الرد على ابن تيمية ومن تابعه كابن عثيمين والعلوان في قولهم بأن صاحب البدعة يؤجر على نيته الحسنة وقصده الخير المقترن بمواقعة البدعة! ودعواهم مثوبته على اجتهاده ونيته لا على ذات البدعة! ومساواتهم (تطبيقا وعملا) للبدعة بالخطأ الاجتهادي الفقهي!




الرَّدُّ عَلى اِبْنِ تيمِيَّة ومن تابعَه كاِبْنِ عُثيمين والعلوان فِي قَولهِم بأنَّ صَاحِبَ البدعَةِ:


يُؤْجرُ على نِيَّتهِ الحسَنةِ وقَصْدهِ الخَيّر المُقترِنِ بِمَواقعَة البِدعةِ.


ودَعواهُم مَثُوبته على اِجتِهادهِ ونِيَّتهِ لا على ذات البِدعةِ.


ومُساواتهم (تطبِيقًا وعمَلًا) لِلبدعةِ بِالخطَأِ الاِجتهاديِّ الفِقْهيِّ.



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

- ذكر ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" أن اصحاب بدعة المولد قد يؤجرون على حسن نيتهم ومقصدهم الخير ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قد ذكر في رده على "البكري" ما هو أشنع من ذلك حيث وصف "البكري" وغيره من المشركين المجيزين للشرك والاستغاثة بالأموات بأن فيهم صلاح ودين وصرح بعدم كفر البكري المشرك مع أن البكري منسوب للعلم!

والسلف أجمعوا على تكفير من عذر ولم يكفر من تلبس بدون ذلك.

- وفي معرض وسياق كلامه عن بعض كبار البدع والضلالات كمقالات الجهمية زعم أن بعض المتلبسين بها فيهم إيمان وتقوى بل وزعم ذلك في بعض الرافضة المشركين!

والسلف أجمعوا على كفر من عذر ولم يكفر الجهمية فضلا عن تكفيرهم للجهمية.

- و"ابن عثيمين" في فتاوى نور على الدرب (وهو منشور صوتيا في مواقع الشبكة) يفتي بأن المبتدع يؤجر على نيته وقصده! ويستدل بحديث إعادة المتيمم لصلاته التي وقعت لاثنين من الصحابة حين اختلفوا في ذلك!

- والعلوان يذكر الأجر للمبتدع على اجتهاده ونيته ويزعم أن رد البدعة وعدم قبولها هي لبيان الرد للعمل و عدم قبوله ولا يدل على الإثم ولا يلزم منه الإثم! ويقيسها على مسائل التأويل في قتال الفتنة الذي وقع بين بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.

والرد على هذا القول البدعي المحدث كما يلي:

1/- هذه الشريعة مبنية على النصوص من الوحيين وما أُثِرَ من فهم وفِقْه الصحابة والسلف في قرونهم المفضلة؛ ودين الله جل وعلا ليس بالرأي والاستحسان والظن والتخمين المخالف للأثر.

وهذا أصل شرعي متفق عليه.

- وقولهم باحتمال المثوبة على النية والقصد المقترنة بالبدعة هو إثبات صريح (لنفع) هذه النِيَّة، وهذا نقيض ما صرح به الصحابة والتابعون من (عدم نفع) النية والقصد عند خلاف السنة كما في الآثار التي سنذكر بعضها بإذن الله عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما- وعن التابعيين الحسن وابن جبير -رحمهما الله-؛ وهي صريحة بنقيض هذا الرأي المحدث البدعي.

ودعوى الأجر والمثوبة على القصد والنية الحسنة للمبتدع يحتاج لدليل وأثر وليس بمحض الرأي والاستحسان والهوى، ولا دليل على ما قالوه بل هو مخالف للنصوص والآثار وسنذكر بعضها بإذن الله.

2/- الذي يقضي ويحكم بأن هذا العمل أو غيره يثاب عليه هو الله وحده جل وعلا.

ودعوى أن الله يثيب المبتدع على نيته وقصده الحسن المقترن ببدعته دعوى على الله بغير علم؛ وليس على ذلك أثارة من علم، بل هو محض الرأي والاستحسان ومخالفة النصوص والآثار.

3/- هذا القول بذاته محدث مبتدع لا سلف لهم فيه ولم يقل به أحد من السلف في قرونهم المفضلة، بل قالوا بخلافه نصا وقد جاءت تلك القاعدة الذهبية عن أئمة السلف كمالك وأحمد وغيرهم ومن ذلك قول أحمد للميموني: «إيَّاكَ أنْ تتكلمَ في مسألةٍ ليسَ لكَ فيها إمامٌ» فليس لنا أن نقول ماليس لنا فيه سلف، وروى اللالكائي عن الأوزاعي «وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ».

4/- هذا القول المحدث البدعي سبيل لتهوين البدعة وتوهين خطر المبتدع.

5/- استدلال "ابن عثيمين" بحديث المتيمم الذي أعاد الصلاة غير صحيح وفي غير موضعه؛ والدليل الذي ساقه في مسألة إعادة المتيمم لصلاته لا علاقة له ببدعة الضلالة بل هو ظاهر كالشمس أنه على الخطأ في الاجتهاد الفقهي وهو كحديث من اجتهد فأخطأ فله أجر.

ولم يحمل السلف ذلك على البدع وأهل البدع بل أطبقوا على ذم البدعة والمبتدعة.

6/- بدعة الضلالة هي بذاتها معصية تسجل في صفحة السيئات، فكيف يدعى بأن الله يثيبه على قصده ونيته الحسنة المصاحبة لإيقاع وإحداث هذه البدعة.

7/- لو كانت البدعة من البدع الخفية الصغيرة في مثل تفاصيل بعض العبادات (كزيادة بعض الأميين من العامة لفظ الشكر مع الحمد عند الرفع من الركوع ورفع الأيدي على هيئة الدعاء) فغاية مافيها أن الجاهل كالأميين والعامة ممن لم يعرف السنة قد يغفر الله له ذلك إن لم يعرف السنة في ذلك.

وأفضل مآلات هذه البدعة الصغيرة الخفية هو احتمال المغفرة (لمثل من سبق حاله تحديدا) وليس الأجر والمثوبة!

8/- الأدلة كثيرة على عدم (انتفاع) المبتدع بقصده ونيته الحسنة المقترنة ببدعته كإرادة الخير والتقرب لله ومحبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- المقترن ببدعة.

ومنها:

أ)- قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- والتابعيين الحسن البصري وسعيد بن جبير -رحمهما الله-:

- فقد جاء عن هؤلاء قولهم: «لَا يَنْفَعُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلٌ إِلَّا بِقَوْلٍ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا نِيَّةٌ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ».[ابن بطة في الإبانة 2/803 (1089)].

والشاهد هي الجملة الأخيرة التي نفى فيها صراحة عدم نفع النية إلا عند اقترانها بموافقة السنة «..وَلَا نِيَّةٌ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ».

> أخرج ابن بطة في الابانة: [2/803 (1090)، واللالكائي1/63 (18)] عَنِ الحَسَنِ يَقُولُ: «الْإِيمَانُ قَوْلٌ، وَلَا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا قَوْلَ وَعَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلَ وَعَمَلَ وَنِيَّةَ إِلَّا بِسُنَّةٍ».

> أخرج اللالكائي في السنة: [1/64 (20)] عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَا يُقْبَلُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا بِقَوْلٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ مُوَافِقَةٍ لِلسُّنَّةِ».

ب/- ومن الأدلة المبطلة لهذا القول المحدث البدعي:

- أثر ابن مسعود الذي روي من طرق وله عدة شواهد تقويه وقد رواه الدارمي والطبراني وعبد الرزاق وابن وضاح وهو في الحلية وتاريخ واسط وغيرها.
والأثر فيه رَدُّّ ابن مسعود -رضي الله عنه- على من احتج بحسن النية حين قالوا "لم نرد إلا خيرا" ووصفهم ب (بعدم إصابة الخير ومفتتحوا باب ضلالة).
فحين اعتذروا بحسن النية والمقصد و قالوا "لم نرد إلا خيرا"! قال رادّا عليهم "وكم من مريد للخير لم يصبه أما إنكم على ملة أهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم" أو "مفتتحوا باب ضلالة" وفي لفظ "جئتم ببدعة ظلما" وفي رواية الدارمي تفرس فيهم بأنهم قد يقعون في بدعة الخوارج وكان ذلك.

وانظر لفقه الصحابة -رضي الله عنهم- وقوله هذا وتشنيعه عليهم في بدعة ليست من كبار البدع و ظاهرها الحرص على الخير والذكر والجلوس في المسجد، وهي بدعة الذكر في المسجد بكيفية بدعية من التحلق وقول أحدهم كبروا هللوا ويدور التكبير بينهم...

> قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (210):
أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً ، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ، قَالَ: " أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ "، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ: " فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ"، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: "وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ" ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ".

- وهكذا رواه بحشل في "تاريخ واسط" (ص 198) من طريق عُمَرو بْن يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ... فذكره. 

وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات:

- عمرو بن يحيى وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (6 /269).
- يحيى بن عمرو بن سلمة، وثقه العجلي في "الثقات"(2/355)، وروى عنه شعبة والثوري والمسعودي وقيس بن الربيع وابنه عمرو بن يحيى، كما في "الجرح والتعديل" (9 /176) وكان شعبة ينتقي شيوخه الذين يروي عنهم.
- عمرو بن سلمة، وثقه ابن سعد وابن حبان، انظر "تهذيب التهذيب" (8 /38).
وقد صحح هذا الأثر بهذا الإسناد في "السلسلة الصحيحة" (2005).
ورواه الطبراني في "الكبير" (8636) من طريق مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ به نحوه.
قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 181):"رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى".

ولهذا الأثر شواهد، منها:

- ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 381) من طريق عَطَاء بْن السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: " أَخْبَرَ رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْمًا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ: كَبِّرُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، سَبِّحُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، وَاحْمَدُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَيَقُولُونَ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِمَجْلِسِهِمْ ، فَأَتَاهُمْ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَهُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا سَمِعَ مَا يَقُولُونَ قَامَ، وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدًا، فَقَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، أَوْ لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا". فَقَالَ مِعْضَدٌ: وَاللهِ مَا جِئْنَا بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، وَلَا فَضَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ، قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا".

- وقال أبو نعيم عقبه: "رَوَاهُ زَائِدَةُ وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو الزَّعْرَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ" انتهى.

- ومنها ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه (3/222) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: "سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ، بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مَعَهُمْ قَاصٌّ يَقُولُ: سَبِّحُوا، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَا، أَوْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظَلْمَاءَ، وَإِنْ تَكُونُوا قَدْ أَخَذْتُمْ بِطَرِيقَتِهِمْ، فَقَدْ سَبَقُوا سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ تَكُونُوا خَالَفْتُمُوهُمْ فَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، عَلَى مَا تُعَدِّدُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟".

- ومنها ما رواه ابن وضاح في "البدع" (18) من طريق يَحْيَى بْنِ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: "مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بِرَجُلٍ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: سَبِّحُوا عَشْرًا، وَهَلِّلُوا عَشْرًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَضَلُّ، بَلْ هَذِهِ، بَلْ هَذِهِ "يَعْنِي: أَضَلُّ".

- ومنها ما رواه ابن الوضاح أيضا (22) من طريق سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعراء قَالَ: "جَاءَ الْمُسَيِّبُ بْنُ نُجَيْدٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رِجَالًا يَقُولُونَ: سَبِّحُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، فَقَالَ: قُمْ يَا عَلْقَمَةُ وَاشْغَلْ عَنِّي أَبْصَارَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ، فَقَالَ:"إِنَّكُمْ لَتُمْسِكُونَ بِأَذْنَابِ ضَلَالٍ، أَوْ إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَوْ نَحْوَ هَذَا.

فهذه الشواهد جميعها مما يتقوى بها هذا الأثر، وتؤكد صحته وثبوته عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.

ج/- وما ورد في النصوص والآثار من ذم ورد البدعة على صاحبها وما ورد عن الصحابة والسلف من ذم البدعة وأهل البدع والتشنيع عليهم وذمهم ظاهر بين على عدم الأجر على نية المبتدع وحسن قصده المقترن ببدعته.

ولا يخفى ذلك إلا على من أعماه الهوى والبدعة.

9/- وقولهم بالأجر على الاجتهاد الموقع في البدعة غير صحيح ومخالف لصريح آثار السلف والغالب على أهل البدع الاجتهاد وإرادة الحق وحسن النية ولم يعذرهم الصحابة والسلف بذلك.

والاجتهاد المورد للبدعة هو بذاته:

* بدعة ومعصية.

* ومخالفة للسنة وسبيل السلف.

* وليس ذلك من موارد الاجتهاد أصلا.

- فكيف يؤجر عليه بعد كل ذلك؟!

فلا اجتهاد في غير بابه كما إنه لا اجتهاد مع النص؛ والخوارج مع اجتهادهم في رأيهم وبدعتهم ومع حسن مقصدهم وظنهم أنهم على هدى آثمون مارقون ولم يعذرهم الصحابة باجتهادهم وتأوليهم واشتباه الأمر عليهم وحسن مقصدهم ونيتهم.

10/- الاستدلال بما وقع من اقتتال بين بعض الصحابة غير صحيح، لأن هذا ليس في باب الابتداع في الدين بل هو من قبيل الخلاف والشذوذ الفقهي.

وليس كل تأويل في القتال يؤجر صاحبه فتنبه، فهناك تأويل خاطئ في القتال بشبهة قوية واعتماد على نصوص وحجة شرعية وهذا كحال الاقتتال بين بعض الصحابة -رضي الله عنهم- وليس كل صاحب قتال فتنة يقاس عليهم، فالمسائل والوقائع تختلف وتتباين.



[الخلفية مما وراء توسعة العذر للخلق لابن تيمية]
  

 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 



 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *