مسائل هامة في القراءة بالنظر دون " تحريك اللسان " وليس في ذلك حجة " للجهمية الأشعرية ".
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
• قال عبد اللَّه بن أحمد في كتاب الزهد: حدثني أبي، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا ربيع بن منذر، عن أبيه قال: «رأيت الربيع بن خثيم يقرأ في المصحف ولا يحرك شفتيه»[الزهد رواية عبد اللَّه (ص 410) والجامع لعلوم الإمام أحمد التفسير وعلوم القرآن (13/423)].
1/- من أبطل ونفى الأجر عموما بالنظر لآيات القرآن وإمرارها على القلب دون تحريك اللسان فقد تكلم بالرأي والهوى والظن.
2/- تسمية القراءة (بالنظر دون تحريك اللسان أو إمرار القرآن على القلب دون تحريك اللسان) بالقراءة من باب التوسع والتجوز في الألفاظ.
• وهذا تحتمله اللغة، مع أن تلك الصفة ليست هي حقيقة القراءة بمعناها الشرعي واللغوي التي تترتب عليها الأحكام والرقية والحرز والحفظ بإذن الله.
- ولذلك نقل في (البيان والتحصيل) عن الإمام مالك -رحمه الله- قال: «ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان».
• وهذا باعتبار الأصل وحقيقة معنى القراءة شرعا وعرفا ولغة وعقلا.
3)- حقيقة وصف القراءة والذكر بالقلب تلحق بالتدبر والتأمل وذكر الله بالقلب أكثر من لحوقها بالقراءة باعتبار الأصل والحقيقة؛ وهي إمرار القرآن على القلب سواء صاحبه النظر للمصحف أم لم يصحبه.
• وهذا من أهم الأعمال الصالحة وأنفعها لأمرين:
-> وهو تدبر القرآن وتأمله وإمراره على القلب.
-> وأيضا في هذه الطريقة إعانة عجيبة على سرعة الحفظ ومن باب أولى مراجعة الحفظ، لأن صورة المقروء بالعين تنتقل من العين للعقل والقلب مباشرة.
”وقد ثبت أنها من أكبر ما يعين -بإذن الله- على الحفظ وهذا مجرب، وهذا الحفظ يسمى (الحفظ بالبصر) ولو كرر ثلاثا على النص فهو أفضل، مع عدم إغفال (الحفظ السمعي) بسماعك لما تقرأه ولو رفعت صوتك قليلا فهو أفضل ويكرر ثلاثا، وكذلك (الحفظ التخيلي الذهني) بتخيل صورة السطرين أو الثلاثة التي كررتها سابقا وتكرار ذلك الحفظ والاستظهار التخيلي الذهني ثلاثا“
4)- والقراءة المعتبرة شرعا في الصلاة وترتيب ثواب الحرز والحفظ من الشرور في الرقية الشرعية والأذكار المسنونة مقصورة محصورة بتحريك اللسان ولابد.
• وبناء على ذلك:
أ- فمن لم يحرك لسانه في الصلاة لا تصح صلاته لأنه لم يقرأ حقيقة.
ب- ولا يعد ممن قال الأذكار عقب الصلاة أو أذكار الصباح والمساء أو ذكر دخول المنزل أو ذكر النزول بالمكان وغيرها، ولا يعد من فعل ذلك مرتقيا بالرقية الشرعية.
ج- المُجنب لا يجوز له قراءة القرآن "إجماعا"، ولكن لو نظر لآيات القرآن دون مس له لجاز له ذلك ولم يخالف في ذلك أحد لأنه لا يعد قارئا للقرآن حقيقة.
د- وكذلك من حلف أن يكف عن قول عبارة معينة ولكنه رآها في كتاب فنظر بعينيه لما هو مكتوب في هذا الكتاب وأمر ذلك على قلبه وقرأه بقلبه فلا يعد قارئا حقيقة ولا يحنث في يمينه.
5)- ما جاء في النصوص كقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: «اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ»، أي: الفاتحة، لا يقصد بها إلا القراءة السرية (بتحريك اللسان) لأن النقل صريح في القراءة في السرية بتحريك اللسان لما جاء من اضطراب لحيته ﷺ في الصلاة السرية وسماعهم لبعض ما يقرأه.
6)- مقولة الزنادقة (الأشاعرة الجهمية) في صفة "الكلام لله" -سبحانه وتعالى- وقالوا بأنه (الكلام النفسي) لينفوا تكلم الله -جل وعلا- بحرف وصوت وليتوصلوا بذلك للقول (بخلق القرآن) الذي بين أيدينا حيث ادعوا بأن القرآن (حكاية وعبارة عن كلام الله).
• وهذا عين قول إخوانهم (المعتزلة الزنادقة) القائلين بخلق القرآن.
- ولذلك فموافقة الأشعرية الجهمية لأهل السنة في قول أن القرآن كلام الله موافقة (لفظية ظاهرية) كحال "المنافقين" لأن مقصودهم حسب زعمهم (كلام الله النفسي المتعلق بذاته)، وقد رد عليهم البعض لإبطال كلامهم بنفي ورود مصطلح الكلام النفسي لما يدور في القلب والذهن والصدر.
• وهذا غير صحيح، فقد جاء في الآثار وفي كلام العرب:
-> «أسررت في قلبي كلاما».
-> ومنه قول عمر -رضي الله عنه-: «وقد كنت زورت في صدري كلاما».
-> وما جاء في قصة يوسف، قال الله تعالىٰ ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ ﴾، فسمى ما أسره وأجراه في نفسه قولا.
”وورود مقولة ووصف (أن فلانا قال في نفسه أو أضمر في نفسه كلاما) ليس فيه حجة للجهمية الزنادقة، لأن النصوص الواضحة الجلية البينة متواترة بإثبات أن الله يتكلم بحرف وصوت مسموع وأن القرآن الذي بين أيدينا من كلام الله حقيقة وليس عبارة وحكاية كما ادعى الزنادقة“
-> قال محمد بن عبد الواحد المقدسي الضياء قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ شَيْئَيْنَ، أَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ حِكَايَةٌ، فَهُوَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ زِنْدِيقٌ كَافِرٌ بِاللَّهِ».
• قال اللالكائي: «سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يتحدى به، وأن يدعو الناس إليه، وأنه القرآن على الحقيقة متلو في المحاريب، مكتوب في المصاحف، محفوظ في صدور الرجال، ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب، بل هو صفة من صفات ذاته، لم يزل به متكلما، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة»[كتاب السنة |2/43].
• قال ابن بطة العكبري: «فَمَنْ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى كَلامًا بِصَوْتٍ تَسْمَعُهُ الأُذُنَانِ، وَتَعِيهِ الْقُلُوبُ، لا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، لا تُرْجُمَانَ وَلا رَسُولَ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَجَحَدَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ تَابَ وَرَجَعَ عَنْ مَقَالَتِهِ، وَإِلا ضَرَبَ عُنُقَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الإِمَامُ وَصَحَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذِهِ مَقَالَتُهُ، فَفَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هِجْرَانُهُ وَقَطِيعَتُهُ، فَلا يُكَلِّمُونَهُ، وَلا يُعَامِلُونَهُ، وَلا يَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ، وَلا يَشْهَدُونَهُ إِذَا مَاتَ، وَلا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ الصَّلاةَ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلا يُزَوَّجُ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا أَنْ يَتُوبَ»[الابانة الكبرى|6/31].
- كان تكفير أعيان المؤولة الجهمية "كالأشاعرة" وغيرهم ممن لم يثبت "العلو" ومن قال "بالحكاية والعبارة" في (كلام الله) أمرا مسلما لا يختلف فيه من ينسبون أنفسهم للسنة في جميع قرون الأمة إلى القرن السابع إلا شرذمة نادرة هالكة ضالة لا تخلو من ضلالات أخرى غير هذه الضلالة، حتى جاء (الطاغوت ابن تيمية) فَأَصَّلَ وَقَعَّدَ وجمع الشبه وابتدع تلك الضوابط والشروط لإعذار أعيان من لم يثبت علو الله وارتفاعه وغيرها من الكفريات وحصر التكفير بالنوع لا العين ابتداء وجعل لتكفير المعين شروطا وموانعا لو أعملناها على من كفر أعيانهم الصحابة -رضي الله عنهم- كأتباع "مسيلمة" والقدرية وغيرهم لخرجوا من تحتها من (الموحدين المسلمين) ولرجعت اللائمة والشائنة وسمة الغلو على من كفرهم من الصحابة والسلف -رضي الله عنهم-.
• فحسبنا الله ونعم الوكيل.
”والله لقد فرق صف من ينسب للسنة والتوحيد، ووالله لقد أضل من بعده ضلالا بعيدا إلا من -رحم الله- وأصبح حاجزا منيعا بين الناس وبين اتباع السنة والتوحيد وأصبح صنما مقدسا لدى أتباعه ومحبيه بل حتى من اهتدى للتوحيد والسنة قد نازعته نفسه كثيرا وشق عليه إخراج تعظيم هذا (الصنم الطاغوت) من قلبه، وحتى الجهمية "كابن حزم" و"ابن عياض" حين تكلموا عن (إعذار الأعيان) لم يجمعوا من الشبه ولم يؤصلوا من الموانع مثل ما فعل عدو الله، فهو والله طاغوت من الطواغيت ومن عرف حقيقة (معنى الطاغوت) تيقن ذلك“
• أسأل الله أن يهيىء نشر التوحيد والسنة بفهم الصحابة والسلف -رضي الله عنهم-.