عدم شرعية تقسيم الإيمان لأصل وهو التوحيد وكمال وهو الفرائض وهذا التقسيم هو حقيقة قول المرجئة، وحكم إطلاق بعضهم بأن الفرائض من كمال الإيمان الواجب ثم شرح ذلك وتفسيره بأنه لا يعني قول المرجئة ومنهجها، وبدعوى أن ترك بعض الفرائض تفريطا وليس جحودا وردا واستحلالا ليس من الكفر، وبدعوى أن من كفر تارك الصلاة جاز له هذا الإطلاق والتقسيم السابق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
• قد يحتج علينا على تقسيم الإيمان لأصل وهو التوحيد وكمال وهو الفرائض بما جاء في هذا الأثر:
- قال أبو بكر بن أبي شيبة: (٧٨) حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. «مصنَّف ابن أبي شيبة| باب الإيمان والرُّؤية».
▪ والرد على ما سبق:
١/- الأثر لا علاقة له بذلك التقسيم الإرجائي من قريب أوبعيد، لأن دلالة الأثر كما يلي:
أ/- الأثر يتحدث عمن استكمل أداءها بحسن وخشوع واتباع فهذا قد استكمل الإيمان؛
• وليس الكلام هنا عن أصل أداء الفرائض قبولا وانقيادا وأداء فتنبه.
ب/- ولفظ الأثر وسياقه له معنى آخر يخالف هذا التقسيم، كقولنا هنا: أصل إيمان من آمن بالربوبية لايكتمل حتى يؤمن بالأسماء والصفات ولا يكتمل إيمانه حتى يؤمن بالألوهية؛
• وهذا التعبير ليس فيه إخراج لشيء مما تقدم من حقيقة وأصل الإيمان، فالاستكمال هنا ليس هو ذاك التقسيم من قريب أوبعيد.
٢/- السلف رووا الأثر ولم يقسموا الإيمان بذلك التقسيم، ويجب اتباعهم في الألفاظ والمعاني؛
* فكيف لو كان اللفظ هو حقيقة عقيدة المرجئة؟!
٣/- نقطة الإشكال في ذلك التقسيم هو ظاهره المخالف للنصوص والآثار حيث قسم الإيمان لأصل وهو التوحيد فقط وكمال ثم جعلت الفرائض عموما من الكمال المقابل للأصل.
• وهنا عين الإشكال فتنبه، فتقسيمك أخرج جميع الفرائض من أصل الإيمان وجعلها كمالا لا أصلا.
٤/- وليس في قول المروزي وابن مندة حجة أصلا، فليسا من السلف ولا من الجيل الرابع -جيل الشافعي وأحمد وابن راهويه- ولديهما أقوال أخرى مخالفة.
٥/- والإشكال في مخالفة السلف حيث لم يفهموا من الحديث ما فهم هذا المقسم، فمع كثرة كلامهم عن الإيمان لم يقل أحد منهم بهذا التقسيم، فتقسيم الإيمان لأصل يخرج منه (جميع الفرائض للإطلاق في العبارة) بقولنا الإيمان له أصل وهو التوحيد، والفرائض _عموما_ من كمال الإيمان! لم يقل بذلك إلا المرجئة.
• وهذا التقسيم لم يعرف عن أحد من السلف، وظاهره بهذا التقسيم هو عين قول المرجئة.
▪ فهذا لفظ وتقسيم لايجوز قوله والتعبير به لعدة أمور:
أ/- لعدم وروده في النصوص، ولفظ حديث "شعب الإيمان" لا يدل عليه لأن الشعب فيها ما هو من (أصل الإيمان) وفيها ما هو (من كماله المستحب) كإماطة الأذى، ومن الشعب ما هو من (الكمال الواجب).
ب/- لم يقل أحد من السلف بأن الفرائض عموما بإطلاق من كمال الإيمان ولم يجعلوا هذا الوصف قسيما لأصل الإيمان؛ فتنبه جيدا لذلك.
• ومن منهجنا أن ندور مع النصوص والاثار حيث دارت، ولا نقول ماليس لنا فيه سلف.
ج/- هذا التعبير واللفظ مع عدم صحته في ذاته فقد أصبح شعارا للمرجئة ومن أصرح ألفاظها (كمال) الإيمان، واستعمال ذلك للفرائض حتى الصلاة وعموم عمل الجوارح.
• واللفظ الصحيح في ذاته إذا استخدم وشاع بمعنى محرم فلا يجوز إطلاقه ولذلك فلفظ "راعنا" صحيح في أصل استخدامه وليس فيه إشكال بذاته، ولكن حين شاع بين اليهود وأهل النفاق استخدامه بمعنى محرم نهينا عنه بنص القرآن.
د/- وصف الفرائض عموما بأنها من كمال الإيمان وجعلها قسيما لأصل الإيمان، مع عدم صحة ذلك ومخالفته فيه (إيهام ولبس) حتى لو فسر قوله بتفسير صحيح.
• والقاعدة؛ وجوب البعد عن كل لفظ موهم مشتبه محتمل، فكيف إذا كان غير صحيح من جهة الأصل
- وكما وجب علينا موافقة المعنى الشرعي الصحيح فيجب علينا أيضا الألفاظ الصحيحة الشرعية.
هـ/- وعمل الجوارح وجنس الفرائص عموما من صميم الإيمان ومن تركه كفر؛
* فكيف يكون هذا كمال الإيمان؟!
▪ ولذلك:
- لا يجوز وصف الفرائض عموما بأنها من كمال الإيمان.
- ولايجوز القول بأن عموم جنس الفرائض من "كمال الإيمان" حتى لو قصدنا الكمال الواجب وليس المستحب.
• فهذا لم يرد به نص ولا أثر ولم يقله السلف بل هو عين قول المرجئة.
و/- قول بعضهم بأن الفريضة التي لا يكفر تاركها تكون من كمال الإيمان الواجب كترك بعض الفرائض كالصوم (شهوة وتفريطا دون جحود ورد واستحلال) وقالوا بأن هذا ذنب وكبيرة دون الشرك، ثم يرتبون على ذلك قولهم بأن الفرائض عموما من كمال الإيمان!
- وكون (بعض) الفرائض لا يكفر تاركها لا يجوز أن نقعد عليه قاعدة ونطلقها بأن عموم وجنس الفرائض من "كمال الإيمان"، ولا يجوز إطلاق عبارة تحمل هذا التعميم لأن ترك الفرائض عموما من الكفر المخرج ومما ينقض أصل الإيمان بل ترك الصلاة فقط ينقض الإيمان.
• والفرق كبير بين ألفاظ النصوص وألفاظ السلف التي يجب علينا التقيد بها، وبين ألفاظ هي من صميم أقوال وتعبيرات المرجئة.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.