مسألة معرفة "أركان الإيمان" بالعقل

 
 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
مسألة العقل مسألة قديمة حديثة، فغلى أقوام فيها حتى وقعوا في الكفر وأجحف أقوام فيها حتى ظنوا أن العبد لابد أن يكون كالبهيمة التي تقاد، فالمسألة لابد أن تفهم على ضوء الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة.
 
- العقل من حيث منزلته مخلوق من خلق الله سبحانه وتعالى وكل مخلوق له حد ينتهي إليه:
 
-> قال الأعمش -رحمه الله-: "كما للبصر حد فللعقل حد"، ومحله القلب من حيث الأصل وله اتصال بالدماغ.
 
-> كما قال الله تعالى﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾{46| الحج}.
 
-> وجاء في أثر عن علي -رضي الله عنه- وغيره، أن العقل محله القلب.
 
- من حيث عقول الناس منه العقل الغريزي وهو الذي يوافق الفطرة ،وهذا التقسيم ذكره قُوَّامُ السنة وغيره عن الامام أحمد -رحمه الله- ومذكور في كتب الحنابلة (ككتاب العدة وغيره)، وأن منه كسبي؛ وهذه مسألة مهمة جدا.
 
• فنحن لا نؤمن أن هناك (عقل مطلق) كما يقول المتكلمون الفلاسفة؛ والعقل المطلق هو الذي لا يعزب عنه شيء ويدرك جميع الأشياء حتى قالوا مقدم عن النقل -والعياذ بالله-.
 
إذا فهم هذا، فلابد أن نعلم منزلة وعلاقة العقل ومسائل الإيمان أو الدين من حيث الأصول أو الفروع يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
 
أ/- مسألة الإدراك: ونعني به أن يعلم الأشياء ويدركها، لا شك أن العقل يدرك أشياء لكن إِدْرَاكُ مَخْلُوقٍ يعني إدراك محدود (وهي مسألة مهمة جدا ومفصلية) فنحن لا نؤمن أن هناك (عقل مطلق) كما يقول المتكلمون الفلاسفة وما عليه الآن العلمنيون والليبراليون أنه هناك -عقل مطلق-.
 
لا يوجد عقل مطلق إنما يوجد عقل مخلوق من خلق الله -سبحانه وتعالى- يدرك أشياء مما أدركه الله أن يدركها بأسباب ولا يدرك أشياء مما قدر الله ألا يدركها وذلك لعجزه وصرفه عن الأسباب
 
- فالعقل ثمت شيء يدركه؛ لو أتينا لمسائل الإيمان مثلا الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره هذه الأركان جاءت في قوله تعالى﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾{03 |البقرة}.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (67) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قَالَ: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ. وَيُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْبَعْثِ. فَهَذَا غَيْبٌ كُلُّهُ.
 
• هي من جملة الغيب؛ وهذا الوصف وصف للإيمان المجمل وبعد ذلك ذكر -سبحانه- الإيمان المفصل، قال تعالى﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَِ﴾{4| البقرة}.
 
- والإيمان المجمل هو الإيمان المجزئ الذي لا يصح الإيمان إلا به،وأما الإيمان المفصل فهو القدر الذي لا بد فيه من سماع وإخبار فإذا علمه المكلف أو العاقل لزمه إعتقاده،قال الله تعالى﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾.
 
جاء في تفسيرها:
 
->  أخرج الطبري في تفسيره (291) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ. أَيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا كَانَ قَبْلَكَ وَيَكْفُرُونَ بِمَا جَاءَكَ مِنْ رَبِّكَ.
 
- فإذا نظرنا في الثلاثة الأول [البعث والحساب والجزاء -الجنة والنار-] فهو من الإيمان المجمل الذي لا يعذر أحد بتركه وهو القدر المجزئ، وأما الإيمان بالميزان فهي مسألة سماعية فمن سمعه لزمه ويجب إعتقاده ومن حرفه أو كذبه فهو كافر مكذب للخبر (كالجهمية ومنهم الإباضية...).
 
- فإذا جئنا للإيمان بالله فهناك قدر مجزئ:
 
-> كالإيمان بوجوده.
 
فهذه يدركها العقل.
 
-> كالإيمان بربوبية الله العامة (كخلقه، وإماتته وإحياءه وملكه وتدبيره) وكالإيمان بؤلوهيته واستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له.
 
هذا يدركه العقل.
 
-> كالإيمان أن لله صفات عليا وأسماء حسنى من حيث الإجمال ثم علوه الذاتي وقدرته المطلقة وأنه لا يعجزه شيء (وأنه على ما يشاء قدير وعلى ما لا يشاء قدير).
 
وهذا يدركه العقل.
 
- ولكن هناك صفات لا يدركها العقل، لذلك قال وهب بن منبه -رحمه الله- للجعد بن درهم -لعنه الله-: "لو لم يقل الله أن له يد ما قلنا أن له يد".
 
لأن اليد لا يدركها العقل لأن هذا الإدراك من الغيب.
 
-> لذلك قال الرسول ﷺ في أسماء الله الحسنى: "..أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ..." {مسند أحمد}.
 
هناك أسماء غيب مطلق لا يعلمه أحد، وهناك غيب نسبي يجهله بعض الناس دون بعض.
 
-> أخرج ابن ماجه في سننه، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ" قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَضْحَكُ الرَّبُّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا"[بَابٌ: فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ].
 
الصحابي -رضي الله عنه- لم يكن يعلم أن الله يضحك، لكن عدم إدراكه لهذه الصفة لأنها سماعية.
 
وكذلك العقل يدرك أن الله يعبد وحده ولكن لا يدرك تفاصيل العبادات وأنواعها وتصاريفها
 
- وكذلك الإيمان بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- فجانب من العقل لابد من التنصيص والسماع والعقل لا يدرك أن ثم رسل (نتحدث هنا عن ادراكهم عقليا) ومثاله من الحنفاء كزيد بن عمر بن نفيل -رحمه الله- كان على الأصل أدرك أن الله يعبد وحده ولم يدرك تفاصيل العبادات والشرائع وكذلك لم يدرك أن محمد ﷺ أنه رسول الله وهو أمامه.
 
-> أخرج البخاري في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ،.."[كِتَابٌ: مَنَاقِبُ الْأَنْصَارِ. بَابٌ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ].
 
فلا بد من السماع والزام الناس بالسماع.
 
-> أخرج مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".[كِتَابٌ : الْإِيمَانُ | بَابٌ: وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ النَّبِيِّ].
 
وانتبه لقوله ﷺ: "لَا يَسْمَعُ بِي" فالحديث مورده في السماع بالنبوة ولم يقل "لا يسمع بالله" -والعياذ بالله-، لأن بعض الناس يسوقه في مساق الإيمان بالله -سبحانه- لإعذار عباد القبور ونحوهم، وهذا الحديث بالإيمان بالنبي ﷺ.
 
-> أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (10769)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ إِلا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَسْمَعُ أَيُّ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ لَا يَهُودِيُّ وَلا نَصْرَانِيُّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا دَخَلَ النَّارَ".
 
قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ" قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا.
 
• فمن يكفر بالنبي ﷺ والقرآن فالنار موعده، لذلك لابد من السماع.
 
- وهذه لا يدركها العقل إلا بالسماع أن لله رسولا وأنه أنزل كتابا؛ كما قال الله تعالى﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ َ﴾{19 الأنعام}.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (7163)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: وَمَن بَلَغَ ۚ يَعْنِي: مَنْ بَلَغَهُ هَذَا الْقُرْآنُ، فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
 
وانتبه فالبلوغ فقط ليس بلوغ القرآن بل شريعة القرآن كما وقع للجن والأمثلة كثيرة.
 
- الإيمان بالكتب؛ هل العقل يدرك (فانتبه :ونحن لا نتكلم عن الحجية أو القبول) الكتب؟
 
طبعا لا؛ بل لا بد أن يسمع.
 
-> قال الله تعالى﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ ﴾{19| الأنعام}.
 
-> قال الله تعالى﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ ﴾{92| الأنعام}.
 
-> قال الله تعالى﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ﴾{51| الأنعام}.
 
والآيات كثيرة بأن القرآن بلوغ وسماع فلا أحد يدركه هكذا بالعقل، لأن هذا أمر غيبي، فإذا وقع في حيز الوجود فلابد من البلوغ والسماع.
 
فلا يكون عندك حرج من سماع (لابد من البلوغ)، (لابد من السماع)، فيجب أن يكون لديك حرج شرعي وليس حرج طبعي أو نفسي من كثرة تركمات الغلو والإفراط
 
- كذلك الإيمان بالملائكة -عليهم السلام- والقدر المجزئ بالإيمان بهم بأنهم:
 
-> مخلوقون من نور.
 
-> مربوبون -ليسوا أربابا بل عباد مكرمون-.
 
-> وأنهم ذكور ليسوا إناثا.
 
وهذا قدر مجمل وأما التفاصيل من علمها لزمها؛ كأسمائهم (جبريل،مكائيل..) وأفضلهم وأعمالهم وغيرها.
 
* هل العقل يدرك مثل هذا؟!
 
- الملائكة -عليهم السلام- مخلوقون من نور.
 
* هل بالعقل أم بخبر عن رسول الله ﷺ، وأن الملائكة -عليهم السلام- خلقت من نور الصدر والذراعين؟
 
- بل هذا إدراك بالخبر، والقدر المجزئ بالإيمان بالملائكة فيه جانب خبري.
 
* فلما تقول: (الملائكة مخلوقون من نور)، هل هذا قدر مجزئ أو كامل؟
 
* تقول: قدر مجزئ. طيب، كيف أدركته، هل بالعقل أو النص؟
 
- طبعا بالنص، لا أحد يقول هكذا بالعقل أنه أدرك الملائكة مخلوقة من نور، مع أن هناك ناس قيل لهم إجماع السلف بأن الشيطان كان من الملائكة، قال:(العقل لا يقبل هذا)، مع وجود الأخبار!
 
• فالعقل هناك شيء يدركه وآخر لا يدرك في نفس الإيمان المجمل والمفصل.
 
ب/- مسألة حجية (تدليل):
 
* هل يحتج على الإيمان بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- بالعقل؟
 
- نعم، يحتج على الإيمان بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- بالعقل، إذا علم الإنسان أن هذا رسول من عند الله فالعقل له حجة على إدراك أن هذا رسول.
 
-> قال الله تعالى﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ﴾{35| النور}.
 
جاء في تفسيرها:
 
-> أخرج الطبري في تفسيره، عن شمر قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له: حدثني عن قول الله عزّ وجلّ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ... الآية؟ فقال كعب: الله نور السماوات والأرض، مثل نوره مثل محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة.
 
-> أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (14557) عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَثَلُ نُورِهِ قَالَ: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ مِثْلُ ذَلِكَ.
 
-> وأخرج (14614) عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ:"يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ"قَالَ: يَكَادُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ لِلنَّاس.
 
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيَّنَةٌ *** كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالخَبَرِ.
 
النبي ﷺ من نظر إليه علم أنه رسول ﷺ وهذه حجج عقلية.
 
”وفي جانب حجية العقل يدخل في أركان الإيمان كلها، بل حتى الفروع من حيث أصولها يحتج لها بالعقل“
 
ج/- مسألة القبول:
 
* هل العقل يقبل الإيمان بالملائكة؟
 
- نعم، العقل يقبل الإيمان بالملائكة، لأن المخبر صادق عليم على كل شيء قدير لا يعجزه شيء فلذلك قبول العقل لا يمنع.
 
- كثير من الصفات السماعية ما يمنع العقل قبولها، خلافا لمن قال لابد من تحريفها لأنها لا تدرك بالعقل ونحو هذا، وهي مسألة مهمة جدا يجب التفريق بين استعمالات العقل وتناولاته.
 
مسألة أخرى مهمة جدا وهي مسألة الحواس:
 
* هل كل ما يدرك بالحواس يدل على وجوده؟
 
- نعم، كل ما يدرك بالحواس يدل على وجوده، نعني بالحس؛ الحس الضروري النفسي وتكلم الدارمي في كتابه فاتحة النقد ردا على البشر المريسي -لعنه الله- في مسألة أن الله -سبحانه- يدرك بالحواس والجهمية -لعنهم الله- تقول أن الله لا يدرك بالحواس، وهذا حتى يعطلوا الصفات -والعياذ بالله-.
 
- الإنسان يجد في نفسه أشياء ومنها الأمر بالخير الذي هو داع الله في قلب كل عبد والقرين من الملائكة لكن احساسه بهذا من يأمره بالخير ومن يمنع عنه الشر ونفسه تلومه.
 
هذه من الأشياء التي يستدل بها عن وجود الله -سبحانه وتعالى- وأن له ربا آمرا ناهيا، لكن تفاصيل بمجرد احساسه بالذي يأمره بالخير يصله للإيمان المجمل بأن الملائكة موجودة وأنهم مخلوقون من نور، لا يمكن، ولكن بهذا الاحساس يتقبله إن هو سمعه وعلمه.
 
- فالإيمان بالملائكة كله أخبار، مثلا شخص يقول: (ليس لدي نص بأن "الملائكة" مخلوقون من نور) وأن إبليس كان من "الملائكة".
 
فهذا لابد أن يعلم بالنصوص.
 
* ولعل هذا مما يُبين سفاهة عقولهم يقال لهم: من الذي سمى الملائكة "ملائكة" العقل أم النقل؟
 
- والجواب هو -سبحانه- سماهم لنا "ملائكة" واتبعنا وصدقنا اذ الأسماء موقوفة على الخبر، فانتفى حينئذ قولكم لأن التسمية خبرية وهي للمسمى فكان مسماه وهو "الملائكة" خبري وإلا صار قولكم أن التسمية خبرية والمسمى مدرك بالعقل، وهل العقل يدرك مسمى بلا اسم! فادراك العبد لما يشعره شيء وتسميته له بما يستحق شيء آخر.
 
- فإدراكنا أن في نفوسنا سبب يحضنا على الخير وترك الشر هو ادراك لسبب خلقه الله؛ وهذا احساس موجود وإدراكنا لمسماه واسمه هذا موقوف على خبر الخالق لذلك السبب الموجود في النفوس -فانتبه-، فهو سبحانه سماهم "ملائكة" ووصفهم لنا في الخبر وعرفنا حقيقتهم فصدقنا واتبعنا.
 
فالعقل لم يحدث التسمية للملائكة ولكن أدرك الشعور بهم والإحساس بوجود سبب يحثه على الخير فقط ثم بين له في الخبر انها لمة ملائكية.
 
- مسألة لمة "الملك":
 
• أخرج الترمذي في سننه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً؛ فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ،..."[أَبْوَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ| بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الْبَقَرَة].
 
- هذا يدل على ما يجده الإنسان في نفسه ووجوده في النفس يدل على أن الله خلق سببا من أسباب وجود الخير في القلب والتصديق بالحق وخلق سببا في وجود الشر في القلب (من جهة الأمر) والتكذيب بالحق، وما يحدث في النفوس هذا يدل على أن ثم سببا خلقه الله عز وجل فقط، لكن صفة هذا السبب هو البحث هنا، أن هذا "ملك" خلقه الله من نور وكذا وهذا "شيطان"...ونحوه.
 
• فلابد أن نفرق بين الدليل الذي سلكه النظار والمتكلمون في إثبات الملائكة في الرد على الفلاسفة وهو ما يحس به الإنسان فجعلوه أصلا في إثبات "الملائكة".
 
”نقول؛ هذا الطريق يدخل في حجية العقل عند (سلف الأمة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين) على ثبوت "الملائكة" -عليهم السلام-، أما من حيث إدراك الصفة -والبحث هنا- البحث في إدراك صفة الوجود أما وجود الأعيان سبب موجود في القلب، لكن صفته هل هو "ملك" ما أوصافه فهذا البحث فيه“
 
- فلذلك فرق أن نقول سبب الخير أن الإنسان يدرك بذلك سبب في الخير خلقه الله تعالى في قلبه وسبب من الشر خلقه الله في قلبه وبين أن يدرك صفة هذا السبب ونوعه، فهذه مسألة وهذه مسألة أخرى.
 
- مسألة الوجود:
 
- لابد أن نفهم أن وجود "الملائكة" أنه وجودهم بأعيانهم ولا يتصور إلا بإدراك حقيقة خلقهم، ومن التناقض أن يقال: (الإيمان بوجود "الملائكة" مجمل وأما التفاصيل خبرية).
 
- وهذا خطأ، فالخلق نفسه هو الوجود والإيجاد، فخلقهم "عليهم السلام" لا يتصور بالعقل إلا من جهة النقل، كيف خلقوا على أي صفة هم؟
 
• وهذا يدخل في حجية الإيمان بهم وليس بإثبات وجودهم بالعقل.
 
الرد على هؤلاء البله موقوف -بإذن الله- على فهم
 
- أولا: مسالة الإدراك بالحواس وقد تناولها الدارمي.
 
- ثانيا: معرفة علاقة العقل بقضايا الإيمان.
 
- ثالثا: فهم مسالة الاسم والمسمى وتلازمهما.
 
 
 
 وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين 
 
 

Contact Form

Name

Email *

Message *