كَشْفُ الالتباسْ على عدمِ إعذارِ من كان حاله "كالعبّاس"
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
▪ قال ابن أبي خيثمة: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حدثنا إِبْرَاهِيْم، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ؛ قَالَ:" فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم للعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِب حينَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى المدينةِ: «يَا عَبَّاس! افْدِ نفسكَ وابْنَيْ أَخِيكَ عَقِيلاً بْنَ أَبِي طَالِبٍ ونَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وحليفَكَ عتبةَ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّكَ ذُو مال»ٍ،فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّ الْقَوْم استكرهُوَني، قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بإِسْلامِك، إِنْ يَكُ مَا ذَكَرْتَ حَقًّا؛ فاللهُ يَجْزِيك بِهِ، وأَمَّا ظاهرأَمْرِكَ: فَقَدْ كُنْتَ عَلَيْنا، فافْدِ نَفْسَك»"، فَفَدَىَ العَبَّاسُ نفسَهُ وابْنَيْ أَخِيهِ وحَلِيْفهُ.[ابن أبي خيثمة، التاريخ الكبير(تاريخ ابن أبي خيثمة- السفر الثاني)].
• احتجّ بعض المعارِضين بهذا الأثر على عُذر "العبّاس" وأنه كان مكرها فيجوز له الخروج مع المشركين وقتال النبي ﷺ، وهذا القول لعدّة أوجه:
1)- الإكراه الذي حصل لبعض المسلمين ونحوهم في إخراجهم في صفوف المشركين "ببدر" كان إكراها حصل به مجرّد خروج المكرَهين في صفوف المشركين ولم يتمّ ويحصل بهذا الإكراه قتال هؤلاء المكرَهين للنبي ﷺ وأصحابه ولم يحصل به نكايتهم وإثخانهم في جيش النبي ﷺ، ومن هؤلاء المكرَهين "العباس" -رضي الله عنه - ولم يَثبُت أن "العباس" وغيره من المكرَهين اجتهدوا لهزيمة جيش النبي ﷺ ومقاتلته بل كلُّ الدلائل تشير بخلاف ذلك تماما كما سيأتي.
”وبعض المنسوبين للعلم جعل الإكراه عذرا ومسوِّغا لهذا المكرَه أن يقاتل النبي ﷺ ويسعى بقتاله لهزيمة جيش النبي ﷺ! ومقاتلة نبي الله ورسوله ﷺ لا يسوغها "إكراه" ولا يقول بذلك إلا زنديقٌ خبيثٌ لا عقل له، فهذا السّعي لهزيمة النبي ﷺ وجيشه يخرج عن حدّ الإكراه، بل قد تقرّر فقهيّا أن المكرَه ليس له أن يقتل غيره من آحاد المسلمين بدعوى الإكراه. إذ ليس له أن يفدي نفسه بقتل غيره“
* فكيف يصحُّ هذا تجاه النبي ﷺ؟!
* وكيف يستدلّ الشّقيُّ الجهميّ بهذا الإكراه بما يدلّ على جواز قتال النبي ﷺ والإثخان في جيشه في أول مواجهة فاصلة مع الكفار؟!
* ومَن مِن العلماء أجاز قتل الغير إكراها؟!
- فنفس القاتل ليست أغلى من نفس المقتول! ولو كان العباس أثخن ولو في واحد من المسلمين لتكلّم الصحابة -رضي الله عنهم- بذلك ولأخبروا النبي ﷺ، ولا سيما عند قول واعتذار "العباس" بأنه مسلم، وأما مجرد عدم انقياد "العباس" للأسر فهذا لخوفه من القتل وليس ذلك بكفر صريح إذ ليس في ذلك نكاية بالمسلمين وقتل لهم، فمن خرج خرج مكرَها ليكون في صفوفهم ولم يثبت عنهم أنهم قاتلوا النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-.
• وخلاصة ذلك أن دلالة نصوص خروجهم مكرَهين محصورة في أن الإكراه على مجرد الخروج في صفوف الكفار (دون قتال) عذرٌ لمن ثبت إسلامه سابقا، وأما "العباس" الذي لم يثبت ويُعرَف إسلامه سابقا فقد عومِل بظاهره لخروجه في صفوف المشركين مع أنه لم يقاتل.
← والحجة كما ذكره الطبري وابن أبي حاتم في ذلك أن ابن مسعود -رضي الله عنه- لما قال للنبي ﷺ كما في غزوة بدر نفسها « يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ»؛ أي: شهد له وأثبت له الإسلام سابقا، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ».
• فمجرّد الخروج كُرها في صفوف الكفار دون قتل للمسلمين عذرٌ للمسلم، وأما "العباس" فلا يوجد يقينٌ (بإسلامه السابق) فعومل بظاهر حاله وعومل معاملة الكفار بخلاف المسلم الذي خرج ولم يقاتل، فهناك فرق بين الأمرين.
2)- احتجّ المرجئة الجهمية بعدم كفر المُظاهِر بقول النبي ﷺ للعباس :"فاللهُ يَجْزِيك بِهِ".
• وقد قدّمنا أنه لم يثبت قتاله للنبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، ولم يُنقَل إثخانه أو قتلُه أو نِكايته ولو بواحد من المسلمين فقد خرج في صفوفهم ولم يثبت قتاله ومظاهرته للكفار، والاحتمال المعتبر يهدم الاستدلال، والدلالات على ما قلنا ظاهرة كما تقدّم.
3)- هذا الحديث ضعيف؛ وقد عمل به الإمام الشافعي -رحمه الله - واستنبط منهم حكم الظاهر والعمل به ولم يفهم منه الشافعي وغيره أسلمة من اجتهد في القتال لهزيمة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، ولم يستنبط أحد منه جواز قتال النبي ﷺ للإكراه.
4)- يلزم الجهمية من استدلالهم بأن المظاهرة والقتال جائزة للمكرَه؛ وهذا يلزمهم أن يقولوا بعدم كفر من قاتل النبي ﷺ واجتهد لهزيمته إذا كان مكرها.
• ومن قال ذلك كفر وخرج من الملة، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
5)- قد روي وصف النبي ﷺ لفعل عمّه العباس وغيره أنهم خرجوا مستكرهين ولم يقل يقاتلون مكرهين وفرق بين الأمرين.
6)- نهى عن قتله وقتل غيره من المكرهين.
* فهل ينهى النبي ﷺ عن قتل من يجتهد في قتل أصحابه -رضي الله عنهم- في أرض المعركة؟!
* وهل ينهى عن قتل من يقاتل لهزيمة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- في هذه المعركة الفاصلة التي سماها الله الفرقان؟!
- ومع ما في السند إلا أن السير والقصص والمغازي والوقائع التي ثبت أصلها يستشهد بها استئناسا.
-> قال ابن إسحاق (ص: 629): وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال لأصحابه يومئذ: «إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أُخرِجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث ابن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله ﷺ فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها».
7)- وبما أن جميع المكرَهين لم يثبت قتالهم لهزيمة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- ولم تثبت نكايتهم ولو بواحد من المسلمين فلا دليل في القصة من قريب أو بعيد (لأسلمة) المظاهر والمقاتل مع الكفار ضد المسلمين.
8)- نحن نثبت الإعذار بالإكراه (في غير القتال لإلحاق الهزيمة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأن هذه ليست مما يجوز بالإكراه) فإذا كنا نثبت عذر من قال كلمة الكفر إكراها وقلبه مطمئن بالإيمان، فمن العبث والجهل وسوء الفهم أن يحتجّ "الجهمي" علينا بأدلة الإكراه لقاعدته الجهمية في إطلاق الإعذار لمن لا عذر له مثل:
← إعذار المرجئ الجهمي للعلماء الذين لم يثبتوا علو الارتفاع والفوقية وقد بلغتهم الأدلة وهم غير مكرهين!
← وإعذار عباد القبور الذين بلغهم القرآن مع أن تكفير المشرك يثبت قبل بلوغ الرسالة كما في آية البينة والتوبة وغيرها.
← قال الله تعالى ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾{البينة |01}.
← قال الله تعالى﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون﴾{التوبة |06}.
”فما علاقة الاحتجاج للإعذار وتوسعته بأدلة الإكراه ونحن نثبت أنه عذرٌ بشروطه كطمأنينة القلب، وعدم قتال النبي ﷺ والجهد لهزيمته وهزيمة أصحابه -رضي الله عنهم-، ولا يكون الإكراه عذرا لمن فدا نفسه بحمايتها من القتل بقتل غيره، وأن يكون إكراها حقيقيا وليس متوهما، فمن البلادة أن يُستَدلّ علينا بدليل لا علاقة له بنقطة البحث والخلاف“
9)- مما يدل على أن المكرهين (كالعباس) وغيره أنهم خرجوا فقط ولم يقاتلوا ما يلي:
أ)- قد جاءت الشريعة بجواز قتل المسلم الصائل المعتدي الذي جاء يقتلك منفردا ولم يكن في صف الكفار.
* فكيف بمن أراد قتلك وهو في صف الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين (سواء انتسب للإسلام قبل ذلك أم لم ينتسب)؟!
- فهذا أولى بأن يُقتَل والشريعة لا تضاد ولا تناقض فيها ولا تخالف مسلمات العقول، وتقييد ذلك الجواز للقتل إن كان زمن ووقت فتنة ملتبسة بين المسلمين، فهنا الكف عن القتل هو المقدم والأولى وهذا التخصيص جاءت به النصوص أيضا.
- ويضاف لذلك أن قتل الصائل المعتدي ممن أراد قتلك ولا سيما عند عجزك عن مدافعته إلا بالقتل من المسلمات التي تدركه وتدل عليه العقول والفطر حتى قبل مجيء الشرع بذلك حتى لو لم يكن هذا الصائل في صف خصومك ومقاتليك من الكفار أو غيرهم.
* فكيف بعد كل ذلك يكذب المرجئ الجهمي على النبي ﷺ ويدعى عليه أنه نهى عن قتل من جاء لقتلك وهو فوق ذلك في صفوف الكفار؟!
• وهذا كله صريح بعدم قتال هؤلاء المكرهين للمسلمين وأن غاية ما فعلوه هو مجرد الخروج إكراها في صفوف الكفار دون قتال للنبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-.
ب)- مما يدل على أنهم لا يقاتلون النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- في معركة بدر ما جاء من نهي النبي ﷺ عن قتل هؤلاء المكرهين.
* فهل ينهى المسلمين في تلك المعركة الفاصلة المصيرية مع قلة عددهم وعدتهم من قتل من جاء لقتلهم والفتك بهم وهزيمتهم؟!
ج)- لو أن "العباس" وغيره قاتلوا النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- في هذه المعركة الفاصلة لأخبر الصحابة النبي ﷺ ولا سيما عند اعتذار العباس وقوله بأنه على الإسلام أو عند استثناء "سهيل بن بيضاء" من الفداء، ولم يعترض أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- على قول العباس أو بيان ابن مسعود لحال "سهيل" وقبول استثنائه، ولو أنهما وغيرهما قاتلوا النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- لبادر الصحابة ببيان حالهم الذي لا يمكن السكوت عنه وهو قتلهم للمسلمين ونكايتهم وإثخانهم بالمسلمين.
* وهل كان ابن مسعود -رضي الله عنه- ليشفع "لسهيل" ويُبيِّن حاله وهو أثناء القتال يفتك بالمسلمين ويقاتل النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-؟!
* وهل سيسكت الصحابة -رضي الله عنهم- عن بيان حال "سهيل" وغيره لو فعلوا ذلك؟!
د)- كل تلك الدلائل صريحة في عدم قتال المكرهين للنبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، ويضاف لذلك عدم وجود دليل يشير ولو بإشارة ضعيفة أن أحد المكرهين قاتل النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم- في معركة بدر الفاصلة، ولا سيما ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن مقاتلة الأنبياء وأصحابهم في صف الكفار لا يجوز تحت أي ذريعة وليس الإكراه مسوغا بأي حال من الأحوال لقتال نبي الله ورسوله وجيشه عليه الصلاة والسلام.
• فمقاتلة النبي ﷺ كفر وردة لا يُجوزها إلا من أعمى الله بصيرته وطمس على قلبه.
10)- وهنا مسألة هامة وهي أن الشريعة علقت الحكم بالظاهر والأدلة على ذلك كثيرة ومن أظهرها وأصرحها:
- ما جاء في صحيح البخاري عن عمر الفاروق رضي الله عنه.
← قال البخاري: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.[ كِتَابٌ: الشَّهَادَاتُ| بَابُ الشُّهَدَاءِ الْعُدُول].
← قال الله تعالى﴿ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ﴾{المائدة |51}.
← قال الله تعالى﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘسَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ﴾{آل عمران |181}.
• وفي الآية تحميل اليهود على عهد النبي ﷺ جريرة قتل أسلافهم من اليهود للأنبياء السابقين وذلك لأجل توليهم وانتمائهم وانتسابهم لأولئك.
← أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمُرَادِيِّ وَهُوَ النُّعْمَانُ بْنُ قَيْسٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ بَدْرٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: "وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَق" وَهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَلِكَ؟ قَالَ: بِمُوَالاتِهِمُ الَّذِي قَتَلَ أنبياء الله.
- ولا يشترط الرضا بفعل أولئك فمن تولى وانتمى وناصر طائفة ألحق بها وإن لم يرض بعض فعالها، ودليل ذلك ما ذكر في كتاب الله عن اليهود والنصارى، قال الله تعالى﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ﴾، مع أن كل طائفة لا ترضى ببعض فعال وعقائد وأقوال الأخرى، وكذلك الحال في ذكر موالاة المنافقين لأهل الكتاب، قال الله تعالى﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ۚ﴾.
• ومن قيد وعلق الإلحاق في آية "آل عمران" أو آيات التولي عموما بالرضا فقد خالف صريح النصوص وخالف الواقع أيضا، لأن الإلحاق معلق بالتولي والمناصرة.
* فكيف لو أضيف لذلك الانتماء والانتساب وتكثير السواد غاية المناصرة بالقتال في صفوف الكفار؟!
• فإذا كان مجرد الانتماء والتولي والمناصرة يحملهم فعل وحكم من ناصروه.
* فكيف بمن وقف مع الكفار مقاتلا؟!
▪ ومن أدلة الحكم بالظاهر:
- ما روي في حديث معناه صحيح تشهد له عامة النصوص وإن كان في سنده بعض الضعف.
← قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرو بن الحارث: أَنَّ رَجُلا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكًا لِمَنْ عَمِلَهُ".[رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، ورواه علي بن معبد في كتاب (الطاعة والمعصية)، ورواه بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق موقوفا على أبي ذر].
- ما تواردت عليه جميع آثار السلف القولية والعملية من إلحاق المصاحب الملازم المخادن لأهل الأهواء والضلال بهم حكما وتوصيفا ونسبة ولو لم يصرح بنسبته وانتمائه لهم.
← قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنَّة مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟، قال: "لا، أو تُعْلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة؛ فإن ترك كلامه؛ فكلمه، و إلا فألحقه به؛ قال ابن مسعود: المرء بخدنه". {طبقات الحنابلة 1/260| 216}.
← قال يحيى بن سعيد القطان لما قدم سفيان الثوري البصرة، جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح و قَدره عند الناس، سأل: "أي شيء مذهبه؟"، قالوا: ما مذهبه إلا السنَّة، قال: "من بطانته؟"، قالوا: أهل القدر، قال: "هو قدري".{الإبانة 2/453 |421}.
← قال ابن بطة على سفيان الثوري: "لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنَّة وما توجِبُه الحكمة، ويدركه العيان، و يعرفه أهل البصيرة، قال الله تعالى﴿يَا أَيُّها الذين آمَنُوا لاَ تَتخذُوا بِطَانَة مِن دُونِكُم لاَ يَأْلُونَكم خَبالا ودُّوا ما عنِتم﴾{آل عمران |118}".
- والآثار في ذلك كثيرة جدا من أقوالهم وعملهم وأصل المسألة.
← أخرج البخاري في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
- فإذا كان مجرد المصاحبة الملازمة والبطانة توجب الإلحاق.
* فكيف بالقتال في صفوف الكفار في حرب المسلمين؟!
• حديث "العباس" هذا وحكم النبي ﷺ على ظاهره من أدلة قاعدة الحكم بالظاهر.
* وهنا يأتي السؤال، ما الذي أخرج المسلمين الذين كانوا في صفوف الكفار في بدر من الحكم عليهم بالظاهر؟
• قلنا؛ الذي أخرجهم أمران قد تحققا فيهم:
- الأول: ثبوت الإكراه في حقهم والإكراه يختلف عن إرادة الحصول على مطامع الدنيا أو فوات بعض المصالح الدنيوية.
• فمن خرج لمصلحة دنيوية فليس بمكره شرعا وعرفا وعقلا ولغة.
- الثاني: الذي أخرجهم من الاندراج والإلحاق بالكافرين عدم قتالهم للنبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.