قواعد وفوائد نفيسة في مسألة الحكم على المشرك الكافر الذي لم تبلغه الرسالة والنذارة في الدنيا ومات على شركه، والجمع بين الأدلة التي زعم بعضهم تعارضها وعدم إمكانية الجمع بينها.

 



[ كالأدلة الصريحة بتعذيب مشركي الجاهلية قبل الرسالة وأنهم من أهل النار؛

وما يؤيد ذلك من أدلة حجية الميثاق، من جهة]

 

[والأدلة الصريحة في تعليق العذاب ودخول النار بالرسالة والنذارة من جهة أخرى]

 

❍ وبيان:

 

أن الحجة قائمة عليهم بالعهد والميثاق الأول وغير ذلك من حجج الفطرة وغيرها.

 

وبيان أن إرسال الرسل والنذارة متحقق (لهؤلاء خاصة في الآخرة) (يوم القيامة).

 

قطعية وقوع العذاب الأخروي على هؤلاء المشركين ولا نجاة لهم ولا تعارض بين النصوص والآثار الواردة في ذلك.

 

- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 

 ◉ أولا: قاعدة تعلق العذاب بالرسالة والنذارة لاينافي أن من مات على الشرك قبل بلوغ الرسالة معذب في الآخرة لا محالة لسببين:

 

- الأول: لأن الرسالة والنذارة ستتحقق بشأنهم ولو في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار الصريحة -وسنورد بعضها- وامتحان الآخرة لن ينجو منه من مات كافرا مشركا كما دلت عليه النصوص والآثار وليس هذا مجرد اجتهاد من "يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ" -رحمه الله-.

 

فقوله؛ قد ورد التصريح به في بعض الروايات بأن المشرك خاصة لن ينجو بعد أن يرسل له الرسول يوم القيامة، وهذا يضاف للروايات الصريحة الصحيحة بتعذيب من مات على الشرك في الجاهلية.

 

- السبب الثاني: يستحقون العذاب بقيام حجج الله عليهم كحجة الميثاق والعهد الأول وحجة الفطرة وولادتهم على الحنيفية وغير ذلك من الحجج وسيأتي بعض التفصيل لذلك.

 

ولكن مع استحقاقهم للعذاب لكفرهم وشركهم تفضل الله على خلقه بقطع عذرهم بتعليقه العذاب بالرسالة والنذارة؛ ولو عذبهم دون رسالة ونذارة لما كان ظالما لهم لأنه قد أقام الحجة عليهم بالعهد والميثاق وولادتهم على الفطرة والحنيفية وغير ذلك من الحجج.

 

◉ ثانيا: وهذه بعض النصوص الصريحة في تعلق العذاب بالرسالة والنذارة؛ ولايجوز أن نقول لا يعذبون قبل الرسالة لعدم بلوغ الحجة!

 

لأن الحجة قائمة عليهم بالعهد والميثاق الأول على الناس وهم في عالم الذر وغيرها من الحجج.

 

وهذه بعض النصوص الصريحة في تعلق العذاب بالرسالة والنذارة:

 

1/- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾{النساء: 165}.

 

2/- قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «...وليس أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ». رواه الْبُخَارِيُّ (4634)، ومُسْلِمٌ (2760).

 

3/- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾{الإسراء: 15}.

 

- وما ورد عند عبدالرزاق وابن أبي حاتم والطبري وغيرهم من تفسير أبي هريرة -رضي الله عنه- واستشهاده بهذه الآية وكذلك تفسير قتادة لها عند الطبري وغيره، ورواية أبي هريرة مع ماقيل فيها إلا أن أثر قتادة يشهد لمعناها.(۱)

 

4/- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾{المائدة: 19}.

 

5/- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿تَلۡفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمۡ فِيهَا كَٰلِحُونَ ۞ أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾{المؤمنون: 105/104}.

 

6/- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾{غافر: 50}.

 

◉ ثالثا: النصوص وبعض الآثار بينت أن يوم القيامة سيتحقق فيه أيضا الرسالة والنذارة (لطائفة محدودة مستثناة من الناس وفيهم المشرك الذي لم تبلغه الرسالة) فيرسل الله لهم رسولا وبذلك تتحقق الرسالة والنذارة في حقهم.

 

وبذلك لا نجاة للكافر المشرك الذي مات في الدنيا على شركه قبل بلوغ الرسالة والنذارة.

 

◉ رابعا: المشرك الكافر حتى قبل بلوغ الرسالة والكتب لايجوز أن نقول بعدم قيام الحجة عليه ولايجوز وصفه بأنه معذور بالجهل أو الشبهة والتأويل، لمخالفة ذلك لما يلي:

 

1/- مخالفة صريح النصوص التي ورد فيها الحكم والوصف لأهل الجاهلية ومقتهم وعذابهم ووصفهم بالكفر والشرك (والحكم عليهم بالنار).

 

2/- مخالفة آية الأعراف وغيرها من نصوص وآثار حجية العهد والميثاق الأول والفطرة وغيرها.

 

3/- لايجوز قول ذلك لأن الحجة قائمة على هذا الصنف (المشرك والكافر الذي لم تبلغه الرسالة).

 

وقيام الحجة عليه بما يلي:

 

- بحجة العهد والميثاق الأول التي حاج الله بها الناس وقطع عذرهم بها مرتين:

 

* الأولى: حين كانوا في عالم الذر كما ستقرأه من صريح آية الأعراف.

 

* الثانية: حين دخول القبر كما في حديث البخاري الذي سنذكره.

 

وهذه بعض الأدلة:

 

أ/- آية الأعراف وغيرها مما ورد في تفسيرها.(۲)

 

✺ قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ﴾{الأعراف: 172}.

 

ب/- قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يقالُ للرجلِ من أهلِ النارِ يومَ القيامَةِ: أرأَيْتَ لو كان لكَ ما على الأرضِ من شيءٍ أكنتَ مفتديًا بِه؟ فيقولُ: نعم؟ فيقولُ اللهُ: كذبْتَ قدْ أردْتُّ منكَ أهونَ من ذلِكَ، قد أخذتُ عليكَ في ظهرِ آدمَ أن لَّا تُشرِكَ بي شيئًا فأبيتَ إلَّا أنْ تُشْرِكَ...». أخرجه البخاري (3334)، ومسلم (2805) باختلاف يسير.

 

ج/- وما قاله التابعي الجليل ''الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ'' -رحمه الله- عن سؤال الطفل الرضيع في قبره عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم عليه السلام؛ رواه الطبري وغيره في تفسير آية الميثاق السابقة.

 

← أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" (15352)؛ عَنْ جُوَيْبِرٍ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِلضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، ابْنُ سِتَّةِ أَيَّامٍ قَالَ: فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِذَا أَنْتَ وَضَعْتَ ابْنِي فِي لَحْدِهِ، فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وَحُلَّ عَنْهُ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ! فَفَعَلْتُ بِهِ الَّذِي أَمَرَنِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، عَمَّ يُسْأَلُ ابْنُكَ؟ مَنْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْأَرْزَاقِ، فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ مَنْ أُعْطَى الْمِيثَاقَ يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَوَفَّى بِهِ نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ فَلَمْ يَفِ بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ.

 

د/- وبما أودعه الله في فطرته وقلبه وعقله من معرفة الله كما في نصوص وآثار الفطرة.

 

هـ/- ولادتهم على الحنيفية كما ورد في الحديث الإلاهي في مسلم (2865) «..وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ،..».

 

و/- وآيات الله وبراهينه في الأنفس والكون.(۳)

 

◉ خامسا: هذا الصنف من المشركين مستحقين للعذاب الأخروي مجرد استحقاق.

 

ولو عذبهم الله لما كان ظالما لهم، لأن الحجة قائمة عليهم بما ذكرناه سابقا.

 

”ولكن العذاب واقع عليهم بعد إرسال الرسل والنذارة، ولايجوز أن تقول لا يعذبون حتى تقوم عليهم الحجة لأن المشرك الكافر قد قامت عليه الحجة بما ذكرنا آنفا“

 

◉ سادسا: تنبه جيدا؛ الرسالة والنذارة ليست خاصة بالدنيا (وإن كان الأصل الغالب أنها لأهل الدنيا) ولكنها في حالة استثنائية مخصوصة تتحقق أيضا في يوم القيامة لمن لم تبلغهم الرسالة في الدنيا.

 

• ومع ذلك فلا نجاة للمشرك بعد بلوغ الرسالة والنذارة له في الآخرة.

 

”وقبل امتحانه في الآخرة يستحق العذاب لشركه وكفره لقيام حجة الميثاق وغيرها عليه ولكن الله يتفضل عليه بالرسالة والنذارة، ويوصف قبل ذلك بالكفر والشرك“

 

◉ سابعا: عدم نجاته في امتحان الآخرة ورد صريحا في بعض الروايات -وسنورد بعضها-، وقد قاله الإمام "يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ" -رحمه الله- وهو من أتباع التابعين، وقوله في اختصار تفسيره الذي اختصره ابن أبي زمنين (تفسير ابن أبي زمنين) وأن فرصة النجاة لمثل المعتوه الذي لاعقل له.

 

فهذا ليس مجرد اجتهاد من الإمام "يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ" بل سنورد لك بعض ما روي من النصوص الصريحة بأن نتيجة امتحانهم في الآخرة النار فمصير من مات على الشرك وهو من المكلفين بعد امتحانهم العذاب وليس لهم نصيب في النجاة.

 

- وماقيل في بعض أسانيدها لايؤثر، لأنه قد ورد في السنة الصريحة عذاب مشركي الجاهلية، وأن من مات قبل البعثة من المشركين في النار.

 

← أخرج  البزار "مسنده" (4169)، والحاكم في "مستدركه" (8390)؛ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظَّمَ شَأْنَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ «إِذَا كَانَ يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوزارهم عَلَى ظُهُورِهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ تُرْسِلْ إِلَيْنَا رَسُولًا، وَلَمْ يَأْتِنَا لَكَ أَمْرٌ، وَلَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا لَكُنَّا أَطْوَعَ عِبَادِكَ، فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَعْمِدُوا إِلَى جَهَنَّمَ فَيَدْخُلُوهَا، فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهَا وَجَدُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، فَرَجَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، فَيَقُولُونَ:

 

رَبَّنَا أَخْرِجْنَا أَوْ أَجِرْنَا مِنْهَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: أَلَمْ تَزْعُمُوا أَنِّي إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي فَيَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَهُمْ، فَيَقُولُ: اعْمَدُوا إِلَيْهَا فَادْخُلُوهَا، فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا رَأَوْهَا فَرِقُوا منها ورجعوا وقالوا: رَبَّنَا فَرِقْنَا مِنْهَا وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدْخُلَهَا، فَيَقُولُ: ادْخُلُوهَا دَاخِرِينَ «فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَخَلُوهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا».

 

← أخرج الطبراني في "الأوسط" (7955)، وأبو نعيم في "الحلية" (ج05/ص127)؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْمَمْسُوخِ عَقْلًا وَبِالْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَبِالْهَالِكِ صَغِيرًا، فَيَقُولُ الْمَمْسُوخُ: يَا رَبِّ لَوْ آتَيْتَنِي عَقْلًا مَا كَانَ مَنْ آتَيْتُهُ عَقْلًا بِأَسْعَدَ مِنِّي» وَذَكَرَ فِي الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالصَّغِيرِ نَحْوَ ذَلِكَ «فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي آمُرُكُمْ بِأَمْرٍ فَتُطِيعُونِي؟

 

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: وَلَوْ دخلوها ما ضرتهم، فتخرج عليهم قوابض فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللَّهُ من شيء فيرجعون سراعا، ثم يأمرهم ثانية، فَيَرْجِعُونَ كَذَلِكَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكُمْ عَلِمْتُ مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، وَعَلَى عِلْمِي خَلَقْتُكُمْ، وَإِلَى عِلْمِي تَصِيرُونَ، ضُمِّيهِمْ، فَتَأْخُذُهُمُ النَّارُ».

 

وهذه الرِّواياتُ أصلُ وأُسُّ قول "يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ" بأنَّ المشرك لا ينجو بعد امتحان القيامة، وقبل ذلك نصوص السُّنَّة الصريحة بعذاب مشركي الجاهلية وأن من مات قبل البعثة من المشركين في النار.

 

← قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ ( ج05/ص252): أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم؛ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله أهل الفترة: الْمَعْتُوه والأصم والأبكم والشيوخ الَّذين لم يدركوا الْإِسْلَام ثمَّ أرسل إِلَيْهِم رَسُولا أَن ادخُلُوا النَّار فَيَقُولُونَ كَيفَ وَلم تأتنا رسل قَالَ: وَايْم الله لَو دخلوها لكَانَتْ عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا ثمَّ يُرْسل إِلَيْهِم فيطيعه من كَانَ يُرِيد أَن يطيعه.

 

- قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرأوا إِن شِئْتُم {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا}.

 

ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع‏.‏

 

← أَخَرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُننِهِ (1573)، عَن عَبْد اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: "فِي النَّارِ". قَالَ: فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ". قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، وَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَبًا مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ.

 

”وبذلك نجمع بين الأدلة؛ أدلة تعذيب مشركي الجاهلية قبل الرسالة وأدلة حجية الميثاق من جهة، وأدلة تعلق العذاب بالرسالة والنذارة من جهة أخرى“

 

ـــــــــــــــــــــ

 

۱- أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" (ج17/ص402)؛ عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا): إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ يُعَذِّبُ أَحَدًا حَتَّى يَسْبِقَ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ خَبَرًا، أَوْ يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ بَيِّنَةٌ، وَلَيْسَ مُعَذِّبًا أَحَدًا إِلَّا بِذَنْبِهِ.

 

۲- قالَ الطَّبَرِيُّ (ج13/ص251-252): يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ إِذِ اسْتَخْرَجَ وَلَدَ آدَمَ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، فَقَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ، وَأَشْهَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهَادَتَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِقْرَارَهُمْ بِهِ.

 

- وقَالَ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَإِنَّا كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ أَوْ تَقُولُوا: "إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْاتَّبَعْنَا مِنْهَاجَهُمْ "أَفَتُهْلِكُنَابِإِشْرَاكِ مَنْ أَشْرَكَ مِنْ آبَائِنَا، وَاتِّبَاعِنَا مِنْهَاجَهُمْ عَلَى جَهْلٍ مِنَّا بِالْحَقِّ؟ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: "بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَبِمَا فَعَلَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا فِي دَعْوَاهُمْ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ.

 

أَخَرَجَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (8532)؛ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِم﴾؛ قَالَ: اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ كَمَا يُسْتَخْرَجُ المُشْطَ مِنَ الرَّامِي.

 

-> قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (601/03): أخرج ابْن جرير وَابْن مَنْدَه فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية؛ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَال:َ أَخذ من ظَهره كَمَا يُؤْخَذ بالمشط من الرَّأْس؛ فَقَالَ لَهُم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالَت الْمَلَائِكَة {شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة انَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين}.

 

- وأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر؛ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: مسح الله على صلب آدم فَأخْرج من صلبه مَا يكون من ذُريَّته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأخذ ميثاقهم أَنه رَبهم وَأَعْطوهُ ذَلِك فَلَا يسْأَل (أحد كَافِر وَلَا غَيره) من رَبك إِلَّا قَالَ: الله.

 

← أَخَرَجَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (8537)؛ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾؛

 

 - قَالَ: جَمَعَهُ لَهُ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ، ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ وَتَكَلَّمُوا، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾؛

 

- قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَلا رَبَّ غَيْرِي، وَلا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وأَنِّي سَأُرْسِلُ لَكُمْ رُسُلاً يُنْذِرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ فَأَقَرُّوا لَهُ يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرَفَعَ أَبَاهُمْ آدَمَ إِلَيْهِمْ فَرَأَى فِيهِمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَبِّ لَوْ سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ،

 

 - قَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ، وَأَرَى فِيهِمُ الأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِ النُّورُ وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرٍ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة؛ِ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمَنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فطرت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ وَفِي ذَلِكَ قَالَ: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى﴾ وَفِي ذَلِكَ قَالَ: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنَّ وَجَدْنَا أكثرهم لفاسقين﴾.

 

-> قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (604/03): وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم؛ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُقَال للرجل من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك مَا على الأَرْض من شَيْء أَكنت مفتدياً بِهِ فَيَقُول: نعم. فَيَقُول: قد أردْت مِنْك أَهْون من ذَلِك قد أخذت عَلَيْك فِي ظهر أَبِيك آدم أَن لَا تشرك بِي فأبيت إِلَّا أَن تشرك بِي.

 

- وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ؛ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: أقرُّوا لَهُ بالإِيمان والمعرفة، الْأَرْوَاح قبل أَن يخلق أجسادها.

 

 

۳- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ۞ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ۞ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ۞ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾{الأنبياء: 33/32/31/30}.

 

- قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰٰ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ۞ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۞ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾{الذاريات: 20 /22/ 21}.

 

أَخَرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" (ج22/ص419)؛ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) قَالَ: يَقُولُ: مُعْتَبَرٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ، إِذَا سَارَ فِي أَرْضِ اللَّهِ رَأَى عِبَرًا وَآيَاتٍ عِظَامًا.

 

قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (ج13/ص679): أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قَالَ: مَنْ تَفَكَّرَ فِي خَلْقِهِ عَلِمَ أَنَمَا لُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ لِلْعِبَادَةِ.

 

قالَ الطَّبَرِيُّ: يَقُولُ -تَعَالَى ذِكْرُهُ-: وَفِي الْأَرْضِ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ لِأَهْلِ الْيَقِينِ بِحَقِيقَةِ مَا عَايَنُوا وَرَأَوْا إِذَا سَارُوا فِيهَا، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ آيَاتٌ وَعِبَرٌ تَدُلُّكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ صَانِعِكُمْ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ، إِذْ كَانَ لَا شَيْءَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَ خَلْقِهِ إِيَّاكُمْ (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) يَقُولُ: أَفَلَا تَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ فَتَتَفَكَّرُوا فِيهِ، فَتَعْلَمُوا حَقِيقَةَ وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِكُمْ.

 

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِه(24/12): «وَهَذَا أمرٌ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نبيَّه محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لهَؤُلَاء الَّذِين نبَّهَهُم بِهَذِهِ الآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ ﴾ إلى قوله:﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرعَلَى حُجَجِه عَلَيْهِم، وَعَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ مَعَهُم، الْعَادِلِين بِه الْأَوْثَان والأندادَ، وَالْمُكَذّبِين بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ:﴿قَدْ جَاءَكُم﴾، أَيُّهَا الْعَادِلُون بِاَللَّه، والمُكَذِّبُون رَسُولِه ﴿بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ ﴾، أيّ: مَا تُبْصِرُون بِه الْهُدَى مِنْ الضَّلَالِ، وَالإيمَانَ مِنْ الْكُفْرِ».

 

 

 وصلّى الله وسلّم وبارك على محمّد وآله وصحبه أجمعين 

 

 

 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *