مفهوم "ما وافق الشريعة"

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
▪ سؤال: هل يكون التحاكم إلى (ما وافق الشريعة) من التحاكم المكفر، ويدخل في قوله تعالى﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾{60| التوبة}؟
 
1/- كتصور لمسألة (ما وفق الشريعة) لابد أن نفهم ما المقصود بالشريعة.
 
- الشريعة الإسلامية: هي ما شرع الله -عز وجل- من الدين عقيدة وأحكاما وأخلاقا وأعمالا على ألسنة رسله -عليهم الصلاة والسلام-.
 
-> قال الله تعالى﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ﴾{13| الشورى}؛ (شَرَعَ) أي: الله (مِّنَ الدِّينِ) التشريع أو المشرع؛ هناك شَارِعٌ هو الله وهناك مُشَرّعٌ هي الشريعة أو الدين.
 
-> قال الله تعالى﴿مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ ﴾، يعني أَمَرَ على ألسنة رسله -عليهم الصلاة والسلام-.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن السديّ، في قوله: "أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ" قال: اعملوا بهوقوله: "وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم.
 
-> وأخرج عن قتادة، قوله:"وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِتعلموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة.
 
-> قال الله تعالى﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾{18| الجاثية}؛ الأمر هنا هو الأمر الشرعي.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن قتادة، قوله: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا". والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي فاتبعها.
 
مرد الشريعة في الأمر الشرعي إلى مسألة العقائد لذلك الآجري -رحمه الله- سمى كتابه (الشريعة) وَضَمَّنَهُ أبواب الاعتقاد، وهذا محل اتفاق الرسل كلهم -عليهم الصلاة والسلام-.
 
- وأعظم ما اتفقوا عليه ما جاء في قوله تعالى﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ ﴾.
 
وجاء في الآية قبلها ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾{35| النحل}.
 
فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- كلهم اتفقوا على هذا القدر في العقائد.
 
- ثم وقع من جهة الأحكام في الحلال والحرام ليس في جميعه بل في أحكام جزئية وابتدائية أيضا تنوع في الشرائع، قال الله تعالى﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ﴾، فهناك قدر متفق عليه حتى من الشرائع كتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، تحريم الكذب، وكثير من المحرمات متفق عليها بين الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، لكن هناك تنوع في الأحكام تتعلق بأبواب العبادات من حيث الصفات من حيث الجهات من حيث الزمان والمكان والمقدار وهناك أيضا في باب المعاملات؛ لقوله تعالى﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ﴾.
 
هذه الشرعة التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي شرعة مهيمنة.
 
-> قال الله تعالى﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ﴾.
 
- وقوله: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)؛ قال سفيان الثوري وغيره، عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس أي: مؤتمنا عليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: المهيمن: الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله.
- وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك.
 
-> وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل.
 
-> وعن الوالبي، عن ابن عباس: (ومهيمنا) أي: شهيدا. وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي.
 
-> وقال العوفي عن ابن عباس: (ومهيمنا) أي: حاكما على ما قبله من الكتب.
 
فشريعتنا أمينة على ما قبلها قاضية على ما قبلها حاكمة على ما قبلها، فهذه صفة الشريعة المحمدية التي جاءت النصوص في التزامها كلها:
 
-> قال الله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾{208| البقرة}؛
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن ابن عباس: "ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"، قال: السِّلْمِ: الإسلام.
- وروي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد نحو ذلك.
 
- قوله تعالى﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ﴾؛ قال بعض السلف: هي التشريعات الباطلة ما حرموا وحللوا من عند أنفسهم.
 
-> وقال الله تعالى﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في سبب نزولها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاه قومه إلى ملة آبائه.
 
• وملة آبائه فيها الشرك، ووضعوا تشريعات من تحليل وتحريم من دون الله، فكان الجواب من الله سبحانه ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ (ثُمَّ) من الترتيب الرتبي، بمعنى أن هذه الشريعة فيها نوع من العلو والارتقاء وحسب سياق الآية جاءت بعد شريعة موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- ودلالة علو هذه الشريعة على ما قبلها من الشرائع.
 
المقصود -بارك الله فيك- أن مسمى الشريعة الإسلامية قضى الله -عز وجل- أنه يجب التزامها كلها وأن رد شيء واحد منها (ونحن نتكلم عن من التزمها) كفر، كذلك الجمع بينها وبين غيرها من الشرائع المنسوخة أو الشرائع المبدلة يعد كفرا بها.
 
-> قال الله تعالى﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾{17| هود}.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ إِلا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَسْمَعُ أَيُّ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ لَا يَهُودِيُّ وَلا نَصْرَانِيُّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا دَخَلَ النَّارَقَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ" قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا.
 
2/- مسألة ما وافق الشريعة لدينا الآن شريعة منسوخة جاءت بها الرسل ثم نسخت كشريعة التوراة والانجيل هنا تأتي مسألة مشهورة في كتب الأصول هل شرع من قبلنا شرع لنا؟
 
- هذه المسألة يقولون فيها الخلاف لكن اذا رجعت لأصول أهل الحديث تجد أنها محل اتفاق، ونحن نتكلم في القدر الذي لم تأتي شريعة بنفيه ولا بإثباته لأن ما جاء من الشريعة بنفيه فهذا ليس من شرعنا قولا واحدا وما جاء من شرع من قبلنا وجاءت الشريعة بتثبيته فهذا قولا واحدا هو من شرعنا.
 
* ولكن ما جاء حكاية في شرعنا عن شرع من قبلنا دون نفي أو اثبات ولكن بدلالة الاقرار (هذه مهمة جدا) فهل هو شرع لنا؟
 
- فهذا أهل الحديث قاطبة أصولهم تقتضي هذا كأصول مالك والشافعي وأحمد -رحمهم الله- ولهم مسائل في هذا، ويدل على هذا الأمر كل دواوين السنة فيها روايات عن بني اسرائيل في مسائل الأحكام كما صنع البخاري -رحمه الله- في روايات كثيرة تتحدث في باب الأقضيات والإجارة والوكالة والشركة من مسائل المعاملات روى أحاديث تتعلق ببني اسرائل.
 
• على هذه القاعدة لم يأتي في شرعنا ما ينفي، إذن شرع من قبلنا شرع لنا.
 
* طيب هل نقول وافق الشريعة، ولماذا؟
 
نقول؛ نعم، وافق الشريعة لان هنا اجتمع فيه أمران:
 
-> الموافقة الوضعية في حكمه فليس في الشريعة ما ينفيه.
 
-> الموافقة في الواضع والشارع لان الذي شرع ذلك هو الله رب العالمين فهو الذي قضى على بني اسرائيل هذا القضاء أو هذا الحكم ثم جاء نقله في شرعنا دون نفي أو اثبات وذلك بدلالة الإقرار فصار من شرعنا فالمقر المثبت لذلك هو رب العالمين سبحانه وان جاء في كتاب الله أو سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
 
• فمسألة الشريعة المنسوخة نقول وافق الشريعة لكن ههنا وقفة لو أن الأحبار والرهبان الذين حرفوا وبدلوا ووقع منهم استحلال لما حرم الله وتحريم لما احل الله وضعوا لأنفسهم سلطان التبديل وحق الاسقاط والنسخ لأحكام الله -عز وجل- ورضي بهذا قومهم؛ لذلك قال الله تعالى﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾.
 
فربوبيتهم ربوبية التبديل أنهم أعطوا لأنفسهم حق التبديل والاسقاط والتشريع لأحكام مخالفة لشريعة الله رب العالمين.
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ"، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!
 
”فلو أن شخصا قال ما وضعه الأحبار في المحرف اليوم والمبدل مما هو في شريعتهم نتحاكم إليه لأنه وافق شريعتنا، لكان كافرا لأن النظر في الواضع والمشرع، من الذي وضع هذا الحكم؟ لم يضعه رب العالمين، لذلك لا نقول وافق الشريعة، فموافقة الشريعة لابد أن تكون موافقة في وضعها وواضعها؛ في (وَاضِعهَا) -مهم جدا- أن يكون الشارع وَالسَّانُ والمبتدأ لها هو الله -سبحانه- ولكن إن كان الواضع لها من ادعى لنفسه حق التشريع من دون الله فوقعت الموافقة في الوضع لا في الواضع لا يقال وافق الشريعة“
 
• أصلا الصورة خطأ واللفظ خطأ أن نأتي لأحكام جعل فيها البشر أربابا ونقول هذه الأحكام وافقت الشريعة، لأن موافقة الشريعة لابد أن تكون موافقة للوضع والواضع.
 
- وهذا يدل على مسائل مهمة جدا، فمثلا في (الياسق) كما نقل ابن كثير نصوص منه نقلا عن "الجويني" الآخر (أبو محمد) نقل نصوص من الياسق في البداية والنهاية منها [من لاط قتل] وهذا نجده في شريعتنا في حد من عمل عمل قوم لوط (الأحاديث الواردة في الباب المرفوعة فيها كلام ولكن عليها العمل).
 
->أخرج الترمذي في سننه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"[أَبْوَابُ الْحُدُودِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ| بَابٌ: مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ].
 
- إذا كان قاضيا وثبت الجرم بالشهود والاقرار وغيرها فحكم عليهما بما جاء في (الياسق) الذي وضعه "جنكيسخان" لكان كافرا، ولا نقول وافق الشريعة، لماذا؟ لأنه وإن وافقها في الوضع خالفها في الواضع وهذا أصل -مهم جدا- ولذلك الموافقة في الواضع أعظم من الموافقة في الوضع.
 
ولذلك من جعل مشرعا مع الله أشرك شركا أكبر لكن من أقر بأن التشريع لله ثم أخطأ أو ترك أو حاد أو تأول في الوضع نفسه في الشريعة فهذا محل تفصيل في صور يكفر وفي صور لا يكفر لكن لا نجزم في تكفيره بخلاف لو أنه اتخذ مشرعا واضعا من دون الله.
 
- فلذلك الكلمة التي يقول وافق الشريعة، ما معنى وافق الشريعة؟! لابد أن نفهمها، الشريعة ليست الموافقة أن تكون في الحكم أو الموافقة أن تكون في مجرد المسألة في مجرد أن في هذه الشريعة حلال في هذه حلال، لا، فأعظم موافقة أن يكون المهيمن بالحكم هو الله.
 
-> قال الله تعالى﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ِۚ﴾، فهذا معنى الصمدية في تفسير مرة الهمداني -رحمه الله- قال: "الصمد الذي يحكم لا معقب لحكمه"؛ وهذه صفة مختصة ذاتية فعلية لله -عز وجل- بمعنى التشريع.
 
-> أخرج مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".
 
- لو أن شخصا قضى بأحكام فيما وضعه البشر وجاء لأحكام وسمها أحوال شخصية، وقال هذا أقضي فيه بما قضى الله وألتزم فيه الشريعة الكل لكان كافرا بالله -عزوجل-، وأن هذا الذي يزعم فيه أنه التزم شرع الله لكان مردودا عليه، قال الله: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".
 
-> أخرج ابن ماجه في سننه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ".
 
”الله بريء من أحكام يزعمون أنها من الشريعة تزحمها كثير من الأحكام وأعظمها مسألة الهيمنة والسيادة من وضع البشر والله يقول أنا بريء منها سبحانه ونبرأ مما برأ الله منه وهذا هو المسلم فالبراءة هنا في الأصل“
 
3/- ما يتحاكم فيه للشريعة:
 
->  باب الأديان.
 
-> باب الأموال.
 
-> باب الأعراض.
 
-> باب الدماء والنفوس.
 
أ/- باب الأديان: يتحاكم للشريعة لما يختلف في مسائل الأحكام وأعظمها مسائل الإعتقاد وهذا العموم يستفاد من قوله تعالى﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾{59| النساء}.
 
- وكما لا يخفى عليكم فقوله: (شَيْءٍ) نكرة في سياق الشرط تفيد العموم، وهذا كثير في القرآن لما يذكر الله -عز وجل- خلاف بين المسلمين والمشركين يرد الخلاف إلى الكتاب ولذلك ذم الله المعرضين عن التحاكم في أصول الدين والعقائد الذين لا يتحاكمون إلى الكتاب.
 
-> قال الله تعالى﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾{23| آل عمران}.
 
فهذا تحاكم في الأديان في حق الله تعالى أن يعبد وحده وأن له من صفات الجمال والجلال وعلوه الذاتي جل في علاه ونبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحاكم للشريعة.
 
- وهذا النوع ليس اختصاص القاضي فهو عام لكل المسلمين لذلك القاضي لا يقضي في مسائل الأديان فيما يتعلق في العبادات مثلا: لا يفصل القاضي بين شخص يقول الله في السماء وآخر كافر يقول الله في كل مكان أو حل في الأشياء بل يمسك الكافر ويستيبه وهذا ليس محل للنظر عند القاضي ولكن القاضي يقضي فيما يتعلق في مسائل الحقوق والمنازعات ورفع الخصومات أما مسائل الديانة فيتحاكم فيها ولكن ليست من اختصاص القاضي.
 
الذين يقولون العقل مقدم عن الشرع (الأشاعرة ومن دان بدينهم) أبطلوا هذا الأصل العظيم وهو الرد للشريعة في مسائل العقائد.
 
ب/- باب الأموال: وهذه يدخل فيها القاضي كما جاء في صحيح البخاري وغيره.
 
-> أخرج البخاري في صحيحه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ".
 
وكانت سبب الخصومة بين الرجلين هي مواريث درست.
 
- إذا وجدنا شخصا يقول نتحاكم في باب المواريث لأنهم يقسمون على الفرائض الموافقة لشريعة، فيكون الجواب كما سبق من وضعها ومن أقرها؟ لو قال الله، نقول هذا شرك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ".
 
”ومن حيث الوضع أيضا لا توافق الشريعة؛ من قواعد الميراث في الشريعة أن الكافر لا يرث (والخلاف فيها ضعيف) ونحن نعلم أنهم لا يفرقون، اذا جاء شخص تارك للتوحيد، عابد غير الله، ساب لله، تارك للصلاة، يورثونه؛ فهذه ليست موافقة للشريعة فالمسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم، كذلك كثير من الأحكام فيها مثل هذه المخالفات“
 
ج/- باب الأعراض: يتحاكم في مسائل النكاح والطلاق مسائل الحدود (كالزنا واللواط...)، كما جاء في صحيح البخاري والسنن لأبي داود.
 
-> عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ. قَالَ: "تَكَلَّمْ". قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ: الْأَجِيرُ- زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ.
 
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ". وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
 
د/- باب النفوس والدماء: يدخل فيه مسائل القصاص والجروح والديات ونحوها كما جاء في الصحيحين والسنن لابي داود.
 
-> عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، أَنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الْأَرْشَ، وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ: "يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ". فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ". زَادَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ.
 
”هذا القدر لا يقال فيه وافق الشريعة فإذا تأملت للذي يقضي الأقضيات اليوم وفي هذه الأبواب جميعها ليست الهيمنة للشريعة المنزلة وانما لحكم البشر وهي مخالفة للشريعة، لأن الأصل التي تقوم به الشريعة وبها التزم الناس وصارت واجبة عليهم والدخول فيها أصل والمروق منها كفر بأن الله الذي فرضها وشرعها“
 
-> قال الله تعالى﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونََ﴾{83| آل عمران}.
 
-> قال الله تعالى﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًاََ﴾{65| النساء}.
 
-> قال الله تعالى﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾{50| المائدة}.
 
-> قال الله تعالى﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾{39| الأنفال}.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن ابن عباس قوله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ"، يعني: حتى لا يكون شرك.
- وروي عن مجاهد والحسن وقتادة والسدي وابن زيد نحو ذلك.
 
• وكثير من الناس تصوره ضيق للمسألة ويظن أن ما وافق الشريعة في الكم، في القدر، في الصفة فقط، لكن ما وافق الشريعة لو فهمت أن الله هو الذي يشرع ويهيمن وهو الذي يحكم، هذا الذي وافق الشريعة. 
 
 
 وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *