تَفْسِيرُ وَتَوْجِيهُ مَسْأَلَةِ مُشكلة فِي الذَّبَائِحِ وَبَيَانِ عَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الشِّرْكِ.





 تَفْسِيرُ وَتَوْجِيهُ مَسْأَلَةِ مُشكلة فِي الذَّبَائِحِ وَبَيَانِ عَدَمِ دَلَالَتِهَا

 عَلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الشِّرْكِ.


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
- قال إسحاق بن منصور: قلت: سألت سفيان عن الرجل المسلم يدفع إليه المجوسي الشاة يذبحها لآلهته فيذبحها ويسمي أيأكل منه المسلم؟ قال: لا أرى به بأسا.
قال أحمد: صدق.
قال إسحاق: لا يسع المسلم ذبحها على هذه الحال، وأكره أكلها.
[مسائل الكوسج| (2847)].
- قال الخلال: أخبرني موسى بن سهل قال: حدثنا محمد بن أحمد الأسدي قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب عن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم؟
قال: لا بأس به.
[أحكام أهل الملل للخلال| 2/ 446 (1048)].
1)- الرواية السابقة ليس فيها من قريب أو بعيد إباحة ذبيحة المجوسي، وهذا قد فهمه البعض وهو فهم خاطئ فيه بعض التعجل والتسرع، وكلنا عرضة للخطأ، والتأني والتأمل وطول النظر والتدبر لأي مسألة مهم جدا تحرزا من الزلل.
2)- كان الأئمة من السلف كأحمد وغيره إن بلغهم عن إمام عبارة -تحتمل وجها صحيحا وليست هذه العبارة من الضلال أو من الكلام الموهم للبدعة في مقام يجب فيه البيان بأوضح وأظهر عبارة- فإنهم يوجهون ويفسرون ما قد يشكل من تلك العبارة التي قالها بعض أئمة السنة ويحملونه على المحمل الحسن والوجه الراجح بناء على ما يتوافق مع أصول الشريعة وعمق فهم ذلك الإمام المتقدم للتوحيد والسنة، وكثير من التعليلات والتفسيرات للنصوص والآثار مندرج في ذلك.
3)- المقصود من هذه المسألة أن المجوسي جاء بهذه الذبيحة لمسلم وطلب منه ذبحها والمجوسي بعد ذلك سيهديها لآلهته، والمسلم قطعا سيذبحها لله وعلى اسم الله.
وهذه المسألة قد تضمنت مسألتين:
المسألة الأولى: هل يجوز للمسلم ابتداء ذبحها لهذا المجوسي، مع أن المجوسي سيقدمها بعد ذلك لآلهته؟! 
- وأصل الإشكال ما ظنه البعض من أن هذه الصورة التي أفتى فيها الإمامان من صور إعانة المشرك على شركه وكفره أو التسبب المباشر بالكفر والعياذ بالله!
- والإعانة على الشرك والتسبب فيه له ثلاث حالات في هذه الصورة المسؤول عنها -كما سنبينه بإذن الله- وهذه الحالات الثلاث لم يتحقق أي منها في هذه الصورة المسؤول عنها.
وتنبه بارك الله فيك لما يلي:
- بما أن المجوسي (على كل حال سواء ذبحها مسلم أو مجوسي) سيذهب بهذه الذبيحة ولحمها لإلاهه، فمجرد ذبح المسلم لها (لله وعلى اسم الله) لا علاقة له بذهاب المجوسي بلحمها لإلاهه، لكون المجوسي سيذهب بها وبلحمها لإلاهه بصرف النظر عن عقيدة من ذبحها مسلما كان أو كافرا.
- ومن التوحيد الأمر بذبح هذه الانعام لله وعلى اسمه، والمسلم مأجور مشكور إن حال بين المشرك و ذبح بهيمة الأنعام لغيرالله وعلى غير اسمه.
• فهذه حالة يغتنمها المسلم في منع وقوع الشرك بذبح الذبيحة لغير خالقها سبحانه، فيبادر هو بذبحها لله وعلى اسمه، وهذا تفسير و معنى إجازة الإمامين لذلك.
* وهل مجرد ذبح المسلم لها فيه أمر للمجوسي وإذن له بتقديمها لإلاهه؟!
ليس لذلك أي علاقة.
- ومن التوحيد الذي أمر به المسلم (أن تذبح الأنعام لله وعلى اسمه) وهذا ما استطاع اغتنامه وفعله هذا المسلم لدرء ومنع كفر ذبح هذه الذبيحة لغيرالله وعلى غير اسمه.
فهذه الصورة ليس فيها أي إعانة على الشرك من قريب أوبعيد لأن الإعانة على الشرك في هذه الصورة لايخرج عما يلي:
أ/- أن يتسبب ويعين (ذاك المسلم) هذا المجوسي بالذهاب لإلاهه ليقدم له اللحم كأن يحمله على راحلته وهذا كفر بلاشك وهذا لم يتحقق في هذه الصورة والحمدلله.
ب/- الصورة الثانية لوقوع الإعانة على الشرك والتسبب المباشر فيه أن يعطي (المسلم من ماله) لهذا المجوسي شيئا ليقدمه المجوسي لآلهته، وهذا كفر صريح -وهذا بحمدالله لم يتحقق- وبذلك فلا يوجد في هذه الصورة المسؤول عنها أي إعانة للكافر على كفره وشركه ولبس فيها التسبب بعمل الشرك.
ج/- أن يأمر ويتسبب مباشرة بالذبح لغيرالله وهذا لم يتحقق بل وقع ضده تماما بذبح المسلم هذه الذبيحة لله وعلى اسم الله. 
المسألة الثانية: هل يجوز للمسلم الأكل منها (بعد أن يذبحها المسلم لله وعلى اسمه) مع أن ذاك المجوسي سيهديها بعد ذلك الذبح لآلهته، وإباحة الأكل منها هو إباحة لذبيحة ذبحها مسلم لله وعلى اسمه؟
وماتقدم صورة لشقي هذه المسألة المختلف فيها والراجح لوجود الريبة قول الإمام إسحاق:
* بعدم إباحة ذبحها ابتداء.
* وعدم الأكل منها حتى لو ذبحها مسلم.
- ويحمل كلام الإمامين سفيان و أحمد في هذه المسألة (مع ضعف قولهما وصحة قول الإمام ابن راهويه) على أن هذه الذبيحة سيهديها المجوسي على كل حال لآلهته -وهذا تلبس بكفر وشرك واحد وهو الكفر الأول هنا-.
- فإن لم يذبحها المسلم على ذكرالله ولله فقطعا سيذبحها "غير المسلم" من المشركين وغالبا سيذبحها هذا المجوسي بعينه أو مجوسي مثله، وعندها سيتم الذبح لآلهتهم و على اسم آلهتهم؛ وعند ذبحها لغيرالله وباسم غيرالله -فهنا يقع الشرك والكفر الثاني- زيادة على الكفر الأول.
- ولذلك أباح الإمامان للمسلم ذبحها لله وعلى اسم الله (دفعا وحذرا و منعا) من وقوع شرك وكفر ثان وبذلك فإباحتهما للمسلم ذبحها يمنع وقوع صرف عبادة لغير الله بالذبح للآلهة، فذلك المسلم سيسمي على الذبيحة ويذبحها باسم الله ولله، ولاعلاقة له بفعل المجوسي بعد ذلك لأن المجوسي سيهدي ذلك اللحم لآلهته على كل حال.
و المصلحة الشرعية في هذا -حسب مايفسر ويوجه به مقصود فتوى الإمامين- منع وقوع شعيرة وثنية في الأرض من هذا الكافر المجوسي وبني عقيدته.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.


نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *