مسائل مهمة في النية وفي بعضها إعانة وإفادة للمبتلين بالوسواس عافانا الله وإياهم من ذلك وغيره.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- المسألة الأولى: التلفظ بالنِّيَّةِ فيه تفصيل فهناك الأصل الغالب وهو عدم التلفظ، وهناك المستثنى فيتلفظ فيه بالنِّيَّةِ كما سنبين الأدلة على ذلك.
- المسألة الثانية: استشعار النِّيَّةِ في القلب باستحضار تعدد النوايا الصالحة جائز وليس من المحدثات لأنه عمل بما ورد في النصوص باستحضار واستشعار نية العمل بها.
• كما روي عن بعض السلف أنه مر في طريق سيره بمنزل أخ له في الله، فقيل له هذا بيت أخينا فلان لنذهب لزيارته فوقف ليستشعر ويستحضر نية صالحة في زيارة أخيه وليخرجها عن زيارة العادة الخالية من التعبد.
▪ وأيضا كمن استشعر واستحضر تعدد النوايا الصالحة في الصدقة أو الهدية لتبلغ (تسعة أعمال صالحة) في صدقة أو هدية واحدة:
-> فينويها رحمة بأخيه عملا بما يروى في رحمة من يرحم.
-> وكذلك ينوي الإحسان كما أحسن الله إليه كما في آية القصص في قصة قارون.
-> وينوي إدخال الفرح في قلبه عملا بالحديث الوارد
-> وينوي أن يكون في حاجة أخية وفي عونه.
-> وينوي تنفيس كربته.
-> وينوي أن يتسبب في عمل صالح بتعبد أخيه لله بحمده وشكره لله على ذلك.
-> وينوى أن يعين أخاه بهذا على طلب العلم.
-> وزيادة العبادة والإقبال على الله.
”فاستشعار هذا هو عين العمل بالنصوص والآثار، ومثله استحضار النوايا الحسنة للجهاد ومآلات ونتائج انتصار المسلمين؛ وليس هذا الاستحضار والاستشعار من المحدثات كما زعم بعض الألبانية والمداخلة الجهمية“
• المسألة الثالثة: متى تقطع النية؟!
- وهي مفيدة جدا للمبتلى بالوسواس؛ هناك أمران معتبران في ذلك:
- الأمر الأول: أن الأصل في النِّيَّةِ حصولها وتحققها غالبا اتفاقا دون تكلف الاستشعار والاستحضار لها، ولاسيما في الأعمال الكبرى وكذلك الظاهرة الواضحة.
-> فمثلا الوضوء لصلاة الفجر أو الظهر وغيرها تضمن حصول وتحقق النِّيَّةِ دون تكلف منك لاستشعار واستحضار نية أداء فريضة صلاة الفجر مثلا، وكذلك عند وضوئك أو ذهابك لصلاة الضحى أو سنة الظهر البعدية ونحو ذلك.
- الأمر الثاني: الأصل بقاء النِّيَّةِ وعدم انقطاعها، فإذا تحققت النية ابتداء فلا يقال بانقطاعها لفاصل زمني لا يقطع النية (وسنذكر الفاصل الزمني الذي تبطل به النيه) ولا تبطل النية أيضا لانشغال للذهن قبيل الشروع في العمل؛ ولا دليل على دعوى الانقطاع والأصل بقاؤها.
• فالنية باقية لم تنقطع حتى لو غفل عنها وانشغل بغيرها وحتى مع وجود الفاصل الذي لا يقطع النية كما سنبينه.
-> فمثلا من صلى المغرب ثم نوى عدم الانصراف والمكوث في مسجده أو مصلاه حتى يصلي العشاء (وهنا تحققت نية صلاة العشاء عقب صلاة المغرب)، ثم مكث في مصلاه حتى حانت العشاء فصلاها وكان قبيل تكبيره لصلاة العشاء قد شغل باله بمراجعة حفظه للقرآن وللحديث أو بمسألة علمية أو مكالمة هاتفية ثم كبر وصلى العشاء، فالنية الأولى لصلاة العشاء عقب صلاة المغرب باقية لم تنقطع وهي كافية له ولا دليل لمن قال بانقطاعها، ولا نقول بأن انشغال ذهنه قبيل التكبير أبطل نيته السابقة وكذلك لا نقول بأن الفاصل الزمني لقرابة الساعتين يبطل نيته.
• ولا دليل على القول بالانقطاع والأصل بقاء النِّيَّةِ.
-> وكذلك من خرج من بيته لصلاة الكسوف مثلا أو لأداء زكاة الفطر أو غير ذلك واستغرق سيره ساعة أو ساعتين ثم وصل لمقصوده وقام بما يريده ولكنه كان مشغول الذهن قبيل زكاته أوصلاته، فلا يقال بانقطاع نيته الأولى بهذا الفاصل أو الانشغال للذهن قبل الشروع في العمل.
• ولا دليل على ذلك.
- ولكن من فصل بإغماء أو نوم مستغرق طويل أو مدة طويلة يغلب انقطاع النية فيها كمن كان في سفر و صلى العصر والظهر جمعا في وقت الظهر ثم جمع العشائين في أواخر وقت العشاء.
• فهذا الفاصل الزمني يوجب انقطاع النِّيَّةِ السابقة؛ مع التنبه بأن النية تتحقق اتفاقا دون تكلف في الغالب.
• مسألة التلفظ بالنِّيَّةِ:
- التلفظ فيه تفصيل، فهو بدعة فيما لم يرد وهو الأصل الغالب؛ كمن يتلفظ في صلواته بقول هذه صلاة الظهر أو الوتر، أو في الزكاة أو الجهاد أو الصوم المبيت من الليل بخلاف صوم النفل الطارئ كما سنورد الدليل.
▪ ويكون التلفظ سنة فيما ورد النص فيه وذلك في عبادات مخصوصة محدودة لا يقاس عليها، فلا قياس في العبادات:
-> عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ : "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ...اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ". ثُمَّ ذَبَحَ.
- وفي الترمذي "اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي".
-> عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي".
• فالسنة التلفظ لمن ضحيت عنه، ومن لم يتلفظ صح منه ذلك لوجود النِّيَّةِ في قلبه.
- وبعضهم فصل في الصدقة تبعا لذلك فقال الأضحية عن الغير صدقة فمن تصدق عن غيره (جاز ولا نقول يسن ويستحب) أن يقول صدقة عن فلان.
”وهذا محل اجتهاد ولا تشنيع لمن قال بذلك والأسلم ترك التلفظ هنا حتى يرد نص مع استشعار واستحضار النية في ذلك؛ ومن وسع مسألة الأضحية لتشمل كل صدقة فلا نقول هذا من القياس في العبادات لأن نص الأضحية نص في الصدقة أيضا عند من قال بذلك، لكون الأضحية عن الغير صدقة عن الغير“
2/- وورد التلفظ في تلبية الحج في النيابة عن غيره كما في أبي داود وابن ماجة "لبيك عن شبرمة".
-> عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟". قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي. قَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟". قَالَ: لَا. قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ".
• والأصل التلفظ ولكن من نوى النيابة في النسك دون تلفظ صحت نيابته مع مخالفته للسنة.
3/- وفي الجهر بنية القرآن بين الحج والعمرة كما في مسلم "لبيك عمرة وحجا".
-> قال مسلم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا".
• ولو اكتفى بنية دون تلفظ صح نسكه مع مخالفته السنة ونقص أجره.
4/- وورد التلفظ بالنية في (صوم النفل الطارئ دون غيره) كما في مسلم إذا لم يجد غداء قال "إني إذا صائم".
-> عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟". فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: "فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ"ٌ،...».
• ولا يشرع في غيره من الصيام لعدم ورود ذلك.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.