مفهوم الأوراق الثبوتية والعملات النقدية.

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
▪ تنبيه: دائما العنوان ان لم يكن (شرعيا) وكان عرفيا اصطلاحيا لابد من فهم اللفظ حتى لو كان شرعيا لابد من فهم اللفظ ولكن عادة (الألفاظ الشرعية) واضحة الدلالة والمعاني والحكم، والألفاظ العرفية الاصطلاحية يدخل فيها الاشتراك والاجمال كثيرا.
 
- الوثائق الثبوتية: فلفظ التوثيق ولفظ الإثبات يفرق بينهم أهل العلم، فهناك فروق لا يسع ذكرها في باب القضاء ومن أمثلتها أن الإثبات في (باب الوسائل) والتوثيق نوع من أنواع الإثبات وما يحصل به التوثيق أعم من ما يحصل به الإثبات في بعض الأحوال وكذلك في دلالة التوثيق عن الثبوت هناك فروق بينهما.
 
من يطلق هذا اللفظ يعني به الأوراق الرسمية في هذا الزمان.
 
1/- الوثائق: جمع وثيقة؛ ومعنى الوثيقة كما هو معلوم في كتب اللغة والمعاجم هي العهد والعقد وبعضهم يقول (العقد المأكد) يعني لفظ الميثاق يدخل فيه شيء من التأكيد والمواثقة معاهدة، قال الله تعالى﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِه﴾، أي: عهده.
 
- فالتوثيق نوع من أنواع العقود الكتابية؛ وعادة ما يدرج هذا اللفظ عند الفقهاء في باب الشروط في العقود وهو أهم المسائل كما فعل الإمام البخاري -رحمه الله- [كِتَابُ الشُّرُوطِ| بَابُ: الْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَحِلُّ مِنَ الشُّرُوطِ] يعني يجوز توثيقها.
 
”والعقد فيه متعاقدان وأن "التوثيق" هو نوع من العقد الذي فيه عاقدان والعقد من حيث هو لا يدخله من حيث الأصل تبديل ولا تشريع بل هو "اجراء تنظيمي" راجع إلى ما سطره المتعاقدين مالم يسطرا شيئا محرما“
 
-> أخرج أحمد في مسنده، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْهَا، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، قَدْ كَاتَبَهَا أَهْلُهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ عَدَدْتُهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِي، فَأَتَتْ أَهْلَهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُمْ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ لَهُمْ. قَالَ: فَذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "افْعَلِيفَفَعَلَتْ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ". قَالَ: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
 
-> وأخرج عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ مَرَّةٍ".

▪ تنبيه: ومعنى "لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" ليس المراد تنصيصه كما يرى (الظاهرية) -لعنهم الله- كابن حزم وغيره لكن المراد لا يخالف كتاب الله -عز وجل- وهذا ما حمله عليه أهل الحديث.
 
2/- العقد لا يكون ناقضا من "نواقض الاسلام" حتى يجتمع على شرطين:
 
أ/- أن يكون هذا العقد مستندا إلى تبديل الدين (أساس عقده تحليل لما حرم الله أو تحريم ما أحل الله).
 
ب/- أن يكون فيه شرط (مخرج من الملة) هنا إن وافق عليه المتعاقدان فحينئذ وقعا في الكفر.
 
أما الصورة التي يدندن عليها البعض أن هذه العقود فيها رموز كفرية فالرد كمايلي:
 
* هل من "مناطات" الاخراج من الملة الرموز؟!
 
* وماذا نعني بالرموز؟
 
* وهل نعني بها ألفاظا أو أحوالا أو أعيانا؟
 
- الرموز الكفرية: هي الكلمات اذا تكلمنا عن (مسألة الوثائق) والكلمات ينظر الى دلالتها على العقد.
 
* هل يخضع لها العاقد أم لا؟
 
فان كان لا يخضع لها وانما هي معرفة أو كتبت دون خضوع العاقد لها فحينئذ التعامل بها لا يكون كفرا.
 
-> مثال: الوثائق التي كانت رسائل بين ملوك الاسلام وملوك الكفر، فكانت الرسل تحمل هذه الرسائل وأشهرها بين خالد -رضي الله عنه- والدهقان ورستم وغيرهما وكانوا يختمون بأختام كفرية كختم كسرى ونحوه -لعنهم الله- ومع ذلك كان يحملها المسلمون وفيها هذا الرمز الكفري.
 
* لماذا؟
 
المراد ليس الخضوع له ولكن المراد حمله، فالحمل دون رضا وخضوع لذلك الرمز أو الختم فليس بكفر.
 
-> مثال مع الفارق ضربه بعضهم وهي العملة التي كان يتصرف بها (فتية الكهف) -رحمهم الله- أيام الطاغوت "دقيانوس".
 
”فالعملة ليست كالوثائق فيه فرق لكن الاستدلال يصح عند مسألة الرموز، فاذا جعلنا كل ما حوى رمزا كفريا كفرا فهذا لا يختص بالوثيقة فقط بل تدخله فيه العملة وأي ورقة تحملها تصبح كافرا!، وهذا لم يقل به أحد من العالمين؛ مع أننا قلنا أن الرمز الكفري يعنون به اللفظ الكفري فاذا أريد به اللفظ الكفري حينئذ ننظر إلى سياقه في العقد“
 
* هل هو مطلوب الخضوع له أم لا؟
 
- أما اذا وجد مكتوبا دون أن يطلب الخضوع له أو يوثق عليه موافقة على ذلك "اللفظ الكفري" فعند ذلك لا يكون كفرا وانما النظر في العقود بمقتضاها الذي أنشئت له وهذه الوثائق مقتضها التي أنشئت له أنها تعرف الانسان اسمه ونسبه وسنه ومكانه وبعضهم يزيد دينه وجنسه.
 
وهذه ليست في نفسها مكفرة.
 
- ففتية الكهف -رحمهم الله- لما دخلوا دار الايمان وهنا محل الشاهد (بعدما ازاح الله الطاغوت دقيانوس وملكه) تعاملوا بتلك النقود فالذين أمسكوا النقود من يد "يمليخا" أنكروا عليه (أهل الايمان) نقش "دقيانوس" الطاغوت لأنه وقع على كنز ولم يحكموا بكفره.
 
-> الركاز في دار الاسلام، اذا عثر مسلم على كنز واستخرجه فوجد نقود فيها نقش كفري لطواغيت "كفرعون" وغيره وأتاك به.
 
* هل تحكم عليه بالكفر؟!
 
3)- ومما يضاف لهذه المسألة أن هذه الوثائق الرسمية ليست (تشريعا) من دون الله تبديلي؛ وذلك أن ليس لها ما يقابلها في نقض الأحكام.
 
* ماذا نقضت من أحكام الشريعة؟!
 
- مع أن لها أصل في الشريعة ذكر "ابن فرحون" في كتابه (تبصرة الحكام) وكذلك ذكره الونشريسي في كتابه (المنهج الفارق) وذكره ابن أبي الدب الحنبلي في كتابه (أدب القضاء)؛ وهذه كتب كلها في (القضاء) ذكروا مثل هذه الوثائق التي يكتب فيها اسم الشخص واسم أبيه واسم أمه وقبيلته ومحلته، فهي لها أصل، قال مجاهد « إن الوثائق التي يعتمد عليها القاضي...».
 
هنا في مسألة دلالة الكتابة على إثبات الأحكام فهي لها أصل في الشرع فاذا أضيف لها بعض (الرموز الكفرية) تلغى فأصلها محفوظ في الشريعة.
 
4)- من حكى شيئا يريد التعريف به أو عن نفسه هذا لا يعني أنه لا يحكم عليه بالكفر.
 
-> مثاله: لما نظر بعض الناس لمناظرات لبعض أئمة السنة بين يدي أمراء كانوا على (دين الجهمية) وذكر مثل هذه المناظرات ابن بطة في آخر (الإبانة الكبرى) وكذلك الآجري في (الشريعة) يقول لذلك الأمير الجهمي "كالواثق" أو "المعتصم" «يا أمير المؤمنين».
 
* فاستشكل هؤلاء، كيف هو كافر وجهمي يقوي شوكة الجهمية؟!
 
نقول؛ أيها الغافل على رسلك، إن قوله «يا أمير المؤمنين» هي حكاية للواقع فهو أمير وليس في قوله أميرا أنه لا يعتقد كفره.
 
- فقد قال الله تعالى﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أمَّرْنا مُتْرَفِيهَا﴾ بالتشديد (أمَّرْنا).
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن أبي عثمان النهدي أنه قرأ "أمَّرْنا" مشدّدة من الإمارة.
 
فكونه أمير هذا واقع.
 
- قال الله تعالى﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْك﴾.
 
"فالنمرود" ملك، وهذه حكاية واقع.
 
- ولا يعني بالضرورة كونه يقول أنت أمير أنه يتولاه أو أنه يرضى بولايته مع كفره، وإنما هي (حكاية للواقع)؛ ومنه أن النبي ﷺ في مكتباته (للطواغيت): « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ...»، فحكى واقعه مع اعتقاد رسول الله ﷺ بأنه طاغوت معبود راض بعبادته.
 
”فمن حكى واقع في (الاوراق الثبوتية) بتوصيف بعض الدور بتوصيفات الديموقراطية ونحوها فهذا لا يكون كافرا لأنه يحكي واقعا موجودا فهو مخبر وليس منشأ للكفر، فهناك فرق فانتبه لمن ينشأ الكفر وبين من يخبر به (حكاية للواقع) سواء بلسانه أو توثيقه بكتابته“
 
 
 
 وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 

 

 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *