أنواع الجهل واختلاف أحكامه لارتباطه بأنواع ومراتب المسائل.

 

 

 

أَنْوَاعُ الْجَهْلِ وَاِخْتِلَاَفُ أَحْكَامِهِ لِاِرْتِبَاطِهِ بِأَنْوَاعِ وَمَرَاتِبِ الْمَسَائِلِ.

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
 
 
 I- مُخَطَّطٌ تَوْضِحِيٌّ لِلْمَقَالِ: 

 

🔗 مُعَايَنَةُ الْمُخَطَّطِ مِنْ هُنَا (اضغط)..




 II- نَصُّ الْمَقَالِ: 
 
 
تَنْوِيهٌ: هَذِهِ نُسْخَةٌ فِيهَا زِيادَاتٌ وَإضَافَاتٌ عَدِيدَةٌ وَرُدُودٌ عَلَى بَعْضِ الشُّبهَاتِ، وهَذَا مُخْتَصَرٌ مَنْ أَصْلِ الدَّرْسِ وَ الْبَحْثِ الَّذِي فُصِّلَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ وَالْآثَارُ.
 
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
موقف المرجئة الجهمية العاذرية من أدعياء السنة والسلفية وغيرهم من النصوص الشرعية المتعلقة بالجهل وأحكام المخالفين من الجهال، وقد سلكوا مسالك تجاه هذه النصوص وهذا من تحريفهم وتلبيسهم وتدليسهم:
 
1/- جاء التصريح في نصوص الشريعة التي سبق ذكرها على جعل (جهل) المشركين والمنافقين ونحوهم في كبار الكفريات من أسباب الكفر ومن صفات المشركين ومن موانع الوصف بالتوحيد والإسلام.
وفي آية البينة، والتوبة وغيرها من النصوص في القرآن والسنة تكفير أعيان الجهال الأميين ممن تلبسوا بالشرك الأكبر قبل بلوغ الحجة الخبرية (القرآن) وقبل سماع القرآن؛
 
قال الله تعالىٰ ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾{ البينة|1 }.
 
قال الله تعالىٰ ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون﴾ { التوبة|6 }.َ
 
- لأن إفراد الله بالعبادة من أبرز حجة العهد والميثاق الأول ونحن في عالم الذر؛
 
قال الله تعالىٰ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ۞ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾{الأعراف| 173/172}.
 
- وهذه الآيات والنصوص صريحة كالشمس بعدم الإعذار بالجهل في الشرك الأكبر وكبار الكفريات المتعلقة بالعهد والميثاق الأول، وتأمل ما اجتمع فيهم من غاية الجهل والأمية والتأويل والشبهة والتقليد مع عدم سماع وبلوغ حجة القرآن، كل ذلك لم يعذر بها من تلبس بالشرك الأكبر فوصف بالكفر والشرك، ولكن العاذرية الجهمية عذروا أعيان من تلبس بالشرك الأكبر حتى لو كان منسوبا للعلم والعلماء قد بلغه القرآن والعلم ولذلك لم يكفروا "البكري" و"الهيتمي" مع شركهم وعلمهم، وحتى ذاك الجهمي الذي كفرهما لم يخرج من تجهمه لأجل حكمه بإسلام وإعذار العلماء الذين حكموا بإسلام هذين المشركين، والسلف بإجماعهم الصريح كفروا العالم الذي لم يكفر (عاذر) من تلبس بكفر دون هذا الشرك فكفروا العالم الذي لا يكفر من قال بخلق القرآن.
 
- وقد نقل الإجماع ستة من المتقدمين أبوزرعة وأبو حاتم الرازيان وحرب الكرماني واللالكائي وابن بطة العكبري والملطي.
 
وهذه النصوص التي أوردناها صريحة بجعل الجهل بالتوحيد كفرا بذاته في هذه المسائل وأنه من صفات الكافرين والمنافقين وأن الجهل بذاته ناقض للتوحيد والإسلام في ذلك ولا يجتمع الجهل الموقع في الشرك الأكبر مع الإسلام والتوحيد.
والنصوص صريحة بعدم جعل هذا الجهل مانعا من التكفير، وصريح النصوص واللغة بأن شهادة التوحيد تدل على العلم، فالجهل بالتوحيد والإسلام في بعض المسائل كفر بذاته، والجهل بالشهادة وبما يضادها من أصول الشرك مع التلبس بذلك كفر بذاته، فالجهل بذاته كفر وليس بعذر في بعض المسائل.

- ومن قال من الجهمية العاذرية بعدم تكفير أعيان المشركين من عباد القبور إلا بعد البيان وإزالة الشبهة فقد جعل عـلة التكفير هي مجرد العناد والتكذيب والرد للنصوص ولم يجعل الشرك بالله ونقض التوحيد به علة التكفير فلو كان الشرك بالله وعبادة غيره علة التكفير عنده لكفره قبل البيان وإزالة الشبهة.

- وصريح النصوص قد جعلت الشرك بالله علة التكفير لأعيان المشركين حتى قبل نزول القرآن والبينة وهذا أحد أوجه كفر العاذرية الجهمية المنتسبين للسنة والسلفية وغيرهم ومن البلاء العظيم أن بعض (العاذرية الجهمية في باب الأسماء والأحكام) قد نصر الله بهم التوحيد والسنة في عدة أبواب ومسائل وعرفوا بين المتأخرين بوصف السنة والإمامة وفي البخاري قوله صلى الله عليه وآله وسلم "وإنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ".

فلا يصدنك هذا عن الحق الذي بلغك والذي ستسأل عنه بين يدي الله، وهذا البلاء العظيم امتحان واختبار من الله لنا، هل نتبع صريح إجماع السلف ونكفر هذا العاذري الجهمي أم نهلك أنفسنا ونبيع ونهدم توحيدنا وديننا محبة وتقديسا وتعظيما له فنعذر هذا الجهمي ونقع في تجهم العاذرية نسأل الله السلامة والعافية.
* كيف تعامل الجهمية العاذرية مع هذه النصوص الصريحة والإجماعات البينة الجلية؟
 
- ناقضوا صريح تلك النصوص فجعلوا الجهل مانعا من التكفير، ولم يقتصروا على عذر العوام بل حتى المنسوبين للعلماء عذروهم بكبار الكفريات حتى لو تلبس المعين بأغلظ وأظهر وأشنع الكفر حتى لو تمكن من القرآن والعلم وحتى لو كانت المسألة من أصل الدين والتوحيد وأصل معرفة الله مما أقام الله فيه الحجة بما أودعه في الفطر والعقول وبما أنزله من الوحي والخبر والنص؛ ولذلك عذروا المعين المتلبس بالشرك الأكبر المستغيث الطالب للمدد والعون من الأموات بجلب النفع ودفع الضر! وحتى ذاك الجهمي العاذري الذي حكم بكفر هذا المشرك تجده يعذر العالم الذي حكم بإسلام وعدم تكفير هذا المشرك الوثني من عباد القبور، وجعل إعذار وعدم تكفير عين ذاك المشرك والحكم بإسلامه قبل البيان لا يوجب تفسيقا وتبديعا وكأنها مسألة سائغة! مع أن ذاك العالم الذي حكم بإسلام هذا المشرك المعين وعذره قبل البيان وإزالة الشبهة قد كفر من عدة أوجه.
 

- وعذروا أعيان العلماء الذين لم يثبتوا لله علو الارتفاع والفوقية، مع أن الحجة قائمة عليهم بما أودعه الله في فطرهم وعقولهم وتمت عليهم غاية الحجة بما بلغهم وبما حفظوه من مئات الأدلة الصريحة المثبتة لعلو الفوقية والارتفاع وفوقية الله وارتفاعه على خلقه فيها ألف دليل في الكتاب والسنة وبعد كل ذلك عذروا أعيان هؤلاء العلماء، مع أن السلف بإجماعهم كفروا من لم يكفر الجهمية ولاسيما العلماء، والكفريات والكفر الأكبر المخرج من الملة دركات مختلفة فلا تصح المساواة بينها من كل وجه وكذلك أحوال المتلبسين بالكفر لا تصح المساواة ببينهم من كل وجه فالمعين المتلبس يقيناً بكبار الكفريات بصورة واضحة جلية بينة لا تحتمل اللبس لا يستوي حكم عاذره مع من عذرأمثال هؤلاء:
 
أ/- المعين المتلبس بكبار الكفريات إذا كان هذا المعين له حالة ملتبسة غير صريحة كحال المنافقين كما قال الله بشأنهم ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ٰۚ﴾{التوبة | 101}،﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ﴾{محمد | 30}.
فكفر هؤلاء مموه غير صريح قد لا يتنبه له ومما يزيد حال المنافقين حيرة مسارعتهم لإظهار وإعلان التوبة والتراجع عند كشف نفاقهم وقسمهم وحلفهم بالله أنهم لم يفعلوا الكفر وخلاف الصحابة في "ابن أبي" -لعنه الله- بعد الإفك لم يكن بشأن وصفه بالنفاق والكفر (فتنبه) ولكن الخلاف بشأن (قتله) من قبل منافسيهم وأقرانهم -وخصومهم في الجاهلية قبيلة الأوس- ودخلت الحمية في ساعة غضب كما قالت أمنا عائشة -رضي الله عنها- عن سعد ابن عبادة رأس الخزرج رضي الله عنهم "رجل صالح أخذته الحمية". 
 
ب/- لا يصح قياس حكم العاذر للمعين الذي لم يختلف السلف في تكفير مثله مع من لم يكفر أعيان من ورد الخلاف بتكفيرهم كالخوارج ونحوهم فما ورد فيه الخلاف لا يقاس ولا ينقض به ما ورد فيه الإجماع. 
 
ج/- ولا يصح القياس في تكفير عاذر من لم يتيقن بصدور الكفر منه ولم يتبين لديه تلبس ذلك المعين بالكفر يقيناً. 
 
د/- وكذلك المكره ومن قال كلمة بسبق لسان دون أن يقصد قولها كمن قال: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ"؛ وهؤلاء لم يكفرهم أحد.
 
هـ/- وكذلك في الكفريات التي تخفى على الجهال من العوام ونحوهم (كاللفظ) فمثل هؤلاء لا يكفرون ابتداءً في هذا النوع من الكفريات خاصة. 
 
وقد نقل إجماع السلف قاطبة بتكفير العاذر ستة من المتقدمين -الرازيان وحرب الكرماني والمالطي في التنبيه والرد وابن بطة في الإبانة الكبرى واللالكائي- والسلف لم يعذروا من العاذرية إلا من تحقق فيه شرطان:
 
- الشرط الأول: أن يعذر في نوع مخصوص من المسائل لا يتجاوزها ولا يتعدى حكم ذلك الإعذار لما هو أعلى منها من المسائل المتعلقة بأصل الدين وأصل التوحيد وأصل معرفة الله مما أودعه الله في الفطر والعقول ثم أقام الله عليه حجة الخبر والسمع بعد ذلك فالعامي الجاهل إن عذر أعيان المشركين من عباد القبور وغيرهم أو عذر من لا يعرف اين ربه أو عذر اليهود والنصارى أو عذر من قال أن للكون خالقاً ومدبراً مع الله.
 
فهذا الجاهل لا عذر له لكونها من أصل الدين والتوحيد ومن أصل معرفة الله المودعه في الفطر والعقول من أثر حجة العهد والميثاق الأول ونحن في عالم الذر.
 
- والجاهل الذي لا يفهم كالعوام لا يكفر ابتداءً إن عذر ولم يكفر من قال "بخلق القرآن" بل يبين له بخلاف العاذر من العلماء فهذا يكفر ابتداءً بصريح إجماع السلف الذي نقله الرازيان والاستثناء صريح بأن كل أفراد وأعيان من لم يستثنى يكفر ابتداءً دون اشتراط البيان في الحكم على المعين.
 
وأما العامي الجاهل الذي لا يفهم فنظراً لتلبيس الجهمية عليهم بذكر المداد والورق والجلد ونحو ذلك وأيضاً لكون هذا العامي الجاهل الذي لا يفهم ولا يعرف مرامي الكلام ومآلاته ويلتحق بالعامة الجهال ضعاف الفهم ذاك الصغير المبتدئ في طلب العلم ولا زال في بداياته متلبساً بضعف الفهم والجهل.
 
- الشرط الثاني: أن يكون العاذر جاهلاً ضعيف الفهم والإدراك كما قال الإمام أحمد بن منيع البغوي -من أقران الإمام أحمد- (كالنساء والصبيان والبقالين) لأن الغالب على النساء الجهل والأمية آنذاك وكذلك في الإجماع الذي نقله الرازيان حين استثنوا ضعيف الفهم (من لا يفهم).
وهذا لا يتحقق إلا في العامة من الجهال.
 
- وأما العالم الذي قرأ فنون العلم ومقارنة الاستدلالات والترجيحات للمسائل ويعرف مآلات الأقوال والكلام ومراميها فلا يصح وصفه بضعف الفهم ولا سيما في مسائل التوحيد الكبرى وللك قد جاء في السنة لعبد الله عند الكلام عن الواقفة واللفظية ما ورد من قول الإمام أحمد في التضليل واستثناءه العوام الجهال حين قال: "مَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ".
 
ولذلك لم يعذر السلف أعيان العلماء إذا وقعوا في ضلالات كبرى دون هذه كمن قال لفظي بالقرآن مخلوق أو قال بالوقف.
 
والسلف لم يعذروا أعيان العلماء المتلبسين بكبار الضلالات إن تحقق فيهم شرطان:
 
- الشرط الأول: أن يثبت لديهم على وجه اليقين تلبس هذا العالم بهذه الضلالة الكبرى. 
 
- الشرط الثاني: أن يثبت لديهم يقيناً بلوغ الأدلة الصريحة بخصوص هذه المسألة لهذا العالم وقد عجز الجهمية العاذرية من أدعياء السنة والسلفية وغيرهم عن الإتيان بنص أو أثر صريح عن الصحابة والسلف وهم يعذرون عالماً ثبت عندهم يقينا تلبسه بضلالة كبرى بعد اليقين ببلوغ الدليل الصريح له في هذه المسألة التي ضل فيها.
 
وتزكية بعض السلف لبعض من اتهموا ببدعة من العلماء فهذا لكون تلبسه بالبدعة لم يثبت يقيناً عند هذا المزكي له (فتنبه جيداً لهذا). 
 
- قال الإمام أحمد عن "عبد الرزاق الصنعاني" حين اتهم ببعض التشيع فقال أحمد: "لا أعرف هذا عنه" وكذلك من زكى بعض المبتدعة قبل تلبسهم بالبدعة أو بعد أن أظهر توبته منها، وأما أن يثبت يقيناً عن العالم تلبسه بضلالة كبرى بعد بلوغ صريح الأدلة له ولا يعرف بتراجعه فهذا لا يعذر لكونه من أهل العلم فالعلم حجة على صاحبه وليس مانعاً وعذرا له (ولا سيما في كبار الضلالات) وعد العلم عذراً ومانعاً لا يعرف عند السلف في الضلالات الكبرى والذي أحدث هذا المانع والعذر هم الجهمية العاذرية من المتأخرين ولا سيما من القرن السابع وما بعده. 
 
- ولذلك فمن لم يبلغه الدليل على صفة "العجب" لله لاعتماده على القراءة المشهورة المتواترة ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ ولم تبلغه القراءة الأخرى ﴿بَلْ عَجِبْتُ﴾ ولم يثبت يقيناً أن أحاديث إثبات صفة "العجب" قد بلغته، فهذا معذور كما روي عن شريح والجهمية العاذرية عجزوا عن إثبات أن هذه الأدلة الصريحة قد بلغت شريحاً ثم بعد ذلك أولها وعطلها وحرفها وردها بعقله كما يفعل الجهمية وهذا المسلك لا يعرف عن التابعين أصلاً.
 
ولذلك فشيخهم ومتبوعهم العاذري لم يكفر "البكري" المشرك المجيز للشرك، مع أن البكري منسوب للعلم وقد بلغته حجة الله المودعة في فطرته وتمت عليه غاية الحجة بما بلغه من النصوص.
 
- وأصبح الجهمية الأتباع يجعلون تكفير مثل "البكري" و"الهيتمي" مع شركهم الصريح مسألة سائغة يعذر فيها حتى العالم الذي يحكم بإسلام هذين المشركين، وأيضاً لم يكفر أعيان الزنادقة من علماء وقضاة الحلولية، وكل ما قاله في تكفير الحلولية الزنادقة فهو على قاعدته الجهمية التي كررها كثيراً أنها لا تتنزل ابتداءً إلا على النوع وليس الأعيان.
 
- لأن منهجه وقاعدته أنه لا يكفر المعين حتى يبين له ويزيل الشبهة، ويسمي ذلك بقيام الحجة مع أن الحجة في ذلك ما أودعه الله في الفطر والعقول من أثر العهد والميثاق الأول وما بلغه من النصوص، ولكنه يعذر المعين في ذلك حتى لو كان عالماً وحتي لو كان الكفر في أصل الدين والتوحيد وأصل معرفة الله.
 
وهذا منهاجه العملي التطبيقي ولا عبرة بتأصيلاته وقواعده العامة التنظيرية التي يفرق فيها بين المسائل وبين العالم والجاهل لأن تطبيقه العملي يخالف ذلك وينقضه تماماً، والعامي الجاهل ممن سلمت فطرته لا يتردد ولا يشك في تكفير المعين الذي يقول بأن الله حال في المخلوقات (تعالى الله عن ذلك) لأن هذا مركوز في الفطر والعقول بما أودعه الله من أثر العهد والميثاق بل والله لوسألت اليهود عن حكم أعيان الحلولية لكفروهم بأعيانهم.
 
- وشيخهم ومتبوعهم "ابن تيمية" لم يكفر أعيان المشركين الرافضة ولا زنادقة أعيان القلندرية ولا أعيان المسقطين لبعض التكاليف (وحصر تكفيره بمن أسقط كل التكاليف!) ودعواه المختلقة الكاذبة التي لم يرد ما يؤيدها حتى من الآثار الموضوعة والضعيفة المهلهلة وذلك حين اختلق من عند نفسه ترحم الإمام "أحمد" على سلاطين الجهمية (هكذا بصيغة الجمع!) ليمرر منهجه العاذري الجهمي وهناك رسالة مؤصلة لتفنيد هذا الكذب.
 
- ولذلك لم يستطع أتباعه من الرد حين استشهد الجهمي "حاتم العوني" بكلامه وتقريراته وتطبيقاته في إعذار وعدم تكفير أعيان المشركين وأعيان علماء الحلولية، على إعذار وعدم تكفير أعيان من يقول بتحريف القرآن واتهام أمنا عائشة بما برأها الله منه وعلت حجة العوني الجهمي على حجتهم لأن مدارها قواعد وتقريرات قدوتهم ومتبوعهم الذي قدموا أقواله على النصوص وإجماع السلف.
- وأيضاً عجزوا عن الرد على "سلطان العميري" الجهمي حين حكم بإعذار وإسلام أعيان المشركين الوثنيين من عبد القبور والرافضة.
 
ولو ان أصل الاحتجاج بنصوص الشريعة وآثار السلف لاستطاعوا نقض شبهات وأقوال هذين الجهميين وغيرهم ولكن الله سلطهما عليهم ليفتضح منهاجهم القائم على تقليد "ابن تيمية" وكأنه نبي لسلفيتهم الجوفاء!، وهذا كله من التحريف والتبديل ورسوخ التجهم.
 
- و"البكري" وهو منسوب للعلم قد أباح الشرك الأكبر (بتجويزه عبادة النبي صلى الله عليه وسلم بتجويزه الاستغاثة به)، ولم يكفروا أعيان المعتزلة مع قولهم "بخلق القرآن" ونفي العلو والرؤية وغير ذلك بينما السلف كفروا من لم يكفر من قال "بخلق القرآن" وكفروا من لم يكفر الجهمية عموما كما نقل الإجماع على ذلك الملطي في "التنبيه والرد" وغيره.
 
- وتتابع الناس على ذلك المنهج العاذري الجهمي في الحكم على الأعيان ونسبوا هذا التجهم بإعذار المعين المتعلق بباب الأسماء والأحكام لمنهج السلف وأهل السنة حتى لو كان عالماً بلغته تفاصيل الأدلة في كبار المسائل المتعلقة بأصل معرفة الله وأصل التوحيد والدين، نسأل الله السلامة والعافية.
 
تنبيه هام غفل عنه الناس بشأن هذا الجهمي العاذري: السلف بإجماعهم كما نقل حرب الكرماني وغيره ضللوا وبدعوا فيما هو دون الطعن الصريح في آحاد الصحابة فمن غمز وعرض مجرد تعريض ومجرد غمز بواحد من الصحابة.
 
- قال رحمه الله: "فمن ذكر أحدًا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليه بعيب أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بسبهم وشتمهم فهو رافضي مخالف خبيث ضال".
 
* فكيف بالطعن الصريح؟!
 
- وهذا العاذري الجهمي اتهم بعض الصحابة (بالهوى في موضعين) فتارة يتهم بعضهم بالهوى الخفي وتارة أخرى يتهم بعضهم بأن في نفسه بقية هوى! -قاتله الله ما أجرأه على الصحابة رضي الله عنهم-؛
 
- قال: «..وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ نَوْعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَقْرُونًا بِالظَّنِّ، وَنَوْعٌ مِنَ الْهَوَى الْخَفِيِّ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا لَا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ..»(المنهاج| 4/543).
 
- وقال:«..فَإِنَّ الْإِمَامَةَ أَمْرٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ لِهَوًى لَا يُعْلَمُ كَتَخَلُّفِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَشْرَفَ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ بَقِيَّةُ هَوًى..»(المنهاج| 8/335).
 
- وفي [ج 8] ذكر أن هناك خلافاً في إسلام "أبي سفيان" -رضي الله عنه- ومع ترجيحه حسن إسلامه ولكن مجرد ذكره لهذا الخلاف طعن صريح في "أبي سفيان" -رضي الله عنه-؛ وليس كل ما خالف الحق من الضلال والبهتان يعتد به كخلاف ولا يجوز حكاية قول بأن في إسلام ذاك الصحابي خلافاً، بل يورد لبيان عدم اعتبار ذلك الخلاف وأن ذكر الخلاف في إسلامه من البهتان والطعون الرافضية الشيعية.
 
وهذه طعون صريحة كالشمس في الصحابة -رضي الله عنهم-، ولكن من أعمى التقديس والتجهم قلوبهم سيدافعون عنه أو يبررون ما قاله و لايلتفتون لتجهمه ولا لطعنه ببعض الصحابة، لأن حقيقة تعظيمه في قلوبهم أشد، نعوذ بالله من الجهمية وأذنابهم، وبصريح إجماع السلف فمسألة تكفير أعيان الجهمية العاذرية كهذا وأمثاله ليست مما يسوغ فيه الخلاف بل هي إسلام أو كفر وتجهم فاحذر وانج بنفسك ولا تهلك نفسك بالجدال عنه والاعتذار له؛ قال الله تعالى﴿هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾{النساء|109}.
 
- وكون الأشاعرة والصوفية والرافضة والإباضية يفترون على "ابن تيمية" الكذب ويضللونه لما نصره من الحق والسنة فليس هذا مسوغاً بأن نهلك أنفسنا وننقض توحيدنا بالاعتذار له ومخالفة إجماع السلف في الحكم عليه فحفاظنا وصيانتنا لديننا وتوحيدنا أهم وأعظم من هذا وأمثاله وإلا هلكنا، وتنبه جيداً.
 
وهذا الرجل فتنة عظيمة حالت بين أكثر الناس وبين منهج السلف في باب الأسماء والأحكام مع علمهم بما في كتبه من ضلالات وانحرافات ووالله لن تفقه وتتبع حقيقة منهج الصحابة والسلف في قرونهم المفضلة إلا بتحقيق البراءة من هذا الجهمي العاذري ومنهاجه والحكم عليه بما يستحق بصريح إجماع السلف، وأعلم جيداً أن إخراج تعظيمه وتقديسه من القلب شاق عسير ولكن استعن بالله فالمسألة مسألة جنة ونار وما عذرك عند الله وقد بلغك صريح النصوص وإجماع السلف، ومن كفره فله حجة عند الله باتباع صريح النصوص وإجماع السلف وقد سلك مسلك النجاة لنفسه.
 
2/- بعض النصوص والآثار التي سبق ذكرها في أصل البحث والدرس نصت على عذر الجاهل الذي لم يبلغه النص في مسائل معينة وحالات معينة، وبعضها تنص على عذر الجاهل كالعامة والأميين ونحوهم في مسائل مخصوصة معينة لايفهمونها كمسألة اللفظ ونحوها، وفي ذات هذه الآثار التصريح بعدم عذر العالم الذي بلغته النصوص الشرعية.
 
* فكيف تعامل الجهمية العاذرية مع ماسبق؟
 
- كعادتهم في نصر منهاجهم الجهمي العاذري حرفوا ولبسوا وموهوا فجعلوا هذه النصوص الخاصة بحالات وأوصاف محددة فعمموها وعذروا بها حتى العالم الذي بلغته صريح النصوص مع أنها للجهال خاصة وجعلوا هذه النصوص والآثار المتعلقة بالعذر في مسائل معينة عاما لكل مسألة مهما كانت شناعة وغلظ الكفر المتلبس به. 
 
3/- سووا ولم يفرقوا بين المسائل عملا وتطبيقا (من جهة الإعذار) وإن كانوا يفرقون بينها نظريا وتأصيلا.
 
4/- سووا ولم يفرقوا (من جهة الإعذار والتطبيق العملي) بين الجاهل الأمي و العالم الذكي المتبحر الذي بلغته المئات من الأدلة الصريحة في ذات المسألة التي تلبس بالكفر فيها، وإن كانوا يفرقون بين العالم والجاهل تقعيدا وتأصيلا.
 
5/- يقرون نظريا بأن هناك مسائل و أدلة محكمة صريحة بينة لاتحتمل اللبس في دلالتها وهناك مسائل لها أدلة محتملة ظنية الدلالة ويقرون بتنوع المسائل ولكنهم تطبيقا وعملا يسوون بينها فيعذرون أعيان المخالفين مهما كانت ضلالتهم بشرط أن لايكون في خصومة معهم وهذا الغالب وإن كان بعضهم يعذر حتى مخالفية.
 
6/- يقررون نظريا الفرق بين حكم المخالف الذي بلغته صريح الأدلة في كبار المسائل وبين من لم تبلغه الأدلة، ولكن الواقع العملي التطبيقي المساواة في الإعذار للمعين ممن ينسب للعلم أو الدعوة مهما كانت ضلالته.
 
ولذلك وجب بيان حكم الجهل ومايترتب عليه.
 
7/- وهناك ضوابط شرعية لتضليل المعين دلت عليها النصوص والآثار ولكن الجهمية العاذرية لم يتقيدوا بها حين قعدوا قواعد بدعية مستوحاة من تحريفهم لتلك النصوص وسموها ضوابط (شروط وموانع) مع مخالفتها لصريح النصوص وآثار السلف القولية والعملية ليعذروا بها المعين:
 
1/- فمن ضوابطهم أن المتأول معذور بتأويله وصاحب الشبهة معذور بشبهته والجاهل بجهله وعذروا العالم لأجل "علمه وكتبه" مع أن العلم حجة عليه لا له، وعذروا المقلد بتقليده.
 - والذي لا يكفر أعيان المشركين من عباد القبور إلا بعد البيان وإزالة الشبهة فقد جعل علة التكفير هي مجرد العناد والتكذيب والرد للنصوص ولم يجعل الشرك بالله ونقض التوحيد به علة التكفير فلو كان الشرك بالله وعبادة غيره علة التكفير عنده لكفره قبل البيان وإزالة الشبهة، وصريح النصوص قد جعلت الشرك بالله (علة التكفير) لأعيان المشركين حتى قبل نزول القرآن والبينة وهذا أحد أوجه كفر العاذرية الجهمية المنتسبين للسنة والسلفية وغيرهم.
 
2/- وكذبوا في دين الله حين زعموا بأن الأصل في التكفير تنزيله على النوع والعموم وليس العين "المعين" حتى في كبار الكفريات ولو كان المتلبس بها عالما قد بلغته تفاصيل النصوص الصريحة والآثار الصريحة واشترطوا البيان وإزالة الشبهة حتى للعالم الذي بلغته صريح الأدلة في كبار الكفريات!
 
وهناك بحث مستقل جمعت فيه الكثير من النصوص والآثار الدالة على تنزيل الحكم ابتداء على المعين المتلبس بكبار الضلالات ولاسيما إن كان من المنتسبين للعلم؛ ومن ذلك مافعله ابن عمر كما في "مسلم" حين أنزل الحكم وما يترتب عليه -وهذا فرع ونتيجة عن التضليل- على أعيان تلك الثلة من القدرية حين بلغه قولهم:
 
* لم يشترط البيان وإزالة الشبهة.
* وأيضا لم يمنعه ما وصفوا به من العلم والفضل من تنزيل الحكم على أعيانهم.
*ولم يشترط أن يجمعوا معها بدعا أخرى كما يشترط الجهميةالعاذرية؛ شرطهم البدعي: غلبة وكثرة التلبس بالبدع والضلالات أو التمحض في البدعة حتي يحكم على المعين المتلبس بضلالة كبرى!
 
• عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: « ..فَقُلْنَا : لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ،..فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ . قَالَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي،..» 
 
- وحكم الصحابة على أعيان أتباع مسيلمة الكذاب دون اشتراط البيان، ومن له أدنى صلة بكتب السنة وآثار السلف رأى أن الأصل تنزيلهم للتضليل على المعين مباشرة (دون اشتراط البيان وإزالة الشبهة وخاصة في كبار الضلالات ولاسيما إن كان المتلبس بهذا من المنسوبين للعلم)، ولذلك فحكم الصحابة على جميع أعيان فرقة الخوارج بأنهم ضالين حتى قبل مناصحتهم ومناظرتهم، وما حصل من مناظرة مع الخوارج فهي لردهم للحق ولقتالهم بعد ذلك إن لم يرجعوا وليس لاشتراط الحكم عليهم بالضلال.
 
وهذا مثل الاستتابة للمرتدين ونحوهم من الضالين قبل تنزيل حكم القتل عليهم، فهي لتنزيل حكم القتل وليس لوصفهم بالضلال فتنبه جيدا.
 
- والحديث هنا عن كبار الضلالات البينة الجلية وخاصة إن تلبس بها المنسوب للعلم الذي بلغته صريح الأدلة؛ (ولايعني هذا أن الجهال لايوصفون بالكفر والبدعة في كل مسألة وفي كل حال)، ولذلك ترى البخاري بشأن ذلك أبان في تبويبه أن المناظرة والبيان لأجل التمهيد لقتال الخوارج وليس لوصفهم بالخوارج (والخوارج وصف تضليل لهم) وفي تبويبه قال: بَابُ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
فترى وصفهم بالخوارج قد سبق إقامة مناصحتهم وتقريرهم بالحجة وإقامتها عليهم قبل قتلهم وقتالهم.
 
فوصف الخوارج والملحدين وصف تضليل لأعيانهم ومناظرة من هذه صفته تمهيدا لقتلهم وقتالهم.
 
- والاستفصال من المعين في مسائل التكفير قبل الحكم عليه خاص بالمسائل المحتملة للكفر الأكبر وغيره ولذلك استفصل النبي صلى الله عليه وسلم من "حاطب" لأن نوع ذلك الجس محتمل، وكذلك الشافعي في اشتراطه الاستفصال والسؤال لمن فعل السحر، لأن السحر أنواع متعددة فيه الشرك الأكبر وفيه ما يتعلق بمجرد خواص المواد المؤثرة في العقول والنفوس والأجساد من أدوية وأبخرة ومواد طبيعية تؤثر بإذن الله في العقل والنفس والجسد؛ ولذلك قال الشافعي: "وحكم عليه بمجرد معرفة نوع السحر إن كان من الشرك ومما يوجب القتل"، وليس مقام الاستفصال هنا في كفر بين محقق.
 
فتنبه للفرق بين المسائل وهذا مما يلبس به الجهمية العاذرية قاتلهم الله مع أن الأصل في النصوص والآثار تنزيله على المعين المكلف المختار ولا سيما العالم الذي بلغته تفاصيل النصوص وخاصة في كبار المسائل الظاهرة الجلية.
 
3/- وحرفوا وبدلوا الدين في قلوب أتباعهم ولاسيما في منهاجهم العملي التطبيقي في الحكم على الأعيان وإن خالفوا ذلك تنظيرا وتقعيدا حين زعموا بأن مجرد الانتساب للإسلام مانع من التكفير للمعين حتى مع تلبسه بكبار الكفريات المتعلقة بأصل التوحيد وأصل معرفة الله حتى لو كان عالما قامت عليه حجة العهد والميثاق وحجة (القرآن و الخبر)، وهذا (تكذيب ورد) لنص القرآن والنصوص والآثار؛
 
قال الله تعالى﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾{الزمر|65}.
 
- فالآية صريحة بأن رؤوس أهل التوحيد والإسلام والإيمان وهم الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام لو وقع منهم الشرك الأكبر (وحاشاهم) لما كان انتسابهم للتوحيد والإسلام مانعا من الوصف بالضلال والخسران والكفر الموجب لحبوط العمل إن تلبسوا بالشرك الأكبر (وحاشاهم من ذلك) وتأمل فقد علق الحكم عليهم إن فعلوا ذلك بمجرد عمل وفعل الشرك الأكبر سواء انتسبوا وتحولوا لملة أخرى أو لم يتحولوا.
 
فالآية صريحة في تعليق الفعل بمجرد التلبس بفعل الشرك، وكذلك في السنة حكم على طائفة من أهل جيش تبوك بمقالتهم مع نسبة أنفسهم للإسلام قبل الكلمة وبعدها، وكذلك طائفة من أتباع مسيلمة الكذاب وكذلك من كفرهم السلف بأعيانهم من الجهمية وبعض القدرية والرافضة وهم ينتسبون للإسلام..فمانع الانتساب للإسلام من موانع الجهمية العاذرية.
 
4/- اشتراطهم (عملاً وتطبيقاً) الشأن والقصد القلبي في التكفير وإن خالفوا ذلك نظرياً وتقعيداً؛ والجهمية العاذرية يقررون نظريا وتقعيدا أن من أقوال الجهمية في التكفير لمن تمكن من الحجة وخاصة في كبار الكفريات تعليقهم تكفير المعين بالشأن القلبي و اشتراط القصد وتعمد الكفر في تكفير المعين ومع ذلك فهؤلاء الجهمية العاذرية يتفقون مع هذا الشرط الجهمي في تطبيقهم العملي في الحكم على المعين من خلال ما يعملونه من موانع التأويل والشبهة والتقليد وعدم تعمد مخالفة النصوص وظنهم بأنهم على الحق وإرادتهم للحق فلم يصيبوه!
وحقيقة هذه الموانع هو اعتبار القصد والشأن القلبي وهو عين قول وشرط الجهمية الذي زعموا إنكاره نظريا.
 
وتنبه فأهل السنة يقرون باشتراط قصد الفعل كمن قال كلمة لايقصد قولها كسبق لسان كقصة من قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ:«اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»، وكمن وطئ المصحف ولايعلم أنه مصحفا، فهذا لم يقصد الفعل فلا يكفر.
 
- ولكنهم لا يقرون بشرط قصد الكفر لمن قصد فعله وقوله وإن لم يقصد الكفر ولكنه تلبس بالكفر في كبار الكفريات بتأويل وشبهة وتقليد أو غير ذلك فهذا لا عذر له ولاسيما بعد بلوغ النص في كبار الكفريات، وأما ما يتعلق بحجة الميثاق والعهد الأول فهو كافر وإن لم يبلغه النص كمن تلبس بالشرك الأكبر، وكثير من الجهمية وغلاة الرافضة وأهل الكتاب يظن أنه على الهدى، وهذا ليس مانعا من تكفيره وخلوده في النار إن مات على كفره.
 
5/- من شروط بعض الجهمية العاذرية لتكفير وتضليل المعين حتى في كبار الكفريات حتى لو كان عالما بلغته تفاصيل الأدلة التي ابتدعوها ليعتذروا بها للمقدسين في قلوبهم من أئمتهم الجهمية العاذرية، وذلك حين اشترطوا لتكفير المعين أن يخالف أصل المسألة الكبرى تنظيرا وتقعيدا فقط (وليس عملا وتطبيقا) فحصروا التضليل بمجرد مخالفة هذا العالم للتأصيل النظري دون مخالفة ذلك عملا وتطبيقا حتى لوكان ذلك من الكفريات الصريحة، فالعالم المقدس لديهم إن وافق الأصل (تنظيرا وتقعيدا) وخالفه عملا وتطبيقا فلا يجوز عندهم تضليله حتى لو كان ذلك صريح التكذيب والرد لنصوص القرآن والسنة والإجماع كعذر أئمتهم لأعيان العلماء المشركين القبورية وأعيان زنادقة علماء وقضاة الحلولية.
 
- وبما أن هذا العالم خالف الأصل عملا وتطبيقا بالتأويل والشبهة فلا يضلل ولا يكفر، وهذا قد قاله بعض العاذرية الجهمية ممن نرجو هدايتهم "كعادل الغامدي" و"الحازمي" وإن كان الحازمي أقل تجهما من الغامدي -نسأل الله لنا ولهم الهداية-، وهذان وغيرهما اعتذرا ولم يكفرا العالم الذي حكم بإسلام أعيان المشركين والجهمية الحلولية حتى لو كان هذا المشرك والحلولي من العلماء الذين قامت عليهم حجة العهد والميثاق وتمكنوا من حجة القرآن والعلم!
 
- فإذا قيل ألا تقرون بكفر من حكم بإسلام أعيان المشركين من عباد القبور وحكم بإسلام علماء الحلولية وأنه مكذب راد لصريح النصوص ومخالف لصريح الإجماع قالوا بلى ولكن من جهة التأصيل والتنظير فقط وأما إن تلبس هذا العالم بهذه الضلالة عملا وتطبيقا لتأويل وشبهة فمعذور لمجرد أنه سلم بأصل المسألة وإن خالف ذلك ونقضه عملا وتطبيقا.
 
وهذا من انتكاس العقول والفطر لأن الإقرار والتسليم بالأصل حجة على هذا العالم الجهمي العاذري الذي باعوا توحيدهم لأجله.
 
- ولذلك حين طعن صنمهم في الصحابة واتهم بعضهم بالهوى في موضعين في كتاب المنهاج (كما أوضحنا سابقا) عذروه لأنه موافق نظريا على أصل وقاعدة (تضليل كل من طعن في أحاد الصحابة) مع أن إقراره بهذا الأصل الشرعي زيادة في الحجة عليه وهذا عليه لا له.
 
والقاعدة الشرعية أن العلم حجة على العالم الذي ضل في بعض المسائل الكبرى وعلمه حينئذ عليه لا له وهو غرم عليه وليس غنما له.
 
- ومن عجائب الجهمية العاذرية جعلهم الضدين -العلم والجهل- من الموانع والأعذار! وإمامهم العاذري الجهمي حين حكم بإسلام أعيان المشركين والحلولية ومنهم من ينتسب للعلم كالبكري وعلماء وقضاة الحلولية قالوا معذور أتم العذر فحتى التبديع لا يبدع.
 
مع أن هذا عين الكفر والتكذيب والرد للنصوص التي جاءت بكفر المشرك الجاهل فكيف العالم.
 
- وعلة إعذارهم لإمامهم، لأنه يقر نظريا بكفر المشرك المتلبس بالشرك الأكبر! وإقراره نظريا بكفر الزنادقة القائلين بحلول الله في خلقه -تعالى الله عن ذلك- وعلمه وإقراره بالأصل نظريا مزيد حجة عليه، ولكنه انتكاس الفطر والعقول.

وهذا الشرط والضابط البدعي الجهمي مجرد رأي محض ليس عليه أثارة من علم ولا دليل عليه من نص أو أثر، وأهل السنة يدورون مع النصوص والآثار حيث دارت؛ وإعمال هذا الشرط والضابط البدعي على عامة المسائل يبين غاية فساده، وحقيقة شرطهم وضابطهم كما يلي:
 
- العالم الذي أقر تنظيرا وتقعيدا (بأصل تكفير منكر الملائكة) لا يجوز تكفيره حتى لو حكم (عملا وتطبيقا) بإسلام وعدم تكفير عين العالم الذي (أنكر وجود جبريل وميكال) وهو في حالة تكليف واختيار غير ساه ولاغافل.
 
- ومن عرف الإسلام والتوحيد والسنة لايخفى عليه أن تكفير أعيان العلماء القبورية والعلماءالحلولية آكد وأظهر من تكفير منكر بعض الملائكة فالملائكة أصل خبري سمعي وأما وحدانية الله وبينونته من خلقه وارتفاعه عليهم أصل فطري وخبري سمعي.
 
- ولذلك فهذا الشرط والضابط الجهمي دفع هؤلاء الجهمية العاذرية (من أدعياء السلفية ممن أعمى الله قلوبهم) لقول أن من حكم تنظيرا وتقعيدا بإسلام (أعيان المشركين من عباد القبور وأعيان الجهمية ممن لم يثبت علو الارتفاع والفوقية) فهو كافر، ولكن إن حكم بإسلام أعيانهم حتى لوكانوا من العلماء الذين بلغتهم تفاصيل النصوص ولم يكفرهم للتأويل والشبهة والتقليد فهذا لا يكفر!
 
وهذا عين التجهم؛ وإجماع السلف بالتكفير واقع عليهم، والسلف إجماعا كفروا (من عذر ولم يكفر) الجهمية ولاسيما العاذرين من العلماء دون اعتبار هذه الشروط الجهمية العاذرية.
 
* وهل كان تكفير السلف لعامة الجهمية إلا لتأويلهم وشبهتهم وتقليدهم؟!
 
- فالتأويل والشبهة والتقليد لم يعذر بها السلف فيما دون ذلك ولاسيما بعد بلوغ النصوص وخاصة (للمنسوبين للعلم وأهل الكلام ممن يعرف مرامي ومآلات الكلام) وهذه موانع ومعاذير الجهمية العاذرية، وتقديمهم للرأي على النصوص وصريح الإجماع والآثار هو سبب ضلالهم؛ فعذر المعين ولاسيما العالم في كبار المسائل بالتأويل والشبهة والتقليد تجهم صريح ولاعبرة بتلك السفسطات والتبريرات الكلامية، ولسنا في حاجة للرأي والهوى مع وجود النص والأثر والهدى.
 
6/- من شروط الجهمية العاذرية عمليا وتطبيقا أن لايحكم على المعين إلا باعتبار الفرقة التي ينتسب لها!
ولذلك أنكروا الحكم بوصف "الرفض" لبعض الجارودية لكونهم ينتسبون للزيدية مع أنهم جهمية رافضة باعتبار عقائدهم ولاعبرة بنسبتهم.
 
فالأصل في مدار تضليل وتكفير السلف لأهل المقالات وأعيانهم هو باعتبار تلبسهم بهذه الضلالات ونحو ذلك من مخادنتهم ومصاحبتهم وملازمتهم لأهل الضلال وغير ذلك وليس مدار الحكم على مجرد النسبة فتنبه جيدا لذلك.
 
- فهناك من ينتسب للسنة والسلفية وهو متلبس بضلالات الجهمية أو الخوارج فلا عبرة بانتسابه والحكم عليه مبني على ما تلبس به من الضلال.
 
ولذلك تجد السلف في آثارهم حين يتلبس بعض علماء السنة بضلالة كبرى لايتردد من بلغه عنه ذلك (جزما ويقينا) في تضليله ولايعتدون بما كان عليه من السنة "كأبي ثور" حين زل ثم تراجع -رحمهم الله-، وكذلك لايصح مساواة مرجئة الأحناف المعاصرين بأسلافهم من كل وجه وكذلك لايصح معارضة تكفيرنا للخوارج الإباضية المعاصرين لكونهم جهمية باعتبار انتسابهم لخوارج النهروان الذي يرجح تبديعهم وليس تكفيرهم، فالعبرة أولا بما تلبسوا به وليس مجرد نسبتهم وإن كان المنتسب لفرقة ضالة يلحق بحكمها وما تدين به من عقائد في ذلك الزمن لأن الفرق تتجدد وتتطور في ضلالاتها وإن تلبس هذا المنتسب لهذه الفرقة بضلالات أخرى (زيادة على عقائد فرقته التي ينتسب لها) حكم عليه بهذه الضلالات أيضا ولايتوقف الحكم على مجرد النسبة كحال "الإباضي" فهو جهمي بأقواله وهو أيضا خارجي باعتبار أصل انتسابه وكذلك علماء الزيدية يعدون من الجهمية و لايصح قياسهم على بعض أوائل الزيدية ممن لم يثبت عنهم التجهم.
 
والمنتسب للسنة والسلفية إن تلبس بالخارجية أو التجهم لايتوقف الحكم عليه لمجرد نسبته التي لم يصدق فيها ولايصح اعتراض جهال الجهمية العاذرية على تكفيرنا للأشاعرة لمطالبتهم بتكفير السلف في القرون الثلاثة لهم! لكون فرقة الأشاعرة متأخرة عن القرون والأجيال الأربعة الأولى، والعبرة في الحكم بما تلبسوا به من عقائد الجهمية الكفرية كعدم إثبات علو الارتفاع والفوقية وكونهم عاذرية جهمية في باب الأسماء والأحكام.
 
وسلفنا في الحكم على هؤلاء هم السلف بآثارهم القولية والعملية حين كفروا من قال بأقوالهم الجهمية.
 
7/- اشترط الجهمية العاذرية من أدعياء السنة والسلفية واحتجوا بما احتج عليهم به إخوانهم وخصومهم الأشاعرة الجهمية والصوفية حين اشترطوا (في تكفير المعين ممن تلبس يقينا -حسب الظاهر- بالكفريات الكبرى) أقول اشترطوا في تكفيره أن تعلم وتذكر أسماء من ضلله وكفره في زمنه وعصره من أهل السنة! فإن لم ينقل لنا ذلك فلايصح تضليلك له حتى لوتلبس بكبار الكفريات مع أنه عالم قد تمت عليه الحجة من كل وجه! وهذه الآراء البليدة و الشروط المبتدعة العارية عن النص والأثر هي وسيلتهم للفرار من سطوة وصراحة النصوص والآثار بوجوب تضليل من هذا حاله.
 
فمن ثبت يقينا تلبسه بالكفر والضلال ولاسيما إن كان من المنسوبين للعلم وقد بلغته النصوص وجب تضليله ولايصح اعتراض الجهمي بقوله من سبقك لتكفيره من أهل زمانه و عصره.
 
وسلفنا في تكفيره وأمثاله هو تكفير وتضليل السلف لمن تلبس بمثل ما تلبس به، وأما حصر الاحتجاج بثلة قليلة محدودة من المشهورين فقط من أهل زمانه و عصره فلا حجة فيه لعدة أمور:
 
أ/- الحجة محصورة مقصورة في الكتاب والسنة (بفهم وتفسير سلف الأمة وآثارهم القولية والعملية التطبيقية) في أجيالهم الثلاثة ويلتحق بهم أئمة الجيل الرابع المجمع عليهم كالشافعي و أحمد وابن راهوية وغيرهم، ولاعبرة بمن خالفهم ولاسيما في مسائل التوحيد الكبرى.
 
ب/- لايشترط لمعرفة الحق واتباعه ولاسيما كبار المسائل في التوحيد معرفة كل أعيان من وافق السلف نظريا أو عمليا في زمانك أو في القرون المتتالية بعد السلف في كل مسائل الاعتقاد والتوحيد؛ وهذا الشرط الجهمي يستحيل واقعا وعقلا ولايصح شرعا.
 
ج/- لايمكن لأحد أن يحيط بمعرفة جميع أعيان المنسوبين للعلم في كل البلاد والأقطار في هذا الزمان الذي سهل فيه التواصل والاشتهار بسبب وسائل الإعلام المتنوعة وسهولة السفر والتواصل ومن أبرز أسباب ذلك أن المغمورين غير المشهورين من المنسوبين للعلم ممن لهم قلة من التلاميذ أو المعتكفين على العلم بعيدا عن الناس أعدادهم أضعاف أضعاف المشهورين.
 
- فمثلا لو عددنا من ينسب للعلم والعلماء في جميع التخصصات الشرعية في -الهند ومالي وموريتانيا ومصر فقط- لبلغت عدتهم الآلاف والمشهورون منهم بالعشرات فقط، وحفاظ الكتب الستة في بلاد الحرمين وحدها بلغوا المئات وغيرهم لايكادون يحصون عددا (مع التسليم بأن وصف العالم أشمل من مجرد الحفظ).
 
والمقصود أن من عجز عن معرفة أعيان من في عصره وزمانه مع هذه الإمكانيات فهو أشد عجزا عن معرفة جميع مواقفهم و أقوالهم ومناهجهم في كل مسائل العقيدة، وإذا عجز عن معرفة ذلك في المنسوبين للعلم وأقوالهم ومواقفهم في هذا الزمان؛
 
* فكيف بما سلف من القرون المتتالية؟!
 
- فاشتراط معرفة من وافقك في بعض القرون من تلبيسات شياطين الجهمية العاذرية، ولاشك أن أهل السنة والطائفة الناجية لا يخلو منهم زمان ولكنهم غرباء وبعضهم لا يعرف (ذاك العالم الضال الجهمي المنسوب للسنة) وليس في بلده أو لم يعلم بتلك الضلالات عنه.
 
والحاصل أن هذا شرط لا دليل عليه ومخالف للنصوص والآثار، ودعواهم بأن ذلك شرط الأخذ عن أهل العلم غير صحيح.
 
- فالأخذ عن أهل العلم قد حققناه باتباعنا للسلف في أجيالهم الأربعة الأولى وهم أئمة الدين حقا، ولو أن أقوال السلف لم تبلغنا فحجة القرآن والسنة ظاهرة جلية بينة في هذه المسائل الكبرى في التوحيد ومنها مسائل قد فطر الله خلقه عليها، فليست منوطة بمعرفة من قال بها ولاسيما المتأخرين عن السلف.
 
د/- هذه حجة عليهم لا لهم لكونها من حجج الجهمية من الأشاعرة والصوفية عليهم حين طالبوهم (بتسمية عشرة علماء فقط وافقوهم في كل مسائل العقيدة التي خالفوهم فيها) على مدار مائتي عام [من القرن التاسع والعاشر تحديدا] ولاسيما وغالب المشهورين بالعلم والفتيا في تلك القرون من الجهمية الأشاعرة والماتردية والصوفية الخرافيين، فعجزوا عن تسمية عشرة من أعيان الموافقين لهم في جميع مسائل التوحيد -خلال مائتي عام-.
 
* فهل هذا مبطل لبعض ما تعتقدونه من الحق الذي تابعتم فيه النصوص والقرون المفضلة الأولى؟!
 
وليس هذا بمبطل للحق ولكنها شبهة خصومهم وإخوانهم من الجهمية علقت بقلوبهم وغصوا بها فاحتجوا بها علينا فياخيبة المسعى.
 
- وفي القرن التاسع والعاشر قطعا قلة من الغرباء من أهل السنة من الطائفة المنصورة وقد عاصر بعضهم بعض المشركين والجهمية من المنسوبين للعلم من المشهورين من المجيزين لعبادة قبور الأنبياء وغيرهم والطواف والاستغاثة بأهلها وغيرها من ضلالات الجهمية الأشعرية والصوفية، ولايشترط أن يبلغنا حكم أعيان أهل السنة الطائفة المنصورة على أعيان هؤلاء العلماء الجهمية الأشعرية والقبورية، فلايصح شرعا وعقلا وواقعا تقييد معرفة الحق بمعرفة من وافقنا عليه من القرون المتتالية.
 
وهذا ضرب من الجهل و الهذيان والشروط الجهمية العاذرية المتهافتة، فلاتصح مطالبتنا بتسمية من وافقنا من أهل ذلك الزمان من أهل السنة.
 
- ولو أن رجلا في ديار الرافضة لا يعلم شيئا عن علماء السنة، فتدبر القرآن وما وجده من كتب الحديث، فقرأ فيها التوحيد ونبذ الشرك وتكفير المشركين وتكفير من كذب الله ورسوله ورد الخبر ولاسيما في هذه المسائل والأصول الكبرى وقرأ فضل أمهات المؤمنين والصحابة فتولاهم وكفر أعيان من عبد القبور وطعن في الصحابة وأمهات المؤمنين.
 
* فهل يقال له لايحق لك ذلك حتى تعلم أعيانا من علماء السنة في زمنك كفروا أعيان هؤلاء؟!
 
وهذه حقيقة هذا الاشتراط الجهمي العاذري، قاتل الله الجهمية العاذرية ما أرق الدين في قلوبهم.
 
مع التنبيه أن إفراد الله بالعبادة و ضلال من عبد غيره مودع بحجة العهد والميثاق الأول في الفطرة والعقل من قبل سماع القرآن والحديث.
 
هـ/- تنبه جيدا لهذه القاعدة عدم النقل لايقتضي عدم الوقوع في كل حال ودعوى أن جميع أهل السنة في زمن ذلك الضال أجمعوا على أن هذا الضال المشهور من أهل السنة كذب محض.
 
* فكيف يجزم بذلك وهو يقر بعدم معرفته بكل علماء الأمة في ذلك الزمان؟!
 
- وأما من زكاه وأثنى عليه من المشهورين من المنسوبين للسنة ممن هم على شاكلته أو لم يعلموا بضلالته فلا حجة في قولهم أصلا.
 
وهذا المحتج لايستطيع إحصاء كل منسوب للعلم في ذلك الزمان وأيضا لايستطيع إثبات أن عالما بالسنة حقيقة بلغته ضلالات هذا الضال ثم ذب عنه ولم يضلله ولو فعل لكان ضالا على شاكلته.
 
- وهناك رؤوس للخوارج والجهمية، والرافضة وأعداء السنة عموما على امتداد قرون الأمة ولم ينقل لنا في الكتب تضليل علماء السنة لكل أعيان هؤلاء.
 
* فهل يجب أن نكف عن تضليل مثل هؤلاء حتى يبلغنا عن عالم سني معاصرا لهم في زمانهم قد طعن في أعيان هؤلاء؟!
 
لايوجب ذلك إلا شيطان جهمي جاهل.
 
و/- إذا علمت مسألة ولاسيما كبار المسائل في التوحيد وتضليل من خالفها عند السلف، فمن الضلال والزيغ أن لا نعمل بهذه المسألة حتى نعلم أعيان العلماء الذين قالوا بذلك في بعض القرون المتأخرة ونجعل متابعة السلف الواجبة علينا مشروطة بما يبلغنا من متابعة وموافقة أعيان المشهورين من المنسوبين للعلم في بعض القرون!
 
- ولذلك لو ضللنا منسوبا للعلم ينتسب للسنة في القرن السابع أوالثامن أو التاسع قد ثبت يقينا موافقته للخوارج أو الجهمية أو الشيعة (في بعض ضلالاتهم الكبرى) فلا يشترط أن نعلق تضليلنا له بمعرفة عالم في عصره قد ضلله، وعدم معرفتنا بذلك وعدم بلوغ خبر عن عالم ضلله لا يغير من حكم المسألة شيئا.
 
ز/- عدم وجود دليل أو أثر يشترط هذا الاشتراط الجهمي؛ بل النصوص والآثار صريحة كالشمس بوجوب متابعة ما بلغك من النصوص وآثار السلف القولية والعملية التي تنقل لنا فهمهم للشريعة ولاسيما في أصول الدين الظاهرة البينة وعدم الاعتبار بمن خالفها كائنا من كان، ومن أصول السنة التي كفر السلف تاركها هي تكفير (عاذر ومن لم يكفر) أعيان من تلبس بالتجهم (والشرك فوق ذلك) ولاسيما إن كان هذا العاذر من المنسوبين للعلم.
 
وهذا كاف لنا بتكفير ذلك العالم الذي حكم بإسلام أعيان المشركين والحلولية و من لم يثبت العلو، وأصل تكفير العاذر قبل الإجماع هو تكذيبه ورده لصريح الفطرة و النصوص التي نصت على تكفير المشركين، وكذلك تكفير المكذبين ومن التكذيب والرد مخالفة ألف دليل على علو الله وفوقيته وارتفاعه على خلقه، فوصف هذا المكذب الجهمي بالإسلام كفر وتجهم.
 
ونتاج هذه الضوابط عذروا المعين وحكموا بإسلامه حتى لوتلبس بأكبر الكفريات في أصل الدين وأصل معرفة الله حتى لوكان عالما وبلغته صريح النصوص ولذلك عذروا أعيان من لم يثبت أن الله عال مرتفع فوق خلقه، وحديث الجارية في مسلم صريح بأن من شرط الحكم بإسلام المعين ومن شرط صحة إيمانه بالله:
 
- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ «..قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُعْتِقُهَا ؟ قَالَ : " ائْتِنِي بِهَا "، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ لَهَا : " أَيْنَ اللَّهُ ؟ " قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ. قَالَ : " مَنْ أَنَا ؟ " قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ : " أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ».
 
* معرفة العبد أين إلاهه الذي يعبده.
* وأنه في "السماء والعلو" مرتفع فوق خلقه.
 
وراجع كلام الإمام الدارمي في رده على الجهمي.
 
- وبتطبيق هذه الضوابط البدعية لا يمكن تكفير أحد انتسب للإسلام، ولايمكن بها أن نكفر الجهال الأميين من أتباع مسيلمة الكذاب، ولاتبديع من بدعهم الصحابة من الخوارج، بل لو صدقوا وأنصفوا لاعتذروا لخصومهم الذين ضللوهم ولحكموا على أنفسهم بالظلم والبغي والتلاعب بالدين حسب أهوائهم.
 
- وابن تيمية في التسعينية حين كان غاضبا في محاكمة خصومه من الجهمية الأشاعرة والصوفية وصفهم بالمرتدين ولكنه قد تراجع عن ذلك صراحة ورجع لحقيقة مذهبه بعدم تكفير المعين المنتسب وذلك حين حكم بإسلام ابن مخلوف وحشره مع المؤمنين حين توفي وهو من رؤوس من وصفهم في غضبه بالمرتدين! وابن مخلوف لم يتراجع عن مذهبه ولم يقل بتراجعه ابن تيمية ولا تلامذته ولم يقل ذلك أحد من أهل السير والتراجم، وتلميذ ابن تيمية العاذري لجهمي الذهبي شهد على شيخه بالتوبة والتراجع عن تكفير أي معين ينتسب للإسلام ويتوضأ ويصلي من أهل المقالات المخالفة!
 
• وهذا منهاج مخالف لصريح النصوص وفهم الصحابة والسلف في قرونهم المفضلة، فهذه الصفات التي ذكرها كمانع من تكفير المعين لم تمنع من تكفير من كفروا بمقولتهم بعد رجوعهم من تبوك مع وجودها فيهم؛ وهي موجودة أيضا في طائفة معينة من أتباع مسيلمة الكذاب ولاسيما في بداية فتنته وكانوا يصلون ويظنون أنهم على حق ولم يكن ذلك مانعا للصحابة من تكفيرهم.
 
• وهنا تنبيه هام نكرره لغفلة أكثر الناس عنه: تنبيه هام غفل عنه الناس بشأن هذا الجهمي العاذري؛ السلف بإجماعهم الذي نقله حرب الكرماني وغيره ضللوا وبدعوا من غمز وعرض مجرد تعريض بواحد من الصحابة.
 
- قال رحمه الله: "فمن ذكر أحدًا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليه بعيب أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بسبهم وشتمهم فهو رافضي مخالف خبيث ضال".
 
* فكيف بالطعن الصريح؟!
 
- وهذا العاذري الجهمي اتهم بعض الصحابة (بالهوى في موضعين) فتارة يتهم بعضهم بالهوى الخفي وتارة أخرى يتهم بعضهم بأن في نفسه بقية هوى! -قاتله الله ما أجرأه على الصحابة رضي الله عنهم-؛
 
- قال: «..وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ نَوْعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَقْرُونًا بِالظَّنِّ، وَنَوْعٌ مِنَ الْهَوَى الْخَفِيِّ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا لَا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ..»(المنهاج| 4/543).
 
 
- وقال:«..فَإِنَّ الْإِمَامَةَ أَمْرٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ لِهَوًى لَا يُعْلَمُ كَتَخَلُّفِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَشْرَفَ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ بَقِيَّةُ هَوًى..»(المنهاج| 8/335).
 
 
وهذه طعون صريحة كالشمس في الصحابة -رضي الله عنهم-، ولكن من أعمى التقديس والتجهم قلوبهم سيدافعون عنه أو يبررون ما قاله و لايلتفتون لتجهمه ولا لطعنه ببعض الصحابة، لأن حقيقة تعظيمه في قلوبهم أشد، نعوذ بالله من الجهمية وأذنابهم.
 
الجهل ليس عذرا في كل مسألة، وليس عذرا في كل حال للمكلف.
 
* متى يكون الجهل عذرا؟
* ومتى يكون الجهل بذاته (مانعا) من وصف الإسلام والتوحيد ومتى يكون (ناقضا) لوصف الإسلام والتوحيد؟
* ومتى يكون الجهل سببا في وصف الكفر؟
* ولماذا وصف الله المشركين بغاية الجهل ومع ذلك كفرهم ولم يعذرهم بجهلهم؟! 
* ولماذا كفر الصحابة الجهال الأميين الذين قامت لهم عدة شبهات ومن ذلك ماسمعوه من حديث موضوع مكذوب اختلقه الكذاب "الرجال بن عنفوة" وهذه طائفة من أتباع مسيلمة؟!
* ولماذا ضلل الصحابة جميع أهل البدع في زمانهم ولم يستثنوا الأتباع الرعاع الجهال من تلك الطوائف؟!
 
واختصار هذا الدرس السابق الذي فصلنا فيه الأدلة والنصوص والآثار كما يلي:
 
أحكام الجهل والحكم على الجهال مرتبط بنوع المسألة:
- أنواع المسائل عموما:
 
أ/- فهناك مسائل وأصول كبرى قد أقام الله فيها الحجة بأمرين بما أودعه الله في الفطر والعقول ثم أضاف حجة النصوص في الدلالة عليها.
 
وهنا تنبيه هام قد أوضحنا سابقا أن من الأخطاء العلمية القول بأن أصل الدين والتوحيد وأصل معرفة الله محصور فيما أودعه الله في الفطرة من أصول التوحيد، ويكفي في فساده أنه يقتضي إخراج شهادة أن محمدا رسول الله من أصل الدين والتوحيد، وأقبح من هذا القول قول بعضهم بحصر أصل الدين والتوحيد بإفراد الله بالعبادة، والحق الذي دلت عليه مجموع النصوص وماتضمنته هي أن أصول الدين وأصول التوحيد وأصول معرفة الله نوعان:
 
_ القسم والنوع الأول نوع قد أقام الله فيه الحجة على عباده بأمرين بما أودعه في الفطر والعقول، وأيضا بالنصوص والأخبار:
 
- كمعرفة الله بأنه الخالق المدبر.
- وأنه مرتفع فوق خلقه.
- وأنه المستحق للعبادة دون سواه وضلال من عبد غيره.
- وأنه إلاه قادر عالم له الكمال، يسمع ويبصر ويتكلم.
 
وما نقل عن الإمام الشافعي من جعل السمع والبصر من الصفات الخبرية السمعية؛ لايصح سندا بسبب العشاري والهكاري ولايصح متنا أيضا، وهناك بحث عن ذلك أشرنا إليه.
 
- وقد بقي في الفطر والعقول أثر العهد والميثاق حتى مع نسيان الناس لذلك ولكن الله أبقى الأثر في فطرهم وعقولهم حين يولدون على الحنيفية والفطرة كما ذكر في الروايات التي ذكرناها في صلب البحث.
 
وهذا الأثر باق من حين عرف الله نفسه لعباده وهم في عالم الذر حين كلمهم كما في آية الأعراف (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ ) فاستمعوا لكلامه ثم ردوا عليه (قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ ) لأنهم يعلمون بسماعه لردهم لأنه السميع البصير، فاستمع لردهم وأقام عليهم حجة العهد والميثاق وهذا منصوص عليه في الكتاب والسنة بصريح النصوص.
 
- ولذلك فالإمام الدارمي حين كلامه عن صفة الكلام لله في رده على الجهمي، قال (وكفر الجهمية معقول) وهذا ظاهر فمن يصف الله بأنه لايتكلم بحرف وصوت ولايتكلم بكلام مسموع بالآذان فهذا صريح في وصف الله بالعجز عن صفة الكمال تلك، ومن جهل أين ربه ولم يثبت فوقيته وارتفاعه على خلقه وغير ذلك، فهذا قد وصف ربه بمايشبه العدم ووصفه بالعجز.
 
ومن خالف ما تقدم فتلبس بالشرك في ربوبية الله وألوهيته أو أسمائه وصفاته كمن عبد غيرالله أو اعتقد أن هناك خالقا مدبرا مع الله للكون أو لم يعرف أين ربه ومن اعتقد أن الله أعمى لايبصر ولايسمع ويعجز عن الكلام وليس له علم وقدرة واعتقد أن معه خالقا لهذا الكون فمن اعتقد مثل ذلك وتلبس به فهو كافر ولايعد مسلما حتى قبل (نزول الوحي وبلوغ الخبر) كما نصت على ذلك صريح الآيات والأحاديث، كما في البينة والتوبة وغيرها من السور.
 
فائدة هامة: ليس كل ما أودعه الله في الفطر والعقول (يعاقب ويفسق عليه المكلف) فهناك مما أودعه الله في الفطر والعقول كالاستحداد وقص الأظافر واستقباح بعض القبائح كالزنا، ولكن مثل ذلك (لايعاقب ولايفسق به المكلف) إلا بعد بلوغ النص و التمكن منه.
 
_ والقسم والنوع الثاني من أصول الدين والتوحيد ومعرفة الله أصول سمعية خبرية لا تعرف إلا بالخبر والنص:
 
- كمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بالكتب، ولذلك فبقايا الحنفاء ممن عاصروا بداية البعثة النبوية وأدركهم الموت قبل أن يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من القرآن يصح إسلامهم وتوحيدهم.
 
وهذا التقسيم السابق هنا: هو تقسيم أنواع أصول الدين والتوحيد وأصول معرفة الله.
 
ب/- ومما يندرج في أنواع المسائل عموما، النوع الثاني منها وهي مسائل خبرية سمعية لاتعرف إلا بالنص والخبر وهذه ثلاثة أنواع:
 
1)- مسائل كبرى ضلل فيها وفي أمثالها السلف، وهذه لايسوغ فيها الخلاف ويترتب عليها التضليل للمكلف العاقل المختار الذي تمكن من النصوص.
 
2)- ومسائل في فروع المسائل يسوغ فيها الخلاف، ويدخل في ذلك المسائل العقدية التي اختلف فيها الصحابة والسلف مثل:
 
- رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله جل وعلا.
- واختلافهم في تكفير أوائل الخوارج أهل النهروان.
- وكخلاف ابن راهوية ووكيع في إحدى الروايات عنهما للجمهور والإجماع في حكمهما بتكفير المرجئة ممن لم يدخل عمل الجوارح في الإيمان ببعض عقائدهم وإن كان لهما رواية يوافقان فيها السلف بالتبديع دون التكفير.
 
ومن تلبيس وتمويه الجهمية العاذرية استدلالهم بما ورد فيه الخلاف من مسائل العقيدة والتكفير لتسويغ مالم يرد فيه خلاف أصلا، حتى ألحقوا مسائل الكفر التي يكفر من عذر ولم يكفر فيها بهذه المسائل الخلافية، وهذا ما أوحاه لهم الشيطان وبذلك فقد تحرف الدين والملة في قلوبهم وأتباعهم، والله المستعان.
 
تنبيه وفائدة حول بعض ما سبق:
 
- أحد قولي ابن راهوية ووكيع تكفير المرجئة الأوائل من مخرجي العمل ببعض عقائدهم وتكفيرهما قول شاذ مخالف للسلف ولهما قول يوافق السلف بالتبديع دون التكفير، فكفرهم وكيع كما روى ابن بطة في الإبانة بإخراج العمل ولكن المشهور والصحيح روايته الأخرى عند البخاري في الخلق بتبديعهم فقط، و إسحاق كفرهم بقولهم "أنا مؤمن حقا"؛ كما روى حرب في السنة، وله قول آخر يوافق فيه السلف بعدم التكفير للمرجئة.
 
وقد استقر نقل الإجماع بتبديعهم دون تكفيرهم كما نقل الرازيان وغيرهم؛ ولذلك وصفنا قولهما الآخر بالشذوذ ولا يجوز التضليل بالخلاف في ذلك.
 
ولابن بطة والآجري كلام شاذ يشعر ويحتمل ذلك ولكن كلامهما لوسلمنا بصراحته في التكفير لايؤخذ به لأمرين:
 
- الأول: لايصح معارضته لما سبق من إجماع استقر قبلهما.
 
- الثاني: من نقل عنه التكفير قد نقل عنه عدم التكفير.
 
وهنا مسألة لايجوز وصف من كفرهم احتجاجا بهذه الآثار بالغلو بل يجب البيان له بأن هذا مخالف لما استقر عليه الإجماع ومن نقل عنه التكفير نقل عنه ضده.
 
فائدة في حكم مخالفة الإجماع: مخالفة الإجماع مراتب وأنواع بحسب نوع المسألة وأدلتها وبحسب وهل اختلف فيها السلف اختلافا مشهورا
 
- وأما مرجئة الجهمية فكفار إجماعا ومنهم مرجئة وعاذرية عصرنا من أدعياء السنة وغيرهم لأن إرجاءهم بالحكم بإسلام أعيان المشركين، وأعيان من لم يثبت العلو تجهم صريح وتكذيب ورد للأدلة.
 
3)- مسائل فقهية متوسطة بين ما تقدم يوصف الخطأ فيها بالشذوذ كبعض المخالفات للإجماع في (بعض) مسائل الفقه العملية (وهي أظهر وأوضح من صغار فروع المسائل السابقة) وهذه ينكر على المخطئ ويوصف بالشذوذ في قوله ولايلزم تضليله في كل حال، والأصل الغالب عدم تضليله.
 
وما تقدم هو تقسيم أنواع المسائل عموما.
 
- وأما الجهل فباعتبار ما تقدم ينقسم لنوعين:
 
1|- جهل عدم التمكن من الأدلة وعدم بلوغها، وهذا الجهل له حالتان:
 
أ/- حالة جهل المسألة لعدم التمكن من الأدلة مع الاجتهاد في طلب الحق وعدم التفريط.
 
ب/- حالة جهل المسألة لعدم بلوغ الأدلة مع التفريط في طلب العلم و الحق.
 
وتنبه فالحديث هنا عن كبار المسائل.
 
أنواع النوع الأول من الجهل وهو عدم التمكن من الأدلة وعدم بلوغها
 
- فهذا النوع من الجهل يعد عذرا في مسائل دون مسائل وفي حالات دون حالات:
 
فيعد هذا الجهل عذرا في ثلاثة أنواع وحالات ولايعد عذرا في نوعين وحالتين.
 
- فهذا الجهل يعد عذرا للمكلف فلا يوصف بالضلال ولايفسق في ثلاث حالات فقط:
 
* الحالة الأولى: فهناك حالات مخصوصة يعذر فيها المكلف حتى في بعض كبار المسائل السمعية الخبرية فقط دون الفطرية بشرط عدم التفريط وعدم التمكن من العلم.
- فمثلا شرط استقبال الكعبة في الصلاة عذر به الصحابة الذين صلوا جهة بيت المقدس قبل بلوغ النص لهم بتغيير القبلة.
- ومثل من كان في بلاد نائية كالأدغال بعيدا عن بلاد العلم بالإسلام وشرائعه، فأسلم ولكنه جهل في بدايات إسلامه حرمة الخمر فشربه أو الزنا لعدم التمكن من بلوغ العلم فهذا يعذر فلايفسق ولايعاقب، كحديث الجارية التي تستهل بالزنا استهلال من لايعرف حرمته.
- وكحال من ذكروا في حديث حذيفة عند ابن ماجة ممن لم يعرفوا من الإسلام إلا الشهادة فلم يعرفوا الصلاة والشرائع وهذا في زمان رفع العلم فلم يدركوا من الإسلام إلا الشهادة (وليس في الحديث تلبسهم بالشرك الأكبر فتنبه).
 
* الحالة الثانية: وهذا النوع من الجهل (عدم التمكن وعدم بلوغ النص) يعد عذرا لمن كان (مثله) يجهل بعض المسائل أو كانت ذات المسألة مما قد تخفى على (مثله).
- كمثل الجهل بنوع من صفات الله الخبرية السمعية كالضحك والتعجب، وهذا يغلب على العوام وقد يعذر بعض المنسوبين للعلم ممن لم تبلغهم أدلة ذلك وهذا نادر أو شبه مستحيل مع انتشار الكتب في زماننا ولكن قد يوجد في مناطق نائية نادرة أو في بعض الأزمان، وهذا لايتناول عذر المؤولة من الجهمية الأشعرية وغيرهم فقد بلغتهم الأدلة.
 
* الحالة الثالثة: وهذا النوع من الجهل يعد عذرا فيما يسوغ فيه الخلاف من صغار المسائل وفروع الأحكام فيما يكون طلب العلم فيه فرض كفاية مع وجود من قام بالكفاية والواجب كتفاصيل علم المواريث وغير ذلك.
 
وهذا النوع الأول من الجهل عدم التمكن وعدم بلوغ الأدلة والنصوص الشرعية لايعد عذرا فيما يلي:
 
أ/- لايعد عذرا من الوصف بالتضليل والتكفير في بعض المسائل الكبرى فلايعد عذرا فيما أقام الله فيه الحجة بما أودعه الله في الفطر والعقول من بعض أصول مسائل التوحيد الكبرى التي أودعها الله في الفطر والعقول؛ كأصول معرفة الله وأنه الإله الخالق المدبر لهذا الكون وأنه مرتفع فوق خلقه وأنه المستحق للعبادة دون سواه وضلالة من عبد غيره.
- ولذلك فقد حكم الله بكفر من أشرك في العبادة حتى قبل بلوغ البينة وسماع الوحي كما في آية 1 من سورة البينة وآية 6 من التوبة وغيرها، وحديث مسلم «..وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمُ..»، وحديث البخاري في مخاطبة المشرك «..فَيَقُولُ : أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي»، وأحاديث وآثار أخذ العهد والميثاق وقد ذكرنا طرفا منها، وهي مجموعة في السنة لابن أبي عاصم وكتب التفاسير بالمأثور والسنن والمسانيد، وأيضا كل ماجاء من نصوص وآثار عن حجية العهد والميثاق.
 
ب/- وكذلك لايعد هذا الجهل عذرا في بعض الأحوال فالذي لم تبلغه الحجة (في كبار المسائل) نتيجة لإعراضه عن تعلم ما يفرض عليه عينيا لا كفائيا مما يجب عليه تعلمه من العلم فيعرض عن ذلك ويقبل على الدنيا "مع تمكنه" من الحجة فهذا لا يعذر لأنه لو اجتهد في البحث عن الحق في كبار المسائل لوجد ذلك، فمثل هذا لاعذر له.
 
- ومما يندرج في عدم العذر؛ لاعذر في المعلوم بالضرورة من دين الإسلام لمن كان مكلفا مختارا عاقلا وكان في حال لايجهل مثله هذا الأمر والأصل أنه قد بلغه هذا حكم هذه المسألة، فمثلا: من كان بين ظهراني مجتمع تعلم فيه شرائع الإسلام ونشأ ومكث فيهم وكان مكلفا مختارا عاقلا ثم وقع في الزنا أوالإساءة للوالدين ثم ادعى عدم علمه بذلك فهذا لايقبل عذره ويستحق العقوبة (ويعد عاصيا فاسقا مرتكبا لكبيرة) لأنها من المسائل الظاهرة البينة الجلية المعلومة بالضرورة ومن في مثل حاله لا يجهل ذلك.
 
- وهناك مسائل كبرى والمتلبس بها قد وقع في جرم وكبيرة عظمى؛ ولكنه يعذر فلا يفسق ولايعاقب لكونها تخفى على أكثر العامة وبعض طلاب العلم، مثل بعض صور الزواج من الأخت من الرضاع، وهي الزواج من بنت الأب من الرضاع من زوجة أخرى غير المرأة التي رضع منها هذا المتزوج التي هي أمه من الرضاع.
 
وما سبق كان متعلقا بالنوع الأول من أنواع الجهل عموما، وهو جهل عدم التمكن وعدم بلوغ الأدلة والنصوص الخبرية السمعية.
 
2|- النوع الثاني من أنواع الجهل عموما وهو عدم الفهم مع بلوغ النص.
 
- ينقسم حكم هذا الجهل وما يترتب عليه إلى قسمين:
 
أ/- هذا النوع من الجهل يعد عذرا في نوعين من المسائل:
 
* الأول: فيما يسوغ فيه الخلاف من صغار فروع المسائل.
 
* الثاني: إذا كانت المسألة أعلى من ذلك مما ينكر على المخالف فيه كالشذوذ الفقهي ولكن السلف لم يرتبوا عليها وعلى أمثالها تضليلا وتفسيقا.
 
ب/- وهذا النوع من الجهل وهو جهل عدم الفهم بعد بلوغ النص في كبار المسائل التي جاءت النصوص وآثار السلف بتضليل المخالف فيها وفي أمثالها وعدم عذره.
 
- فهذا النوع من المسائل التي أقام الله فيها الحجة (بنصوص بينة صريحة غير محتملة) فلاعذر لمن بلغته هذه الأدلة الصريحة البينة في هذه المسائل الكبار ثم خالف فيها فهم الصحابة والسلف فتأولها بغير حقيقتها أو خالفها لشبهة أو لتقليد، وهذا المخالف بعد بلوغ النص و الذي لم يفهم النص بفهم الصحابة والسلف في قرونهم المفضلة بسبب التأويل و الشبهة والتقليد لا عذر له فيكفر أويبدع بحسب نوع المسألة، وعدم فهمه غرم عليه وليس غنما في هذا النوع من المسائل الكبرى بعد بلوغ النصوص الصريحة البينة.
 
- ولذلك لم يعذر الصحابة الخوارج لجهلهم بعدم فهمهم للأدلة وتأولهم وشبهتهم وكذلك لم يعذروا القدرية وكذلك لم يعذروا جميع أتباع مسيلمة الكذاب مع أن فيهم طائفة من الجهال يظنون أنهم على حق مع غلبة جهلهم لكونهم من الأميين و لايمتلكون مصحفا واحدا في بلادهم (لعدم جمع المصحف في موضع واحد آنذاك) وعمر إسلامهم لايتجاوز أربع السنوات؛ ومع ذلك الجهل وعدم الفهم والشبهات والحديث المكذوب الموضوع الذي اختلقه الكذاب "الرجال ابن عنفوة" ومع كل ذلك لم يعذروا حين كفرهم الصديق والصحابة رضي الله عنهم.
 
وهنا تنبيه هام جدا له علاقة بأنواع المسائل والأدلة وأنواع الجهل كذلك
المسائل والأدلة بذاتها فيها ما هو من الأصول المحكمة البينة الواضحة الظاهرة الجلية بذاتها لمن كان عاقلا مكلفا مختارا مهما كان نقص فهمه وإدراكه فدرجة بيانها ووضوحها وجلائها ذاتية وليست إضافية نسبية باعتبار المكلف المخاطب كما زعم شيخ العاذرية الجهمية الحراني، فمن بلغته هذه الأدلة الصريحة البينة الجلية من هذا النوع في هذه المسألة السمعية الخبرية فلا عذر له بشبهة وتأول.
 
- والأصل الغالب أن أسباب الضلال من الشبهة والتأول ولم يعذر الصحابة والسلف أحدا ثبت تمكنه من النصوص في مثل ذلك، فلم يعذروا الخوارج والقدرية وغيرهم لأنها مسائل لها أدلتها البينة الجلية الواضحة الصريحة (بذاتها) فعاملوهم ووصفوهم بالضلال لأن هذه المسائل الكبار وأدلتها بينة جلية ظاهرة واضحة (بذاتها) ولم يعذروهم بدعوى نسبية ظهور ووضوح وجلاء المسائل وأدلتها كما يزعم المرجئة الجهمية العاذرية من التيمية وغيرهم.
 
- والسلف بإجماعهم كما في إجماع الرازيين وغيرهما سموا بعض المسائل (بذاتها أصولا)؛ وفي هذا وغيره رد على شبهة وكذب لبس بهما الجهمي العاذري ابن تيمية حين زعم أن كون المسألة بذاتها بينة واضحة ظاهرة جلية أمر نسبي إضافي وليس وصفا ذاتيا لذات المسألة وأدلتها، وهذا تلبيس وكذب وتمويه لتمرير بدعته الكفرية بإعذار أعيان المشركين والعلماء الحلولية وغيرهم، ولذلك تجده عذر أعيان العلماء من زنادقة الحلولية وعذر العلماء من المشركين الذين أجازوا الشرك كالبكري ووصف ابن حزم بأنه من طبقة غلاة الجهمية كما في الدرء ولكنه يعتذر له ويثني عليه.
 
تنبيه مهم جدا:
ماقيل هنا من الإعذار وعدمه يقال مثله في المتأول وصاحب الشبهة والمقلد، ومثال ذلك:
من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وهو في القرآن والسنة المنزلة الرفيعة للصحابة والمهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم وأرضاهم- فلو أن رجلا مكلفا مختارا طعن في أبي بكر وعمر متأولا أو لشبهة أو لتقليد فلا عذر له.
 
 
 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. 
 
 
 
 
 
 
 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *