليهما.

ج/- عدم سؤاله لهما عن توقيت دخولهما هل هو في بداية دخولهم للحبشة حين كانت دار كفر آنذاك أم في أواخر عهدهم بأرض الحبشة؟!

وهذا صريح الدلالة بعدم التفريق ولو كان هناك تفريق لبينه النبي ﷺ ولا سيما وهذه حالة ووقت وجوب البيان.

- والحبشة مرت بمراحل:

* الأولىكانت دار كفر في بدايات ذهاب المسلمين لها وحتى حين أسلم النجاشي تبقى دار كفر لأنه كان يسر بإسلامه في أوائل أمره.

* المرحلة الثانيةما روي في منعه خراج قيصر وما جاء فيها من علم القيصر بإسلامه وهذا يشير لإعلانه الإسلام ولعل هذه المرحلة الأخيرة دالة على تحولها مؤخرا لدار إسلام.

ولا يقال بأن هذا الإقرار منه كان أول البعثة لأن بيان حكم الكفر لا يختلف مع اختلاف الزمان ولأن هذه القصة كانت في آخر عهد البعثة ﻷنهما قصتاها عليه بعد وصولهما للمدينة.

2/- ولم يَرِدْ التكفير بمجرد دخولها عن أحد من السلف بل إجماعهم العملي وصريح فتاواهم بخلاف ذلك.

ومن كفر بذلك فقد وقع في الهلكة، ولا يصح القياس مع صريح النصوص، ولا رأي مع صريح الأثر.

3/- والعلة عند من كفر بمجرد دخول الكنيسة تستوي في دار الكفر ودار الإسلام، ولاسيما دار الإسلام التي يغلب على أهلها الكفر والنصرانية كتلك المدن والقرى الشامية والمصرية في بدايات فتحها.

4/- من قال إن الكنائس بعد فتح الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- والتي أجازوا دخولها خالية من الصور فقد خالف صريح الآثار والنصوص.

وحديث البخاري السابق وقول عمر -رضي الله عنه- في البخاري تعليقا وغيره من الآثار يرد ذلك ويفنده -والصور التي يعبدونها قرينة الصلبان التي في داخل كنائسهم ولا فرق بينهما بل الصور المعبودة أشد من الصلبان- ولم يرد نص أو أثر يدل على طمس وكسر الصلبان داخل كنائسهم حين فتح الصحابة -رضي الله عنهم- بلاد النصارى، ولا فرق بين الصورة المعبودة والصلبان.

5/- وما جاء في البخاري ومصنفي عبدالرزاق وابن أبي شيبة وغيرها يدل عل أن الوارد عن الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- بشأن دخول الكنائس محصور في التالي:

أ/- الخلاف في الصلاة فيها لأجل الصور تصريحا أو المنع بدون تعليل.

ب/- الخلاف في مجرد دخولها لأجل الصور.

ج/- لم يَرِدْ عن الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- ما يشير من قريب أو بعيد للتكفير لمن دخل الكنائس المحتوية على ما يعبدونه من تلك الصور وغيرها.

د/- لم يَرِدْ في النصوص أو آثار السلف ما يشير من قريب أو بعيد للتفريق بين دخولها في دار الكفر أو دار الإسلام.

هـ/- منع دخولها في حالة إعلانهم لكفرهم وإظهارهم له داخل كنائسهم كأيام أعيادهم وقد جاء عن عمر -رضي الله عنه- النهي عن دخولها وقت أعيادهم لأن السخطة تنزل عليهم ولا يقال بأن ما فيها من صور معبودة يندرج في حالة إظهارهم وإعلانهم لكفرهم أيام أعيادهم وإشهارهم فيها لطقوسهم الدينية، لأن النصوص والآثار فرقت تفريقا بَيِّنًا بين هذا وهذا، وهذه مسألة أخرى تختلف عن مسألة النهي عن الصلاة في كنائسهم لأجل ما فيها من صور.

6/- وهذا لا يعارض مسألة الحكم بالظاهر على الداخل المجهول للكنائس، ومعاملته معاملة النصارى حتى يثبت خلاف ذلك بسؤالنا له أو غير ذلك.


 

ولا شك أن داخل الكنائس صورا لمعبوداتهم وكذلك داخلها الصلبان، وهذه الصور والصلبان لا شك أنها من مظاهر شركهم والمنع جاء بأن لا يظهروا صلبانهم ويلتحق بذلك الصور التي يعبدونها وأما ما في داخل كنائسهم فلم ينقل منعهم من ذلك؛ وهذه حالة خاصة بالكنائس والبيع تختلف عن الأوثان الأخرى.
- وأما حالة إعلان وإظهار كفرهم في كنائسهم كأيام عيدهم فلا يجوز دخولها في هذه الحالة لأن السخطة تتنزل عليهم كما روي عن عمر رضي الله عنهم. 
• عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر رضي الله عنه: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم".




 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 


 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *