سَلُّ الحُسَامِ عَلَى دَوْلَةِ الأصْنَامِ فِي العِرَاقِ وَ الشّام.

 
 
 
 

 سَلُّ الحُسَامِ عَلَى دَوْلَةِ الأصْنَامِ فِي العِرَاقِ وَ الشّام

 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
   
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فقد أطَلَّت علينا دولة البغدادي، دولة الكفر والغدر والكذب والتّلون ببيان جديد، يلبسون فيه على الناس -كعادتهم-، ونحن خَبَرنا القوم وكُفرَهم، ونعرف كذبهم وخداعهم ومكرهم وأول ما اطلّعت على البيان قلت في نفسي: لن أكتب ردا عليه،لأن أمرهم واضح وتلاعبهم بالدين معروف، لكن لما رأيت فئاما من الناس فتنوا به وزعموا أنهم تابوا من الكفر الذي كانوا عليه، وأن هذا الذي أظهروه هو التوحيد الذي أمر الله به، كان لزاما أن نتصدى لهم.

- وهذا البيان مليئ بالتناقضات، والعجيب أن بعض الشباب تناقلوه على مواقع التواصل وتداولوه مستحسنين له، وما دَروا أنهم نشروا تناقض وكفر من يناصرونه، جهلوا ذلك أو علموه ونحن -بفضل الله- بالمرصاد لهذه الدولة، ولن نتركها تلبّس على الناس، وكلما عادت لنشرِ باطل عدنا لدحضه بالحق، وكما قيل:

" إِنْ عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنَا لَهَا *** وَكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ ".

وللرد على هذا البيان أقول مستعينا بالله: إن الله جعل الحقّ بازغًًا ظاهرًا،يأتي على الباطل فيُذهبه فلا يُبقي منه ولا يذر.

* قال الله تعالى ٰ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾{الإسراء: 81}.
  
* قال الله تعالى ٰ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون﴾{الأنبياء: 18}.

• فالله سبحانه وتعالى أنزل كتابه فيه هدى للناس، أتى كتابه على الباطل فإذا هو ﻫﺎﻟﻚٌ ﻣﻀْﻤﺤِﻞ.
  
- قال أبو بكر الخلال : قَالَ حَنْبَلٌ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : « مَا ابْتُدِعَ فِي الإِسْلامِ بِدْعَةٌ إِلا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يُكَذِّبُه ». {السنة: 914}.

وقد نها ربنا تبارك وتعالى بني إسرائيل أن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون﴾{البقرة: 42}.
  
• قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ ثَنَا آدَمُ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} يَقُولُ وَلَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَأَدُّوا النَّصِيحَةَ لَعِبَادِ اللَّهِ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

• حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثَنَا صَفْوَانُ ثَنَا الْوَلِيدُ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} قَالَ: لَا تَلْبِسُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بِالْإِسْلَامِ، إِنَّ دِينَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَالْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِدْعَةٌ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ.

- قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوُ قَوْلِ قَتَادَةَ.{تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله ﷺ والصحابة والتابعين}.

- فكان مِن شأن اليهود -لعنهم الله- أنهم كانوا يخلطون الحقّ بالباطل، ويأتون بشيء من الباطل فيُلبسونه لبوس الحقّ، ليوهموا الناس أنهم على الحق.

* قال الله تعالى ٰ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾{آل عمران: 78}.

ودولة البغدادي تَبَعٌ في ذلك لليهود.

والرد -إن شاء الله- على بيانهم سيكون كالتالي: تحديد النقاط المهمة بالترتيب والرد عليها بالكتاب والسنة وآثار السلف، وإلزامهم بكلام كبرائهم.

- وأولا يجب بيان سبب إصدارهم لهذا البيان في هذا الوقت بالضبط: وذلك أن أغلب الناس تركت القتال معهم ومنهم من هو مرتاب من ذلك -وإن لم يكن يكفرهم- فإنه يخاف أن يموت على الكفر وقد رأى الناس يكفرون جماعته بعدة نواقض، فهذا البيان سياسي أكثر منه شرعي، ليجمعوا شتات مقاتليهم بدأوا بيانهم هذا بالحديث عن نشأة دولتهم، وتزكية أنفسهم كحال اليهود (وتَبِعتهم في ذلك المرجئة).

* قال الله تعالى ٰ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًاَ﴾{النساء: 49}.

- قال أبو بكر الخلال: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ عَالِمٌ، فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النَّارِ».

• أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، قَالَ: الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا؟ قَالَ: «هُوَ كَافِرٌ حَقًّاِ» {السنة: 974}.

نقول لهم: ”نشأتكم معروفة لدى الجميع، ففي أول الأمر كانت بقيادة القاعدة عندما أعلن "الزرقاوي" الولاء "لابن لادن" وبايعه،وكان اسمكم وقتها "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، وبعدها صارت قيادتكم على يد من كان بالأمس القريب ضابطا في نظام البعث عند "صدام حسين"، "كحجي بكر العراقي" الذي قتله ما يسمى "بلواء التوحيد" في تل رفعت وهو وقتها لا يكفر الجيش الحر ويقول إخواننا بغوا علينا! شهد على هذا من سمع منه،وكذلك "حجي عبد الناصر العراقي" و"أبو معتز القرشي العراقي" و"أبو أيمن العراقي" و"أبو يحيى العراقي" وغيرهم، وكل هؤلاء نعرف انتسابهم "لصدام حسين" سابقا، وإن كانوا قد تركوا عقيدة البعث فإنهم انتقلوا إلى "عقيدة التجهم" وبقيت عقلية البعث في التعامل مع المخالفين راسخة عندهم“

* قد يقول قائل: ولكنهم قد تابوا من ذلك، فلماذا إلزامهم بهذا؟

أقول: هم يُصوّرون أنفسهم أنهم جددوا الدين في عصرنا هذا، وأن قادتهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،والواقع أنهم حدثاء عهد "بعقيدة البعث".

* فكيف يكون بعثيّ الأمس قائدا للمسلمين اليوم؟!

اللهم إلا أن يسلم فيحسن إسلامه.

ثم شرعوا في ذكر من ينسب لهم أقوالا لم يقولوا بها -على زعمهم- أبرزها.

1)- قالوا: «فهمنم من كان يقول بإسلام من لا يكفر طاغوت قومه ويزعم أنه قول الدولة».

قلت: لا أدري من يقصدون بقولهم: فمنهم، وكأن هذا القول لا يقول به إلا بعض المنتسبين لهم، والحقيقة أن هذه العقيدة الكفرية دُعي إليها وقُرِّرَت في مناهج التعليم في المعسكرات، وتلقاها آلاف الجنود وماتوا عليها، جاء في كتاب "مقرر في التوحيد" وهم يذكرون التفصيل البدعي في تكفير من لم يكفر المشركين.
 
2)- قالوا: «أن يكون تكفيره محتملا للشبهة، كالحكام الحاكمين بغير ما أنزل الله ونحوهم، فهؤلاء وإن كان كفرهم قطعيا عند من حقق المسألة، فإن ورود الشبهة محتمل فلا يكفَّر من لم يكفرهم، إلا إن أقيمت عليه الحجة، وكشفت عنه الشبهة وأُزيلت، وعرف أن حكم الله فيهم هو تكفيرهم». انتهى كلامهم -لعنهم الله-.

ولنا مع هذا الكلام وقفات وردود على اعتراض المعترضين:

أ/- هم قالوا أن هذه عقيدة أشخاص بعينهم، فظهر أن الأمر على خِلاف ما ادعوه، وإذا لم تكن هذه عقيدة الجماعة بالكامل، فهي على أقل الأحوال عقيدة ديوانٍ بالكامل "ديوان التعليم" فإذا قالوا لا يمثّل الدولة إلا قول أميرها ومتحدثها وكل من صدر منه كفر ممن ينتسب للدولة فلا يتعدى لكامل الأفراد.

فنقول: لا بأس بهذا، إذن "فديوان التعليم" ديوان كفر إلا أن يظهر مقررا يتبرأ فيه من هذا الكفر، ويُقرّر فيه التوحيد.

ب/- ما حكم الجنود الذي تلقوا التوحيد -زعموا- من هذا المُقرّر؟!

وقد علمنا أنهم درّسوه لأكثر من سنة في معسكراتهم، فيبلغ عدد الجنود الذين أخذوا هذا التفصيل الآلاف.

* فما حكم هؤلاء الجنود وما حكم من مات منهم على هذه العقيدة؟

أجيبونا!

ج/- وكيف لدولة زعمت "إقامة الخلافة"، يتسلل الكفر في معسكراتها لمدة طويلة والأمر عرفه القاصي والداني، قد تناقل الناس في وسائل التواصل هذه المقررات وتحدثوا عن الكفر الذي فيها،وهؤلاء أناسٌ لم يسافروا للدولة، أناسٌ من تونس والجزائر ومصر وغزة وغيرها من الأمصار.

* فهل عرف هؤلاء أن معسكرات الدولة يُدرّس فيها الكفر وجَهِله البغدادي وزمرته -إن هذا لأعجب العُجاب-؟!

* وكيف لأناسٍ لا يستطيعون ضبط "أصل الدين" بين جنودهم أن يقيموا "دولة الإسلام" وهم لم يقيموا التوحيد فيما بينهم؟!

د/- هذا التفصيل الكفري مِن أبرز من عُرف به في الدولة "القحطاني" و"البنعلي"، وتبعهما في ذلك عبيدهم من "السعوديين"، وقد طاف "القحطاني" الجهمي على بعض الولايات (كدير الزور وحلب والفرات) وجمع كل المنتسبين للدواوين الشرعية، ولقّنهم هذه "العقيدة الكفرية"، فتلقوها بالقبول، والتسجيلات موجودة، وعُرف هذا الأمر وانتشرت التسجيلات في الدولة من غير نكير.

* فأين كان "البغدادي" وزمرته كل هذه المدة، هل كانوا في السِّرداب؟

- لا يستطيعون إيقاف زحفِ التجهم الذي عصف بجنودهم.

• وأضيف هنا تنبيها مهما: قالوا في بيانهم الأخير أن عقيدة الدولة هي ما صدرت من أميرها أو مفوضيه (اللجنة المفوَّضة) أو متحدثها؛ ففي الوقت الذي كان "القحطاني" يصرح بهذه العقيدة كان منصبه "شرعي اللجنة المفوضة".

- وخلاصة كلامه -لعنه الله-: «أن تكفير الطاغوت ليس شرطا في صحة الكفر بالطاغوت، فقد يكون المرء كافرا بالطاغوت مع أنه لا يكفره لشبهة، فالكفر بالطاغوت يحصل بترك عبادته واعتقاد بطلان عبادته». هذا خلاصة كلامه.

فتبيّن -والأمر واضح لا لبس فيه- أن قولهم فمنهم ما هو إلا ذَرٌّ للرّماد في العيون، ليوهموا الناس أن هذه عقيدة شرذمة قليلة وقد تم إقصاؤهم وإصلاح الأمور.

* ثم جاء في البيان: «ومنهم من كان يجعل تكفير المشركين مسألة خفية أو خلافيةِ».

أقول: هذا أيضاً كنتم تدرسونه في معسكراتكم للجنود المنتسبين.

- جاء في كتاب مقرر في التوحيد -زعموا-:

الثاني: الكافر المنتسب إلى الإسلام، وهو من نطق بالشهادتين، ولكنه ارتكب مكفرا يخرجه من دائرة الإسلام.
وهؤلاء يتفاوت كفرهم من حيث الوضوح والخفاء إلى أقسام:

1- «من كفره واضح صريح يدل عليه صريح الكتاب والسنة، كالمشركين الذين يعبدون ويدعون غير الله، فهؤلاء عملهم مناقض لأصل كلمة التوحيد،ومضاد لها من كل وجه، ومن لا يكفرهم لا يخلو من حالتين:

* إما أن يرى فعلهم صحيحا ويقرهم عليه فهذا كافر مثلهم وإن لم يرتكب الشرك بنفسه، لأنه صحح وأقر فعل الشرك، وهذا كفر، والعياذ بالله.

* وإما أن يقول إن فعلهم كفر وشرك، ولكن لا يكفرهم متأولا عذرهم بالجهل، فهذا لا يكفر لأنه لم يصحح أو يقر فعلهم،ولكن عرضت له شبهة عذرهم بالجهل، فلا يكفر للشبهة التي عرضت له، وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات فمن باب أولى التكفير، ومن ثبت إسلامه بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، والتأويل -في إعذارهم بالجهل- يمنع من تكفيره ابتداء حتى تبين له النصوص، وترفع عنه الشبهة، فإن لم يكفرهم بعد ذلك كفر». ا.هــ




قلت: هذا تقسيم طاغوتي باطل يرمى في الحش ولا يلتفت إليه، وفيه قياس فاسد، وهو قياس الفروع (الحدود) على مسائل أصول الدين (تكفير المشركين) فهذا مِن أبطل القياس وأفسدِه.



والشاهد هو تقريرهم أن تكفير المشركين وطواغيت "مسألة خفية".

”وليُعلم أن نقلنا لهذا الكلام لبيان أن هذه العقيدة مما كانت تدرَّس عندهم، ويبدَّع من خالفها، ويتبين بهذا كذبهم وزعمهم أنهم لم يقولوا بهذا القول أبدا، ونحن لم نرد الاحتجاج بكتاب "تبصير الحائر" الذي كتبه "البنعلي" أيضا لعلمنا أن الدولة لم تلتزم بكل ما فيه، ولكن احتججنا عليهم بهذا الكتاب (كتبه البنعلي أيضا) لأنه دُرّس في المعسكرات مدة طويلة، وقُتل آلاف من الجنود تلقوا دينهم من هذا المقرر ولكن هؤلاء القوم لا يعترفون بالخطأ، فما المانع أن تقول: كنت كافرا وهداني الله للإسلام، أو كنت مخطئا وها أنا راجع إلى الحق، فغالبنا كنا على الكفر، ثم هدانا الله للإسلام، ثم كانت لنا بدع وهدانا الله للسنة، والحمد لله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن أن يبقى المرء مصرا وهمه جمع الناس على القتال ولو كان بالباطل، ويلقى هؤلاء بقول أولئك بقول آخر، فهذا رجل مفتون“

• قال الإمام الدارمي: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ أَهْلُ الضَّلَالَةِ، وَلَا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَي النَّارَ، فَجَرِّبْهُمْ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَنْتَحِلُ قَوْلًا أَوْ قَالَ: حَدِيثًا فَيَتَنَاهَى بِهِ الْأَمْرُ دُونَ السَّيْفِ، وَإِنَّ النِّفَاقَ كَانَ ضُرُوبًاِ، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾َ(التوبة 75).﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾(التوبة58)، ٰ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمَْ﴾(التوبة61)، فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا، فِي الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي السَّيْفِ، وَلَا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَي النَّارَ». قَالَ حَمَّادٌ: ثُمَّ قَالَ أَيُّوبُ عِنْدَ ذَا الْحَدِيثِ أَوْ عِنْدَ الْأَوَّلِ: وَكَانَ وَاللَّهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ : يَعْنِي أَبَا قِلَابَةَ. {السنن |بَاب اتِّبَاعِ السُّنَّةِ}.

- ثم جاء في البيان: «ومنهم من كان يبيح شرك التحاكم إلى الطاغوت بدعوى الضرورة التي ينزلها منزلة الإكراهِ».

قلت: وهذه عقيدة شركي بلعمي"تركي البنعلي"، وذكر ذلك في كُتيِّب "فقه النوازل"، وهذا الكتاب دُرِّس في معسكراتهم مدة.

- وكذلك جاء في البيان: «ومنهم من يتوقف في تكفير المنتخبين بدعوى جهلهم لحقيقة الانتخابِ».

أقول: اشتراط الرضا والعلم بحال الانتخابات للتكفير قاله "أسامة ابن لادن" ونقله "العدناني" مقرا له، ~ قال العدناني الهالك: «أيها الجاهدون، أيها الناس أعيروا سمعَكُم، فإنّ حديثي لهُ ما بعدَه أعيروا سمعَكُم، أنقلُ لكُم بعضاً من كلام مشايخنا وقادتنا وأمرائنا قادة القاعدة، قاعدة الجهاد.
قال الشيخ الإمام المجدد أسامة بن لادن، في الخطاب الثاني والعشرين، وهو رسالةٌ إلى أهل العراق خاصة والمسلمين عامّة، قال فيها فلو التزمَ الناسُ بجميع أحكام الإسلام إلاّ الالتزام بتحريم الربا مثلاً، وأباحوا البنوكَ الربوية، فإن دستور هذه الدولة يُعتبر دستوراً كفرياً، لأن هذا التصرّف يتضمن اعتقادَهُم عدمَ كمال الشريعة وكمال مُنَزّلها سبحانه وتعالى، ولا يخفى أنّ هذا كُفرٌ أكبر مُخرج من الملّة، فضلاً عن أنّ هذه الانتخابات تجري بأمر أمريكا تحت ظلّ طائراتها وقذائف دبّاباته وبناءً عليه: إن كل مَن يشارك في هذه الانتخابات -والتي سبقَ وصفُ حالِها- عن عِلمٍ ورِضا، يكونُ قد كفرَ باللهِ تعالى، ولا حولَ ولا قوّة إلاّ باللهِ» {انظر كلمته عُذراً أميرَ القاعدة لمؤسسة الفرقان}.

فانظر كيف اشترط الرضا والعلم بحال الانتخابات لتكفير المنتخب.

- إلى أن قالوا: «أما الصنف الثاني: من طعن فيها بل وكفرها لتأثره ببدعة الخوارج أو المعتزلة، فعاب بعضهم عليها أقوالا هي محض قول أهل السنة والجماعة جهلا منه بمنهج وأقوال أهل السنة، ونسب البعض إليها أقوالا لم تقل بها أصلا، سبحانك هذا بهتان عظيم، وهؤلاء أضرب أيضا فمنهم من كفرها لأنها لا تقول بالسلسلة البدعي الذي أحدثته المعتزلة، وهذا حق وهي تجري في ذلك على مقتضى قول أهل السنة والجماعةِ».

والرد على هذا الكلام سيكون في نقاط محددة:

1)- توضيح معنى التسلسل وما يقصدون به من أقوالهم أنفسهم.
2)- تحديد نقطة الخلاف معهم في هذه المسألة.
3)- الرد على شبهة أن المعتزلة تقول بهذا.

أقول مستعينا بالله: إن دولة البغدادي تعتقد أن من لم يكفر المشركين كافر بعد قيام الحجة عليه، وكانوا من قبل يعتقدون أنه كافر بعد إزالة الشبهة وكشف اللبس، وغير ذلك من القيود الباطلة، ولكنهم عدلوا عقيدتهم بما أن عدد المكفرين للعاذر في دولتهم في ازدياد، فقالوا بهذا القول ليجمعوا بين جنودهم على عقيدة تكون وسطا بين العقيدتين ويرتضيها الجميع.

ونحن في هذا المقام نلزمهم بالبيان الذي صدر عن المكتب المركزي، بما أنهم في بيانهم الأخير الذي أصدرته اللجنة المفوضة أقروا ذلك البيان، وقالوا ندين بما فيه.

* جاء في الصفحة الثالثة من البيان الصادر عن المكتب المركزي: قال "المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية" (كتاب رقم 155 بتاريخ 22 / 08 / 1437 هـ) ... «إن المتوقف في تكفير المشركين (المنتسبين للإسلام) مرتكب لناقض مجمع عليه وكفرها مبنية على قيام الحجة بخلاف الذي عبد غير الله». أ.ه

فهذا كلامهم واضح صريح لا لبس فيه أنهم يخرجون تكفير المشركين من "أصل الدين"، ويفرقون بين كفر المشرك وكفر عاذره.

”فهم يعتقدون أن تكفير المشركين ليس من "أصل الدين" الذي لا يعذر فيه بجهل ولا تأويل، ولكنه مثل بقية الشرائع كالصلاة والزكاة وغيرهما وإن كانوا يصرون بأن "تكفير المشركين" أهم من هذا فإن العبادات والفروض تتفاوت بعضها على بعض“

* وجاء في الصفحة الأولى من نفس البيانية وهم يسردون عقيدة "أهل التوحيد" -زعموا- في الباب: - القول الأول: «من توقف في تكفير المشركين (العابدين لغير الله) المنتسبين للإسلام فهو مشرك مثلهم، لأن تكفيرهم من "أصل الدين"، فالمتوقف فيهم هو كمن عبد غير الله، وهو ملحق بهم في الاسم والحكم مطلقاِ». أ.ه

• ثم عقبوا على هذا القول: «أنه متضمن لمعنى فاسد،إذ أن الشرك الأكبر له حقيقة وصفة، إن تحققت أطلق اسم "المشرك" على من تلبس بها، فلو ساوينا المتوقف عن التكفير بمن عبد غير الله مطلقا، فيلزم منه تكفير من توقف فيه حتما لأن الشرك بالله لا عذر فيه بالجهل، فالمتوقف (على قول الطرف الأول) مشرك كالأول، ويلزم منه أن الذي يتوقف فيه أيضا مشرك، وهكذا.
وهذا لازم حقيقي غير متوهم لهذا التأصيل، ويفضي للتكفير البدعي الباطل بالتسلسل، وهو دليل على أن هذا القول محدث وناشئ عن فهم خاطئ للنصوص ولا يمكن ضبطه، وهو مردود لبطلان لازمهِ». أ.ه

تحديد نقطة الخلاف معهم في الباب:

- إن الخلاف بيننا وبينهم أننا نعتقد أن عاذر المشرك كفره ككفر المشرك سواء بسواء، فإن عذر القبورية فهو قبوري اسما وحكما، وإن عذر الجهمية فهو جهمي اسما وحكما، لأنه حكم بإسلامهم وتولاهم، أما هم فيعتقدون أن "عابد القبر" (مثلا) ناقض "لأصل الدين"، بينما "عاذره" قد يخفى كفره فلا يكفر إلا بعد إقامة الحجة.

نقول لهم: بيننا وبينكم الكتاب والسنة وآثارالسلف، ونذكر إن شاء الله ما لدينا في هذا.

1/- قال الله تعالى ٰ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُون﴾{البقرة: 92}.

فهذه آيات نزلت في سياق الكلام عن اليهود ( زمن النبي ﷺ ).

- قال ابن جرير الطبري: «فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُخَالِفِينَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْمُكَذِّبِينَ بِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ -عَنْ فِعْلِ آبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، وَخِلَافِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ، مَعَ تَتَابُعِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَشُيُوعِ آلَائِهِ لَدَيْهِمْ، مُعَرِّفَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ -مِنْ خِلَافِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبِهِمْ بِهِ، وَجُحُودِهِمْ لِرِسَالَتِهِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ- عَلَى مِثْلِ مِنْهَاجِ آبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ، وَمُحَذِّرَهُمْ مِنْ نُزُولِ سَطْوَتِهِ بِهِمْ بِمُقَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ مَا نَزَلَ بِأَوَائِلِهِمُ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ: مِنَ الْمَسْخِ وَاللَّعْنِ وَأَنْوَاعِ النَّقَمَاتِِ».ِ{جامع البيان في تأويل القرآن}.

فهؤلاء الذين كانوا زمن النبي ﷺ لم يعبدوا العجل، ولكنهم لما لم يكفّروا أسلافهم الذين عبدوا العجل ولم يتبرأوا منهم، وتولوهم، نسب الله عبادة العجل لهم.

2/- قال الله تعالى ٰ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾{الصافات: 22}.

- قال ابن جرير الطبري: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ"؛ يَقُولُ: نُظَرَاءَهُمْ.

• حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ" يَعْنِي: أَتْبَاعَهُمْ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الظَّلَمَةِ. { جامع البيان في تأويل القرآن }.

فهؤلاء أزواج المشركين، قوم لم يفعلوا فعلهم، ولكنهم تولوهم، فيحشرون معهم.

3/- عموم الآيات في كتاب الله التي أخبر فيها سبحانه وتعالى أن من تولى الكافرين والمشركين فهو منهم.

* قال الله تعالى ٰ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾{المائدة: 51}.

”فأخبر سبحانه أن الذي يتخذ اليهود والنصارى أولياء فهو منهم (يهودي أو نصراني) ولو لم يعتقد عقائدهم، فمجرد موالاته إياهم كافية لإلحاقه بهم، والموالاة قد تكون في محبتهم، أو في محبة دينهم، أو في الحكم بإسلامهم ومعاملتهم معاملة المسلمين، أو في الدخول في دينه“

فأما موالاتهم في عدم البراءة منهم:

- فقد قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا أَبُو الْأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ وَقَامَ دُونَهُمْ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَلَهُ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّأَ مِنْ حِلْفِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. فَقَالَ: أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. قَالَ: فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ الْقِصَّةُ فِي الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْض». {تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول ﷺ والصحابة والتابعين}.

وأما موالاتهم بالدخول في دينهم:

- فقد قال ابن أبي حاتم: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" قَالَ: «لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ اشْتَدَّ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ وَتَخَوَّفُوا أَنْ يُدَالَ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِهِ: أَمَّا أَنَا فَأَلْحَقُ بِهَذَا الْيَهُودِيِّ فَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا وَأَتَهَّوَدُ مَعَهُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُدَالَ عَلَيْنَا الْيَهُودُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَلْحَقُ بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ بِبَعْضِ أَرْضِ الشَّامِ فَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا وَأَتَنَصَّرُ مَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا يَنْهَاهُمَا فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْض"». {تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول ﷺ والصحابة والتابعين}.

فمن تولى الكفار وحكم بإسلامهم فهو كافر من جملتهم،وإن لم يقصد الكفر ولم يشعر به:

- قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ: «لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، قَالَ: فَظَنَنَّاهُ أَنَّهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"». {تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول ﷺ والصحابة والتابعين}.

- قال أحمد في المسند: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِطْ عَلَيَّ، فَقَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُصَلِّي الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَنْصَحُ لِلْمُسْلِمِ، وَتَبْرَأُ مِنَ الْكَافِرِ». {تتمة مسند الكوفيين}.

4/- كذلك ما جاء عن سلفنا الصالح -رحمهم الله- في معاملة أهل الزندقة والبدع، وإلحاق أخدانهم بهم وإن لم يعتقدوا عقائدهم.

• قال أبو يعلي: قَالَ مُحَمَّد بْن عبد اللَّه الخياط: "كَانَ أَبُو حفص بْن رجاء لا يكلم من يكلم رافضيا إلى عشرة"، عمر بن محمد بن رجاء أبو حفص العكبري: حدث عن عبد اللَّه بْن إمامنا أَحْمَد وقيس بْن إبراهيم الطوابيقي وموسى بْن حمدون العكبري وعصمة بْن أَبِي عصمة وغيرهم وَكَانَ عابدا صالحا. روى عَنْهُ جماعة مِنْهُمْ أَبُو عبد اللَّه بْن بطة وَقَالَ: إِذَا رأيت العكبري يحب أبا حفص بْن رجاء فاعلم أنه صاحب سنة. {طبقات الحنابلة| 2/56}.

فالسلف -رحمهم الله- قد ألحقوا بالجهمي -مثلا- وغيره من أهل الأهواء من يجالسه بعد العلم بحاله اسما وحكما، ولا شك أن المجالس أخف حالا وأهون شرا ممن عذرهم ولم يكفرهم.

* فقد كان الشيخ أبو حفص بن رجاء يتسلسل في هجر من يجالس فكيف بمن لا يكفر؟

فإلحاق العاذرية عن طريق التسلسل بالمشرك وزوجه أولى من المجالس.

• قال أبو يعلي: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﻤﺪ اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ﻗﺮاءﺓ ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺪاﺭﻗﻄﻨﻲ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺑﻜﺮ اﻟﺴﻜﺮﻱ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﺩاﻭﺩ اﻟﺴﺠﺴﺘﺎﻧﻲ ﻳﻘﻮﻝ ﻗﻠﺖ: أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ، قَالَ: لَا أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْمَرْءُ بِخِدْنِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْدَاوِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ إذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ يُحِبُّهُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَيَجِبُ الْإِغْضَاءُ عَمَّنْ سَتَرَهَا وَكَتَمَهَا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَقَّ عَلَيْهِ إشَاعَتُهَا عَنْهُ. {طبقات الحنابلة| 1/160}.

• وقال ابن بطة -رحمه الله-: «وَلَا تُشَاوِرْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اَلْبِدَعِ فِي دِينِكَ، وَلَا تُرَافِقْهُ فِي سَفَرِكَ وَإِنْ أَمْكَنَكَ أَنْ لَا تُقَارِبَهُ فِي جِوَارِكَ. وَمِنْ اَلسُّنَّةِ مُجَانَبَةُ كُلِّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهُجْرَانُهُ وَالْمَقْتُ لَهُ، وهُجْرَانُ مَنْ وَالَاهُ وَنَصْرَهُ وَذَبَّ عَنْهُ وَصَاحَبَهُ وَإنْ كَانَ اَلْفَاعِلُ لِذَلِكَ يُظْهِرُ اَلسُّنَّة» {الإبانة الصغرى| 282}.

• قال ابن بطة أيضا: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: «إِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يُصَاحِبُ مِنَ النَّاسِ إِلا مِثْلَهُ، وَشِكْلَهُ، فَصَاحِبُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مَعَهُمْ، أَوْ مِثْلَهُم». {الإبانة الكبرى |511}.

• قال الامام بن بطة: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ، قَالَ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: مَنْ سَتَرَ عَنَّا بِدْعَتَهُ لَمْ تَخْفَ عَلَيْنَا أُلْفَتُهُ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْبَصْرَةَ جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ ، يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ، وَقَدْرِهُ عِنْدَ النَّاسِ، سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلا السُّنَّةُ؟ قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ قَالُوا: أَهْلُ الْقَدَرِ؟ قَالَ: هُوَ قَدَرِيٌّ.

• قَالَ الشَّيْخُ (بن بطة): «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَقَدْ نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، فَصَدَقَ، وَقَالَ بِعِلْمٍ فَوَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَمَا تُوجِبُهُ الْحِكْمَةُ وَيُدْرِكُهُ الْعِيَانُ وَيَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ وَالْبَيَانِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:"يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّم"ْ (سورة آل عمران آية 118)».

- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ بَشَّارٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: «سَمِعْتُ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، يَقُولُ: إِذَا تَلاحَمَتْ بِالْقُلُوبِ النِّسْبَةُ تَوَاصَلَتْ بِالأَبْدَانِ الصُّحْبَةُ»، قَالَ الشَّيْخُ: «وَبِهَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ». {الابانة الكبرى}.

قلت: فتأمل كيف أن الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- ألحق بالقدري من يجالسه وإن كان يخالفه في الاعتقاد، فهذا أصل عظيم دل عليه الكتاب والسنة وآثار السلف فتنبه.

- وقال ابن الحنبلي لما ذكر أصناف الجهمية الزنادقة: «ومنهم من قال لا يكفر هؤلاء بل يسكت عنهم». {الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة}.

فألحق بالجهمية من لم يكفرهم وجعلهم من أصناف الجهمية.

الرد على شبهة أن المعتزلة تقول بهذا (التكفير بما يسمونه التسلسل):
 
- عمدة ما يحتج به القوم على هذا الكلام بل ويجعلونه من معتقد أهل السنة، ومخالفه من المعتزلة، هو كلام للإمام أبي الحسين الملطي العابد (ت 377هـ) عليه رحمة الله حين قال: «فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول في الشاك والشاك في الشاك، ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة لا اختلاف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر؛ لأن الشاك في الكفر لا إيمان له؛ لأنه لا يعرف كفرا من إيمان، فليس بين الأمة كلها المعتزلة ومن دونهم خلاف أن الشاك في الكافر كافر، ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى الأبد إلى ما لا نهاية له كلهم كفار، وسبيلهم سبيل الشاك الأول، وقال معتزلة البصرة الشاك الأول كافر لأنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك ليس بكافر، بل هو فاسق لأنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم لا، فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك الأول، وكذلك عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية له كلهم فساق إلا الشاك الأول فإنه كافر،وقولهم أحسن من قول أهل بغداد ».اهـ {كتاب التنبيه والرد}.

ولن أطيل في الرد على هذه الشبهة التافهة، لأننا ذكرنا من الكتاب والسنة وآثار السلف ما يكفي طالب الحق.

- إن كلام الإمام الملطي يقصد به أقواما من المعتزلة، ابتدعوا بدعا مخالفة للكتاب والسنة، وكفروا من خالفهم فيها، ولا يتكلم -رحمه الله- عن المشركين أو رؤوس الكفر.

* فهل يقول هؤلاء الكفرة -المحتجون بكلامه- أن من حكم بإسلام إبليس أو فرعون لا يتسلسل في تكفيره؟!

- قد يقول قائل منهم: لكن هؤلاء ذكرهم الله في كتابه بأعيانهم.

نقول: كفر من نقض التوحيد بفعل الشرك أعظم وأظهر من كفر المكذب للنصوص، من وجوه:

* نقض التوحيد الذي يعلم بالفطرة.

*  تكذيب النصوص التي فيها ذكر كفر المشركين.

* عدم تحقيق الشهادة.
 
* وعدم تمييز ومعرفة الإسلام من الكفر.
 
* ولعدم تحقق الكفر بالطاغوت.
 
* ولتكذيب ورد صريح النصوص التي بني عليها أصل ولب الإسلام وحقيقته.

ولئلا يكون الكلام هكذا فقط، نذكر بعض الأمثلة العملية من أقوال المعتزلة، ليتبين إن شاء الله أن الملطي قصدهم بقوله، فهو كان يتكلم عن فرق المعتزلة وعقائدهم، فذكر ذلك في ثنايا الكلام.

- قال الإمام طاهر بن محمد الإسفراييني في حديثه عن "أبي موسى المردار" -لعنه الله-: «وكان يقول كل من قال بجواز رؤية الباري سبحانه فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر ومن شك في كفر من شك في كفره فهو كافر لا إلى غاية» {كتاب التبصير في الدين}.

- قال عبد القاهر البغدادي: «وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك فى الشاك لا الى نهاية والباقون من المعتزلة انما قالوا بتكفير من أجاز الرؤية على جهة المقابلة او على اتصال شعاع بصر الرائى بالمرئى والذين اثبتوا الرؤية مجمعون على تكفير المردار وتكفير الشاك في كفره» {من كتاب الفرق بين الفرق}.

ومن المسائل التى اخترعها "معتزلة بغداد" أيضاً أنهم كانوا يكفرون من قال "بخلق أفعال العباد" كما كانوا يقولون بتكفير المجبرة ومن شك في كفرهم إلى مالا نهاية، وعليه أكفر معتزلة بغداد "أهل السنة" والجماعة لقولهم أن أفعال العباد مخلوقة، وأكفروا كذلك معتزلة البصرة لا لنفس السبب، ولكن لأنهم كانوا يكفرون "أهل السنة" ومن شك فى كفرهم فقط.

- يقول التفتازاني -لعنه الله-: «وقالت قدماء المعتزلة بكفر القائلين بالصفات القديمة وبخلق الأعمال وكفر المجبرة حتى حكي عن الجبائي أنه قال المجبر كافر ومن شك في كفره فهو كافر ومن شك في كفر من شك في كفره فهو كافر». {شرح المقاصد في علم الكلام}.

- ويقول نور الدين التسترى -لعنه الله-: «ما نقل من الجبائي أن المجبر كافران أراد بالمجبر أهل السنة والجماعة من الأشاعرة فيجب تكفير الجبائي؛ لأنه ذهب كثير من أصحابنا إلى أن من يكفرنا فنحن نكفره،وأما قوله ومن شك في كفره فهو كافر يدل على غاية تعصب هذا القايل وأنه لم يكفر لأجل الخطأ في الاعتقاد، بل يكفر لأجل التعصب المفرط لأن الشك في كفر من كفره لم يصرح الله تعالى بكفره بالخصوص ليس بكفر». {كتاب إحقاق الحق}.

- وقد نقل عنه عبد القاهر البغدادي: «قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك فى الشاك أيضا كافر ثم كذلك أبدا... إلى أن قال .. وقوله فى مخالفيه انهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر مقابل بقول اهل السنة فيه انه كافر وان الشاك فى كفره كافر». {الفرق بين الفرق}.

* ثم جاء في البيان: «ومنهم من نسب إلى الدولة أنها تؤصل الإسلام في ديار الردة (الكفر الطارئ) وهذا كذب على الدولة ومحض افتراء».

أقول: كفوا عنا عويلكم ونباحكم، فلم ينسب إليكم هذا القول أحد من الناس، بل أنتم من صرحتم وتبجحتم به ورميتم مخالفكم بالخارجي، وقد قلتم أن عقيدتكم ما تصدر عن متحدثكم، فقد قال: «نحبُّ أن نبيّن في هذا الموطن شبهة لطالما أُثِيرت في هذه الحملة؛ إن القول بأن الأصل في الناس الكفر: لهو من بدع خوارج العصر، وإن الدولة بريئة من هذا القول، وإن مِن اعتقادها ومنهجها وما تدين الله به: أن عموم أهل السنة في العراق والشام مسلمون، لا نكفّر أحداً منهم إلا مَن ثبتت لدينا ردَّتُه بأدلة شرعية قطعية الدلالة قطعية الثبوت، ومَن وجدناه مِن جنود الدولة يقول بهذه البدعة: علّمناه وبيّنّا له، فإن لم يرجع: عزّرْناه، فإن لم يرتدع: طردناه من صفوفنا وتبرأنا منه، وقد فعلنا هذا مراراً كثيرة مع مهاجرين وأنصار» {كلمة بعنوان: لكِ اللهُ أيَّتها الدَّولةُ المظلومةُ}.

ثم طفقوا يحتجون بأحاديث النبي ﷺ في السمع والطاعة لولاة الأمر، سالكين سبيل المداخلة، ونحن لا ننازع في وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر (المسلمين) ولكن النزاع بيننا وبينكم في كون أمرائكم دخلوا الإسلام أم لا، فإننا نعتقد أنهم طواغيت كفرة من أئمة الكفر والتجهم، مثل حكام الدولة السعودية المتلبسة بالإسلام والسنة، وغيرها من الدول الطاغوتية.

- وقد يقول بعض الناس: قد تابوا من كفرهم والدليل البيان الأخير.

نقول: قد أوضحنا ما في هذا البيان من كفر وتناقض وكذب وتدليس، وعلى فرض أن البيان كله توحيد، فإن للتوبة شروطا أهمها:

أ)- أنْ تََكُون هَذه التَّوْبة خَالِصةٌ للهِ.

* قال الله تعالى ٰ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾{هود: 52}.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾{النور: 31}.

* قال الله تعالى ٰ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾{التحريم: 08}.

* قال الله تعالى ٰ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾{النساء: 17}.

ب)- فلابد من الاعتراف بما كانوا عليه من بدعة وكفر واظهار الندم.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ   وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾{التوبة: 101}.

* قال الله تعالى ٰ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾{المائدة: 39}.

* قال الله تعالى ٰ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم﴾{البقرة: 160}.

• قال ابن أبي حاتم: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، ثَنَا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ : « إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيَّنُوا الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ يَكْتُمُوهُ وَلَمْ يَجْحَدُوا بِهِ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

- وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهَرْثَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُقَاتِلَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَحْكِي عَنِ ابْنِ غَمْزَانَ الصُّوفِيِّ قَوْلُهُ:" إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " قَال: تَحْضُرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا بِدَعًا فَبَيِّنْ لَهُمُ التَّوْبَةَ.

- وحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ : " إِلا الَّذِينَ تَابُوا " يَعْنِي مِنَ الشِّرْكِ. {تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله ﷺ والصحابة والتابعين}.

• قَالَ النَّبِيُّ ﷺ « فانَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْه ِ...» بَاب حَدِيثِ الْإِفْكِ وَالْأَفَكِ بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ وَالنَّجَسِ يُقَالُ إِفْكُهُمْ وَأَفْكُهُمْ وَأَفَكُهُمْ فَمَنْ قَالَ أَفَكَهُمْ يَقُولُ صَرَفَهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ وَكَذَّبَهُمْ كَمَا قَالَ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ. {الطويل في صحيح البخاري}.

• قال بن بطة: «قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ شَقِيق كُنَّا عِنْدَ اِبْنِ اَلْمُبَارَكِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ ذَاكَ اَلْجَهْمِيّ قَالَ نَعَمْ قَال إِذْ ا خَرَجْت مِنْ عِنْدِي فَلَا تَعُدْ إِلَيَّ قَالَ اَلرَّجُلُ فَأَنَا تَائِبٌ قَالَ لَا حَتَّى يَظْهَر مِنْ تَوْبَتِكَ مِثْلُ اَلَّذِي ظَهَر مِنْ بِدْعَتِك».{الابانة الكبرى| 1/(147/148)}.

• قال محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي أبو الحسين: أَخْبَرَنَا عمي، أَخْبَرَنَا عبد العزيز بن أحمد بن قاذويه، أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمود، أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم محمد بن إدريس قَال : «ولقد ذكر لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من أهل العلم، كانت له زلة، وأنه تاب من زلته، فقال: لا يقبل الله ذلك منه حتى يظهر التوبة والرجوع عن مقالته، وليعلمن أنه قَالَ مقالته كيت وكيت، وأنه تاب إلى الله تعالى من مقالته، ورجع عنه، فإذا ظهر ذلك منه حينئذ تقبل، ثم تلا أَبُو عبد الله " إلاَّ االَذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " (البقرة: 160).» { ذيل طبقات الحنابلة }.

• وقال عثمان بن سعيد الدارمي: «فَالْجَهْمِيَّةُ عِنْدَنَا زَنَادِقَةٌ مِنْ أَخْبَثِ الزَّنَادِقَةِ، نَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا مِنْ كُفْرِهِمْ، فَإِنْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ تُرِكُوا، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهَا تُرِكُوا، وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ شُهُودٌ فَأَنْكَرُوا وَلَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا، كَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَنَّ فِي الزَّنَادِقَة»ِ.{الرد على الجهمية |181}.

ج)- ومجانبة أهل الكفر والبدعة اٍن كان بينهم.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾{مريم: 48}.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾{الكهف: 16}.

• وقال مسلم في صحيحه: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَة ».{ باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله }.

د)- وعدم احداث ردّة  أو بدعة جديدة.

* قال الله تعالى ٰ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾{النساء: 137}.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾{طه: 82}.

• قال البخاري: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ «مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ». {كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم}.

• قَالَ محمد بن مفلح بن محمد المقدسي: «فَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا وَاعْتِقَادِ ضِدَّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ دَاعِيَةً لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ ،قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا تَوْبَةَ لَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَإِذَا تَابَ الْمُبْتَدِعُ يُؤَجَّلُ سَنَةً حَتَّى تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ الْقَوْمَ نَازَلُوهُ فِي صَبِيغٍ بَعْدَ سَنَةٍ فَقَالَ جَالِسُوهُ وَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَر» {الآداب الشرعية والمنح المرعية: 109}.

 هـ)- أنْ لا تَكُون التَّوْبَةُ قَبْلَ فَوَاتِ قَبُولِهَا.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْن﴾{النساء: 18}.

* قال الله تعالى ٰ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾{يونس: 90}.

• قال مسلم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا».{بَاب بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْإِيمَانُ}.

• قال الامام أحمد في المسند: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَيُّوبُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ «مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ عَامًا تِيبَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ تِيبَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ يَوْمًا حَتَّى قَالَ سَاعَةً حَتَّى قَالَ فُوَاقًا قَالَ قَالَ الرَّجُلُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مُشْرِكًا أَسْلَمَ قَالَ إِنَّمَا أُحَدِّثُكُمْ كَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول».{مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما}.

و)- وماذا خسروا لو تركوا الكبر والعناد وأقروا بخطئهم، وتابوا لله عز وجل، ولم يداهنوا ولم يتلونوا.

* قال الله تعالى ٰ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾{فصلت: 30}. 
 
• قال ابن جرير الطبري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: ثَنَاعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تَلَا عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" قَالَ: «اسْتَقَامُوا وَاللَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعْلَب». {جامع البيان في تأويل القرآن}.

* قال الله تعالى ٰ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾{النساء: 39}.

ز)- وماذا عليهم لو تبرأوا من كفرهم وتابوا لله -عز وجل-.

- قال الدارمي: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». {السنن و كذلك رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم}.


 وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين  

 

Contact Form

Name

Email *

Message *