تنبيهُ الأفاضل إلى عدم الاغترار بمن تلبّس بكبار الكفريّات من المنتسبين للإسلام إن مات على الشهادتين والأعمال الصّالحة والفضائل

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


📃 موضوع البحث:

أ/- توضيحُ وبيانُ معنى روايات الوعد بالجنّة لمن قال "لا إله إلا الله"، سواء تلك الرّوايات المطلَقة التي لم تقيِّد قول "لا إله إلا الله" بوقت، أو التي قيَّدت قول ذلك بوقتٍ كحديث الوعد بالجنّة لمن كان آخر كلامه من الدّنيا "لا إله إلا الله".

ب/- الرّدّ على شبهة وقول المرجئة الجهميّة حين قالوا باستحالة موت الكافر والمرتدّ والقبوريّ والجهميّ ونحوهم، وهو: ينطق بالشّهادتين أو على عملٍ صالحٍ في الظّاهر! وزعموا بأنّ من مات من هؤلاء على ذلك فهو مسلمٌ عندهم حتى لو لم تظهر براءته وتوبته من كفريّاته الكبرى، وزعموا أنّ هذا يكفِّر ويجِبّ ويغفر تلك الكفريّات!

- وتألَّوا على الله وكذبوا عليه حين زعموا بأنّ الله لا يأذن بذلك إلا لمسلم، وزعموا بأنّ الله يمنع هؤلاء الكفّار وأمثالهم من الموت أثناء العبادات ولن يتمكّن أحد منهم مِن نُطق الشّهادتين أو الموت ساجدا أو مصليا أو ناسكا أو ملتصقا بالملتزم، وادّعوا بأنّ الكافر عاجزٌ عن ذلك ولا يمكن أن يقع له ذلك، فإن تمّ ووقع لأحد المتلبِّسين بكبار الكفريّات ذلك فهو مسلمٌ حتى لو كان متلبِّسا "بكبار الكفريّات" التي لم يتب ويتبرّأ منها!

ثم رتّبوا على ذلك أنّ المنتسب للإسلام المتلبِّس بكبار الضّلالات والكفريّات -والتي لم يظهر براءته منها- مثل:

-> الشّرك الأكبر "بدعاء الأموات" و"القبور"، أو عدم إثبات "علوّ الله" وفوقيّته وارتفاعه على خلقه، أو "أسلمة" هؤلاء وعدم تكفيرهم بأعيانهم.

-> أو معاداة السّنّة وأهلها وتحريف الصّفات والدّعوة للضّلال والطّعن في الصّحابة -رضي الله عنهم- والنَّيل منهم.

-> أو اللّيبراليّ والعلمانيّ.
 
- وقالوا بأنّ أعيان هؤلاء الضّالين كالقبورية والجهميّة المتلبِّسين بتلك الكفريّات إن مات أحد منهم وهو ينطق الشّهادتين أو مات على طاعةٍ في الظّاهر كسجودٍ أو صلاةٍ أو نُسُكٍ فهذا دليلٌ عند المرجئة الجهميّة على إسلامه وعدم تكفيره، أو يشكّ في تكفيرهم بأعيانهم حتى لو كانوا مصرِّين على تلك "الكفريّات الكبرى" التي لم يُظهِروا توبتهم وبراءتهم منها.

- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:


▪ فنردّ -مستعينين بالله- على هؤلاء المرجئة الجهميّة العاذرية للأعيان المتلبِّسين "بكبار الكفريّات" والمحتجّين بما ظهر مِن حالة بعضهم عند وفاته بما يلي:


1)- قال الإمام الدارمي: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ، قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا أَوْ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، وَقَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ قُتِلَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، لَحَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ يُرَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى هُدًى» {الدارمي، أبو محمد، سنن الدارمي |345/1}.

2)- وما روي في كتب السير والتاريخ والتراجم أن عدو الله "ابن ملجم" -لعنه الله- (قاتل علي رضي الله عنه) كان لسانه يلهج "بذكر الله" عند قتله وإقامة الحد عليه وكان يطلب أن لا يقص لسانه لكي لا ينقطع عن "ذكر الله" عند موته قتلا!
 
ومات وهو يقرأ قوله تعالى﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رؤوف بِالْعِبَادِ﴾{البقرة| 207}.

3)- وما جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْدَهُ الشُّهَدَاءَ، فَقَالَ: "إِنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي أَصْحَابُ الْفُرُشِ، وَرُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، اللهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ".

4)- وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ في أول من تسعر بهم النار ومنهم من قتل مجاهدا في سبيل الله (حسب ظاهره).
 
-> « ..وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : فِي مَاذَا قُتِلْتَ ؟ فَيَقُولُ : أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ : كَذَبْتَ. وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ : كَذَبْتَ. وَيَقُولُ اللَّهُ : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ : فُلَانٌ جَرِيءٌ. فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ". ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"»{سنن الترمذي |2382}.

5)- عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ،
 
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا -أَوْ عَبَاءَةٍ-» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونََ»{صحيح مسلم| 182}.
 
والخاتمة ظاهرها الشهادة، وقال رسول الله ﷺ 'إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ'، وأمره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالنداء 'إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمن'؛ وفيه تنبيه للأمة بعدم الاغترار بالنهاية مهما كانت و الجنة لا يدخلها إلا المؤمن بعمله السابق

6)- وجاء في الصحيحين وغيرهما عن سهلٍ -رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
 
▪ ومن الأدلّةٌ على تمكُّن بعض أهل النّار مِن الكفار -وعدم منع الله لهم- مِن قول الشّهادة عند الموت، والموت على عملٍ صالحٍ في الظّاهر، أنّ الله -عز وجل- لا يقبل توبة العبد إذا بلغ الغرغرة خلال سكرة الموت، ولا تُقبَل توبة من رأى ملائكة العذاب عند الموت، ولا ينفعه ذلك شيئا عند الله.
 
نسأل الله السّلامة والعافية وأن يختم لنا بخيرٍ وهو راضٍ عنا غير غضبان.

7)- قال الله تعالى ٰ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوٓا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُۥ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشْرِكِينَ ۞ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِۦ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون﴾{ غافر | 85/84 }.
 
- فهؤلاء الكفار من أهل النار لم يمنعهم الله من (قول الحّق وذكر الله والعمل الصّالح في الظّاهر عند موتهم)، ولكنّ ذلك لم يأت في وقت المهل.
 
وهذا نصٌّ في إمكانيّة عمل الكافر وقوله لبعض الصّالحات في الظّاهر ولا يدُلّ هذا على إسلامهم، وكذلك من تلبّس "بكبار الكفريّات" ولم يتبرّأ منها فعمله الصّالح عند موته لا يدُلّ على إسلامه
 
- وعدم منع الله من ذلك التّمكين لأمثال هؤلاء مِن هذه الأعمال الصّالحة ظاهرا عند موتهم فتنة وبلاء وامتحان من الله لعباده وقد هلك في ذلك "المرجئة الجهميّة" الذين لا يكفّرون أعيان المتلبِّسين "بكبار الكفريّات" حتى لو كان هذا المتلبِّس بهذه الكفريّات الكبرى مِن العلماء الذين بلغتهم مئات الأدلّة في هذه المسألة المعلومة بالضّرورة والمركوزة في الفِطَر والعقول، ومِن فتنتهم أنهم جعلوا ذلك من أدلة تجهّمهم وضلالهم وكفرهم في حكمهم على الأعيان؛ قال الله تعالى﴿لَايسأل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يسألون﴾{ الأنبياء| 23 }.

8)- قال الله تعالى﴿ وجاوزنا بِبَنِىٓ إِسْرٰٓءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتّٰىٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلٰهَ إِلَّا الَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓا إِسْرٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۞ ءَآلْـٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾{ يونس | 91/90 }.
 
* فهل عدم مَنْع الله له مِن قول هذا الحقّ عند موته يدُلّ على إسلامه؟!
 
وتمكيُن وعدم منع من هو دونه من الكفار مِن باب أولى.
 
وتأمّل جيّدا فهذا الطّاغوت فرعون تمكّن مِن قول الحقّ عند موته ولم يمنعه الله مِن عملٍ وقولٍ يبدو صالحا في الظّاهر، ولكنّه في غير وقت المهلة فالتّمكين وعدم المنع من العمل الصّالح ليس دليلا على إسلام من تلبَّس 'بكبار الكفريّات' التي لم يتبرّأ منها
 
ومن حِكَم هذا التّمكين وعدم المنع من النّطق بالشّهادة والعمل الصّالح ظاهرا:
 
أ/- البلاء والفتنة والامتحان لمن يغترّ بمثل ذلك فيحكم بإسلام من يجب تكفيره بعينه.
 
ب/- حسرة الكافر وعقوبته حيث مُكِّن من قولٍ وعملٍ لا ينفعه عند الله.
 
نعوذ بالله مِن حال أهل النّار، ونسأل الله السلامة والعافية.

9)- قال الله تعالى﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوٓءَ بجهالة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولٰٓئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۞ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَٔاتِ حَتّٰىٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الْـٰٔنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولٰٓئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾{ النساء | 18/17 }.
 
- فهذه توبةٌ عند الموت وعمل صالح (في الظّاهر) لبعض أهل النّار بعد فوات زمن المهلة، وقد مكّنهم الله مِن ذلك العمل الصّالح ظاهرا ولم يمنعهم منه.
 
وهذا دليلٌ صريحٌ كالشّمس على عدم إسلام من تلبّس بكبار الكفريّات التي لم يتبرّأ منها إن مات على الشّهادتين أو ذِكر الله أو في الصّلاة أو في الحجّ أو غيرها من الصّالحات وهو لم يتبرّأ من كفريّاته السّابقة.

10)- ما رواه أحمد في مسنده وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ".
 
- والحديث صريحٌ بمعنى ما سبق في الأدلة السّابقة أنّ العبد الضّالّ المتلبس "بكبار الكفريات" قد ينطق بذكر الله عند موته في مرحلة الغرغرة أو رؤية "ملائكة العذاب" عند موته فينطق بالشهادة أو بتوبةٍ أو استغفارٍ وذكرٍ لله ونحو ذلك، وهذه أعمالٌ صالحةٌ في الظّاهر بعد فوات زمن الإمهال، وعدم منع الله لهم من ذلك وتمكينهم منها لا يدُلّ على إسلامهم أو صلاحهم، فالكافر الجهميّ أو الرّافضيّ أو الصّوفيّ القبوري قد يموت على عملٍ صالحٍ في الظّاهر من "نطق الشّهادتين" أو "الموت ساجدا".
 
وهذا مِن الفتنة والبلاء والامتحان للعباد وقد فُتِن المرجئة الجهميّة بمثل ذلك واحتجّوا به على صحّة منهجهم الكفريّ الذي يحكم بإسلام أعيان علماء الضّلال مِمّن لم يثبتوا علوّ الله وفوقيّته وارتفاعه على خلقه وقد بلغتهم مئات الأدلّة على تقرير هذه المسألة المركوزة في الفِطَر والعقول، واحتجوا بذلك على حكمهم بإسلام المشركين من عُبّاد القبور والأموات حتى لو بلغهم القرآن مع أنّ المشرك قد حكم الله بكفره وشركه قبل بلوغ القرآن
 
-> كما في قوله تعالى﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰبِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة﴾{البينة| 01}.
 
-> وقوله تعالى﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كلام اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون﴾{التوبة | 6}.
 
وغير ذلك من الآيات، وهذه فتنة ابتُلوا بها لتقديمهم التقليد والهوى والرّأي وإلف ما نشؤوا عليه على صريح الأدلّة وإجماع السّلف.
 
ووجه الشّاهد من كل تلك النّصوص ونحوها ما يلي:
 
1)- أنّ هؤلاء المذكورين في النّصوص مِن أهل الشَّقاء والكفر والضّلال قد مكنهم الله و لم يمنعهم من التّلفّظ عند الموت بذكر الله، ولم يمنعهم الله كذلك مِن أن يعملوا عملا صالحا في الظّاهر وإن كان ليس في وقت المهلة.
 
2)- وفيها وفي غيرها من الّنصوص ردٌّ صريحٌ كالشّمس على من يدّعي استحالة العمل الصّالح وقول الحقّ وذكر الله مِن أهل الكفر والشَّقاء عند موتهم، وبُطلان دعوى "المرجئة الجهميّة" وأتباعهم الجهال الضّالين بالجزم بأنّ كلّ من لم يمنعه الله عند موته من العمل الصّالح ظاهرا أو نطق الشّهادتين أو ذكر الله عند موته فهو بذلك قد وُفِّق لعملٍ صالحٍ قبل موته!؛ وهو بذلك عندهم قطعا وجزما من المسلمين! حتى لوكان متلبِّسا "بكفريّات كُبرى" لم يعلن توبته منها ولم يتبرّأ منها، وجعلوا ذلك مكفَّرا للكفر وماحيا لما لايغفره الله من الكفر.
 
وما سنورِده هنا من الآيات فيه بيان للتالي:
 
- أنّ الله لا يغفر لمن مات وهو متلبِّسٌ بتلك "الكفريّات الكبرى" التي لم يتبرّأ ولم يتب منها، "فالكفر الأكبر" لا يغفره الله وصاحبه من أهل الخلود في النار.
 
- أنّ الله لا يقبَل توبة من تاب بعد زمن الإمهال فلا يقبل توبة من بلغ الغرغرة وعاين ملائكة العذاب.
 
-> قال الله تعالى﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَٔاتِ حَتّٰىٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الْـٰٔنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولٰٓئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾{النساء| 18}.
 
والشّاهد: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾، أي: لا توبة لهم.
 
-> قال الله تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾{النساء| 48}.

3)- ليس في هذه النّصوص تعارضٌ مع توفيق الله وكرامته ومِنّته وإفضاله على بعض عباده المؤمنين بموت بعضهم ممن لم يتلبَّس "بكبار الكفريّات" والضّلال على العمل الصّالح وذكر الله.
 
وهذه مِن علامات التّوفيق وحُسن الخاتمة، نسأل الله أن يمنّ علينا بذلك برحمته وفضله.
 
4)- المؤمن الصّالح الذي لم "يتلبَّس بالضّلالات" من كفرٍ أو غيره قد يموت بموت الفجأة -الفجاءة- وهو في أمور دنياه بسكتة قلبيّة أو هدمٍ أو غرقٍ أو قتلٍ أو حادثٍ مفاجئٍ أو أثناء غيبوبةٍ مَرَضيّةٍ ولا يتمكّن في تلك الأحوال حتى مِن نُطق الشّهادة، وهذا القبض والموت لم يكن أثناء وخلال عبادة كصلاةٍ أو سجود أو قراءةِ قرآنٍ وغير ذلك من الصّالحات.
 
* فهل أولئك الكفُار والأشقياء ممن ذكر الله عنهم أنهم ماتوا على عملٍ صالحٍ بالظّاهر وهم يذكرون الله بألسنتهم أو يعلنون إيمانهم بالله وتوبتهم إليه (عند السكرات ومعاينة العذاب) أفضل حالا ومآلا من هؤلاء المؤمنين الذين ماتوا دون تلفظ بالشهادة أو غير ذلك من الصالحات؟!
 
نسأل الله الفقه في دينه والسلامة من "إرجاء الجهميّة" والموت على الإسلام والسّنّة.
 
5)- حديثنا هنا عن الكافر المتلبس "بكبار الكفريّات" التي لم يتبرّأ منها حين يتلفّظّ بذكر الله أو الشّهادتين ويعلن توبته إذا جاءت سكرةُ الموت (وبلغت الحلقوم في وقت الغرغرة)، أما إذا أعلن الكافر توبته قبل مرحلة الغرغرة وقبل معاينة ملائكة العذاب فتوبته مقبولة بفضل الله ورحمته وإن كان مُشرِفا على الموت وبداية منازعة وألم مرض الموت مالم يغرغر، ففي هذه الحالة باب التّوبة مفتوح لم يُغلَق بعد بفضل الله ورحمته، والدّليل ما رواه البخاري { 1356}:
 
• عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ».
 
وحديث الدّارميّ عن علي -رضي الله عنه- الذي أوردناه برقم (1) في سردنا لهذه الأدلّة فيه فوائد:
 
1/- تعظيمٌ لمقام عبوديّة الولاء والبراء وأنّ العبادات الظّاهرة مثل الشّعائر تَابعة لها وليس العكس، أي لا تصحّ و لا تُقبَل تلك العبادات إلا بتحقيق التوحيد ومنه مقام أصل الولاء والبراء الذي لا يتحقّق التّوحيد إلا به.

2/- في الرّواية تصريحٌ بموت هذا العابد على عملٍ صالح، وهي خاتمةٌ حسنةٌ في الظّاهر في نسك بين الركن والمقام وفي أكرم بيت لله البيت الحرام بعد حياة العبادة والتبتل وغاية الاجتهاد في الطاعة والعبادة، ولكن لا ينفعه ذلك إن لم يحقِّق التّوحيد والبراءة، لأنّ تحقيق الشّهادتين والانتفاع بها وبالعمل الصّالح حال الحياة وعند الموت مشروطٌ بتحقّق شروط الشّهادة التي صرّحت بها النّصوص.

3/- قوله -رضي الله عنه-: "لَحَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ يُرَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى هُدًى".
 
• فيه فوائد منها
 
-> أنّ العبد لو كثرت عباداته وبلغ غاية التعبد والتبتل ومات وهو في النسك بين الرّكن والمقام ومات وهو في بيت الله كما وصف "أمير المؤمنين" ولكنه كان يرى أهل الضلال والبدع والشّرك على هدى وإسلام لحشره الله يوم القيامة مع "أهل الشّرك" (مع أنّ ظاهر خاتمته الخير والعمل الصّالح) لأنه كان يرى أنهم على هدى.
 
ومن حكم "لعابد القبور" أو من لم "يُثبِت علوّ الارتفاع" والفوقيّة "بالإسلام" ولم يكفّره فقد أقرّ بأنهم لم يخرجوا من أصل الهدى حتى لو قال بأن عملهم ضلالٌ وكفر، والحكم بإسلام الكافر المعيَّن من "عُبّاد القبور" ومن "لم يُثبِت العلو لله" والمنسبين "للأحزاب" و"الجماعات الكفريّة" من البعثيّة والعلمانيّة واللّيبراليّة والبرلمانيّة والجهميّة من الكفر الذي يحبط الأعمال الصّالحة ولو كانت آخر ما يُختَم به للعبد كما وصف عليّ -رضي الله عنه-، ولذلك وغيره كفّر السّلف بالإجماع من لم يكفِّر الكافر ونقل إجماعهم ستةٌ من الأئمة المتقدِّمين، ومما يقتلع "إرجاء الجهمية" من القلوب ضبط وفهم هذه المسألة
 
وأصل ما قاله علي -رضي الله عنه- منصوص عليه في الوحي:
 
-> قال تعالى﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمُْ﴾{المجادلة| 22}.
 
-> قال تعالى﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾{المائدة| 51}.
 
- ولا توجد موالاةٌ ولا مناصرةٌ أكثر مِن أن تُدخِل من لم يحقّق التّوحيد في الإسلام ممن تلبَّس "بكبار الكفريّات" ولا سيما وقد بلغته صريح الأدلّة، وهذه الأسلمة للمتلبِّسين بكبار الكفريّات تتقدّم صور الموالاة الكفريّة بنوعها الأول المغلَّظ، بحكمك بإسلامهم قد أوجبت لهم أصل المحبّة والنّصرة والموالاة بدلا مِن أن تمقتهم في ذات الله وتكفّرهم وتبرَأ منهم كما أوجب عليك ربك -سبحانه وتعالى-.
 
وهذا يعد نقضا لكلمة التوحيد في مثل أسلمة المشركين من عباد القبور وأسلمة من لا يعرف "أين ربه" وغيرها من "كبار الكفريات".
 
فائدة أخرى: لا عذر لأحد في جهل هذا الرّكن من "أركان التّوحيد".
 
- وسيدنا عليّ -رضي الله عنه- لم يستثن متأولا ولا صاحب شبهة ولا مقلدا ولا غيره وهذا يتحقّق في جميع "الكفريّات الكبرى"، والشاهد قوله: "لَحَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ يُرَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى هُدًى".
 
فهنا عمّم الحكم ولم يستثن أحدا من المكلَّفين ولاسيما من بلغته النّصوص أو تمكّن منها فالحجّة عليه أتمّ وأكمل، ولم يعذره بأيّ سببٍ مِن أسباب الوقوع في هذا الكفر ولم يَعدّه مانعا من الموانع.
 
- وبهذا نطق الوحي كما سبق ذكره في الآيات، وهي باقية على عمومها وإطلاقها في مثل هذه المسائل الكبرى والموالاة الكبرى، ومِن الجهل والتّناقض أن نجعل ما لا يصحّ الإسلام إلا به أمرا سائغا يقبل التّسامح والتّساهل مع من فرّط في هذا الأصل، وننسب من ناقض وهدم هذا الأصل لدين الحنيفيّة.
 
* وكيف نصفه بالإسلام وهو لم يحقّقه ولم يستكمل شرط الانتساب له؟!
 
وهذا يُعدّ كذبا وخيانة وغِشّا لمن سمّيناه مسلما، وقبل ذلك فهذا يعدّ من الكفر لتغييرنا حدّ الإسلام الذي بيّنه الله في كتابه ويُعدّ تشريعا لدين غير الدين الذي جاءت به الرسل.

4)- عدم الاغترار بظاهر حسن الخاتمة كالموت على التلفظ بالشهادة أو الموت ساجدا أو الموت وهو يلهج بذكر الله أو من مات وهو بين الركن والمقام أثناء العبادة في بيت الله وحرمه، إذا كان هذا الميت ممن يتلبسون "بالضلالات الكبرى" أو ينتسبون للفرق الهالكة والأحزاب العلمانية كالبعثية والقومية واللبرالية وغيرها من الأحزاب البرلمانية المنتسبة للإسلام، وموت هؤلاء بهذه الصفة التي ظاهرها حسن الخاتمة من البلاء والامتحان، وهذا شبيه بالبلاء الذي يأتي مع "الدجال" آخر الزمان.

وتنبه أخي رعاك الله؛ لم يتعبدنا الله في الشريعة والولاء والبراء والحكم على الأعيان بمثل هذا لأن الولاء والبراء والحكم على الأعيان وغيره قد علق بمدى متابعة هذا المكلف المعين للكتاب والسنة بفهم الصحابة والقرون المفضلة -رضي الله عنهم- وخلوه وبراءته من الكفريات والضلالات
 
- ولو قيل لعل هذا الميت بحسن خاتمة قد تاب، فنقول هذا بينه وبين ربه والأصل الذي جاءت به نصوص الشريعة ومنهاج الصحابة -رضي الله عنهم- هو الحكم عليه بظاهر منهجه وعقيدته التي عرف بها ولم يتبرأ منها وهذا ما تعبدنا الله به، وآية {البقرة 160} صريحة بأن شرط توبة المعين ممن نشروا الفساد أو انتسب لفرقة ضالة (تعارض أصول التوحيد وتدعو لخلافه) أن يعلن البراءة ويصلح ما أفسد حسب استطاعته ولو بكلمة أو وصية صريحة غير موهمة ولا محتملة ولا ملتبسة ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُواَ﴾، ومجرد تراجع المعين المنتسب عن طبع بعض كتبه في مرحلته السابقة وعدم الاعتداد بها لا يحق ما شرطه الله بنص الآية من الإصلاح والبيان والتوبة.

فلا يكفي مجرد تراجعه وتّوبته وحدها لنحكم عليه بأنه قد تحقّقت توبته وبراءته من الكفريات التي نشرها ودعا لها، بل لا بدّ مِن:
 
-> التّوبة مِن فِعله السابق.
 
-> وإصلاح ما أفسده.
 
-> وبيان الحقّ كما أظهر الباطل.
 
->  ومجرّد تراجع المعيَّن المنتسب عن طبع بعض كتبه في مرحلته السابقة وعدم الاعتداد بها لا يحقّق ما شرطه الله بنصّ الآية من الإصلاح والبيان والتّوبة، ولا ننكر أنّ حسن الخاتمة بالموت على عملٍ صالحٍ بشرى عظيمة لمن كان على التّوحيد والسّنّة ولم يتلبّس بكبار الضّلالات ونرجو له بها خيرا ورحمة بفضل الله ومّنته ورحمته.

5)- جميع الرّوايات التي جاءت في نجاة من قال كلمة التّوحيد "لا إله إلا الله" متساويةٌ في حقيقتها لا فرق بينها سواء قُيِّد هذا التّلفّظ والنّطق بالشّهادتين بوقت معيَّن كحالة الموت «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله» أو أُطلِق فيها الوعد بالنّجاة دون تحديدٍ وتقييدٍ بوقت معيَّن «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة».
 
- وما جاء مِن رواياتٍ نصّت على أنّ من قال "لا إله إلا الله" (عند موته) دخل الجنة، فهذه رواية قُيِّد قولها بزمنٍ وتوقيتٍ وحالةٍ وهي حالة الموت، وهذه الرّواية لا تختلف عن تلك الرّوايات المطلَقة غير المقيَّدة بزمن ووقت للمكلَّف مثل رواية «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» بتعدّد رواياتها، ومن فرّق بينهما مِن جهة تحقّق موعدهما وما يترتّب عليهما مِن دخول الجنّة فجعل لإحداهما شروطا حسب ما جاء في النّصوص، وتنكّر لهذه الشّروط وأعرض عنها في الحالة الأخرى فقد تناقض وعبد هواه وشيطانه.

- فمن قال بأن قول "لا إله إلا الله" عند الموت تنفي عن المنتسب للإسلام ما هو مقيمٌ عليه من الكفريّات الكبرى التي لم يتبرّأ منها، وقال بأن قول المنتسب للإسلام للشّهادة عند الموت يكفي للحكم بإسلامه بمجرّد النّطق بها دون أن يتبرأ من كفريّاته السّابقة ولا يشترط لها تحقّق شروط هذه الشّهادة التي جاءت بها النّصوص، وأما قوله للا إله إلا الله حال حياته فلا تنفع المنتسب للإسلام ممن يتلبّس بكبار الكفريّات حتى يتبرأ من هذه الكفريّات الكبرى ويتوب منها ولا بدّ أن تتحقّق في هذه الشّهادة جميع شروط "لا إله إلا الله".
 
وهذا التّفريق لا دليل له وهو مبنيٌّ على الهوى والجهل والظّنّ والكلام في دين الله بغير علم.
 
- وكلّ هذه الرّوايات التي وعدت من قالها بالجنّة (سواء قُيِّدت بوقتٍ أم أُطلِقت دون تقييد بوقت) لا يتحقّق موعدها بدخول الجنّة إلا إذا تبرّأ العبد مِن كبار الكفريّات التي تلبّس بها، ولا بدّ أن يقول الشّهادة صادقا مخلصا كافرا بما يُعبَد من دون الله، إلى غير ذلك مِن حقيقة وشروط هذه الكلمة التي نصّت عليها صريح النّصوص.

تنبّه لهذا الفرق الجوهريّ بين نُطقِ وشهادة الكافر الأصلي مِن أهل الملل الأخرى كالنّصرانيّ واليهوديّ حين يقول الشّهادتين عند موته في حالة إعلان منه بخروجه من دينه السّابق وبراءته وتخلِّيه عنه وتركه له وتوبته منه ونيّته الدخول في الإسلام والخروج من كفره السّابق بنطقه لهذه الشّهادة، ولهذا فنطقه بها عند موته ينفعه إن لم يغرغر بالرّوح ويُحكَم له بالإسلام لأجل ذلك
 
- فمن كان معتقدا للنّصرانيّة ومعتقدا أيضا لتساوي غير دين الإسلام مع الإسلام وأنه لا فرق بين الأديان وأن الدّين شأن قلبي ومجرّد شعار لا يتدخّل في الحياة الخاصّة والعامّة والتّشريع فلا يكفي أن ينوي التحوّل من النّصرانيّة للإسلام ولا ينفعه مجرّد النّطق بالشّهادة حتى ينوي بها ترك كلّ تلك الأديان والكفريّات.
 
الْإِقْرَارُ بِالْإِيمَانِ وَجْهَانِ : فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَمَنْ لَا دِينَ لَهُ يَدَّعِي أَنَّهُ دِينُ نُبُوَّةٍ وَلَا كِتَابَ فَإِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ وَمَتَى رَجَعَ عَنْهُ قُتِلَ.
 
• قال الشّافعيّ: و(قَالَ): «وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ دِينَ مُوسَى وَعِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ بَدَّلُوا مِنْهُ وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَفَرُوا بِتَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِ دِينِهِ مَعَ مَا كَفَرُوا بِهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ قَبْلَهُ فَقَدْ قِيلَ لِي إنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى دِينِهِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقُولُ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْنَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ هَكَذَا فَقَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُسْتَكْمِلَ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ حَتَّى يَقُولَ وَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ حَقٌّ أَوْ فَرْضٌ وَأَبْرَأُ مِمَّا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا قَالَ هَذَا فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ تُعْرَفُ بِأَنْ لَا تُقِرَّ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا عِنْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ لَزِمَهُ الْإِسْلَامُ فَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ اسْتَكْمَلُوا الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ فَإِنْ رَجَعُوا عَنْهُ اُسْتُتِيبُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا ».{ الأم |(172_6/171)}.

- وقول الشّافعيّ -رحمه الله- هو حقيقة معنى ما ورد في بعض الرّوايات مِن قرن البراءة لما يُعبَد مِن دون الله وتركه بشهادة أن "لا إله إلا الله" ولذلك ما جاء مِن رواياتٍ في تعليق الإسلام بنطق "لا إله إلا الله" فقط دون "محمد رسول الله" جاءت في مخاطبة أهل الأوثان الذين لم يقرّوا بحقيقتها فإن قالوها فقد اتّبعوا الرّسول وشهدوا بصدقه، وأما من يقرّ بالتّلفّظّ بلا إله إلا الله مِن أهل الكتاب ولكنّه لا يشهد للنّبيّ محمد ﷺ بالرّسالة فلا بدّ مِن شهادته له بالرّسالة ﷺ.

وهنا مسألةٌ مهمّةٌ وفارقٌ جوهريٌّ وبيانه كالتّالي:
 
• الكفريّات التي تلبّس بها المشركون في الجاهليّة مِن مُلحَقات دينهم الوثنيّ، كاستباحةِ وتحريمِ بعض الأطعمةِ ووأدِ البناتِ وتغييرِ نُسكِ الحجّ ونحوها، وأما كفريّات أهل الكتاب المعاصرين الزّائدة على كفر ملّتهم فهي دين مستقلٌّ تماما عن دينهم الذي ينتسبون إليه فهم يعتنقون دين اللّيبرالية وأنّ الحريّة حقٌّ للإنسان في اعتناق والدّعوة لما يشاء مِن الأديان والآراء أيّا كانت وذمّ من انتقد تلك الحريّة!
 
- ويعتقد أغلبهم دين مساواة جميع الأديان وأنها طُرُق للنّجاة وبعضها أولى مِن بعض وليس بينها الفرق بين الهدى والضّلال والكفر والإسلام، واعتقادهم أنّ الأديان حالةٌ قلبيّةٌ وشخصيّةٌ خاصّةٌ لا يتدخّل في التّشريع وتسيير الحياة.
 
فهذا وغيره يجعل من هذه الكفريّات دين مستقلٌّ.
 
- فهناك فرقٌ بين حال النّصرانيّ واليهوديّ وغيرهم مِن أهل الملل مِمَن يتلبّسون بأديانٍ أخرى متمثِّلةً في كفريّات واعتقادات أصبحت أديانا موازيةً لدينهم الذي ينتمون له اسما، ولو وُجِد في هذا العصر نصرانيٌّ كأهل الأدغال لم يتلبّس بأديانٍ وكفريّاتٍ أخرى فمجرّد نطقه للشّهادة بنيّة التّرك والبراءة منه والدّخول في الإسلام لصحّ إسلامه بمجرّد ذلك.
 
وأما نُطق وتلفّظ الكافر المنتسب للإسلام للشّهادة عند الموت فهو كتلفّظه ونطقه لها كلّ يوم طيلة حياته السّابقة وهو متلبِّس بكبار الكفريّات التي يظنّ أنها لن تخرجه مِن الإسلام، فنطقه بالشّهادة عند موته كنطقه السّابق ليس فيه براءة مِن تلك الكفريّات الكبرى، وليس في نطقه بها توبة ولا تراجع عن تلك الكفريّات، وليس في نطقه بالشّهادة عند الموت تحقيق لحقيقة معنى الشهادتين وشروطها
 
- ولهذا الأصل نظائر كثيرة في سنّة النّبيّ ﷺ، فمِن ذلك قوله: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ. وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»،
 
وقوله: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
 
فهذا كلّه في الموحد وليس في المشرك المنتسب للإسلام الذي تلبّس بكبار الكفريّات حين يتلفّظ بهذه الأذكار، فإن الشّرك الأكبر لا كفّارة له إلا التّوبة.

6)- ومن تعلّق بنصٍّ وأعرض عن النّصوص الصّريحة الشّارحة لهذا النّصّ فقد وقع في سُبُل أهل البدع والأهواء والضّلال، وهو كمن قال بأنه متّبعٌ للنّصوص الآمرة بإقامة الصّلاة فأدّاها بكيفيّة تخالف ما نصّت عليه النّصوص الأخرى مِن شروطها وكيفيّتها وأركانها وواجباتها، ومن احتجّ بأنّه متبّعٌ لظاهر نصوص "إقامة الصّلاة" مع عدم أخذه لشروطها وكيفيّتها من النّصوص الأخرى فحاله في الاستدلال والجهل والضّلال كحال من قال بأنّه متّبعٌ لنصوص النّجاة والوعد بالجنّة لمن قال "لا إله إلا الله" دون أن يأخذ بما جاء في النّصوص الأخرى التي جاءت صريحةً بذكر حقيقة وشروط هذا التّلفّظ بالشّهادتين من البراءة من الكفر وأهله (المتمثّل في جزء النّفي من الشّهادة) والصّدق والإخلاص والعلم واليقين إلى غير ذلك من الشروط.
 
- فإذا تقرر عدم انتفاع من قال "لا إله إلا الله" في حال حياته إذا لم يحقّق معناها وخالف أحد شروطها فكذلك لا ينتفع بها إذا كرّر قولها لحظةَ الموت إذا لم يحقّق شروطها ولم يأت بحقيقة معناها كالبراءة من الكفر الذي عاش متلبّسا به.
 
وهذا في حال الكافر المنتسب للإسلام كالرّافضيّ والبعثيّ والعلمانيّ والمرجيء الجهميّ وغيرهم.
 
- ولذلك ما نُقِل عن موت (ابن الثّلجيّ الجهميّ) ساجدا لا يجوز أن نحكم بإسلامه لأجل ذلك، ولم يُنقَل عن إمامٍ مِن أهل السّنّة أنه تراجع عن وصف ابن الثّلجيّ بالجهميّ لموته ساجدا.
 
والجهميّ عند السّلف وأهل السّنّة كافرٌ كما قال ابن المبارك وغيره ونقله الآجريّ عن الأئمة، وكفّروا من لم يكفّره كما نقل الإجماع الملطي وغيره.
 
أقول؛ ولم يُنقَل عن أحد من أئمة السّنّة بحقّ ترك وصف ابن الثّلجيّ بالجهميّ لكونه مات ساجدا لأنه لم يظهر لنا منه تركه لما هو عليه من كفر التّجهم، ولم يعلن براءته من الكفريّات التي تلبّس بها
 
▪ وحال من مات على عملٍ صالحٍ أو نطق الشّهادتين عند موته من المنتسبين للإسلام المتلبِّسين "بكبار الكفريّات" يختلف تماما عن حال الكافر الذي لا ينتسب للإسلام ثم أعلن إسلامه ونطق بالشّهادتين عند موته فهذا موجِب للحكم بإسلامه لأن نطقه لها جاء في حالة إعلانه لانتقاله من دينه السّابق إلى دين الإسلام (ولا يُشتَرط هذا التّصريح نصّا ولفظا كما زعم أبو حنيفة)، وحكمنا له بالإسلام على القاعدة الشرعيّة من الحكم بالظّاهر وحقيقة البواطن لله وحده.
 
- وكذلك ظاهر ذاك المنتسب للإسلام (المتلبِّس بالكفريات الكبرى دون البراءة منها) هو الكفر وإن نطق بالشّهادتين وكرّرها مرارا حال مماته كما كان يكررها مرارا وتكرارا أيام حياته وحتى لو مات عليها أو على أيّ عملٍ صالحٍ.
 
-> لذلك قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما روى عبد الرزاق في المصنف في النّفر الذين ارتدوا: «كُنْتُ عَارِضًا عَلَيْهِمُ الْبَابَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، قَبِلْتُ مِنْهُمْ، وَإِلَّا اسْتَوْدَعْتُهُمُ السِّجْنَ».
 
- فلا تُقبَل توبة المنتسب للإسلام المتلبِّس "بكبار الكفريّات" إلا ببراءته من الكفر الذي تلبّس به، وليس بمجرّد قول "لا إله إلا الله" ولذلك فتوبة من كفر من المنتسبين بقوله بتحريف القرآن تكون بتوبته وبراءته من هذا الكفر ولا تتحقّق توبته بتلفّظه الدّائم المتكرّر للشّهادة في صلاته وغيرها، كذلك من كفر بدعائه واستغاثته بالأموات، أو كفر بعدم إثباته بأن الله مرتفعٌ فوق خلقه.
 
فهؤلاء أثناء تلبّسهم بكفرهم يكرّرون يوميا تلفّظهم مئات المرات بشهادة أن "لا إله إلا الله" وهذا ليس بكفّارة لكفرهم لأنهم قالوها دون البراءة مِن كفرهم ولم يتلفّظوا بها بنيّة الانتقال والتّخلّي مِن كفرهم إلى نقيضه من التّوحيد.

7)- نصوص الشّريعة وفهم وتطبيق الصّحابة -رضي الله عنهم- لها ومنهاج "القرون الثلاثة" كل ذلك صريحٌ بما يلي:
 
أ)- أصل ومدار الحكم على المعيَّن وموالاته أو البراءة منه مبنيٌّ على مدى (ما ظهر منه) من متابعة ومطابقة قوله وعمله للكتاب والسّنّة بفهم الصّحابة -رضي الله عنهم- مع عدم تلبّسه بكبار الضّلالات المكفِّرة أو المفسِّقة.
 
ونُطق المنتسب (المتلبس بكبار الكفريّات والذي لا يُعلَم براءته منها) بالشّهادتين في حال حياته أو عند موته لا ينفي عن المعيَّن ما يستحقه من وصف الضلال والكفر لأنّ المقصود بالتّلفّظ بالشّهادتين حقيقةُ معناها وتحقّق شروطها التي نصّت عليها صريح النّصوص.

ب)- المنتسب للإسلام الذي ظهر منه أو عُرِف عنه تلبّسه بكبار الضّلالات لم يتعبّدنا الله بأن نترك ما فرضه الله علينا مِن وجوب الحكم بتضليله والبراءة منه لأجل ما عُلِم عنه من الكفريّات والضّلالات التي لم يتبرّأ منها حسب ظاهره لمجرّد موته على عبادة النّطق بالشّهادتين أو غيرها.
 
ولم تعلِّق النّصوص والآثار الحكم على (المعيّن المنتسب للإسلام المتلبِّس بكبار الضّلالات) بمجرّد موته على طاعة كالسّجود أو نُطق المنتسب للإسلام بالشّهادة عند الموت أو غير ذلك، ولا دليل على هذه القواعد الإرجائيّة.

ج)- لا يُبنى الحكم بالموالاة على (مجرّد قول لا إله إلا الله مع مخالفة حقيقتها ومعناها وشروطها) وبيان أنّ قول "لا إله إلا الله" من المنتسب المتلبِّس "بكبار الكفريّات" لا تكفّر عنه كفريّاته ولا ترجعه للإسلام بمجرّد نطقه بالشّهادة حتى يتوب ويتبرّأ من كفره الذي تلبّس به، حتى لو كان هذا المتلبِّس بالكفر لم يقصد الخروج من الإسلام والرّدّة بعمله الكفريّ.
 
• ودليل ذلك:
 
- أحال من قالوها وثبت لهم الإيمان وخرجوا للجهاد مع رسول الله ﷺ ثمّ صدرت منهم كلمةٌ واحدةٌ فقط على سبيلِ المزاحِ والخوضِ واللّعبِ، وكان فيها سخريةٌ فكفروا ولم ينفعهم انتسابهم ولم يُغن عنهم قولهم "للا إله إلا الله" (عشرات المرات) كل يوم في صلاتهم وذكرهم لله.
 
وراجع قصتهم في "سورة التوبة" وما جاء في تفسيرها من نصوص وآثار.
 
-> قال الله تعالى﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ۞لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾{التوبة|65-66}.
 
- وكون هؤلاء كفروا وهم يتلفظون يوميا بالشهادة (عشرات المرات) لا يعارض رواية «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» لأن المقصود حقيقتها وقولها بعلم وبراءة تتحقّق بها شروطها التي صرّحت بها النّصوص.
 
وهذا يتطابق تماما مع تكفيرنا لمن تلّفظ بالشهادة عند موته (من المنتسبين) وهو لم يتبرّأ من كفريّاته ولم يتب منها، ومن قال بالتّفريق فلا دليل له.
- ومن ادّعى مخالفتنا لصريح النّصّ هنا فنقول له: وأنت حسب منهجك قد خالفت صريح النّصّ في المسألة السابقة حيث قرّرت ما دلّت عليه النّصوص مِن عدم تحقّق حديث الوعد بالجنة لمن قال الشّهادة حال حياته من المنتسبين وهو متلبِّس بتلك الكفريّات، لأنك قرّرت أنّ قول المنتسب للإسلام للشّهادتين حال حياته مع تلبّسه (بكبار الكفريّات) لا ينفعه مع أنّ هناك نصّا في المسألة يستوي الوعد فيه مع النص الذي تعلقت به!
 
* فكيف ينفع تكرار التّلفّظ بها عند موت ذاك المتلبّس بكبار الكفريّات التي تنقض بها شهادته؟!

د)- قال حذيفة -رضي الله عنه- كما عند أحمد في مسنده: "إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ بِهَا مُنَافِقًا".
 
- وتأمّل الرّواية ففيها بيان أنه كان مسلما ثم كفر بكلمة ولم يُغن عنه قوله للشّهادة، وهذا يستوي مع من قالها عند موته وهو لم يتب ولم يتبرّأ من كفريّاته.
 
تكفير وبراءة وحكم الصّحابة -رضي الله عنهم- على أعيان من نطق الشّهادتين وأدّى الصلاة ولكنه أشرك في النّبوّة وجحد الزّكاة ومنعها مِن بعض أتباع مسيلمة الكذاب مع تلفّظهم بالشّهادة ولذلك فالصّحابة لم يخالفوا رواية «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» لأنّ الصّحابة -رضي الله عنهم- علموا أنّ النّجاة والوعد بالجنّة معلَّق بحقيقة معناها وتحقيق شروطها التي صرّحت بها النّصوص من الصِدق والإخلاص والعلم والبراءة وغير ذلك، وهذه الرّواية كرواية الوعد بالجنّة لمن قالها عند الموت لا فرق بينهما

هـ)- لا تبن الموالاة للمعين المنتسب سابقا للإسلام والحكم له بالإسلام القائل "للا إله إلا الله" على مجرد عبادته وعلمه وفضله وصلاحه وجهاده إذا تلبس "بكبار الضلالات" سواء المكفرة أو المفسقة والدليل:
 
-> وصف الرسول ﷺ لعبادة واجتهاد "الخوارج" ثم ذمه وتضليله لهم.
 
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ"{ صحيح البخاري|1065}.
 
-> وكذلك ما جاء في "مسلم" من ذم وتضليل ابن عمر -رضي الله عنه- "للقدرية" مع ما ذكر في الرواية من وصفهم بالعلم والحرص عليه والفضل والصلاح.
 
- أخرج مسلم في صحيحه، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قال: « ..فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ.قَالَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي،..».
 
-> وكذلك تضليل السلف لأعيان العلماء والعباد الذين تلبسوا بكبار الضلالات والكفريات فلم يغن عنهم التلفظ "بالشهادة" مع تلبسهم "بالكفر" ولذلك كفروهم بأعيانهم، مع أن الرواية نصت أن «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»، لأن المقصود ليس مجرد التلفظ بل قولها بحقيقة دلالتها وبشروطها التي صرحت بها النصوص من الصدق والإخلاص والعلم بها والبراءة وغيرها من الشروط.
 
ولا فرق بين هذه الرواية العامة غير المقيدة بوقت وتلك الرواية التي وعدت بالنجاة لمن قالها عند موته.
 
وصور التفريط في ركن الولاء والبراء كثيرة تأملت في أعظم أسبابها فوجدتها متمثلة في:
 
-> والجهل بحقيقة منهج الصحابة والقرون المفضلة -رضي الله عنهم- في الحكم على الأعيان لغلبة رسوخ قواعد إرجاء الجهمية بشأن ذلك وتحريف العقيدة والمنهج في قلوب أتباع أئمة الضلال والجهل بحقيقة معنى البراءة مع أن البرآء من الكافرين شرط في تحقيق التوحيد.
 
• عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِطْ عَلَيَّ، فَقَالَ: "تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُصَلِّي الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وتنصحْ لِلْمُسْلِمِ، وَتَبْرَأُ مِنَ الْكَافِرِ" {رواه أحمد في مسنده}.
 
-> العاطفة؛ منهم من يمتنع من تكفير من يحبه قلبه مع علمه بأنه قد وقع في الكفر لأجل هوى نفس وميول طبعه و شهوة دنيوية.
 
وهذا والله من عظيم البلاء.
 
- قال تعالى﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمُْ﴾{المجادلة | 22}.
 
-> حب الدنيا؛ منهم من يمتنع من تكفير من وقع في الكفر لأجل مصلحة دنيوية أشربها قلبه حتى صار عابدا لها فبئس العابد هو.
 
- قال تعالى﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين﴾{النحل |107}.
 
ومن عجز عن الجهر والإعلان بمعاداة "أهل الردة" و"الكفر" و"الزيغ" و"الضلال" لضرر محقق فلن يعجز عن اعتقاد ذلك ولن يعجز عن السكوت عن الجهر بموالاة أعداء الله ومدحهم والتسويق لهم ولن يعجز عن ترك ملازمتهم ولن يعجز عن مباينتهم والابتعاد عنهم والسكوت عن الحق مع العذر شيء وقول الباطل وممالأة الضلال وأهله شيء آخر تماما،ومعاملتهم في أمور الدنيا والتجارة والعمل لا تدل في كل حال على أنهم أخدان وأصحاب فمجرد الاختلاط بمثلهم ولقياهم في أمور الحياة والمعاش والتجارة ليست من الموالاة،وكل هؤلاء المجرمين لا عذر لهم البتة والبرآءة منهم من "أركان التوحيد" ومن أعلى مقامات العبودية كما وصف عليّ -رضي الله عنه-
 
نسأل الله إن يحفظ لنا ديننا ويتوفانا على الإسلام والسنة.

 
 
  وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين 
 
 
 
تحميل 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *