الرد على شبهة وضلالة مقولة "أن الله لن يسألك عن فلان وفلان"!

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
الرد على شبهة وضلالة مقولة (أن الله لن يسألك عن فلان وفلان، ولن يسألك عن الجماعات والطوائف والفرق)، حتى قال بعضهم (لن تسأل عن فرعون وهل طعنت فيه ونلت منه أو لا)!، كالتالي:
 
1/- الأصل عدم قبول هذه القواعد والإطلاقات إلا بأدلة صريحة خاصة، ولا يقبل في الاستدلال عليها بأدلة عامة فضفاضة، ولا سيما إذا خالف فهمك واستنباطك ما فهمه وعمل به الصحابة والسلف في قرونهم المفضلة.
 
فكل ما خالف فهمهم ومنهاجهم العملي السلوكي والقولي فهو مردود.
 
- وقد قعّد السلف قاعدة هامة وهي «لا تقل ما ليس لك فيه سلف»، «قف حيث وقف القوم »؛ والمقصود أن لا تقل مالم يقل به السلف في قرونهم الثلاثة المفضلة ولا تقل ما يخالف النصوص وفهم السلف لها بأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم.
 
2/- وأما عن النيل والطعن في "فرعون" وأمثاله، فالمقصود البراءة منه وتكفيره فمن حقق ذلك ولم يمتنع منه فقد فعل ما أمره الله به، ومن خالف في ذلك وامتنع دون إكراه عن إعلان البراءة والتكفير لفرعون في موقف يتطلب ذلك فهو كافر.
 
* فكيف يقال لن يسألك الله عن فرعون أو لن تسأل عن موقفك منه؟!
 
- ومجرد السب والشتم له ولأمثاله ليس هو المقصود الشرعي ولكن إطلاق هذه المقولة (عدم سؤالك) عن فرعون وأمثاله في سياق النهي عن السب والشتم كلام موهم ملتبس لا يجوز إطلاقه بل يجب التفصيل والبيان أو السكوت عن هذه القواعد التي ليس عليها أثارة من علم.
 
3/- إطلاق هذه القاعدة فيه تأل على الله، ومخالفة لصريح النصوص والآثار القولية والعملية، والاحتجاج لهذه المقولة بأسئلة "القبر" عن الرب جل جلاله والدين والرسول ﷺ جهل بالشريعة والنصوص.
 
”فحساب الله لعبده أشمل مما يتبادر للبعض من مجرد الأسئلة الثلاثة في القبر لأن شرائع الدين مندرجة في هذه الأسئلة ومضامينها من التوحيد وغيره، وقد جاءت الروايات عن حال العبد في قبره مع الصدقة والصلاة وغيرها“
 
وعلى هذه القاعدة البدعية الفاسدة (لن تسأل عن فلان وفلان ولا عن تلك الجماعة والطائفة)!، يقال لهم:
 
* هل ستسأل عن فلان اليهودي والنصراني وعابد القبر والبوذي لكونها لم ترد باللفظ الصريح في تلك الأسئلة الثلاثة؟!
 
* وكذلك بر الوالدين، هل يقال لن تسأل عنه لأنه ليس من الأسئلة الثلاثة؟!
 
* وكذلك لن تسأل عن الزنا والربا؟!
 
* وكذلك على قاعدتهم لن تسأل عن الصحابة سوآء توليتهم أم توليت أعداءهم؟!
 
وعلى هذه القاعدة البدعية لن تسأل عن أهل البدع والأهواء والضلال وهم الأكثر بنص القرآن؛ قال الله تعالىٰ ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُُ﴾{13| سبأ}، وأحاديث الغربة وغيرها من النصوص والأدلة.
 
4/- الولاء والبراء والحب والبغض (عبادة قلبية وسلوكية عملية تطبيقية) وما يترتب على ذلك من المقاربة والمصاحبة والملازمة أو الهجر والمباعدة والمفارقة، كل ذلك من دين الله وشرعه؛ وهذه العبادات والشرائع مرتبطة بموقف المسلم (اعتقادا وعملا وقولا وسلوكا) من الأفراد والفرق والطوائف والجماعات ولا سيما إن علمت ما عندها من ضلال.
 
وهذا لا ينافي اللين والرفق في الدعوة وهذا هو الأصل، وقد يكون من الحكمة الشدة والإغلاظ حسب نوع المخالفة والضلالة وحسب حال من تلبس بها.
 
- وحتى لو كنت في مجتمع مسلم فعدم معرفتك بضلال معين أو جماعة فلا يجوز لك أن تحكم بتزكيتهم دون تحقق من موافقتهم أو موافقته لجميع عقائد السلف وأهل السنة ولا سيما مع كثرة البدع وفشو الإرجاء والتجهم فالتزكية تحتاج ليقين كالذم والتحذير تماما.
 
”فلا يكفي موافقة هذا المعين أو الجماعة والطائفة في بعض أصول أهل السنة حتى تتيقن استكمالهم لعقائد أهل السنة، وأدلة الولاء والبراء والحب والبغض كثيرة معلومة“
 
-> قال الله تعالى﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾{51| المائدة}.
 
فهذا زجر ووعيد ونهي يقتضي البراءة والمباعدة منهم ووجوب الحكم عليهم وعدم موالاتهم.
 
* فهل يقال بعد هذا كله أنك لن تسأل عنهم؟!
 
- والبراءة والبغض والتضليل لا يختص بالكافرين بل يشمل بعض المسلمين، فمثلا ما جاء من نفي الموالاة مع "المسلم" الذي لم يهاجر من بين الكفار دون عذر، ونفي الموالاة هنا ليس كنفي الموالاة التامة الكاملة تجاه الكفار بل هي دونها، بدلالة إيجاب نصرتهم إن استنصرونا.
 
-> قال الله تعالىٰ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾{72| الأنفال}.
 
- وكذلك ما جاء من براءة وبغض وذم وتضليل الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- للخوارج، وأوائل "الخوارج" وقع الخلاف في تكفيرهم والمشهور تضليلهم وتبديعهم وتفسيقهم دون تكفير؛ والمقصود أن الحكم بعدم كفرهم (على الأشهر) لم يكن مانعا من بغضهم والبراءة والتحذير منهم.
 
والمسلم المفسد والعاق الذي ينشر الفساد يجب بغضه والمباعدة منه حتى لو كان مسلما، وأخطر منه من ينشر بعض البدع والأهوء باسم التدين والتقرب لله.
 
”والمقصود أن من علمت ضلاله وبدعته فردا أو جماعة فأنت مطالب بما أمرت به من البغض والمباعدة والتحذير (حسب القدرة والاستطاعة) وهذا لا يتنافى مع دعوتهم ونصيحتهم وأمرهم ونهيهم، ولا يلزم من ذلك اللقاء والمصاحبة والمجالسة في كل حالة ومن كل أحد“
 
* فإذا علمت ذلك، فكيف يقال إنك لن تسأل عن الفرق والجماعات والأفراد؟!️
 
-> وكذلك جاء في حديث مسلم (1847)، عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ: "...فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ، وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ".
 
-> وأخرج البخاري في صحيحه(6168)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
 
-> قال أبو يعلى: حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرو بن الحارث: أَنَّ رَجُلا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : "مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكًا لِمَنْ عَمِلَهُ".
 
وهذا حديث صحيح المعنى وعليه العمل وتشهد لمعناه صحيح النصوص و الروايات.
 
-> قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنَّة مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟، قال: "لا، أو تُعْلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة؛ فإن ترك كلامه؛ فكلمه، و إلا فألحقه به؛ قال ابن مسعود: المرء بخدنه" {طبقات الحنابلة 1/260 رقم 216}.
 
- وقد حمل الله في سورة (آل عمران) اليهود في عهد النبي ﷺ قتل الأنبياء مع أنهم لم يباشروا ذلك ولكن الله حملهم ذلك ووصفهم به (لتوليهم ومحبتهم ومناصرتهم وانتسابهم وانتمائهم) لأسلافهم الذين قتلوا الأنبياء.
 
-> قال الله تعالى﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘسَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق﴾{181| آل عمران}.
 
ولتلك الأدلة وغيرها ذم السلف من لازم أهل البدع والأهواء وكان من بطانتهم وألحقوا حكمه بحكمهم.
 
* فكيف يقال بعد كل ذلك، لن يسألك الله عن فلان أو عن تلك الطوائف والفرق والجماعات؟!
 
5/- هذا القول البدعي مصادم لصريح معنى أحاديث وروايات الافتراق وقلة أهل السنة، وروايات الافتراق مجمع على ما دلت عليه ويبنى عليها ما نتعبد لله به اعتقادا وقولا وعمل من الولاء والبراء وكذلك أخذ العلم وكذلك فيها التوجيه والأمر بمن (ألزمهم وأصحبهم ومن يستحقون الهجر والبغض والمفارقة والمجانبة).
 
6/- هذه القاعدة مصادمة لحديث "..محمد فرق بين الناس " ﷺ.
 
7/- مخالف لأحاديث غربة أهل السنة وأحاديث العزلة وحديث "فعليكَ بخاصةِ نفسِكَ".
 
وهذا لا يتنافى مع الدعوة للتوحيد والسنة والأمر والنهي حسب القدرة وضوابط الشريعة.
 
 
 وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 
 
 
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *