دلالة النصوص على جواز الاستغفار للكافر المشرك الحي" دون من مات على الكفر"؛ والاستغفار هنا يشمل أمرين، أن يغفر له بهدايته للإسلام، وأيضا يغفر له بعدم تعجيل ما يستحقه من بعض عقوبته وعذابه في الدنيا.





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

هذا المقال فيه الإجابة عن عدة إشكاليات وشبهات متعلقة بهذه المسألة.

- أولا:
أ/- لا خلاف بين أهل السنة في مشروعية الدعاء على الكفار وأعداء السنة ولعنهم عموما.

ب/- يتأكد ذلك الدعاء عليهم إن كانوا من المعادين للإسلام.

وهذا هو الأصل الغالب في المعادين للإسلام والسنة لتوارد الأدلة وغلبتها بذلك في حال الأنبياء والصحابة والسلف مع المعادين والمفسدين.

- كما ورد عن الأنبياء في دعائهم على أقوامهم ودعاء نبينا -صلى الله عليه وسلم- على اليهود والنصارى بلعنهم، ودعائه على بعض أهل مكة وبعض القبائل، ودعاء الصحابة -رضي الله عنهم- في قنوتهم ودعاء السلف على أعداء السنة والدين وغير ذلك.

ج/- وما ورد من الدعاء للكافر المعادي، فهذه حالات مستثناة نادرة وفي سياق خاص بخلاف الأصل الغالب.

كما في الصحيحين من دعاء -النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لقومه بعد جرحهم وأذاهم له وورد أيضا من حكايته عن بعض الأنبياء:

> قال البخاري: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُون".

وفي الترمذي دعائه لثقيف حين كانوا يرمون المسلمين بالنبل:

> عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا". 

وكذلك ما رواه أحمد والترمذي من الدعاء بالهداية لعمر قبل إسلامه حين كان يعادي المسلمين:

> عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب".

وهذا له سياقه وفي الحال المناسب وليس على إطلاقه فلا يصح أن يستشهد أحد بذلك للدعاء لبعض ألد أعداء الإسلام كلما ذكر في كل سياق وفي كل حال، فلكل مقام مقالا.

- ثانيا: وأما الاستغفار للكافر الحي فسنورد بإذن الله الأدلة الصريحة على جواز ذلك مع بيان معناه والرد على بعض الإشكالات والشبهات المتعلقة بالمسألة وبيان اختلافه عن الترحم الذي لا يجوز للكافر حيا وميتا.

▪ ولكن قبل ذلك يجب البدء بتنبيهات رئيسة بشأن هذه المسألة وما يتعلق بها:

1/- ما ورد من هَمِّ -النبي صلى الله عليه وسلم- وبعض الصحابة -رضي الله عنهم- بالاستغفار لمن مات على الشرك.

لا يعارض الأصل المحكم الذي تواردت عليه الأدلة من تقرير (أن الله جل وعلا حين عرف عباده بنفسه وأخذ عليهم العهد والميثاق الأول وأشهدهم على أنفسهم وهم في عالم الذر وكلمهم واستمع لهم، قد أودع في الفطر والعقول بعض أصول الدين وأصول التوحيد وأصول معرفة الله) ومنها إفراد الله بالعبادة وقبح الشرك بالله وضلال المشرك الكافر.

• ولا حجة في ذلك للجهمية العاذرية المخالفين لمدلول نصوص وآثار العهد والميثاق الأول:

> ومنها ما جاء في الأعراف؛ قال الله تعالى﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ﴾{ 172| الأعراف}.

> وما جاء في تفسيرها من آثار عن الصحابة والتابعين، وكذلك ما جاء في حجية ذلك العهد والميثاق.

> ما ورد من نصوص وآثار الولادة على الحنيفية والفطرة.

> ونصوص وآثار السؤال والحساب بشأن الميثاق الأول.

> وكذلك نصوص وآثار العذاب لمن خالف العهد والميثاق الأول.

- وبيان ذلك أن من أصول التوحيد والدين التي أودعها في الفطر والعقول إفراد الله بالعبادة والحكم بضلالة وقبح الشرك (وضلال من تلبس به وأنه على غير الحق) فطري عقلي بما أودعه الله في الفطر والعقول.

وهذا هو الأصل في الفطر والعقول وما يطرأ على بعض الفطر والعقول من تغطية وتشويه الانحراف والانتكاسة لا يخالف ذلك.

- ومعرفة إفراد الله بالعبادة وقبح الشرك وضلال من تلبس به وأنه على غير الحق والهدى هو مما أودع الفطر والعقول.

ولا يلزم منه ولا يدخل فيه معرفة مجرد اسم ولفظ الكفر والكافر بذاته؛ ولكن معنى ذلك هو المراد وهو معرفة ضلال وانحراف من عبد غير الله وأنه على غير هدى؛ والمقصود أن ما تقدم هو مما يدخل في المدرك بالفطرة والعقل.

- وأما عقوبة الله للمشرك والكافر:

> في الدور الأربعة (الدنيا، البرزخ، عرصات القيامة، النار).

> وعدم مغفرة الله الكفر الأكبر والشرك الأكبر.

فكل ذلك خبري سمعي أي لا يدرك إلا بالسمع والخبر، فلا يخلط بين الأمرين كما يشغب بذلك الجهمية العاذرية.

2/- الاستغفار للكافر الحي بمعني أن يغفر الله له بهدايته للإسلام، وأيضا أن يغفر الله له بعدم تعجيل بعض عذابه وعقوبته في الدنيا.

لأن من الأصول المحكمة أن الكفر الأكبر والشرك الأكبر لا يغفر إلا بالإسلام، وهذا صريح في نصوص القرآن والسنة.

> قال الله تعالى في موضعين من سورة النساء؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًاَ﴾{48| النساء}.

> قال الله تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾{116| النساء}.

> وقال تعالى﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِين﴾{38| الأنفال}.

> ما رواه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم (الإِسْلام يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله).

• عَنِ ابْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: «حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ،...قَالَ ﷺ: " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ"...»[صحيح مسلم | كِتَابٌ: الْإِيمَانُ | بَابٌ: كَوْنُ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ].

3/- لا يصح حمل ذلك الاستغفار على أن يغفر له ما دون الكفر لأن ما وقع من الكفار من قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحاولة قتله وأذاه (من الكفر ومع ذلك استغفر لهم).

4/- لا يجوز الترحم للكافر حيا أو ميتا.

والأدلة:

أ- قال الله تعالى﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون﴾{156| الأعراف}.

ب- وامتناع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الترحم لليهود حين كانوا يتعاطسون بحضرته رجاء أن يترحم عليهم، فيكتفي بقول "يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". رواه أحمد وأبوداود والترمذي مع اختلاف يسير في الألفاظ.

ج- لعدم وروده.

5/- بعض الأدعية للكفار، وهذا لا يتنافى مع البراءة منهم.

وهذا كالإحسان والصدقة وحسن الخلق لمن لم يعادي المسلمين منهم، وكل ذلك لا يتعارض مع مشروعية جهادهم وقتالهم.

قد وردت النصوص بالدعاء بالهداية للكفار حتى لو كانوا من المعادين المحاربين ولكن في سياق وحال مناسب:

 أ/- كدعائه لدوس كما في الصحيحين ولأم أبي هريرة كما في مسلم، ولعمر قبل إسلامه كما في أحمد والترمذي ولثقيف كما في الترمذي.

> عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ".{2524| مسلم}.

 > عَنْ أَبِي كَثِيرٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ"...».{2491| مسلم}.

ب/- الدعاء بخير الدنيا من الصحة والعافية وكثرة الرزق والولد وطول العمر وصلاح العيش والحال.

وهذا خاص بغير المعادي المحارب للإسلام لعدم وروده بشأنهم.
والأدلة:

> روى البخاري في الأدب المفرد عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- أنه مر برجل هيأته هيأة مُسْلِمٍ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ لَه الْغُلَامُ: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ. فَقَامَ عُقْبَةُ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ فَقَالَ: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ أَطَالَ اللَّهُ حياتك وأكثر مالك وولدك.

> وكما في رده على من عطس عنده من اليهود فقال "يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" كما عند أحمد وأبوداود والترمذي مع اختلاف يسير في الألفاظ.

ولذلك فالله يجازي الكافر المحكوم بشقائه بما يعمله من خير كالصدقة ونصرة بعض المسلمين بلعاعة من الدنيا.

6/- أمرنا في سورة الممتحنة بالاقتداء والأسوة بإبراهيم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام-:
قال الله تعالى﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾{4| الممتحنة}.

ثم بعد ذلك جاء الاستثناء في قوله تعالى:
﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾{4| الممتحنة}.

ومعنى ذلك أن بعض المؤمنين قالوا سنقتدي بإبراهيم ونستغفر لمن مات من آبائنا من المشركين، فبين الله لهم عدم صحة اقتدائهم وتأسيهم بإبراهيم في ذلك لاختلاف الحالين ولعذر إبراهيم وذلك أن استغفار إبراهيم كان حال حياة أبيه بخلاف ما هموا به من استغفار لمن مات من المشركين فالاستثناء لما هموا به من الاقتداء والتأسي مع اختلاف الحالين.

ليس لكم أن تدعوا للمشركين، وتقولوا: إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم، فإن الله ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إن إبراهيم لأواه حليم﴾{التوبة|114}.

7/- من أدلة جواز الاستغفار للكافر الحي بمعنى أن يغفر الله له بهدايته للإسلام وأيضا بأن يغفر الله بعدم تعجيل بعض عقوبته وعذابه في الدنيا:

أ/- قوله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد بعد كسر رباعيته: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُون".

وهذا الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود على سبيل الحكاية عن نبي من الأنبياء السابقين، وصح من حديث سهل بن سعد أنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، ولا تعارض!

ب/- استغفاره لصناديد قريش عند فتح مكة قبل مبايعتهم له على الإسلام وقبل إعلان إسلامهم:

- والحديث نصه كما في الأموال لابن زنجويه برقم (196) والنسائي في الكبرى (6/ 382) بسند صحيح:

• عن أبي هريرة: «...وهزم الله المشركين، فدخل الحرم، وعمد صناديد قريش، فدخلوا الكعبة، فغص بهم البيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت وركع ركعتين خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فقال: «يا قريش، ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول ونظن أنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «وما تقولون وما تظنون؟» قالوا: نقول إنك أخ وابن عم حليم رحيم. قال: «ما تقولون وتظنون؟» قالوا: نقول: أخ وابن عم حليم رحيم. قال: أقول كما قال أخي يوسف: "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين". قال: فخرجوا فبايعوه على الإسلام...».

- ولفظ الطحاوي في شرح معاني الآثار برقم (5044) بسند صحيح أيضاً أنهم بعد قوله لهم هذا: قال -أي أبو هريرة- "فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام".

ج/- فتوى سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-:

> روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح قال: حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال: مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس. فقال: "ما كان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حيا". ثم تلا: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيه﴾ الآية.

> وأخرجه أيضاً بسند صحيح فقال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال: مات رجل نصراني وله بن مسلم فلم يتبعه، فقال بن عباس: "كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه ويستغفر له في حياته".

> وأخرجه عبد الرزاق أيضاً في مصنفه بسند صحيح فقال: أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: توفى أبو رجل، وكان يهوديا، فلم يتبعه ابنه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال ابن عباس: "وما عليه لو غسله، واتبعه، واستغفر له ما كان حيا". يقول: دعا له ماكان الأب حيا، قال: ثم قرأ ابن عباس ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ يقول: لما مات على كفره.

8/- ما ورد من أقوال بشأن ذلك:

1/- قول الطبري في تفسيره تعليقاً على بعض آثار ابن عباس السابقة: "وقد تأول قوم قول الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} الآية، أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره، وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم".

2/- وفي المعتصر من مشكل الآثار للطحاوي: 
«ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُون"».

3/- قال ابن حبان في صحيحه تعليقاً على حديث سهل بن سعد عند قوله -صلى الله عليه وسلم- "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُون":
«معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا».

4/- وقال ابن العربي الأشعري الجهمي في أحكام القرآن:
- المسألة الثالثة: منع الله رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين؛ لأنه قد قدر ألا تكون؛ وأخبر عن ذلك، وسؤال ما قدر أنه لا يفعله، وأخبر عنه هنا.
فإن قيل: فقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم حين كسروا رباعيته، وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} فسأل المغفرة لهم.
قلنا: عنه أربعة أجوبة:
الأول: يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، وجاء النهي بعده.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون ذلك سؤالا في إسقاط حقه عندهم، لا لسؤال إسقاط حقوق الله، وللمرء أن يسقط حقه عند المسلم والكافر.
الثالث: أنه يحتمل أن يطلب المغفرة لهم؛ لأنهم أحياء، مرجو إيمانهم، يمكن تألفهم بالقول الجميل، وترغيبهم في الدين بالعفو عنهم.
فأما من مات فقد انقطع منه الرجاء.
الرابع: أنه يحتمل أن يطلب لهم المغفرة في الدنيا برفع العقوبة عنهم حتى إلى الآخرة، كما قال الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.

 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 
 
 
 جمع وتنسيق وترتيب: أبو أسامة الأثري وحسنين الدمياطي 
 
 
 
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *