مسألة "إحاطة الله" ودلالتها وبيان القصور في فهم أدلتها والتوجيه الصحيح "لعلو الله" على خلقه.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسَّلَاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
• لو سلمنا جدلا بخرافة (كروية الأرض) وقصور رد شيخ العاذرية "ابن تيمية" في هذه المسألة ودعوى كروية الأرض ومع كونها مسألة سائغة ولكنها مع شهرتها لا تصح فالأرض مسطحة مبسوطة وأدلة الشريعة تشير لذلك، وجميع صور الأرض غير صحيحة، وبراهين بطلان دعاواهم وتزييفهم كثيرة، وبعض علماء الفلك المعاصرين في الغرب صرّح بأنها مجرد نظرية خاطئة متوارثة.
- ولا يُسلّم بهذا الإجماع على كرويتها وأول من ادعاه ونقله "ابن الجوزي" "وابن حزم" الجهميان، وهذا إجماع لا مستند له ولا يوجد نص أو أثر يدل عليه بل لا يصح هذا الإجماع عن علماء الشريعة ولا يصح عن علماء الطبيعة والفلك، ولم ينقل أحد من هؤلاء أثرا واحدا صريحا عن أحد من السلف يؤيد ما ادعوه من إجماع، وما جاء من نصوص وآثار عن قبة السماء لا دلالة فيها فالقبة ليست كروية، واللوازم الفاسدة من علامة بطلان القول والقول بالكروية يقتضي القول بدوران الأرض وهذا مخالف من جهتين:
← من جهة مخالفة نصوص القرار.
← ومن جهة مخالفة دوران الشمس الذي جاء النص به في الكهف ويس وصحيح مسلم.
”والأرض الكروية لا بد أن تدور ودورانها يلزم منه عدم دوران الشمس على الأرض، وماء البحار لا ينبسط كهيأته الحالية على كرة! وتأثير الضغط والجاذبية من الأسفل وليست من الجوانب، وعلى ذلك فماء المحيطات والبحار لا يظهر بهذه الحالة إلا على أرض منبسطة“
• وأما مسألة "علو الله" على جميع خلقه لو سلمنا جدلا (بكروية الأرض) فلا إشكال فيها ولا نحتاج للقول بالنسبية التي قالها الجهمي "إمام العاذرية" لأن أدلة الإحاطة قد جاءت متنوعة في إثبات هذه الصفة وهي ظاهرة الدلالة في حل الإشكال ورد الشبهة التي أثارها الجهمية وهذه النصوص كالتالي:
1/- نصوص إحاطة الله بخلقه، وهي إحاطة مطلقة شاملة كاملة والإحاطة لا تقتضي المخالطة.
2/- النصوص الدالة على أن السموات والأرض في (كف الرحمن) ولا دليل على صرفها عن حقيقتها وتخصيص ذلك بيوم القيامة لا يصح ففي يوم القيامة الطي ونحوه.
3/- ماجاء في الترمذي وغيره من حديث تدلية الحبل وتفسير الترمذي له بعلم الله لا ينافي الإحاطة الحقيقية وكلام الترمذي الذي نسبه للعلماء من باب ذكر بعض الحق وليس فيه إنكار صريح للإحاطة وذكر الأمرين معا هو الحق.
4/- ما جاء من آثار عن تقبيب الكون وأن السموات كالقبة فيها إشارة ضمنية للإحاطة.
← أخرج الطبري في تفسيره، عن عبد الله بن عمر، أنه رأى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، على المنبر يخطب الناس، فمر بهذه الآية: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " يَأْخُذُ السَّمَاوَاتِ وَالأرَضَينَ السَّبْعَ فَيَجْعَلُهَا في كَفِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِهِما كمَا يَقُولُ الغُلامُ بالكُرَةِ: أنا اللهُ الوَاحِدُ، أنا اللهُ العَزِيزُ" حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به.
← أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3199)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: "تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟" قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}".
←أَخَرَجَ أَبُو دَاوُدٍ فِي سَنَنِهِ (4726)، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:...قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا تَقُولُ ؟ ". وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ : "وَيْحَكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا - وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ - وَإِنَّهُ لَيَئِطُّبِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ ". قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ : "إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ".
• مع يقيني بخطأ قول (كروية الأرض) ولكن من كَفَّرَ بالخلاف في كروية الأرض فهذا جريء لا يعرف خلاف الأئمة في مسائل، فيها من الأدلة ما هو أصرح وأوضح من الأدلة في هذه المسألة، ومع ذلك احتملوا توجيه وتأويل وتفسير تلك النصوص ولم يرتبوا عليها تضليلا وتكفيرا، فمن باب أولى أدلة هذه المسألة، ولو ألزمنا كل من خالف نصا بتكذيب ورد النصوص لتوصلنا بذلك إلى الصحابة والسلف في كثير من المسائل والعياذ بالله!
▪ وأما الفلك والتدوير فيفهم من جهتين:
أ/- لو حمل على تشكيل وصورة الأرض فهذا لا ينافي التسطيح مع التدوير وحصره بالتكوير ينافي الحس والمشاهدة فضلا عن مخالفته لأصل المعنى.
ب/- والفلك يتضمن حركة ودوران وصورة مسير الشمس والقمر ومثيلاتها.
← قال الله تعالىٰ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾{33| الأنبياء}.
← أخرج الطبري في تفسيره، عن ابن زيد، في قوله: (كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) قال: الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر، وقرأ: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وقال: تلك البروج بين السماء والأرض وليست في الأرض (كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) قال: فيما بين السماء والأرض: النجوم والشمس والقمر.
- وتكوير الليل على النهار مرتبط بهما لا بالأرض ولا يلزم منه كروية الأرض ولا سيما وأن من معاني التكوير العلو والحركة أيضا.
← أخرج الطبري في تفسيره، عن ابن عباس، قوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) يقول: يحمل الليل على النهار.
← وعن السديّ، قوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) قال: يجيء بالنهار ويذهب بالليل، ويجيء بالليل، ويذهب بالنهار.
• ولا يجوز التضليل والمفارقة بسبب مسألة كروية الأرض.
▪ الأرض مسطحة بلا شك ولكن لا يكفر ولا يبدع بها لعدة أمور:
1- ليس كل مخالفة للنصوص الصريحة يضلل بها المعين في كل (حالة) وكل (مسألة) فالمسائل مختلفة وكذلك حالات المعين متباينة مختلفة.
2- قد اختلف ووقع السلف والصحابة فيما هو أظهر منها ونصوصها أصرح وأوضح ولم يرتبوا على ذلك التضليل للمعين؛ ترك الصلاة ضلالة وشرب الخمر ضلالة ولكن هناك حالات لا يضلل بها من تلبس بذلك فمثلا:
أ/- إخراج الصلاة عن وقتها لا يجوز ونصوصه صريحة كالشمس لا تحتمل اللبس، ومع ذلك لم تضلل الصحابية حين تركت الصلاة ظنا منها أن الاستحاضة كالحيض تترك بها الصلاة.
ب/- ولما ترك بعض الصحابة صلاة العصر حتى دخل الليل لما فهموه من حديث الأمر بصلاة العصر في بني قريضة فلم يضللوا بذلك، والفريق الآخر صلى العصر في الطريق وليس في بني قريضة مع أن لفظ الحديث صريح كالشمس في الأمر بالصلاة في بني قريضة وليس في الطريق.
• ولم يضللوا بذلك.
ج/- النبيذ يجوز ليوم ويومين إذا لم يشتد (وهذا يجوز شربه) ولكنه إذا زاد على ذلك واشتد فقد أصبح خمرا من أي نوع من الثمار ولكن هناك من استباح النبيذ المحرم وهو نوع من الخمر لبعض الشبه وبعض الروايات.
• ولم يضللوهم بها السلف.
د/- تحريم دم المسلم نصوصه صريحة لا تحتمل اللبس ومع ذلك تأول الصحابة في الدماء ولم يضلل بعضهم بعضا؛ وخالد وأسامة قتلوا تأولا (ولم يضللوا بذلك) رضي الله عن جميع الصحابة.
هـ/- نصوص تحريم المتعة صريحة ولكن ابن عباس -رضي الله عنهما- ظن أن تحريم المتعة متعلق بالسبب وشدة الحاجة وليس تحريما أبديا مع أن النصوص ظاهرة.
• ولم يضلل بذلك.
3- الأرض بلا شك مسطحة ولكن وضوح وصراحة أدلتها دون ما سبق لأربعة أسباب:
أ/- آية تكوير الليل والنهار.
ب/- مظهر الشمس والقمر الدائري.
ج/- الإجماع المزعوم الذي قاله "ابن المنادي" في القرن الرابع ونشره وأذاعه الجهمية وغيرهم من بعده "كابن حزم" "وابن الجوزي" "وابن تيمية" وغيرهم.
• وهناك ست إجماعات على أنها مسطحة وليست كروية مقابلة لهذا الإجماع المزعوم الذي لم يثبتوه عن واحد من السلف.
د/- اللغة تحتمل التسطيح والمد النسبي، فمثلا أنت في المركبة والقطار تعد ثابتا غير متحرك بالنسبة للمركبة ولكنك في الحقيقة متحرك بالنسبة لما هو خارج المركبة.
• فاللغة فيها احتمالية التسطيح والمد النسبي بالنسبة لنا أي أنها مسطحة بالنسبة لنا، ولذلك فلا يجوز التضليل بهذه المسألة.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
