الرد على شبهة وفهم من حديث الحميدي والطحاوي الذي فيه عَدمُ غَزو أهل مكّةَ أبدًا -لَا يُغْزَوْنَ عَلَى الْكُفْرِ أَبَدًا- بعد فتح مكّةَ.


 

  ✺ وبيان أن نص الحديث ليس فيه أي دلالة على (أنه لن يتلبس معظم وغالب أهلها بالكفريات المخرجة في أي زمن من الأزمان)، وبيان الفرق بين دلالة اللفظين.

 

  ✺ وبيان أن النصوص الصحيحة دلت على أن مكة ستعود في بعض الأزمنة ''دار كفر'' وليس فيها مسلم يقول: "الله..الله".

 

  ✺ وبيان أن ''أَبَدًا'' في النصوص واللغة لا تدل في كل حال على استغراق كل زمن.

 

  ✺ وبيان أوجه أخرى للرد بنظائر من النصوص والآثار واللغة.

 

  ✺ وبيان بطلان احتجاج بعضهم على استحالة رجوعها ''دار كفر'' بوقوع معظم أهل مكة في الكفريات المخرجة في كل الأزمنة.

 

الحديث:

 

(582)- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ الْبَرْصَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا»؛ قَالَ سُفْيَانُ «تَفْسِيرُهُ عَلَى الْكُفْرِ». [مسند الحُمَيْدي].

 

(1509)- كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ "لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا"؛ قَالَ: سُفْيَانُ تَفْسِيرُهُ: "أَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ أَبَدًا، وَلَا يُغْزَوْنَ عَلَى الْكُفْر"،ِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَذَلِكَ مَعْنَى لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْعَامِ صَبْرًا إنَّمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ كُفَّارًا يُغْزَوْنَ حَتَّى يُقْتَلُوا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا لَا تَعُودُ مَكَّةُ دَارَ كُفْرٍ تُغْزَى عَلَيْهِ وَبِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقُ. [شرح مشكل الآثار للطحاوي].

 

- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 

1/- النصوص والآثار لا يضرب بعضها ببعض كما يفعل أهل الأهواء والبدع!

 

• وسيأتي بيان أن هذا الحديث وأمثاله له نظائر في الشريعة في مسائل أخرى ولم يفهم منه أهل السنة التنكر والطرح للنصوص والآثار الأخرى.

 

2/النصوص والآثار صريحة بتكفير أي مجتمع علم يقينا بأنه قد تحقق فيه غلبة وشيوع الكفريات المخرجة بين أكثرهم كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- مع المجتمعات التي غلب على أهلها التلبس بالكفر زمن الردة.

 

• والصحابة قد اختلفوا من جهة (تحقق ثبوت الردة) في بعض المرتدين كبعض قوم مالك بن نويرة.

 

3/- وإذا خرج من عموم واستغراق لفظ (أبدا) الزمن الذي يسبق الساعة حين تكون (مكة وغيرها) ''دار كفر'' وليس فيها من يقول ''الله الله'' وفي لفظ ''لا إله إلا الله''.

 

← أَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 148 (234) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ". وانفرد به عن البخاري.

 

← وأَخَرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِه (13833) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".

 

- واحتمل كثير من المنسوبين للعلم أن ذلك الزمن هو الذي تهدم فيه الكعبة من ذي السويقتين الحبشي.

 

◆ أقول: فإذا خرج ذلك الزمن من استغراق وشمول لفظ (أبدا) فما المانع أن يقع في بعض الأزمنة غلبة التلبس بالكفريات من أكثر أهلها؟!، ولا يلزم من تحقق ذلك أن تغزى وتقاتل بل قد ينتشر فيهم التوحيد بالدعوة.

 

* وهل عدم غزونا لإيران أو لبنان أو غيرها من المجتمعات التي غلب على أهلها الكفر يدل على عدم تحقق وصف الكفر لتلك المجتمعات؟

 

• وكثير من الجهمية المخالفين المعترضين لايتردد في وصف حكم عام على جميع أفراد تلك المجتمعات (باعتبار أن أغلب أهلها ممن تلبسوا بالكفريات المخرجة).

 

”وعلى ذلك فإذا ثبت عند أحد التيقن من ذلك الوصف في أهل مكة أو غيرهم (في زمن من الأزمان) فيجب أن يحكم عليهم بحكم الصحابة -رضي الله عنهم- على مجتمعات المرتدين زمن الردة“

 

4/- مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت قبل الهجرة دار كفر لأن غالب أهلها على الكفر مع وجود قلة من المسلمين، وقلبت إلى دار إسلام وأصبح غالب أهلها من المسلمين (بالدعوة وليس بالغزو).

 

• فلا يلزم من شيوع الكفر في أغلب المجتمع أن تفتح تلك الأرض بالغزو.

 

- وكذلك الحال في مكة لو تيقن البعض يقينا أنها في زمن من الأزمنة قد تحقق تلبس معظم أهلها  بالكفريات المخرجة من الملة وكان أهل التوحيد قلة، ثم دعوا إلى التوحيد واستجاب أكثرهم دون غزو وقتال.

 

• وبذلك قد تحقق ما جاء في الحديث وتحقق أيضا وصف أهلها بالكفر قبل رجوع أكثرهم للتوحيد.

 

”وبذلك يتبين أن تحقق الكفر في أغلب أهلها في زمن من الأزمان لا يلزم منه في كل حال أن تغزى لأجل الكفر“

 

5/- النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر عن أمر بلفظ عام ويريد به أزمنة معينة أويريد به الكثرة وغالب الأزمنة، ولفظ (أبدا) من جهة ورودها في نصوص الشريعة وفي اللغة قد يراد بها زمنا طويلا أو غالبا.

 

▪ ومن ذلك ما ورد في الصحيحين:

 

← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (1344)، ومُسْلِمٌ (2296)، فِي صَحِيحهِما؛ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "... وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا".

 

← وأَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (2812) (65)؛ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ".

 

◆ ومع أن لفظ الحديث قد يفهم منه البعض العموم والاستغراق إلا أن معناه يحتمل معنيين:

 

* مجرد إخبار عن يأس الشيطان ولا علاقة له بما قد يقع مستقبلا.

 

* وأيضا يراد به في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

• لأن بعض العرب رجعوا للشرك وعبادة الأوثان والشيطان بمجرد وفاته صلى الله عليه وسلم، وسيرجع الشرك قبيل قيام الساعة:

 

← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ (7116)، ومُسْلِمٌ (2906) ( 51 )، فِي صَحِيحهِما؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ". وَذُو الْخَلَصَةِ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ.

 

← وعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ"؛ أخرجه بهذه الزيادة أبو داود (4252) والترمذي (2219) وابن ماجه (3952)، وأحمد (22395)، وأصله في مسلم (2889).


 

 وصلّى الله وسلّم وبارك على محمّد وآله وصحبه أجمعين 


 

Contact Form

Name

Email *

Message *