تَنْبِيهَاتٌ عَلَى قِصَّةِ "زَيْدِ بنِ عمروِ بن نُفَيْلٍ".

 
 
 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
 
▪ فهذه بعض التنبيهات لمن أشكل عليه ما جاء عند البخاري (3828) عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: "رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا".
 
ففهم قوم أن زيد بن نفيل ألحق النبي ﷺ بقومه!، وهذا باطل وسنبين وجه بطلانه وقبل ذلك نقول:
 
1)- كما لا يخفاك أن تقرير التكفير بالعموم لمن فشى فيهم الكفر وكان هو الغالب الأصل هو الحق ودين وعقيدة الرسل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام في حكمهم ومخاطبتهم لأقوامهم كما جاء صريحا في آيات القرآن، وكذلك تعميم الصحابة -رضي الله عنهم- لتكفير المرتدين من "بني حنيفة" (قوم مسيلمة الكذاب) على سبيل العموم والتعيين مع وجود مسلمين بينهم وإقامتهم لشعائر الإسلام، وتكفير المشركين مبني على أن معرفة ضلال المشركين وأنهم ليسوا على الهدى وليسوا على ملة "إبراهيم" بأي عبارة تدل على هذا المعنى من المعلوم بالفطرة والعقل.
 
ولا يلزم التعبير بذات لفظ التكفير ولا يدخل في ذلك ما يترتب على تضليلهم من أحكام "كالتزويج" و"الإرث" ونحوها فهذه خبرية محضة.
 
- وتكفير أعيان الأمم والأقوام المشركة معلوم بما أودعه الله في الفطر والعقول.
 
”والتعبير باصطلاح (المدرك بالعقل والفطرة من التوحيد أو من أصل الدين) هو الأدق والأصح من إطلاق مصطلح "أصل الدين" لأن أصل الدين يدخل فيه ما لا يدرك إلا بالخبر كمعرفة الأنبياء والإيمان بهم كشهادة أن محمدا رسول الله وهي من أصل الدين بلا شك، وأهل الحنيفية قبيل الرسالة لا يعرفون النبي القادم ولا يعرفون كثيرا من الأنبياء“
 
- ولا فرق بين إطلاق التكفير على مشرك واحد أو جماعة وأمة من المشركين فأصل المسألة واحد ومن فرق فعليه الدليل، لأن إطلاق الأحكام يكون على الغالب والأصل والأكثر ولا عبرة بتوهم وجود شذوذ أو مخالفة مظنونة من أحاد مجهولين وهذا يهدم استثناء (مجهول الحال كما يسمونه زورا وادعاء) لأن تكفير عموم الأعيان من المشركين -وفيهم من لا نعرفه بعينه- مبني على تكفير المشرك المعين والمشركين المعينين من عموم الأمم المشركة فلا فرق ولا تمييز بينهم.
 
وعليه فتكفير عموم جماعة المشركين مدرك أيضا بالفطرة والعقل وهذا هو الحق لأن أصل المسألة واحد وكذلك عدم اعتبار ما يسمونه زورا وادعاء بمجهول الحال،ولا يوجد هنا "جهالة" فأفراد المجتمع الكافر كفار حسب ظاهر حالهم وباعتبار الأصل فيهم.
 
* وعلى ذلك، فأين جهالة حالة بعض الأفراد هنا؟!
 
- ووجود "موحد" لا نعلمه بينهم فهذا مما لم نكلف به لأن أحكام الشريعة بنيت على الظاهر وعلى الأصل والغالب.
 
2)- وأما بشأن إلحاق النبي ﷺ بقومه فمن المعلوم أن معاملة الأنبياء تختلف عن غيرهم وليس كل ما يجوز قوله لغير الأنبياء يجوز مخاطبة الأنبياء به على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.
 
-> قال الله تعالى﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًاِ﴾{النور |63}.
 
ودعوى أن النبي ﷺ حكم عليه بالكفر إلحاقا بقومه ثم تقرير صحة هذا الإلحاق والتكفير لجهالة حالة النبي عند زيد بن نفيل مما يهدم التوحيد وينقضه وليس هذا مما أمرنا به من التوقير والتعظيم والإجلال له ﷺ، وابطال ذلك كالتالي:
 
أ/- الإلحاق غير صريح في تعميم الخطاب على جميع الأفراد مع وجود المستثنى المعلوم ولا يمكن لأحد في مكة أن يجهل حنيفية النبي ﷺ قبل بعثته لأنه كان شامة بينهم وخبره يملأ السمع والبصر.
 
- وهذا الإلحاق في الخطاب لا يلزم شرعا ولا لغة ولا عرفا ولا عقلا لأنه يصح أن تقول مثل ذلك وتعممه في مجلس يغلب عليه (أهل الكفر) مع وجود واحد أو إثنين من إخوانك الموحدين وخطابك للأصل والغالب ولأكثرية من في المجلس.
 
← كما قال ﷺ بشأن أبي بكر -رضي الله عنه-: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي».
 
فهنا تعميم صحيح شرعا ولغة وعرفا وعقلا باعتبار أن هذا التعميم للغالب والأصل والأكثر مع أن "عليا" و"زيد بن حارثة" أسلما في زمن إسلام أبي بكر -رضي الله عنهم- ولم يقولا "كذبت".
 
”وعلى ذلك فليس فيه دلالة صريحة لإلحاق كل فرد مع وجود المستثنى المعلوم ومن قال بجهالة حنيفية النبي ﷺ فقد كذب، وبذلك فخطاب زيد بن نفيل لا يشمل النبي ﷺ ولا يلحق به لأن الأصل عدم جهالة حنيفيته وكمال خلقه“
 
ب/- شهرة توحيد وحنيفية وخلق النبي ﷺ وأمانته وكمال خلقه بمكة قبل البعثة تملأ السمع والبصر، وشهرة وتميز حاله وكمال خلقه وحنيفيته أكثر من شهرة "زيد" بذلك، ومن قال بأن حنيفية "ابن نفيل" أشهر في مكة فعليه ذكر الدليل الصريح وليس المظنون المتوهم.
 
وهذا يهدم أن "زيد بن نفيل" يجهل حال النبي ﷺ وهو كالشامة بينهم.
 
ج/- لا يجوز الخوض في ذلك بقول أن "زيدا" ألحقه بقومه وكفره وهذا الإلحاق صحيح بحكم قاعدة التعميم مع مخالفة حقيقة الأمر!
 
وهذا القول مما ينقض أصل الإسلام رأسا، لأن فيه غضا وغمزا وليس من إجلال النبي ﷺ وتوقيره وتعظيمه الذي أمرنا به.
 
* فكيف يتجرأ مسلم قد امتلأ قلبه بالإجلال والتوقير الشرعي للنبي ﷺ على القول بأن فلانا كفره إلحاقا بقومه وهذا الإلحاق حق باعتبار قاعدة التعميم والإلحاق مع مخالفة حقيقة الأمر؟!
 
• سبحان الله و نعوذ بالله من هذا القول.
 
* وهل لو كان القائل بحضرة النبي ﷺ وأصحابه سيتجرأ على قول هذا مخاطبا للنبي ﷺ بأن فلانا قد كفرك إلحاقا بقومك وكلامه صواب باعتبار قاعدة الإلحاق وليس الحقيقة؟!
 
د/- نصوص تكفير الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام لعموم أقوامهم وتكفير الصحابة -رضي الله عنهم- لعموم "المرتدين" نصوص صريحة في التعميم وعدم اعتبار لما يسمونه "بمجهول الحال".
 
← أما ما رواه البخاري في صحيحه وغيره عن سَالِم، أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيُ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ».
 
- وتوجيهنا وحملنا للحديث كما وجهناه ليس تكلفا بل هو الواجب بما يليق بمنزلة وكمال النبي ﷺ في كل أحواله وهذا هو الواجب المحتم علينا بالنص الصريح وليس بمجرد الرأي حيث نص على ذلك تحديدا كما روى ابن ماجة عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما- والرواية عن علي أصح قالا: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ، وَأَهْدَاهُ، وَأَتْقَاهُ».
 
ولا يمكن تفسير وحمل وتوجيه الحديث على أَهْنَاهُ، وَأَهْدَاهُ، وَأَتْقَاهُ ليستقيم مقام النبي ﷺ وكماله على غيره في كل حال إلا بما ذكرناه من هذا الحمل والتوجيه، والتوجيه تفصيلا كالتالي:
 
1/- اللفظ فيه دلالة عامة على أن الأصل في اللحوم والذبائح أنها مما يذبح للأنصاب والأصنام وإن كان لا يلزم أن كل ما يذبحونه يكون للأنصاب فقطعا أن هناك ما يذبحونه في أحوال وأوقات ليتناولوه دون الذهاب بها لتذبح لدى أنصابهم ولكنه ذبح بدون تسمية الله.
 
2/- قوله فيه امتناع وتورع عن اللحم لسببين:
 
أ)- لأن أغلب ذبح الأنعام يكون عند أنصابهم.
 
ب)- ولعدم تسمية الله عند الذبح.
 
3/- اللفظ غير صريح بكون الذابح هو النبي ﷺ ولا دلالة فيه بأنه إذا ذبح لا يذكر اسم الله لأن اللفظ عام.
 
4/- معرفة تحريم لحم الميتة وتحريم تناول لحم ما يذبح للنصب وكذلك التسمي عند الذبح خبرية لا تدرك إلا لمن بلغه خبر بشأن ذلك عن الأنبياء السابقين مع أنه لا دلالة صريحة بتلبس النبي ﷺ بذلك، فلا يلزم أنه هو من باشر الذبح.
 
5/- وسبب سكوت النبي ﷺ لأن مصدر اللحم قد ذبحه غيره ممن لا يسمي عند الذبح قطعا فلم يذكر اسم الله عليه كما جرت عادتهم ولكن لا يلزم أن هذا اللحم مما ذبح للأصنام لأن اللفظ قد ذكر سببين لامتناع "ابن نفيل" عن اللحم (الذبح على النصب والتسمية).
 
- والثاني وهو "التسمية" غير متحقق قطعا إذا كان الذابح غير النبي ﷺ فلا يلزم أن النبي ﷺ هو من باشر الذبح أو أنه كان إذا ذبح لا يسمي.
 
وهذا كحال من جاءك فأكرمته بتقديم وجبة لحم فقال أنا لا آكل مما يذبح هنا، وأنت لا تعرف من ذبح أو أنك تعرف أنه منهم واشتريته سهوا وغفلة.
 
6/- قد جاء عن علي -رضي الله عنه- في سنن ابن ماجة: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ، وَأَهْدَاهُ، وَأَتْقَاهُ».
 
وهذا نص صريح في وجوب التوجيه والحمل على أفضل وأكمل المحامل وكما يليق بمقام النبي ﷺ وعلو منزلته وكماله على غيره من البشر في كل أحواله.
 
7/- وجاء في شرح البخاري: كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي ﷺ فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي ﷺ لزيد بن عمرو، فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطباً لقريش الذين قدموها أولاً: "إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم"{عمدة القاري| 11/540}.
 
 
 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين 
 
 

Contact Form

Name

Email *

Message *