صِفَةُ الْإحَاطَةِ بَيْنَ إِثْبَاتِ أهْلِ السُّنَّةِ وَتَحْرِيفِ وَتَلْبيسِ الْجَهْمِيَّةِ.




صِفَةُ الْإحَاطَةِ بَيْنَ إِثْبَاتِ أهْلِ السُّنَّةِ وَتَحْرِيفِ وَتَلْبيسِ الْجَهْمِيَّةِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
1)- صفة الإحاطة لاتتعارض مع صفة علو الله وارتفاعه وفوقيته على خلقه وأنه بائن منهم، ولاحجة للجهمية الزنادقة في ضربهم للنصوص بعضها ببعض؛ والإحاطة بجميع مايندرج في معناها لاتدل على قول هؤلاء الزنادقة بأن الله في كل مكان أو أنه حال في خلقه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
2)- قاعدة مهمة وهي أن القرآن حمال أوجه والغالب في اختلاف تفسير السلف أنه اختلاف تنوع لا تضاد كما في تفسير "الصراط".
- قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "لَيْسَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ اخْتِلافٌ، إِنَّمَا هُوَ كَلامٌ جَامِعٌ يُرَادُ بِهِ هَذَا وَهَذَا".
- وعلى ذلك فقد جرت عادة الصحابة -رضي الله عنهم- فمن بعدهم من التابعين وأتباعهم الاقتصار على بعض مايندرج في المعنى وهذا لايتنافى مع المعاني الأخرى التي يصح اندراجها في المعنى.
ومن ذلك إثبات صفة "المعية لله" في قوله تعالى﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ﴾{الحديد|04}، وتفسيرها بمعيةالعلم مع ارتفاعه وفوقيته على خلقه كما نقل "أبوعمر الطلمنكي" الإجماع على ذلك، وهذا منقول في كتاب العلو لذاك لذهبي الجهمي.
وتفسيرالمعية بالعلم كأصل للمعنى وأصل لما بعدها لايتنافى ولايتعارض مع إثبات معيته بالحفظ والنصر والتأييد لبعض خلقه؛ ودلالة النصوص على ذلك صريحة كآية ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىُٰ﴾{طه|46}، فالمعية هنا:
* معية علم.
* معية تأييد ونصر.
* معية حفظ.
* معية السمع والبصر.
- ولو اقتصرنا في تفسير المعية في هذه الآية على معية التأييد والنصر فهذا لا يتنافى ولايتعارض مع أنواع المعية الأخرى.
• وبهذا يتبين أن اقتصار السلف على تفسير المعية "بالعلم" لكون ذلك أصلا لما بعده مما يندرج في المعية لايتعارض ولايتنافي مع أنواع المعية الأخرى.
- فإذا علمنا أن تفسير صفة المعية "بالعلم" لايتنافى مع مايندرج في صفة المعية من معان أخرى، علمنا أن تفسير الإحاطة "بالعلم" لايتنافى ولايتعارض مع معاني الإحاطة الأخرى، كما سنبينه بإذن الله في النقطة التالية.
3/- وكذلك صفة إحاطة الله سبحانه وتعالى بخلقه تشمل:
أ/- إحاطة علمه بخلقه (وهي الأظهر و الأصل لما بعدها)، وقد قال الإمام ابن بطة في الإبانة [ج2-ص 446] بأن تفسير الإحاطة في قوله ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾{فصلت|54}، في كتاب الله في قوله تعالى ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾{الطلاق|12}.
والاقتصار على تفسير الإحاطة "بالعلم" -كأصل ظاهر للمعنى- لاينفي ولايتعارض مع أنواع الإحاطة الأخرى مثل:
ب/- إثبات إحاطة قدرته وتدبيره وسمعه وبصره.
ج/- وكل ماتقدم لاينفي ولايتعارض مع حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي رواه عبدالله في السنة وابن جرير وغيرهما «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلاَّ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ».
وهذه من الإحاطة أيضا -فتنبه لذلك جيدا-.
د/- ويدخل في معنى الإحاطة إحاطة نقمة وإهلاك للكافرين كما في تفسير الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾{ البقرة|19 }: الله منزل ذلك بهم من النقمة.
هـ/- ويدخل في معنى الإحاطة المذكورة في آية البقرة السابقة إحاطة جمع لهم أي جامعهم، كما قال مجاهد: جامعهم.
• وبذلك فالاقتصار على تفسير الإحاطة "بعلمه" لايتنافى ولايتعارض مع:
* إحاطته بقدرته وتدبيره.
* وأن السموات والأرض في كف الرحمن وهذا من أنواع الإحاطة -فتنبه-.
* وإحاطة سمعه وبصره.
* وأنه محيط بهم جامع لهم.
4)- رد الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى على شبهة الجهمية القائلين بأن الله في كل مكان بذاته حين استدلوا بصفة "الإحاطة" فرد عليهم بتفسير الإحاطة بآية الطلاق وأن الإحاطة هي العلم ولاتعني الإحاطة ماقاله الجهمية الزنادقة بأن الله في كل مكان.
5)- ماجاء في حديث ابن عباس السابق بأن السموات والأرضين فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ كالخردلة وتفسير الإحاطة "بالعلم" كل ذلك يفسر معنى ذاك الحديث الضعيف حديث الحبل في الترمذي لوسلمنا بصحته «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»؛ وتفسير حديث الترمذي "بالعلم" لايتنافى مع إحاطة الله بالسموات والأرض فالسموات والأرضين في كفه كالخردلة، وتفسير الترمذي الذي نقله عن بعض العلماء (دون أن يسميهم) بأن المراد لهبط على "علم الله"؛ وتمام التوجيه والتفسير للحديث يكتمل بإضافة الإحاطة بنص حديث ابن عباس «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلاَّ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ».
وهذا التفسير إذا جمعناه وقرناه بدلالة حديث ابن عباس من كونها فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ فلاتعارض ولاتنافى بينهما عند الجمع بينهما ونقول بالأمرين في معنى الحديث.
6)- وفي قوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾{الزمر|67}؛ القبض للأرض والطي للسموات يوم القيامة وفي الحديث قول الله عز وجل حينها "أنا الملك".
▪ قال الطبري: حدثنا ابن بشار،قال: ثنا يحيى، عن سفيان، قال: ثني منصور وسليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة السَّلْماني، عن عبد الله، قال: جاء يهوديّ إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: يا محمد إن الله يمسك السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والخلائق على أصبع، ثم يقول: أنا الملك، قال: فضحك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى بدت نواجذه وقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
- وقال: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة عن عبد الله، قال: فضحك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تعجبا وتصديقا.
فيوم القيامة قبض وطي وقوله أنا الملك...الخ؛ بخلاف ماجاء في حديث ابن عباس، فحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
* وصف مطلق لم يحدده  بيوم القيامة.
* ولم يذكر فيه القبض والطي.
* ولا قول أنا الملك.
* ولا يوجد في السياق أي قرينة تدل على أن هذا يوم القيامة.
* ولا يوجد دليل على أن ابن عباس قال ذلك تفسيرا للآية.
وهذا يحتمل أنها في كفه الآن وهذا لايعارض علوه، وارتفاعه وفوقيته ولايتعارض أيضا مع أحاديث وآثار ذكر السموات ثم الكرسي ثم الماء ثم العرش -والله على كل شيء قدير-.
- وإيراد ابن جرير وغيره له في تفسير الآية محتمل و اجتهاد وليس هناك دلالة صريحة في ذلك، وحديث أبي الذر المرفوع عند أبي الشيخ في كتاب العظمة ضعيف، ورواية أخرى لحديث ابن عباس في العظمة وعزاه ذاك السيوطي في الدر المنثور لابن أبي حاتم وعبدبن حميد فيها ذكر "الطي" وليس فيها ذكر يوم القيامة ولا قول "أنا الملك"، وليس فيها التصريح بأنها في يوم القيامة وإن كان ذكر "الطي" يحتمل أنها يوم القيامة.
7)- من أثبت علو الارتفاع والفوقية وفسر الإحاطة "بالعلم" وغيره من أنواع الإحاطة وأيضا فسرها بأن السموات والأرض في "كف الله" وأن ذلك نوع من الإحاطة فلايجوز الطعن فيه واتهامه في عقيدته لأن قوله لم يخالف صريح النصوص ولم يوافق الجهمية القائلين بأن الإحاطة تعني إن الله في كل مكان تعالى الله عمايقولون علوا كبيرا.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.


  

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *