تحرير حكم الخلاف في تناول اللحوم المحرمة وغلو البعض فيها!

 
 
 
 
 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 
فهذه إجابة مختصرة على سؤال وردني من أحدهم نتيجة خلاف وفرقة بين بعض الإخوة على مسألة لا توجب كل ذلك، فالإجابة سنجعلها مختصرة في نقاط متسلسلة والآثار المتعلقة بأصل المسألة معلومة لدى الجميع وقد ذكرت في كثير من البحوث الخاصة بمسألة الذكاة وشروطها واللحوم:

1/- لا يجوز التهاون والإقدام على تكفير المسلم الموحد إلا بيقين -كالشمس في رابعة النهار- وليست كل مخالفة للنصوص وشذوذ في الفهم موجب للتضليل من تبديع وتفسيق فضلا عن التكفير.

2/- النصوص خصصت الإباحة بذبيحة المسلم مع التسمية والنية الصحيحة -وكذلك ذبيحة الكتابي- وأما غيرهم كالمرتد والمشرك المنتسب فلا تحل ذبيحته حتى لو ذكى الذبيحة وسمى لأن المقصود ابتداء عقيدة المذكي -الذابح- ثم التسمية عليها مع النية الصحيحة (والأدلة والآثار بشأن ذلك مبسوطة في مضانها)؛

 
وهذا المنتسب لم يتحقق فيه الشرط لكونه ليس من أهل الذكاة الشرعية.

3/- من علمنا منه تكفير ذاك المرتد والمشرك المنتسب ولكنه يأكل من تلك اللحوم التي ذبحوها مع علمه وإقراره بعدم حِلّها فهذه معصية كأكل وشرب المحرمات ولا يكفر بها، وهذا الأصل في -الموحد المعلومة عقيدته بشأن هؤلاء- ونعرف بعض الإخوة -هدانا الله وإياهم- يتساهلون في ارتكاب هذا المنكر مع علمهم؛

 
فلا يجوز إساءة الظن بهم باتهامهم بنقض توحيدهم ودعوى أن أكلهم لتلك اللحوم فرع عن حكمهم بإسلام المشركين المنتسبين والمرتدين.

 
وتكفير من علمنا توحيده بمجرد أكله لتلك اللحوم تكفير على قواعد الخوارج من جهتين:

 
← التكفير بالظن والتهمة.

 
← التكفير بارتكاب المعصية.

 
4/- من كفر المرتد والمشرك المنتسب ولكنه استباح ذبيحته قياسا على حِلّ ذبائح أهل الكتاب الذين حلّت ذبائحهم مع:

 
← تحقق تبديلهم وتغييرهم وتحريفهم لعقيدتهم وهم في الحقيقة ليسوا على شيء.

 
← وكذلك وقوعهم في الشرك المغلظ.

 
← ليس لكثير منهم إلا الاسم.

 
فنقول، هذا قياس فاسد وقول شاذ ضعيف ولكن لا يكفر به، لماذا؟

 
أ/- لكونه لم يخالف في أصل المسألة حيث لم يبح ذبائح غير المسلمين مطلقا، ولكنه خالف في بعض الصور والحالات المندرجة في هذا الأصل بتأويل وشبهة، وحال من خالف في الأصل ليس كمن خالف في بعض الصور بتأويل وشبهة وهذا في الغالب، ولا نُقعِّد قاعدة مطردة بعدم تكفير كل من خالف في بعض صور وحالات المسائل المعلومة بالضرورة إذا كان مقرا بأصل المسألة لأن مناطات وأسباب العذر في كثير من الصور والمسائل المندرجة في الأصول لا يلزم تحققها في كل مخالفة فهناك فروق بين المسائل المندرجة في الأصول، فهناك بعض المسائل والصور المندرجة في بعض الأصول يكفر من يخالفها ولا يعذر حتى لو كان مقرا بأصل المسألة كمن أقر بتحريم الزواج من المحارم ولكنه خالف في بعض الصور فأباح الزواج من الأخت لأب.

 
ب/- وقع أشنع من ذلك في عهد السلف ولم يرتبوا على ذلك التكفير فهذا "أبو ثور" يجيز ذبيحة النصراني إذا ذبحها لغير الله وعلى غير اسم الله، وبلغ ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- ولم يكفره لأجل ذلك.

 
ج/- لأن هذا المستبيح يكفر ذاك المرتد والمشرك المنتسب والتكفير هنا متعلق بأصل الحكم على ذاك المشرك وقد تحقق تكفيره له فلا وجه لتكفيره.

 
د/- وتبقى مخالفته للنصوص المستثنية لأهل الكتاب دون غيرهم، وهذه المخالفة في تنزيل بعض الأحكام قد وقع ما يشبهها بين الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يكفر بعضهم بعضا مع التيقن بخطأ بعضهم في تنزيل بعض الأحكام فمثلا:

 
1/- قد جاءت النصوص صريحة بإباحة ذبائح أهل الكتاب وقد خالف بعض الصحابة كابن عمر -رضي الله عنهما- (في بعض صور ذلك) بشأن نصارى تغلب لأنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشربهم للخمر وخالفه بقية الصحابة -رضي الله عنهم- لظاهر صريح النصوص، ولم يترتب على هذه المسألة التكفير بدعوى مخالفة صريح النصوص.

 
2/- ومن الأمثلة أيضا خلاف بعض السلف في المجوس مع شركهم الظاهر هل يعاملون كالمشركين من كل وجه دون استثناء وهذا قول شاذ مخالف لهدي الصحابة -رضي الله عنهم- أو يأخذون بعض أحكام أهل الكتاب؛ وهذا الصحيح وهذه الأحكام كالتالي:

 
← إدخالهم في أهل الذمة.

 
← أخذ الجزية منهم.

 
← تسترق نساؤهم ولكن لا يتَسَرَّى بهن ولا يجامعن.

 
← لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ولا تنكح سباياهم، ومع هذا الخلاف إلا أنهم لم يرتبوا عليه التكفير.

 
3/- ومن الأمثلة المشابهة الخلاف في سبي نساء أهل الردة وَالتَّسَرِّي بهن.

 
وهذا خلاف لا يترتب عليه التكفير.

 
4/- وكذلك مخالفة بعض السلف لصريح النصوص في بعض المسائل -ليس في أصولها ولكن في صور منها- (بقياس غير صحيح أو تأويل واجتهاد لا يصح) لم يوجب التكفير بينهم.

 
”والقاعدة أن كل ما اختلف فيه السلف ولم يكفروا فيه فليس لنا إلا متابعتهم في ذلك، وكل مسألة حادثة متأخرة عن زمانهم وكانت مشابهة مماثلة لما اختلف فيه السلف دون تكفير فيجب علينا الوقوف عند الإنكار والتخطئة والرد دون التكفير مع مراعاة الرفق و الأدب والمصالح والمفاسد في طريقة عرض الرد و المخالفة حرصا لتحقيق ذاك الأصل الشرعي وهو اجتماع الكلمة والألفة وسلامة الصدور وعدم شق الصف، وكل شدة في الإنكار وردت في النصوص والآثار في مثل هذه المسائل فقد قابلتها نصوص فيها اللين والرفق في الإنكار والرد، وكل ذلك مراعاة لما يناسب المقام وحال المخالف وقصده ومنزلته ومنزلة المسألة“

 
▪ وتنبهفكلامنا عن خلاف في مسائل لا توجب التكفير والتبديع وإن كانت المخالفة شنيعة شاذة ومخالفة "علي" "لابن عباس" وقوله له تختلف عن مخالفة وقول "ابن الزبير" رضي الله عن الجميع.

 
ومن ذلك:

 
أ/- مستبيح الخمر كافر فمن خالف في أصل المسألة كفرناه، ولكن هناك صورة ملتبسة في بعض الخمور من استباحها فقد شذ وخالف ولكن لا يكفر وهذه الصورة هي الخلاف في بعض الأشربة (كنبيذ الكوفيين) ولم يكفروا بذلك مع أن النصوص صريحة وهذا يختلف عمن خالف في أصل المسألة وقال بأن الخمور مباحة شربا وبيعا لكونها حرية شخصية ورافدا للاقتصاد فهذا كافر بعينه، وشتان بين من خالف في بعض الصور مع إقراره بالأصل حين اللتبست عليه روايات النبيذ وما يصنع منه وبين هؤلاء الزنادقة اللبراليين المستبيحين لما حرم الله؛

 
فلا يقاس عاذر الزنادقة الرادين لأصل المسألة على متبع السلف في عذر من خالف في ذلك.

 
ب/- وكذلك الخلاف بشأن القتل و قتال التأويل والدماء في مثل مسائل البغي اجتهادا، مع صراحة النصوص بتحريم دم المسلم (ولم يكفروا) بذلك، لكونهم لم يخالفوا في الأصل وإنما بعض الصور بتأويل وشبهة.

 
ج/- والخلاف الشاذ المخالف لصريح النصوص في متعة النكاح وقت شدة الحاجة؛ وهل شدة الحاجة علة لإباحتها في كل حين؟

- أم أن التحريم اللاحق يشمل شدة الحاجة وغيرها؟

 
وهذا الصحيح -ولم يكفروا- بذلك مع صراحة النصوص، وهذه المتعة التي أباحها بعض أهل السنة لشدة الحاجة ليست كمتعة الرافضة المشركين التي توسعوا فيها كعادتهم في التحريف -لعنهم الله-.

 
د/- من قال بإطلاق إباحة الربا بعد تمكنه من النص فهو كافر، لأنه خالف في أصل المسألة المعلومة بالضرورة، ولكن الخلاف في إباحة بعض صور الربا -كالفضل والعينة- لايترتب عليها التكفير.

 
هـ/- استباحة الزنا كفر كمن قال من الزنادقة اللبراليين بأنها حرية شخصية فهذا خالف في أصل المسألة، ولكن هناك صورا خاصة ملتبسة لا يكفر بها المستحل (كمن أذنت له زوجته أو ابنه بمواقعة جاريته) فاستحل مواقعتها وهذا زنا ولكن لا يكفر بذلك ولا يرجم مع أنه محصن ويكتفى بجلده.

 
ويلتحق بذلك ما يظنه بعض الجهال من كون خطفه للكافرة -ولم ينو السبي- والزنا بها (ثم يتركها ويدعها بعد ذلك) كالسبي الشرعي فهذا الجاهل إذا تيقنا من جهله وخلطه بين المسألتين والتباس ما فعله بالسبي فهذا -لا يكفر ولا يرجم- مع استباحته للزنا ويعاقب بالجلد.

 
1/- المسائل متباينة فهناك أصول في الشرائع حكم من خالف في بعض صورها وأفرادها كمن خالف في أصلها -بعد التمكن من النص-.

 
2/- وحال وحكم من خالف في أصل من أصول الشريعة الظاهرة المعلومة بالضرورة ليس كمن خالف في بعض صورها بتأويل وشبهة وهذا في الغالب ولا يلزم تعميمه على كل مسألة، فلا نُقعِّد قاعدة مطردة بعدم تكفير كل من خالف في بعض صور وحالات المسائل المعلومة بالضرورة إذا كان مقرا بأصل المسألة، لأن مناطات وأسباب العذر في كثير من الصور و المسائل المندرجة في الأصول لا يلزم تحققها في كل مخالفة فهناك فروق وتباين بين المسائل المندرجة في الأصول، فهناك بعض المسائل والصور المندرجة في بعض الأصول (يكفر من يخالفها ولا يعذر) حتى لو كان مقرا بأصل المسألة كمن أقر بتحريم الزواج من المحارم ولكنه خالف في بعض الصور فأباح الزواج من الأخت لأب.

 
- الموحد الذي يكفر المنتسبين ممن لم يثبت توحيده ولكن له تأويل وشبهة في هذه اللحوم التي يذبحها المنتسب (لأجل التسمية والذبح وقياسا على ذبيحة اليهودي) وليس لشكه في كفر المنتسب الذي لم يظهر توحيده في مجتمع غلب على أهله التلبس بكبار الكفريات الظاهرة المعلنة.

”أقول، فهذا المستحل أولى أن يدرأ عنه التكفير كما درأناه عن مستحل (الأشربة المحرمة) مع أن الأدلة في المسكر صريحة ظاهرة كالشمس ولم يكفر السلف بها للشبهة ولم يتكلفوا تكفيرهم بعد انتشار النصوص والآثار الصريحة ولم يتكلفوا تقريرهم بذلك -ولا سيما في العراق عموما وأهل الكوفة تحديدا- ولنا بهم أسوة، ومن أصر على تكفير من استحلها من الموحدين للشبهة والتأويل بعد البيان له وبلوغ الإجماع فله وجه، ولكن لا يجوز أن نجعل مثل هذه المسألة بابا للفرقة والاختلاف“

 
لماذا؟!

 
← لأن السلف اختلفوا في تكفير الخوارج ولم يفترقوا.

 
← ولأن مثل هذا الخلاف في التكفير ليس مندرجا في المسائل التي يكفر بها العاذر.


 
 
 
  وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين  

 
 
 


نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *