من هم المرجئة "غير الغلاة"؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
▪ المرجئة غير الغلاة:
1/- من قال بترك الاستثناء في الإيمان، فقال هو مؤمن (ولم يستثن دون وصف الإيمان المضاف الذي لا يستثنى منه إجماعا كالإيمان بالله وكذلك الإضافة لبقية شرائع الإيمان).
- والسلف ألحقوا ذلك ببدع المرجئة كما نقل "حرب" عن "أحمد" وأئمة السنة «ومن لم يَرَ الاستثناء في الإيمان، فَهُوَ مُرْجِئٌ»{السنة لحرب|10}.
- ومن أخرجه من الإرجاء "كأحمد" قد اشترط أن يكون التارك للاستثناء ممن يقول (بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)، كما في السنة لعبد الله والخلال.
-> قال عبد الله: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ رَجُلٍ، يَقُولُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَلَكِنْ لَا يَسْتَثْنِي أَمُرْجِئٌ؟ قَالَ: «أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ مُرْجِئًا».{السنة لعبد الله | 586}.
-> قال الخلال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَقَوْلُ: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، فَقَالَ: حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ: «أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ كَذَا، أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ كَذَا»، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَاكَ".{السنة للخلال |1041}.
• ولعل هذا ما فهمه أحمد عن "مسعر بن كدام" حين نفي عنه الإرجاء، وقد نقل أن ترك الاستثناء من قول المرجئة ابن مهدي في الإبانة والثوري في السنة لحرب وأحمد وإسحاق والحميدي كما نقل حرب والأوزاعي في الشريعة، ونص على نسبته للمرجئة الآجري وابن بطة.
2/- نفي الزيادة والنقص دون التصريح والالتزام بلوازم ذلك وعلله وأسبابه وقد ذكر ذلك عن المرجئة "حرب" في عقيدته.
-> قال حرب الكرماني في عقيدته: «وإنْ زَعَمَ أنَّ الإيمانَ لا يزيد ولا ينقص، فَهُوَ مُرْجِئ»{السنة لحرب|8}.
-> وإن قال: «إن الإيمانَ يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المُرجئة»{السنة لحرب|9}.
3/- من المرجئة قال بالزيادة ولكنه أنكر النقصان وجزم بعدم النقص ولم يتوقف عند مجرد الكف عن لفظة النقص فقط، وإنكار هذا المرجئ لنقص الإيمان بشرط (أن لا يقول ولا يصرح بلوازم ذلك وعلله وأسبابه) وهذه فرقة أخرى من المرجئة ذكرها "حرب" أيضا وذكرها "الملطي" وذكرها "الخلال" أيضا.
”وهي أقل شرا من سابقتها النافية للأمرين (للزيادة والنقص) وقولهم هذا ينقض أصلهم وهذا يدل أن بعض المرجئة يردد كلاما محدثا لا يفهم حقيقة مآله ولازمه، ومن قال ذلك في عهد السلف في بدو الخوض في هذه المسائل لم يعامله السلف بلازم قوله ومآله فلم يعدوه غاليا كمن صرح بعدم دخول العمل“
- ولأحمد روايتان في الخلال توقف في إحداها عن الحكم عليه بالإرجاء وجزم في الأخرى، والمرجئة تنفر من وصف واعتقاد نقص الإيمان أكثر من نفورها من القول بزيادته.
- ومالك توقف عن لفظ (النقصان) في أول أمره لعدم وروده في النصوص حسب علمه فلما بلغته النصوص قال (بالزيادة والنقصان).
• ولكن تنبه فالإمام مالك لم ينفه كما نفى المرجئة جزما ولكنه توقف وأمر بالكف حتى بلغه الدليل وأما المرجئة فقد جزموا وصرحوا ولم يتوقفوا ويكفوا وفرق بين الحالين، وقد صرح (بالزيادة والنقصان) كما في الخلال والتمهيد.
-> قال الخلال: أخبرنا محمد بن علي، قال: حدثنا صالح، قال: سألت أبي، ما زيادته ونقصانه؟ قال: زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة، والزكاة، والحج، وأداء الفرائض، فهذا ينقص، ويزيد بالعمل وقال: إن كان قبل زيادته تاما، فكيف يزيد التام، فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: "ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله؟"{الخلال |1030}.
-> « ..وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ بِصَنْعَاءَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثوري ومعمر وَابْنَ جُرَيْجٍ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُونَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُص..» { التمهيد|9/252 }.
4/- يقول الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «يَقُولُ أَهْلُ الْبِدَعِ: الْإِيمَانُ الْإِقْرَارُ بِلَا عَمَلٍ وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ، وَلَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْإِيمَانِ...»{السنة لعبد الله | 793}.
”لأن هؤلاء يجعلون أعمال الجوارح حسنات وصالحات ولكنها ليست من الإيمان المحصور في القلب عندهم، وهذه البدعة لعل أصلها قد قال بها من لا يلتزم بلوازمها في بادئ الأمر ثم جاء (الأشاعرة الجهمية) وأخذوا بهذا القول وما يشبههه كقولهم التفاضل في الثواب وليس نفس الإيمان، والأشاعرة صرحوا بتجهمهم في باب (الإيمان والصفات) وغيرها من بدعهم وضلالهم“
5/- بعض ما قاله وتلبس به "المروزي" في كتابه (تعظيم قدر الصلاة) يلتحق بصغار الإرجاء وبعض أقواله موافقة لقول (غلاة المرجئة).
• ولكن ما ذكره "المروزي" من تكفير تارك الصلاة يناقض ذلك، وبعض الأمثلة التي ذكرها صحيحة، وهذا مما يشكك أن ما جاء في الكتاب ليس من كتابته بل لعله من إدراج المرجئة ولابد من مراجعة مختلف المخطوطات.