الرّدُّ على شُبهةٍ في الاِختلاطِ وَتَكَشُّفِ المرأةِ أمام الرّجالِ وَاِستِدلاَلهمْ بحَديثِ وضوءِ النِّساء مع الرّجالِ

 


الرّدُّ على شُبهةٍ:


> في الاِختلاطِ وَتَكَشُّفِ المرأةِ أمام الرّجالِ.

 

> وَاِستِدلاَلهمْ بحَديثِ وضوءِ النِّساء مع الرّجالِ!


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

استدل بعض المفتونين من الضالين بقول "ابن عمر" -رضي الله عنهما- في وضوء الرجال مع النساء  وقال بعض دعاة الاختلاط والسفور بجواز أن تكشف المرأة  أمام الرجال حال وضوئها (شعرها وذراعيها إلى المرفقين مع جزء من العضد مما يلي المرفق وقدميها إلى الكعبين وجزء من الساق فوق الكعبين ووجهها كذلك).

- وهذه شبهة من الجهال الضالين من مرضى القلوب في جواز كشف المرأة (لأعضاء الوضوء وبعض ما يليها من أعضاء) أمام الرجال وجواز الاختلاط بهذه الصورة من التكشف! 

ولايصح الاستدلال بذلك على مجرد الاختلاط فهذا المذكور حسب فهمهم فيه قدر زائد على مجرد الاختلاط وهو كشف المرأة (لأعضاء وضوئها وبعض ما يليها من أعضاء) أمام الرجال حال وضوئها أمامهم وبقربهم!

> والحديث من الجهة الشرعية لا يحتمل قولهم بكشف المرأة (لأعضاء الوضوء وما يليها) أمام الرجال كما سنبين ذلك -بإذن الله-.

> وكذلك من جهة اللغة لا يحتمل هذا الحديث قولهم و فهمهم المنحرف القاصر لأن القاعدة أن مقابلة الجمع بالجمع (الرجال والنساء) تقتضي القسمة أفرادا.

- أي أن كل رجل يتوضأ مع امرأته، وبيان إباحة المشاركة في الوضوء من إناء واحد بين الرجل وامرأته وأن غمسهما ليديهما في إناء الوضوء لاينجس الماء ولايذهب بصفة الطهورية منه كما فهم ذلك "البخاري" وبوب بالنص على ذلك؛ حين قال: "وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ" ففهم من مقابلة الجمع بالجمع أن ذلك يقتضي القسمة أفرادا، كما نقول ركب القوم دوابهم، أي أن كل واحد من الجمع ركب دابته؛ ولا يعني أن كل واحد من القوم قد ركب على كل دابة من تلك الدواب. 
    
• ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعاً.رواه البخاري (190).
> وقد رواه أبو داود (80) وابن ماجه (381) -عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- بلفظ "كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنِّسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا".

- أولا: القاعدة الأولى في فهم أدلة الشرع (والردود على المخالفين في فهمها) هو الاستحضار الدائم للقاعدة الشرعية في مقابلة المحكم للمتشابه، ومعناها هو العمل بالأصل المحكم البَيِّنِ الذي تواردت عليه الأدلة الصريحة الجلية الواضحة ووجوب التمسك بدلالة الأصل المحكم والعمل به وترك العمل بما يخالف ذلك من أفراد الأدلة المشتبهة المحتملة أو الموجهة بتوجيه لا يعارض الأصل المحكم.

وكل من يحاول التشكيك في الأصل المحكم البَيِّنِ (الذي تواردت عليه صريح الأدلة) بدليل مشتبه محتمل  هو من أهل الزيغ والفتنة والضلال الذين يجب الحذر منهم بصريح نصوص الشريعة.

- وقد أمرنا بالحذر منهم كما في آية (07) آل عمران، وكما حذرنا منهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
• روى البخاري (4547) ومسلم (2665)، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه﴾{آل عمران | 7}. إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُم».

- ثانيا: في هذه المسألة الأصل المحكم البين الذي تواردت عليه صريح الأدلة الجلية الواضحة هو فرض الحجاب على النساء وتحريم تكشف المرأة أمام الرجال بأعضاء الوضوء وما يليها من أعضاء، وأما ورود بعض النصوص والألفاظ الملتبسة المشتبهة المحتملة المخالفة لذلك حسب الظاهر أو حسب فهم بعض الجهال فلا ينقض بها ما توارد من الأدلة البينة والأحكام الجلية والأصول المحكمة الواضحة.

فالأصل المحكم هنا والأدلة البينة المحكمة بعد فرض الحجاب تحريم تكشف المرأة أمام الرجال بأعضاء وضوئها كتحريم ظهور شعر المرأة أمامهم وتحريم كشف يديها إلى المرفقين مع جزء من العضد بعد المرفقين، وتحريم كشف القدم وجزء من الساق فوق الكعبين حال الوضوء وغير ذلك.

- ثالثا: لم يفسر أحد هذا الحديث ولم يفهم منه أحد من المنسوبين للعلم أو غيرهم من أهل العقل والمروءة والغيرة من المسلمين للمرأة أن تكشف تلك الأعضاء أمام الرجال ولم يستشهدوا بالحديث السابق على إباحة تكشف المرأة وتحليل ما حرمه الله  مما سبق بيانه.

فالأمر محسوم بعد فرض الحجاب.

- وقول بعض المتأخرين بوقوع ذلك التكشف قبل فرض الحجاب (كما ذكره الجهمي ابن حجر وغيره من المتأخرين) قول ضعيف وتوجيه ساقط لايصح ولادليل عليه ولم يقل به أحد من سلف الأمة في قرونها الأولى المفضلة، وأعراف وعادات وغيرة العرب تأبى كشف المرأة (لكل ما تقدم بيانه) حتى في جاهليتهم فكيف بعد إسلامهم؟!

- رابعا: اختلف في توجيه الحديث على ثلاثة أقوال مع اتفاقهم جميعا على مخالفة مافهمه هؤلاء الجهال الضالين المنحرفين:

> التوجيه الأول: أنه ليس الحديث في اجتماع الرجال والنساء في وقت واحد على الوضوء، بل فيه بيان أن مكان وضوئهم والماء الذي يتوضؤون منه هو مكان واحد وماء واحد، فإذا انتهى الرجال من الوضوء جاء النساء، وهو قول "سحنون" من المالكية، ومقصود "ابن عمر" من ذِكر هذا: بيان عدم تنجس الإناء من التناوب على الحوض بالوضوء منه حتى مع غمس الأيدي فيه، وأن توضأ النساء منه غير مؤثر على الماء.

> الثاني: أن المراد بالنساء في الحديث الزوجات والمحارم، وهو قول "ولي الدين العراقي"، حيث قال: أطلق ابنُ عمر في حديثه وضوء النساء والرجال جميعاً، ولا شك أنه ليس المراد به الرجال مع النساء الأجانب، وإنما أراد الزوجات أو من يحل له أن يرى منها مواضع الوضوء، ولذلك بوب عليه البخاري "باب وضوء الرجل مع امرأته". {طرح التثريب (2 / 39)}.

> الثالث: أن يكون الحديث في وصف حدث قبل تشريع الحجاب على النساء، وهو ترجيح الجهمي "ابن حجر" حيث قال: والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده: فيُختص بالزوجات والمحارم. {فتح الباري (1 / 300)}، وتبعه "الشوكاني" الضال في {نيل الأوطار (1/43)}.

وهذا قول ضعيف كما بينا.

- وسواء قيل بالوجه الأول أو الثاني أو الثالث: فإنه ليس معنى الحديث أن الشرع جاء ليبيح للمرأة أن تكشف ذراعيها إلى المرفقين وما فوق ذلك وقدميها إلى الكعبين مع جزء من ساقيها وكشف شعرها ورأسها أمام الرجال الأجانب!

وهذا لا يقول به أحد عرف الشرع وأحكامه أو له عقل وغيرة وشرف ومروءة، فكل من نسب للعلم  مجمعون على تحريم إظهار تلك الأعضاء أمام الرجال الأجانب.

- خامسا: لا يمكن للشرع المطهر أن يحرص في كل أحكامه على العناية الكاملة بقطع كل أسباب الفتنة بالنساء من:

* الأمر بالستر للمرأة.

* والأمر بعدم تطيبها عند خروجها من بيتها في موطن قد يشم الرجال عطرها.

* والتحذير من الفتنة بها.

* وأمر بتباعدها عن الرجل.

* ومن ذلك الحرص على ابتعادها عن الرجل وهي في الصلاة، فيحثها على صلاتها في بيتها:
> ولو صلت في المسجد فيحثَّها على الابتعاد عن الصف الأول.
> ويجعل لها باباً خاصّاً تدخل منه للمسجد وتخرج منه.
> ويحثها على المبادرة بالخروج من المسجد بعد سلام الإمام لكي لا تختلط بالرجال.

* ويأمرها بالقرار في بيتها وعدم الخروج إلا لحاجة.

* ونهاها عن الضرب برجلها لكي لايسمع خلخالها.

* وأن لا يحققن الطريق في السير بل يتجنبن وسطه وموضع سير الرجال منه.

فهل يمكن بعد تلك العناية والمبالغة في قطع أسباب الفتنة أن يأتي بعد كل ذلك ليبيح لها كشف تلك الأعضاء السابقة أمام الرجال الأجانب في الوضوء؟!

- سادسا: قد نهى عمر الفاروق -رضي الله عنه- عن ذلك الاختلاط وعاقب عليه ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة.

- ولذا لمَّا كان اجتماع الرجال والنساء على مكان واحد للوضوء يمكن أن يحدث منه اطلاع الرجال على شيء من أعضاء النساء أثناء الوضوء، عاقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مَن اجتمع من النساء والرجال على مكان واحد ليتوضئوا جميعاً في وقت واحد، وأمر بجعل مكان خاص للرجال وآخر للنساء،

• فعن أبي سلامة الحبيبي قال: رأيتُ عمر بن الخطاب أتى حياضاً عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعاً، فضربهم بالدِّرة ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً وللنساء حياضاً ...". {رواه عبد الرزاق في مصنفه (1 / 75)}.



 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 



نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *